أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - قفل قلبي(رواية)4















المزيد.....


قفل قلبي(رواية)4


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2620 - 2009 / 4 / 18 - 10:16
المحور: الادب والفن
    


الورقة الثانية

أرادت أن تبني قصور لذتها فوق هيكلي ـ بالطبع مثل هكذا كلام لم يدر بخلدي ـ كانت (هي)سيول تمشي تبحث عن ساقية أو بئر للقرار،هذا ما كنت أتصوره ـ قل ما شئت ـ اللذة الأنثوية أعنف الأسلحة عبر كل العصور،مثل هذا الكلام استقيته من مطالعاتي في قصص الحب والرسائل المقترحة بين العشاق،تلك الكتب صارت ملاذي وغذائي،تمدني بالجرأة وسبل الوصول إلى عقل الحبيبة،وليكن العذر مستمراً،إن حصل تكرار الأحداث أو عدم ترتيبها،فلنقل خلط في تدرج هذه المكاشفات،بطبيعة الحال منذ يومين وأنا أحاول أن أجد فرصة لمواصلة التدوين،جاءت اللحظة وكما اتخذت قراري،سأحرمك من التواريخ ولك أن تخمن ذلك إن تطلّب الأمر..!!
***
بعد أن أحرقتني بكلامها،أعني كلام(هي)يوم دلقت ما في صدرها وفكرها في وعاء براءتي،وصلت المنزل وناولت الفطور لـ(الأم)..وخرجت إلى الزقاق..
ـ إلى أين..تناول فطورك..
كان عقلي خارج جسمي،وحين وصلت المكان،أردت أن أعرف هل حقاً أنا الذي وقف فيه،جلت بعيني بحثاً عن كلمات متناثرة أو بقايا خوف انسكب مني،كان الصباح يوقظ كل شيء،وكان وشاحاً شفيفاً كالزجاج ينسدل على عيني..!!
ـ إيّاك أن تخلف الموعد..!!
باغتتني وأظنها لم تدرك أنني وصلت البيت وعدت كأن شيئاً ما،عنيد وجاذب،هو الذي سحلني إليه ،كانت ـ حين تقاطعناـ تنشد السوق،وكنت أنشد البيت،ها هي تعود وأنا الذاهب،هي تريد البيت وأنا أريد الحلم الذي نبت في ذلك الصباح الدامع وذهبت لا أعرف هل أسقيه أم يسقيني،سامحني أن كنت أغرد أحياناً،ما العمل..آه..لو تدرك أي(هي)كانت،وأشرت لك على ما أظن كم كانت تسكنني وأسكنها..!!
ـ سأحاول..!!
ـ لن أسمح لك أن تفكر بالأمر..أنا في انتظارك..!!
شرط لا مجال للاستئناف فيه،قالت قرارها ومشت،صرت أمشي والعالم كله نسى مشاكله ومشاغله وبات يتلصص على إنسان أرتكب أشد الجرائم حلالاً،أرتعد لا أعرف من أي شيء،قلبي ـ صدقني ـ فاق في خفقانه ما كان كتاب العلوم يقوله،كنت أمسح الماء الذي تصبب من وجهي،وصلت البيت وكانت(الأم)واقفة مع العالم لتدون وقائع بريئة لصبي قادته الصدفة إلى خارج حدود مملكة الأخلاق..!!
ـ أنت مريض..
ـ أنا..صحتي جيدة..
ـ يجب أن ترافقني إلى العيادة..
أذعنت لرغبتها دفعاً للشبهات،وكنت أهجس أنها ستلاحقني وتقف على مصيبتي وللحق أقول كنت لا أعرف ماذا أعمل..!!
ـ أبنك سليم معافى..
ـ أكله مضطرب يا دكتور..نومه قليل..ذهنه شارد..
ـ اتركينا للحظة..
وحين صارت(الأم)خارج الغرفة..همس الطبيب :
ـ أنت لا تشكو من ألم يا ولد..
