أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - (شوسع الدنيه وما لمّتني..)















المزيد.....

(شوسع الدنيه وما لمّتني..)


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2621 - 2009 / 4 / 19 - 05:41
المحور: الادب والفن
    



(شوسع الدنيه وما لمّتني..)*
شقتي نصف قبر
ولكنها كافية
أخشى إذا فقدتها..
مَنْ يمنحني شقة ثانية!..
..
المكان دالة إنسانية الانسان، ومعيار مدنيته وتطوره، والمعيار الذي يميزه عن عالم الحيوان.. لا يستطيع انسان اليوم أن يعيش في الشارع، يأكل ويخري وينام ويقرأ.. أنه بحاجة إلى مكان في زاوية من زوايا المدينة، وواحدة من مبانيها، بحسب ظروفه وامكانياته ومزاجه.
عندما فكرت في الانتقال من النمسا إلى لندن، كان المكان هو سبب الأزمة.. مغزى التغيير.. المكان المحض.. وبالتاكيد.. لو كانت علاقتي بالمكان النمساوي على ما يرام.. لما خطر لي أمر التغيير أو الانتقال.. لكن أين هي تلك العلاقة المتكاملة التي تحقق الاشباع.. الطمأنينة، الألفة، السعادة، الانتماء..
كنت أعيش في النمسا كوطن ثاني لا بديل له، عندي سكن وعمل ووقت فراغ وأصدقاء نلتقي من وقت لآخر.. ذات عطلة عبرت الحدود وسافرت إلى ايطاليا.. شعرت بهواء جديد يتخلل قصباتي وخفة تلتبس الكائن الذي في داخلي.. ايطاليا جميلة، هواؤها أنقى من غيرها.. الناس والعلاقات فيها أكثر سلاسة.. الطيور والناس والسيارات والقوارب والتماثيل والظواهر الجوية تتعايش بانسجام وألفة.. عدت أدراجي وأنا مشغول بالهاجس.. ايتاليانو.. ايتالو.. ايتلي.. ايتل.. ايتلك.. ايتالك.. ميتالك.. لكن اللغة الايطالية ضعبة.. تبدو شفاهية.. رطانة وتهريج.. كيف يتهامس الايطاليون.. الغناء الاوبرالي وترانيم الكنيسة العسكرية.. لا.. لا..
بعد مدة زرت مدريد.. حاولت أن أعيش بكل معنى الحياة.. ما معنى هذ العبارة عمليا.. حاولت أن أكون حرا.. أتحلل من كل اعتبار.. أعود من نقطة الصفر.. وأولد من جديد.. انظر للأشياء مثل أول مرة.. أنظر إلى شفاه الناس وهم يتكلمون ويبتسمون ويقبلون بعضهم.. وأحاول أن أتعلم.. انزلقت على سحابة الزمن من أقصى المدينة إلى أقصاها.. من ليلها إلى نهارها.. وإلى حدّ ما.. ساعدت سمرة بشرتي أن أضيع بين المهاجرين وأهلها من أصول جنوبية.. مرّ اسبوع وأنا لا أستطيع أن أتفاهم أو أتبادل كلمة مع صاحبة الفندق.. الوجوه سمحة وجميلة.. ولكن اللسان عضلة يابسة، واللغة كائن ميت.. هكذا وجدتني أغادرها متسلحا ببقايا ونتف من ذكريات ودعابات خاطئة..
حدث أمر عابر اقتضى مني زيارة لندن.. لندن التي رفضتها أمرارا وارتبطت صورتها في ثقافتي بأمور لا علاقة لها بالواقع.. أنا الآن في لندن.. أنا الآن خارج لندن.. أنا الآن في لندن ثانية.. ثالثة.. رابعة.. أنا أقيم في.. لندن.. أتمشى في شوارعها.. أنظر إلى فسيفسائها الاجتماعية.. وجوه شرطتها النسائية الناعمة.. شرطتها غير المسلحة الفائقة الأدب، عكس كلّ شرطة العالم.. وعكس تلك المقولة البرجوازية التي حفظناها من برامج التثقيف الحزبي.. إذا سقط الرجل أصبح شرطيا.. درت في الهايد بارك عدة دورات.. وترددت على آحادها ومواعظ (السبيكرز كورنر) حتى حفظت وجوه معظم روادها.. لندن وألفتها الغريبة.. لماذا لم أزرها قبل عشرين عاما.. أو أكثر.. في لحظة نسيت.. نسيت.. انمسحت قسمات المدن الآخرى وبصماتها.. غضون صيفها وارتعاشات شتاءاتها.. أنا الآن ممتد في الزمان والمكان.. مثل خريطة بلا حدود.. لندن المدينة العالمية الصغيرة.. المدينة العالم.. الميتروبوليتان.. لندنستان وهنستان وعربستان وأفريكستان.. ولندن أي شيء إلا نفسها..
كل مدينة تعرف بناسها وثقافتها، إلا لندن فهويتها منفصلة عن الناس المقيمين فيها وثقافاتهم المستهلكة في شوارعها وأحيائها.. هذه الأحياء والناس لن يكونوا هكذا لو كانوا في بلادهم، أو أي بلد آخر.. لندن وحدها تعطيهم هذه النكهة.. الحركة والحيوية والطموح اللامعقول..
في البدء كنت أرفضها وأعاملها بتوجس.. ثم راوغتني وراودتني عن نفسي رغما عني.. ثم اكتشفت.. أنها ليست تابعة لنمط الحركة السائدة فيها.. هؤلاء الغلابا التعبانين.. لن يستطيعوا الحياة إلا في هكذا مدينة.. لندن هي التي تفهمهم.. تحتضنهم.. بسوءاتهم وتخلفهم وغرورهم البدائي.. أفارقة وعرب وباكستانيين وتايلند ومغول.. فرنجة ومورسكيين واغريق وتركا وفرسا وأكراد.. علمانيين ومؤامنة وانتهازيين وجواسيس.. مدينة الاختلاف المنسجم.. والاضطراب المطمئن..
*
في كل زيارة تختلف إقامتي عن الأخرى.. أقضي معظم الوقت خارجا.. في ليل متأخر أعود للنوم وأستيقظ في اليوم الثاني بنفس الدوامة.. ذات مرة أخبرني الصديق – حسب زعمه- أن الأفضل أن لا أعود قبل التاسعة أو العاشرة على أكبر تقدير، لأن المدام (الانجليزية) تغلق الباب مبكرا.. ولأن الباص (82) يستغرق أكثر من ساعة في رحلته .. فأن عليّ تدارك الوقت والتنازل عن جانب من حريتي في مسألة الوقت..
تحدثت في الموضوع مع أحد الأصدقاء.. فقال انه يعرف مكتب عقار قريب .. ذهبنا اليه وكانت لديه شقة على وشك الخلو بعد أربعة أيام.. الشقة قريبة من مكتبه في كلبرن هاي رود.. طرق الباب عدة طرقات ولم تفتح.. أخرج مفتاحه ودخل الحجرة وهو يصيح هالو هالو.. فجأة تقدم رجل من الباب وقال بصورة احتجاج.. غير مسموح لك بدخول الشقة ونحن لم نغادرها بعد.. قال له الدلال الايراني باعتداد.. لقد طرقت الباب عدة طرقات ولم يرد أحد.. أن لديّ زبون لمعاينة الشقة لا أكثر.. ودمدم الرجل ثانية فاعتذر الشاب ثلاث مرات وقال انه مستعد لمغادرة الشقة على أن يعطيه موعدا للمعاينة.. وافق الرجل بزعل باد ودخل حجرة على يمين الباب.. دعانا للمعاينة باشارة من يده ودمدمة شفاه بمعنى (لا تهتمو).. نصف خطوة في الحجرة ثم انسحبنا.. كانت حجرة نوم ضيقة يملأها سرير مزدوج.. ثم دخلنا وراءه بابا أخرى فكانت صالة كما يفترض ومواد مرزومة، وفي مكان ما كانت فتاة مرتبكة تعدل من وضع ثيابها، لم تلتفت الينا، فانسحبنا سريعا، وسمعنا الباب تصفق وراءنا بقوة.. اعتذر صاحب المكتب للساكنين مرة أخيرة قبل المغادرة.. فيما كنا نحن ننزل الدرجات أمامه كأننا في حالة هروب.
*

