|
أدباء بصريون.... ناصر قوطي .. العمق المنفرد
سعيد حاشوش
الحوار المتمدن-العدد: 2627 - 2009 / 4 / 25 - 04:44
المحور:
الادب والفن
قبل أن تنزلق اللحظات في أكواخ الذاكرة او تضيع في المجهول ثمة من يمسك بها ،يصقلها ويكثفها بشاعرية والمثقف الفنان وحده من يعطي للمشاهد العابرة بعدا أعمق،عندما ترصد الأحاسيس وتلبس جلباب الرمز وتدعو القارئ للتأمل والتفكير،تجعله يغوص في عمق اللوحة المكتوبة بالكلمات،قلة من الكتاب من رصد هذا العمق،بل ينفرد وحده ناصر قوطي في ساحة القصة القصيرة جدا ليس في البصرة لوحدها بل على عموم الوطن،والقلة من أدباء العراق من يناصر الأقصوصة ولهذا السبب وحده لم يكتب احد عن هذا القاص حين فاز على جائزة مرموقة عن هذا الفن،إذا تأكدنا أن كل التجديد في الأدب من شعر وقصة قصيرة ورواية جاء كمحصلة من ثورة التجريب والتجديد المعاصر في الفن التشكيلي العراقي بالرغم من خطورة هذا الرأي لكني أتمسك به لسعة إطلاعي على هذا الفن. وكل فنان حين يزاوج نصه في الفنون الأخرى لابد أن يكون قاصا ولابد أن تكون له رؤية تختلف عن غيره من الكتاب فإذا كانت القصة القصيرة تعرف بأدب السهل الممتنع فانه الأقصوصة الممتنعة دائما لصعوبتها إلا أن القلة من احترف صلابة هذا الامتناع،وهي ليست تطورا أو تكثيفا للقصة القصيرة لأني احد القصاصين الذين حالوا أن يكتبوا قصة قصيرة جدا واحدة خلال عقد الثمانينات وحتى الآن ولم أتمكن لأصل لبديهة غائبة كانت عن النقد الأدبي،أن فن الأقصوصة هو ترجمة للوحة تشكيلية،والأقصوصة التي تكتب بشاعرية هي نص سردي يماثل لقطات او ومضات "يسنين" الشعرية،ليس هناك علاقة بين القصة القصيرة والإقصوصة، ولا يمكن ان يختزل الحدث ويؤسلب شخصيات أكثر مما هو متاح له ولعل(ناتالي ساروت وهمنغواي)ومن الكتاب العرب زكريا تامر في النمور في اليوم العاشر،أما الكتاب العراقيين مثل ابراهيم الجزائري وابراهيم احمد في(20 قصة) وهيثم بهنام بردى ، ومحمد سماره خير من يمثل هذا الفن ولكل من هؤلاء رؤية تختلف عن الأخر. فالرؤية عند ناصر قوطي تكمن في الفكرة التي تضغط على وعائها مثل المقدمة والعقدة والحدث والأمان والمكان لتصبح ومضة قصيرة اقرب للخاطرة لكنها تعتمد على بؤرة السرد ومفارقة ساخرة ففي مجموعته(عمق)نجد الطائر يجسد الحرية ومحاولته للطيران بعيدا عن وطنه تحكمه مخالب النسور والغربان والعقارب والعناكب،وغالبا ما يصاب الطائر بالخيبة في وطن الديكتاتورية وفراخها من عصابات القتل وفي أحايين أخرى يصمم على الطيران بحزم وعزيمة،ففي قصة (طائرعليكم بريشات جناحية)لكن الطائر في النهاية(التفت شمالا،العراء يمتد موحشا،جنوبا،عراء قدام في هيثم المرايا يجمع شتاته،يلملم الزغب المتناثر دون حوافز الآخرين ويحاول ان يستنهض عزم الأجنحة)،أما قصة احترام تكمن بؤرة السرد(العقرب يهجم بضراوة والعنكب يتقهقر حتى أذا سطع الضوء كاشفا عري المكان اتحدا ضدي)ومن الواضح ان المعنى الخفي في تأويل الكلمات هو ان المثقف حامل لواء الضوء والمعرفة حين يكشف او تزيح ستار الكلمة عن القتلة أبناء الظلام والتخلف فان