ـ نعم..دكتور..
ـ أنت تحب يا ولد..
ـ أنا..أنا..
ـ الحب سرطان يا ولد..!!
عالم غريب،يراودني سؤال مقلق:لم يتدخل هذا العالم في شؤون الآخرين..؟(الأم)ألبستني ثوب المرض للوصول إلى غايتها،(هي)ألبستني ثوب الإثم لتصل إلى غايتها،وأنت من بعد عصور من الشقاء تطل وتلبسني ثوباً لا أعرف ماذا أسميه للوصول إلى غايتك،هل انقرضت الفئران والأرانب وصرت حقلاً للتجارب..؟؟.كنت في ظل تهديد ومراقبة،لا مناص،وعودها وتهديداتها مقابل سلطة(الأم)ورغبات أبي،شيء شغل فكري،كيف الوصول إليها،(هي)السجينة في قلعة وأنا(الفارس المنتخب)وأمامي سجّان،تطاردني عيون الوشاة،عيون لا ترحم سواء يجد الجد أم لم يجد،وقفت أحصي أمواج هذه اللذة اللانهائية والتي تغريني وتناديني،وليكن ما يكن،صرخت أغواري،كانت(الأم)غارقة في نومها، وأبي ـ نسيت أن أقول لك ـ كان حارساً في مدرسة،لكم هي رحيمة الأقدار أوان الخروقات البشرية،دائما يجد المتطرف ثمة ظروف خادمة،أنا ـ صدقني ـ أمتلك كامل وعيي وأقول هذه الأشياء من غير مبالغة أو تضليل..!!
(الوقت صباحاً..لا داعي لذكر الساعة..)
***
هذا التوقف حصل عفوياً،أنا متحمس لإنهاء ما تريد،وإن كانت هناك مداخلات غير مقصودة أو تقاطعات غير مقنعة ـ صدقني ـ غايتها لملمة خيط القضية بعد ذلك سيواصل قاطرة البوح بدلق الكوامن وفق نظام دقيق،نبحت الكلاب وخلت أنك قدمت،كون كلابنا لا تنبح إلاّ بوجود كلب أو قدوم غريب،أزحت ستارة النافذة،لاشيء،الكلاب تتخاصم من أجل كلبة،هكذا هو العالم،لا أحد يتفاهم،كل واحد يريد قصب السبق،أبي بدأ يتحرك في تلك الآونة،لم أعر الهمسات المتزايدة من لدن(الأم)في أذنيه أذناً صاغية،خلتها تحترق وتريد رجل إطفائها،كما احترقت(هي)وهمست في أذني،لا أعرف وجهة أبي وما كان يزمع القيام به،لم أجده يعترض سبيلي،ولم يوبخني على تصرفاتي، وكلّي يقين أنني أمشي وفق متطلبات الأصول،ولتهمس(الأم)ما تهمس،هكذا اتخذت قراري،أعددت خطتي لتنفيذ رغبة(هي)،كل شيء في خدمة الرغبة(الأم)نائمة وأبي في واجبه،تسللت إلى الفناء وصرت في باحة المنزل،ليل مدلهم وقلب ينتفض ونجوم ما عادت تستوضح الأشياء،تسلقت الحائط وعدت لحظة أشتغل عقلي،فتحت زر إنارة غرفتي وقفلت الباب بالمفتاح ورجعت إلى النقطة الملائمة لي،صرت في زقاق صامت وعالم يجهل أن طريدته صارت خارج القفص أو عدسته ـ سمّيه ما شئت ـ، أمشي ويتحرك العالم ويتململ،عيون تنبثق ومخالب تتشرنق وريح تعصف وأشباح تكر وحمامات بييض ترفرف في الخيال وضوء صار خيط يشد وثاقي ويسحبني برفق،هكذا شعرت لحظتها وأنا أمشي كي لا تزعل(هي)أو أمهد لها الدرب لتنفذ ما هددت به،زعل المرأة ـ شئت أم تفند ـ زمهرير آيل للتدمير،مواعيد المرأة لا تقبل الأعذار،قلبها احتجاج دائم وعقلها أخذ مستمر ـ صدقني ـ هكذا قرأت أوراق النساء،سواء في الروايات أو عبر تجربتي المريرة،كانت تطل من على ربوة وهي ترسل ضوء عواطفها كي تنير دربي،خطوة وراء خطوة،يتناثر خوفي وينحدر مؤشر عصف قلبي وأخذ العالم يسترد الوضوح،وقفت كمجرم بين يدي جلاّد،كل ما بوسعي أن أقوله،أذرع أخطبوط ألتفت حولي وأخذتني صوب أعماق كلّها نعيم محرّم،في غرفة تطل على حلكة العالم،فرشت كنوزها وأرغمتني أن أكون التاجر الوحيد،لا الصبي البليد،من غير مساومة أو لف ودوران،وكان ما كان من أخذ وعطاء،حصل ذلك بعد أسبوع من لقاءنا الأوّل ومرور أسبوعين على كلمة(أحبك)ودخولها في اليوم الثاني والأربعين كزوجة لرجل ليس لديه مما لدى الرجال رغم أنه ميسور الحال وكثير التجوال..!!
