|
أدباء بصريون... قراءة في رواية - علي عباس خفيف - (عندما خرجت من الحلم )
سعيد حاشوش
الحوار المتمدن-العدد: 2621 - 2009 / 4 / 19 - 05:41
المحور:
الادب والفن
ان السرد الحديث يتحاشى الى حد ما الحبكة التقليدية المتسلسلة وثمة راو واع يجذب أنتبهانا بين الحين والآخر بوعي معقد في عالم ليس بالأمكان صياغته من جديد على ورق بحبكة متفق عليها فالفضاء الروائي ( الزمان والمكان ) ولا أعني الفضاء الهندسي يتم توظيفه بريادة يحسد عليها علي عباس حفيف ، الفضاء الروائي في رواية ( عندما خرجت من الحلم ) شخصية فاعلة في النص لأن المكان هنا ليس مجرد وعاء لأستيعاب الأحداث اما الزمان الروائي فهو المعبر الحقيقي عن نمو وتطور الحياة في جنوب العراق بل وظف الزمن بشكله الدائري والذي يحوي أزمنة بدوائر مختلفة القطر مما يشكل حلزونا زمنيا دائرته الكبرى تبدو جلية في بداية الرواية ونهايتها يقول اليوت في قصيدة رباعيات عدنا الى النقطة الأولى التي أنطلقنا منها كي نكتشفها ثانية ليؤكد ان المجتمعات المتخلفة والمغلفه لا تتطور نحو الامام وانما تدور حول نفسها والراوي نفسه يعطينا مفاتيح حبكته الروائية من خلال السرد حين يتحدث عن مشكلة محمد علي فردريك (ويتكرر مشهدها مثل دورة أسطوانة ممغنطة ) ص18 ويذكر دورة البعوض الشبيهه بدورة اعصار حين يطرد الناس من اطراف مملكته ص28 وفي ص30 (ان المآسي البشرية لا تعدو ان تكون مجرد سلسلة لا متناهية من التكرار الساذج للتفاهة والسخرية ) ص87 (مع انه لم يقتنع معي في ان اليومي المكرر والتافه تشكل دعائم واركان السياسات الكبرى للحياة وظل يعتقد حتى يوم هاجر انني ابسّط الاشياء الجليلة والأمثلة عديدة ونحن نعرف من فن الشعر ان المكان يكثف الزمن ومن فن القص ان الزمن لا يتتابع الا ضمن مكان ليس هناك حديثا بدون مكان ... فيما تجعل النظرية النسبية الزمان بعدا من ابعاد المكان ولا يمكن ضبط توقيت ما او حدث ما الا بتثبيت احداثيات المكان ، المكان في الحقيقة لا ينفصل عن الزمان وكلا منهما موجود يخضع لمداركنا أو معرفتنا .. أؤكد ان المكان ليس معالما جغرافية مثلما هو في اغلب الروايات العراقية ومن الصحيح ايضا ما زلت ارسم في مخيلتي الحي الشعبي على شط يوسف او السكك او خزان الماء او شط الترك والمالح ، لكن علي عباس خفيف يجهد ان يجعل من هذا الحي شخصية فاعلة في الأحداث .. حين يكشف المكان عن وعي ساكنيه يتخذ دورا طبقيا .. ويسهم في احيان اخرى في صياغة الشخصية سايكولوجيا .. حين يغلق محمد علي فردريك نافذته المطلة على شط يوسف مختنقا ب(زهومة شط يوسف ) ويشعر بالأختناق بسبب قطع التيار الكهربائي بأنتظار ترحيل الحي الى مكان آخر في السباخ .. ان ترحيل فردريك (الشخصية الرئيسة ) عن مسكنه الذي بناه ابوه قبل اربعين عاما لا يعني له غربة او اقتلاعا من جذوره الشعبية ، لأن الفكرة المركزية في الرواية تدور حول شخص رمته الأمبراطورية البريطانية بعد انتهاء حروبها وعاش في العراق وتزوج من أمرأة يهاب الرجال التقرب منها لأنها ابنة الشيخ الديني والروحي وأنجب محمد علي الذي يكتشف بدون شهادة جنسية ولا يمكن قبوله في الجامعة .. حتى الامم المتحدة لا يمكن ان تجد له اسما او وطنا ، مشكلة غربة الأنسان بدون هوية او وطن .. اما الراوي علي عباس خفيف وهو السارد للأحداث شخصية ثانوية وانا استغرب كيف اجمع الادباء الرواية هي سيرة ذاتية واحد النقاد قال بأنها وثائقية في صباح الأحتفاء بهذا المنجز الأدبي في أتحاد ادباء البصرة .. اذا ادركنا ان كل الآداب تعتمد على سيرة ذاتية لأن الكاتب هو أفراز أجتماعي وثقافي لأن شخصياتنا الأجتماعية قد صنعت من خلال أفكار الناس الآخرين فلا غرابة ان تكون هناك شخصية في رواية يكون الكاتب هو نفسه فليس من المستغرب ان يكون المؤلف رواية