العصابات تتحد ضد المثقف دائما ولا يمكننا القول ان القصة القصيرة جدا بدون عناصر تكون الأساس لبنائها لكن الومضة أوالألتماعة هي التي تطغي على العناصر الأخرى،القاص يلمح ويركز لمقدمة وحدث،وعلى القارئ أن يعيد صياغة النص ويسترجع المفقود منه والكاتب الذي يتمكن من أثارة القارئ بهذا الاختزال ينجو من الوقوع في الخاطرة مثلما هي عثرات القصص التي تقرؤها كل يوم في الصحف ففي قصة وهم يحكي السارد عن قصة طائر أنهكه العطش (وأغمض عينيه على دموعها الحبيسة ألقى بجسده نحو بركة الماء معانقاً نسيمات موطنه القديم راح يهوي الى أسفل وكانت البركة تتسع كلما أنحدر أكثر متأملاً أن يصيب في مياهها ولكن آه ،لم تكن بركة ماء) (وكانت الشمس تتعرى على سطحها الذهبي البراق لم يشعر بعدها إلا بأرتطام سطح البحيرة الرجراج بجسده النحيف وسائل كثيف ينزلق على الريش الرمادي،لقد أدرك وبعد فوات الأوان أنه سقط في حفرة واسعة كانت أعدت لنفايات النفط الخام) وتكرر الخيبة في قصصه الأخرى مثل قصة( صورة)إنسان خائب في زمن الدكتاتورية أما العائد من الخارج ( اني لاأرى ألا كومة من الدولارات وحقيبة خاوية) ويظل العصفور بطلاً لقصص إياب وقفص وعصفور (ونوارس خفتها روائح النفط المهرب غربان سود ترسم مدارات الموت بكل مكانه)،تدهشنا جملة في قصة خيول وأقدام البدو تترك على وجه الصحراء ندوباً أكثر مما تتركه سرفات الدبابات وفي قصة خلة ويبصق بصقته المحتبسة على ضربة الرأس ولكن لا ليس ثعباناً أنما تكتشف صاحبك يوقد فتيلة منشغلا بنسفك وكأن ليس في العالم سواك هذه القصص مكونة من 40 الى 60 كلمة فقط،كلمات قليلة تتحدث عن واقع كبير واقع سريع الإيقاع يسحق بدون رحمة ولا يترك فرصة للتأمل والقراءة بضعة دقائق قد تنتشل الوعي من تداعياته وزوغاته،ونركز على ما نقرأ قد تساعدنا هذه الدقائق على بلورة أفكارنا عن أعماق النفس البشرية (ناتالي ساروت)او تثير فينا السخرية من الواقع المؤلم زكريا تامر في(النمور في اليوم العاشر)او تثير فينا عشقنا للحرية مثلما هي قصص ناصر قوطي المكثفة الشعر والثرية بلغة موحية ودالة لتؤكد القصة القصيرة جدا بانها جنس قائم بحد ذاته ولا تمتزج عضويا مع القصة القصيرة في عصر الصناعة والسرعة.
#سعيد_حاشوش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ادباء بصريون...عبد الحسين العامر في مرزوك ...الإيقاعات الضائ
...
-
أدباء بصريون...حارس المزرعة لنبيل جميل .... عبثية الإنسان ال
...
-
أنفلونزا الصمت..للقطراني قصص قصيرة جدا
-
أدباء بصريون ... لعنة ماركيز لضياء الجبيلي .. رواية عجائبية
-
أدباء بصريون... قراءة في رواية - علي عباس خفيف - (عندما خرجت
...
-
أدباء بصريون .... محمد خضير بين التشيؤ والمثيولوجيا
-
مكنسة الجنة لمرتضى ﮔزار...رواية ذاتية التوالد
-
رصد مدفعي
-
مذكرات بائع جوال في إحدى صباحات الدولفين
-
اضغط على الزر واشعر بالقوة
-
صورتي الرائعة
-
الوجهاء
-
قوس قزح أبيض...قصة قصيرة
-
نحن الحطب بعد شتاء أكلتنا الأرضة
-
اليحامير
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|