(نفس اليوم ..عصراً..)
***
ـ انتصف النهار وما زلت نائماً..!!
فتحت عيني،سادني الارتباك،(الأم)واقفة فوق رأسي،ما الذي يحصل..؟تساءلت،أشعر بمفازات تحفر جسدي وصهيل يغتصب رأسي،أي حلم يجعل الإنسان يفقد الكثير من وزنه ويستنزفه عقله وقدراته الجسديّة،هزّيت رأسي وقمت،أزحت الملاّءة وسرت صوب المغسلة،لم أهتد لعلامة تغيير،رشقت ماءً بارداً على وجهي،وعدت لأجلس قبالتها ـ صدقني ـ لم أشته الأكل مثلما اشتهيته في تلك اللحظة،رأيت دهشتها وراحت تطعمني وتدفع لقمة أثر لقمة في فمي،شعرت بجوع العالم،حتى أنني عانقتها وقبلتها،وجدتها مندهشة تكاد تقوم وترقص..!!
ـ يا ولد..أنت فرحان هذا النهار..
ـ أنا جوعان..ألم تقولي للطبيب..أنه لا يأكل..
ـ لست على ما يرام..!!
كانت تراقب عيني وكنت أحاول أن أتجنب النظر في عينيها،تناولت كمية ما كانت تأمل كي تتأكد أنني لم أصب بما تتخوفه،زد على ذلك أنني فركت شعرها المنسدل واصطنعت لها بسمة أفقدتها شيئاً من صوابها،عدت لغرفتي بحجة رغبتي لمتابعة دروسي،كان اليوم(جمعة)وكان أبي عليه أن يذهب لأداء صلاة الجماعة،أغلقت الباب ووقفت أمام المرآة كي أصل إلى قناعة حول ما حصل،كنت بحاجة لحظتها إلى بعض الوقت وكنت أشعر بالتعب وعدم السيطرة أو التركيز ـ فسرها ما شئت ـ على ذاكرتي،أكاد أن أسقط وأنا أمشي،طبعاً ما حصل ليس محض حلم عابر أو تخيّل،وليكن في علمك أن ما أسرده مجرداً من الخيال إلاّ طريقة إيصال الأحداث أحاول أن ألملمها وأدحرجها إليك،إذ ليس من المعقول والممكن أن أسرد حياتي المتشابكة كما يجري الماء في ترعة اصطناعية،لقد ذهبت إلى(هي)وحصل ما حصل من التحام عواطف ورغبات أعذرني من وصف ما جرى هذه اللحظة تحديداً ولا تتعجل الأمور..!!
