أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - تأملات في مهب الريح














المزيد.....

تأملات في مهب الريح


خيري حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 2620 - 2009 / 4 / 18 - 07:57
المحور: الادب والفن
    



***
لا يمكن للإنسان أن يختار المكان الذي يختلي في رحابه والديه، ليقوما بتلك العملية الأزلية، وبعد دقائق، يكون الجنين قد تكّون، ليصبح بعد تسعة أشهر رضيعاً يحمل هوية الشقاء أو مستحقّات الحضارة، كلّ هذا يعتمد على حيثيات الولادة والوسط المحيط.

أردت أن أبدأ بأداة نفي واضحة لا لبس فيها. دون أن يكون لديّ أي مخطّط مسبق لهذا المشروع الكتابي. مجرّد فكرة الانسياق خلف الانفجار الذاتي الداخلي الذي لم يتوقّف عن الفورة وقذف الحمم طِوالَ سنوات امتدت لما يقارب نصف قرن.

المعذرة، أنا فلسطيني!
كان هذا يعني الكثير في أواخر القرن الماضي، كانت الفتيات يتبرّكن بملامستنا وملاطفتنا، كنّا أصحاب قضية، ولكنّا ما نزال نحن المشرّدون في بقاع الدنيا .. نحن ما نزال أصحاب هذه القضية. ما الذي تغيّر إذن؟ لماذا لم نَعدْ نشعر بنفس التعاطف إيّاه؟

كان لا بدّ من القفز فوق حاجز الصوت، لندرك بأنّنا قادرون على إلحاق الأذى بالآخرين، وربّما بأنفسنا وأهل عشيرتنا! نحن قادرون على ارتكاب الأخطاء، أدْرَكَ الآخرُ هذه الحقيقة، قبل أن نفقأ أعيننا بمخرز من صنع محليّ. عندها توقفنا قليلاً أمام ضميرنا المُكْلَمْ وقُلْنا: المعذرة، نحن ما نزالُ فلسطينيون!.

أنا .. كنت نتاج تلك الخلوة، ليس غريباً أنّني وُلِدتُ في فلسطين. تعلّمتُ لفظها خوفاً، وحبّاً، وكرامة، ومجبراً، ودفاعاً عن الذات، وألماً، وملاحَقاً، وحزيناً، ومتوحّداً، ولئيماً، وجريحاً. هكذا، بكلّ حضوري المشحون بالغياب. ومضيت كما جميع الأطفال الرُضَع أحبو على أربع، وأضحك في وجه الريح عابثا متحدّياً. سمعت بأنّ هناك مياهً غزيرة مجتمعة كألف فيلق عسكريّ، يسمّون ذاك المكان بحراً، وقالوا بأن هناك مياهً أعظم لجاجة وشدّة من البحر، ويسمونه المحيط! عندها أدركت بأنّنا لسنا مركز الدنيا، حتى وإن كنّا مركز الحدث!. عندها كَبِرَ قَلبي واستوعب مأساة الإنسانية وجموحها، وبدأت رحلةُ البحثِ عن الذات ابتداءً من اللقاء الحميم الذي جمع طرفي الإنسانية في عتمة الليل لأضيء.

المطران كبوتشي قال في إحدى محاضراته بأنّه دافع بضراوة في كتاباته، عن اليهود الذين اضطهدوا خلال الحرب العالمية الثانية، وذلك لأنّه يكره الظلم والعدوان وامتهان النفس البشرية. المطران ذاته (وأنت) وأنا أصبحنا بين ليلة وضحاها ضحية الضحية. وتهان في لجّة العجب والألم، ولم نملك سوى اجترار كياننا وطموحنا نحو البدايات الممهورة في الذاكرة، فعذراً يا سلسلة الجينات المتحفّزة نحو التوافق، جاءت معظم الاحتمالات مأساوية، لتكوّن هذه الدراما المرئية في حافظة التاريخ.

لقد كانت ملكي، كلبة سمراء عزيزة على نفس الطفل الذي كنته يوماً ما في فلسطين، ظننت بأنّه يمكنني أن أفعل كلّ ما أشاء بهذه الروح الحيوانية البريئة، امتطيتها وضربتها، فعضتني بحنوّ، وكأنّ كلبتي السمراء الصغيرة تقول لي: آذيتني، تنحّى جانبً، قتلها الإسرائيليون، وأنا الآن وبعد مضي ما يقارب أربعة عقود، أمسح دمعي كلّما تذكرت ذلك الحيوان البريء قتيلاً عند مدخل بيتنا القديم. ألا يكفي كلّ هذا الموت حتى أتذكر كلبة؟ سألت نفسي قبلكم، لأنني وبكلّ بساطة لم أخنْ ذاكرتي وبقيت أميناً على ألفٍ وخمسمائة يوم وليلة، رصيد مواطنتي في مسقط رأسي، لم يتمكن أحداً من سرقة هذا الكنز، بالرغم من العدّة العسكرية وصراع الحضارات.

***



#خيري_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتابة على أوراق النار
- أنا العاشق وحبيبتي غزة
- صومعة على حافة الطريق
- شتاء العمر وربيعك
- لن أكون رئيسا يوما ما
- أسفار
- هُنا بلْ هُناكْ
- شخصيّات عبر التاريخ (أندريه تاركوفسكي)
- إرهاصات فكريّة
- البحث عن دلال
- أعراس
- شخصيّات عبر التاريخ (بوريس باسترناك)
- بصحّة الرفيق ستالين
- في حضرة الشيطان
- أحياناً تنفلت اللحظة
- فضاء روحك
- أنشودة الشرق
- العسل ومعاني العدم
- ستّون عاماً وعام يا وطني نكبة
- طقوس الغرام


المزيد.....




- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - تأملات في مهب الريح