مستمدة من تجربة ذاتية مثلما فعل جويس وبروست وجيد وايضا هي ليست وثائقية بالرغم من ذكر شخصيات معروفة في الثقافة البصرية مثل علي أنكال (ابو عراق ) وقاسم علوان (ابو تمام ) ومصطفى السواد .. لأن الرواية تكتنز بالذاكرة والمخيلة والعجائبية ، أما الوثائقية فتكتب بأسلوب خبري أو تسجيلي ... يكفينا ان الكاتب وضع مفتاح بناء روايته في هذه الجملة (حين تتدفق الذاكرة مثل المياه) (ص98) هذا الأنثيال في التداعي المخزون لم يترك للقارئ وقفة ولا فصول انما هو حلم مؤلم تزخر به الشخصيات بضجيج مكونة الدوائر الحلزونية الأصغر في الزمن .. كلما تذكر مأساة محمد علي فردريك تذكر متلازمتها قصيدة ابو عراق عن (باترشانلي) وهذه القصيدة تثير الرعب والحزن الممضي عن مأساة محمد علي فردريك الذي يعتقد أن أصوله تنبع من شمال الهند ولكثر ما قص له ابوه عن الغابات والأدغال وكلما يشاهد الأفلام وخاصة فيلم (باترشانلي) وتلك اللوحة التي تثير فيه الرعب بأشجارها العالية التي اهداها له ادور يوسف فأنه بات يحلم بالأدغال ليتحول من الفكرة المركزية الى ثيمة لنموذج اولي من نماذج غوستاف يونج كنسخة عن انسان فقد جذوره لكنها بقيت موروثة في الكروموسومات ... تشكل قصيدة ابو عراق و(شكله، وسليمة، ونعمه النمر المخطط) دوائرا صغيرة تدور حول نفسها لتعمق وتكثف سديم الدائرة الكبرى ... تراه يغلق فردريك النافذة كي لا يرى" نعمة" المقطوع الساقين المتلذذ بأكوام الذباب رغم جذوره القروية غير المعروفة وساقيه المقطوعين لكن له وطن .. وتارة يبكي حين يسمع كلمات قصيدة (باتر بانشالي) وتارة يلوذ باليأس ويصرح للراوي بأنه لم يعد يقرأ بعد مقتل سليمة آخر جذر له في هذه الأرض .. هو مهيأ للرحيل مثلما تنبأ قاسم علوان ..او للاختفاء للأبد لكي يصبح بطل حكاية عن رجل عصابات في الاهوار يحارب من اجل العدالة..كان ذلك في نهاية ستينيات (بانر بانشالي) ولكن هل حقا ان على محمد فردرك او جميع الشخوص الثانويين او الراوي نفسه خرج من الحلم اخيرا وخاصة انه يسرد الاحداث باسلوب التداعي هذا (ففي الساعة العاشرة من صباح يوم السبت حين خرج من مكتب الامم المتحدة مستسلما لليأس ،انطلق بالضحك) الصفحة الأولى ثم العودة الى نفس الحدث (ص16) (حين أستأذن محمد علي فردرك بصوت متهاو أن يترك مكتب الأمم المتحدة صباح يوم السبت وهكذا تتكرر دورة زمنية شبيهه بالزوبعة أو الأعصار لتكشف في كل مرة عمق المأساة حتى الراوي وجد يوم الأحد (رجل ميت مؤجل رحيله لم يكن ينتظر أن يموت بصورة ما ، وأنما كان قد مات وأنتهى كل شئ ) ثم (فلبث على تلك الحالة حتى جئت ) (صفحة 59) ومن ثم (ففي اللحظات التالية كانت كل محاولاتي لأبعاد شبح المأساة عن خياله فاشلة ) (ص65) (بتأثير ذكرى الرفاه الذي كان يشعه مكتب الامم المتحدة ..) وفي (ص80) وما بعدها يغور الراوي في المستقبل ثم يعود (عندما أحسست أن حديثنا كان مبتورا ) (ص81) (ام كان يمزق روحه بصمت ) (ص114) وفي (ص135) (ان محمد علي فردرك في ليلة الخميس وصباح يوم الجمعة كان قد أخترق باب غرفته ..) لغة عفوية اقرب الى لغة حنة مينة في النهاية لا يمكن الألمام بهذه الرواية بمقال صحفي لأنها وثائقية عجائبية كل ما يكتب في هذا الواقع المتناقض والغرائبي يتحول الى عجائبي وخيالي حتى وأن كان وثائقيا .
#سعيد_حاشوش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أدباء بصريون .... محمد خضير بين التشيؤ والمثيولوجيا
-
مكنسة الجنة لمرتضى ﮔزار...رواية ذاتية التوالد
-
رصد مدفعي
-
مذكرات بائع جوال في إحدى صباحات الدولفين
-
اضغط على الزر واشعر بالقوة
-
صورتي الرائعة
-
الوجهاء
-
قوس قزح أبيض...قصة قصيرة
-
نحن الحطب بعد شتاء أكلتنا الأرضة
-
اليحامير
المزيد.....
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|