***
قبيل الفجر بقليل كنت أتقهقر وأنا أجرجر أعباء غاية في اللذة وغاية في الانكسار أيضاً،جسد يتأرجح وسط بقايا ظلام ودفقات نور ينبعث،مثل لص مذعور تسلقت الحائط ودخلت إلى غرفتي، آه..كدت أن أنسى أنني في تلك اللحظة نسيت أن أغلق الباب ورائي ربما من فرط الأعياء،وربما كنت مسكوناً بمزيج متوازن من فرح وتعب،استلقيت على عجل على سريري ونمت نوماً عميقاً قبل أن تباغتني(الأم)..!!
ـ يا ولد..أنت فرحان هذا النهار..!!
(بعد الغروب بقليل..)
***













الورقة الثالثة

ذات نهار قال أبي لـ(الأم) :
ـ حقاً أراه يذوي..
ـ أتعبني كثيراً..لا يترك غرفته..لا يأكل..
ـ خذيه للطبيب..
ـ ثلاث مرات ولم يصف له الدواء..يقول :أبنك يحتاج إلى راحة..
ـ حقاً أنه يحتاج إلى راحة،سآتي بمن توفر له الراحة..
ـ نفذ ما اتفقنا عليه..لقد أتعبني كثيراً..!!
كنت أصغي وألتقط كل همسة،كانا يجلسان قرب رأسي،تغافلتهما،أو بالأحرى لم أتجرأ أن أصيح وأعلن نقاهة جسدي وأن ما يظنّانه محض تهيؤات وملابسات تنضجها عيون خاطئة وينسجه قلب (الأم)،للحقيقة أقول أنني بدأت أشعر أنني أمام امتحان مجهول النتائج،هذا ما دار في ذهني لحظتها وأعتمل في صدري وأنا أتحايل أو أمثّل دوراً ينئيهما من الطوفان المتنامي في أحشائي،كنت ممدداً، آه..لو يعرفان لم أتمدد هكذا..من أين جئت وما الذي يغمرني،فالجرائم الجسدية خارجة نطاق حاسة الأنف،بالطبع تريد أن تعرف وبوجه السرعة ما الذي كان يريدان أو عن أي شيءٍ اتفقا،عن أية راحة تخلصهما من الوهم الذي صار يشكل هاجساً يقضي مضجع(الأم)إن لم أقل كليهما،يا ترى من هي جالبة هذا الوهم الذي يسموه راحة،ألم يقتل الكثير من البراءة وأغرق الكثير في بحور أو دهور ـ سمّيه ما شئت ـ التعاسة،أنهما يا حضرة الدكتور،خططا ـ هذا ما كنت أتلصص عليه أوان تحايلاتي المتواصلة ـ أن يأتيا بابنة(عمي)كي تسقطني وهي الجاهلة في طوق الرتابة قبلما أكون تعيساً آخر من تعساء العشيرة،أعني بكلامي الزواج ضمن المحيط،لا أعني المحيط الجغرافي،أنت تعرف،غاية كل أب أن يمشي أبنه لا كما يرغب،بل كما يريد هو،كي لا يخرج من قوقعة الحسب والنسب،أريد أن أصل إلى تفسير يقنعني ويقنعك،أكاد أعجز هذه اللحظة كون حياتي مثل طوفان هد السدود وأندفع كاسحاً وجارفاً وماسحاً كل عارض أمام غضبه،حياتي الناهضة بفعل شرارة أنت ملقيها يا سيدي كما ألقت(هي)شرارتها وبدّلت ما فيّ رأساً لعقب،كنت أشكو من أرق ومن شيء يدفعني،شيء عنيد ساحق،كان أبي يريد أن لا أخرج من قبلية عقله وسلفيّة أهواءه ومن جهة يريدني أنا الذي جرفته العواطف أن أكون حامي حما العباد،في زمن أعتقل فيه لسان الحق وتحرر لسان التزلف والنفاق،أنت تعرف في أي زمن نحن،أقول هذا الكلام بعدما تحررت من الشراك العفنة ،ابنة(عمي)صغيرة رغم استدارة وجهها والتكور الفاضح والمغري