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• (شوسع الدنيه وما لمّتني)- شطر من اغنية (تانيني) للمبدع فؤاد سالم.
• المقطع الشعري التالي للكاتب من مجموعة –دخول في خبر كان- القاهرة- 2004



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مظفر النواب.. من الرومانتيكية الثورية إلى الاحباط القومي
- (سوبرانتيكا)..
- (رجل وامْرأة..)
- صلاة نافلة
- نوال السعداوي.. قليلاً من السياسية
- (وحدي).. الصورة أجمل!*
- قال المعلم
- لا أرغب فيك
- الثقافة والمثقفون والعالم
- (شيء..)
- نهايات
- (غياب)
- (أصدقاء)
- ساعةٌ أخرى مَعَ ئيلين - (1)
- ساعةٌ أخرى مَعَ ئيلين
- أين شارع الوطني؟..
- بي هابي.. بي هابي
- ليزنغ مان
- فرحة غادرة
- عن التجديد والتجريب والحداثة - مدخل الى دراسة لطفية الدليمي)


المزيد.....




- -قصص تروى وتروى-.. مهرجان -أفلام السعودية- بدورته الـ11
- مناظرة افتراضية تكشف ما يحرّك حياتنا... الطباعة أم GPS؟
- معرض مسقط للكتاب يراهن على شغف القراءة في مواجهة ارتفاع الحر ...
- علاء مبارك يهاجم ممارسات فنانين مصريين
- وزير الثقافة التركي: يجب تحويل غوبكلي تبه الأثرية إلى علامة ...
- فيلم -استنساخ-.. غياب المنطق والهلع من الذكاء الاصطناعي
- بردية إدوين سميث.. الجراحة بعين العقل في مصر القديمة
- اليمن يسترد قطعة أثرية عمرها أكثر من ألفي عام
- -قره غوز.. الخروج من الظل-.. افتتاح معرض دمى المسرح التركي ف ...
- لقطات -مؤلمة- من داخل منزل جين هاكمان وزوجته وتفاصيل مثيرة ح ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - (شوسع الدنيه وما لمّتني..)