لنهديها،شيطانه وجدتها،لها جرأة مجربة،مقحامة من أجل ما يطفئ نيران أحشاءها،رغبات واضحة كل نظراتها،لم تكن بالنحيفة المملّة ولا بالطويلة المخلّة،فتاة تغري وتشجع،تعطي وقود المغامرة من نظرة أو من طرفة جفن وحتى من إيماءة عفوية،تسكر بصوتها،صوتها الملتهب بسحر البادية،لا يشك أحد بحرائقها الغريزية،أعذرني ليس بوسعي أن أحرق أعصابك بأشياء من الماضي الدفين،لنقل جميلة وكفى،لم أبدِ احتجاجا ولم أعلّق بشيء قد يدخلني لمتاهة الإحراج،هيأت نفسي وأعددت خطتي وأمّنت على جوارحي باليقظة والتلصص على كل حركة من التحرك الجاري وراء الكواليس كما يقولون،كنت أخشى من(الأم) كونها داهية،وكما توقعت أنها ستعلمها السحر الأنثوي المدمر وتنمي عواطفها المتبرعمة،آه..أنها لا تدرك ما الذي يعصف بقلب خرج سهواً وسقط بقضاء وقدر داخل شرنقة،كان يجب أن أتظاهر وأرتدي قناعين،قناع مجاملة واقية وقناع خصم يقظ يرصد تحركات غريمه،أية قطة شرسة كانت،من علّمها المكر النسائي كله،راحت ابنة(العم)ابنة شجرة الدم،الشجرة الباسلة التي أنتجتني،تلعب بخيالي وتربك خيول مشاعري،كان الخيط الذي يميزها عن(هي) ضحكاتها،وهزات رأسها وغمزاتها المميتة،أمّا(هي)بدل الضحك حشدت الشهوة،واللهاث المتواصل سهامها القاتلة،ليس بوسعي أن أرسم المشهد،فكل أنثى مائدة طعام،ولكل طعام مذاقه،وليس العاشق سوى جائع أسطوري لا يشبع،صارت أمامي تفرش على مهل ما لديها من حبائل إغواء وصرت البائع المفلس الذي ظل كمجرم يحوم حول ضحيته،ليس بوسعي أن أقتني،كانت تدنو حسب ظنّها من هدف أبي،كلما أبديت إعجابي أو مازحتها دفعاً للشبهات وربما إبعاد الظنون المورقة في البيت،أراقب إندفاعاتها وأتوخى أي اختلاء معها،أنت تعرف أي شيطان بالمرصاد يقف،لكم كانت اللعبة محكمة،بعد أسبوع من دخولها بيتنا تحديداً،كنت مستلقياً في سريري،استلقت لصقي،لم أكن نائماً،قمت بما كان يجب القيام به ندت صرختها لحظة دفعتها..
ـ أي إنسان أنت..
ـ عيب يا ابنة عمي..لا يجوز أن ننام على سرير واحد..
ـ ألست ابن عمي..
ـ بلا..
ـ وما العيب في ذلك..
ـ سترانا(الأم)..
ـ عندما نكبر ننام على سرير واحد..
ـ عندما نكبر..من قال هذا الكلام..
ـ في البيت قالوا أنت لأبن عمك..
كنت محموماً ملتاعاً مستفزاً وهي تطيل حبل لعبتها،بالطبع توجد رغبة والعواطف العمياء تحتشد،لكن (هي)أين أروح من تهديداتها،خطّت حولي سور وسنّت لي دستوراً غير قابل للنقاش،كنت أكظم الهيجان المتصاعد وأبدد النيران،أدفعها وتحاول،في تلك اللحظة انتبهت،كانت(الأم)واقفة ووجهها يشرق بالفرح يا صاحبي ألم أشرح لك،أنها رأس أفعى،تقف بحرص ودقة وراء كل جهد يصب في صالح ترويضي،سادني ارتباك شجعها أن تجلس معنا..
ـ سأملأ الدنيا بالزغاريد يوم الفرح..
قالت ابنة عمي :
ـ يا عمة أقول له وهو لن يرضى بكلامي..
ـ هو يحبك..يخجل أن يقولها أمامك..
عيني فيهما وفكري في مكان لا يجب البوح به،تضحك أغواري،يرتجف المنزل من قهقهاتي،أرى العالم كله يشاطرني الضحك،أرخيت يا صاحبي حبل الوهم ومضيت ألقي ـ كما يلقي الصياد الماهر الطعم للطريدة ـ نثار فرح كاذب،ولكي أعقل المسكينتين في عقر الوهم،تناولت رشفات من الشاي ولقيمات طعام جلبتها الواهمة الموهومة ابنة(الدم)تلك هي محاولات تمهيدية تغذيها مجرّبة ومدرّبة وتراقب ردود الأفعال،دفنت في قلبها باقة مسرّة كمحاولة أولى لكسر حدة تلصصها،لابد وأنها ستقول لأبي ما يفرحه،وحصل ما توقعته،كانا يختليان في غرفة نومهما،وكنت أسمع اللهاث المتناثر والتأوهات المكتومة،ثق أن بدني أقشعر ولكم شعرت بغبائي لحظتها،حصل صمت..
ـ انطلت حيلتنا..
ـ دعيهما لوحدهما..
ـ قد يحصل خطأ..
ـ سنرتب الأمر إذا حصل..
تلمست طريقي وسمعت صوت الماء المنسكب في الحمام،كانت ابنة(الهم والغم) تسبح،استلقيت في سريري وسحبت من قرب رأسي رواية(هم أو..ويبقى الحب علامة)**وبدأت أقرأ،كما أسلفت لك على ما أظن،مولعاً وجدت نفسي بقراءة الكتب،كل ما أجد فوق غلافه،كلمة حب أو صوّر عشاق في لحظة عناق أقتنيه،اندفع الباب ووجدت أبي فوق رأسي،وجهه ينضح بالتعب وقلبه ينتفض،قمت وجلس قربي..
ـ متى نفرح بك يا ولدي..
ـ عندما أصبح كما تتمنى يا أبي،محامياً..
ـ ليس قبل أن أراك في صحة جيدة..
ـ أنا لا أشكو من شيء..
ـ تبدلت كثيراً يا أبني..
ـ ربما جرّاء القراءة..
ـ لا تعذّب(أبوك)..يا ولد..
ـ احب أن اكمل دراستي يا أبي..
ـ يا أبني..أنها من لحمك ودمك..أنظر إليها..كم هي جميلة ونشيطة..
ـ أبي مازلت صغيراً..
ـ سأموت غريباً..
ـ من أجلك يا أبي سأفكر..!!
احتوى رأسي وقبّلني وأنسحب ورأيت الدمع ينبجس في موقيه،رميت الكتاب على الطاولة ونهلت من الهواء ما كبت الانفعالات المعتملة،تناهى إلى سمعي وشوشات(الأم)مع أبي في باحة المنزل،قبل أن ينطلق خارجاً،شعرت باختناق ورغبة الهرب بالطبع لم أخطط وجهة لهروبي،غالباً ما يراودني السأم والعزلة ورفض كل شيء،الماء أحياناً،الطعام والكلام،القراءة،كل ما هو ضروري ومهم،أعود يتبعني ثعبان الخيبة،مطيعاً أبدو مما أبيح للغزالة المتناضجة أن قدماً تمضي في حلمها،دخلت قادمة من حمامها(آه..كبرت..!!)..ندهت أغواري،نظرت إلي وكنت أسبح في عالمي الضبابي..!!
ـ لم تغلق باب الغرفة ليلاً..
ـ تعودت على ذلك..
ـ اتركه مفتوحاً..
ـ أخاف..
ـ أنا معك..
ـ ألم تسمعِ بحالات السطو هذه الأيام..
ـ لا تمزح معي..
ـ افتح الباب هذه الليلة وأنا سأتخذ دور الحرامي..
ـ النساء لا يسرقن في الليل..
ـ يا عزيزي..أريد أن أجلس معك ونتحاور..
ـ لا أحب الكلام في الليل..
ـ أسمعني حكايات هذه الكتب..
ـ خرافات..
ـ أحب الخرافات..
ـ أنت تتعبيني يا ابنة عمي..
قامت وهي ترسل وابل تهديدات،عينيها في عيني،أزاحت من صدرها حفنة هواء،حاولت أن أصطنع ابتسامة كي أمتص الزعل المتنامي فيها،خالدة في صمت مريب،صمت المرأة يعني ثورة في الطريق يا صاحبي لكم كنت في تلك اللحظة أنشد منقذاً،كنت كطريدة مهيضة الجنحين حط سرب نسور جائعة قربها..!!
ـ ستخسر..!!
ـ لسنا في رهان..
ـ لن أتعب..تذكر كلامي جيداً..!!
واندفعت خارجة،استلقيت،لم أجد غير(هي)الملاذ والأنيس،تسكنني واسكنها،تحرسني وتنقذني كلما تتشكل من حولي خيوط مؤامرة جديدة،منها أستمد أسلحتي الدفاعية وأقاوم حرب(الأم)وحرب ابنة(العم)وحرب أبي الذي زاد من اختلاقاته،يتمارض كي يحطم عنادي،يحدثني أكثر مما كان سابقاً،وظلّت ابنة عمي تزيد من مراقبتي وتحرشاتها بلا ملل أو كلل،(الأم)تضخ فيها نيران التحدي وتنضج على مهل براعم أنوثتها،وكنت أهرب..!!
( ظهيرة صامته )
***
دقت الساعة ونهض القلب وأنهار سد العواطف،تلمست طريقي وأنا أتلصص وأمسح السكون، تتراءى أشباح وتندفع ونبض القلب يعصف،الليل يغتصبه الهدير،رنين يتناهى،رنين..رنين..بالطبع ستسأل عمّا أعنيه،تلك هي لعبتنا،تدق الساعة،ساعة القلب لا ساعة الزمن،ساعة القلب التي لا تخطأ قيد أنملة،علي أن انطلق..(هي)واقفة الآن على أسوار العالم،تمد طريقي بالفيض وتدثر عيون الوشاة بالوسن،قفلت باب غرفتي أو غربتي،بدأت أنوس في صمت شامل،مسكوناً كنت بهلع اللذة وتنمل اللقاء المحرّم،وقبل أن أعتلي مكان هروبي،قبضة كقضمة أسنان قبضت على قدمي،صرت في موقف لا أحسد عليه،ابنة(الدم)الذي ختم على حضارة الخلق بالترجل عن فكرة التشظي والانتشار السريع في مهاد أُخر..!!
ـ أين..
ـ إلى العالم..
ـ العالم نائم..
ـ العالم كله يتلصص الآن وأنت معهم..
ـ أحبك..!!
يالها من سخرية،عبث مباح،ستقول كل أنثى لي هذه الكلمة المسكينة،دفعتها وظلّت تتشبث،أحاول وتحاول،بالطبع لم يكن في بالي في تلك اللحظة إن كانت(الأم)ترصدنا من نوافذها المهيأة لقنص تحركاتي الذئبية..!!
ـ عيب نحن في الليل وأنت مثل أختي..
ـ لماذا لا تحبني..
ـ ليس بوسعي ذلك..!!
ـ أرجوك قلها..قلها كي أرتاح..
ـ اتركينيييييييييي..!!
وأجهشت بالبكاء،تلك هي أسلحة المرأة المدمرة،العالم يركع حين تبكي امرأة،العالم لن يتحرك لو بكى رجال الدنيا،يقولون حروب كثيرة فتكت بأقوام من أجل النساء،يقمن الحروب ويتوارين وراء الضحايا،ما الذي أفعل..يرن..يرن القلب،والمسافة الفاصلة محسومة،لا مجال للتأخير..(هي)تواصل بث الرغبة الجاذبة والوميض الحارس لي،وابنة (الهم والغم)تواصل الخوض في بحر التماسيح،برفق مسحت ساخن الدموع ورأيت كيف ألقت قناع الكيد وصارت ربيعاً ينشر أجنحته ويتهيأ لاستقبال شمس لا تتوارى..!!
ـ غداً أعطيك الجواب..
ـ كل ليلة تقول مثل هذا الكلام..
ـ ماذا أعمل أفكر في الموضوع..
ـ تكذب..
شعرت برعشة جسدها وكيف حاولت أن تتدارك نفسها..
ـ عيب أن تقولي هذا الكلام بوجهي..
ـ أنا آسفة..
ـ أريد الذهاب..
ـ لن أتركك..
ـ ابنة عمي..عودي لفراشك..
ـ ليس قبل أن تقبّلني..
ـ يا للفضيحة..
ـ هذا شرطي..!!
دفعتها وتسلقت الحائط وصرت في قلب الضوء المنادي،للحقيقة أقول كدت أن أهوي في بئر رغبتها،هكذا رغبة ظلّت تلح،تراءت لي فرصة إيهام و إقناع،كنت أتردد،شيء ما يباغتني لحظة ضعفي وفي ذروة اليأس ينتشلني،كنت أخشى من(هي)فالمرأة العاشقة تعرف الأسرار بتلقائية وتشم بغريزتها المتوهجة من تبغي منافستها أو تحاول السطو على مطفئ حرائقها الغرائزية..!!
***

ـ لن أسمح لقلبك أن يهوى غيري..!!
ـ قلبي صار ملكك..
هذا ما اتفقنا عليه أنا و(هي)في ليلة محمومة ومزحومة بالفرح،أمشي وأنحت في الليل تاريخي والمسافة الفاصلة تندحر وتتلاشى،الزقاق يرفل في النوم،بدأت أشياء كثيرة تصحو،نداءات تتداخل،بكاء وضحك،أرتجف وأتلفت،لا شيء من حولي يا صاحبي من حقي أن أصف لك كل هذا الكلام،أنا من اكتوى بنيران تتواصل وكأنني الشاب الوحيد في غابة أمازونية،كل أنثى تنشد صهيله وتريده(الفارس المنتخب)لتحرير حرائقها،لا يجب أن أتأخر،كل حساباتها دقيقة ولن تسامح مهما كانت أعذاري،ما أن ترن الساعة ـ ساعة القلب بطبيعة الحال ـ علي أن أسرج خيلي وأشق عباب الظلام،بعربة مملوءة بالرغبة،وإلى(هي)أنطلق،كنت أمشي،عيون ابنة(الدم)تقتفي أثري وعيون العالم لا تتركني لحالي،وصلت وكانت ـ كقمر نيسان ـ تهل،دونما استهلال مسكت يدي وجرجرتني كصبي عاق..!!
ـ لآخر مرة تتأخر..!!
( في الليل ..الكلاب تعوي بلا رحمة..)
***
** هم أو ( ويبقى الحب علامة) ـ محي الدين زنكنة ـ رواية ـ 1975 .



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قفل قلبي (رواية)3
- (قفل قلبي)رواية 2
- (قفل قلبي)رواية1
- الحزن الوسيم(رواية)9 القسم الأخير
- الحزن الوسيم(رواية)8
- الحزن الوسيم(رواية)7
- الحزن الوسيم(رواية)6
- الحزن الوسيم(رواية)5
- الحزن الوسيم(رواية)4
- الحزن الوسيم..(رواية)3
- الحزن الوسيم..(رواية)2
- الحزن الوسيم..(رواية)1
- مزرعة الرؤوس(قصة قصيرة)
- خمس حكايات
- لعبة الموت..البرلماني الغيور(حكايتان)
- الشرفة الواشية..قبلة أزلية(حكايتان)
- لقاءان..الكرة الزجاجية رقم 301(حكايتان)
- معاقل الذباب..مزرعة الضفادع(حكايتان)
- حجة الغائب..المهرج الأمبراطور)قصتان
- في بلاد الأمبراطور..الموسوعة الأمبراطورية(قصتان)


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - قفل قلبي(رواية)4