|
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// مفهوم الشرعية
بلكميمي محمد
الحوار المتمدن-العدد: 2618 - 2009 / 4 / 16 - 10:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في المجتمعات البشرية الماقبل حديثة ، كان الحاكم يستمد شرعيته ، من حق الهي مزعوم . ان نظرية الحق الالهي ، عملت على اعطاء القانون اصلا غير دنيوي واعطاء المؤسسات طابعا غير انساني ، وغير اصطناعي – وضعي . فالحاكم هنا يستمد سلطته ، لا من الشعب ، وانما من تفويض الهي ، ذلك ان الله الذي يملك السلطة ، هو الذي ، ( حسب تلك النظرية ) ، خولها لحاكم اختاره لعباده ، ووجب بالتالي طاعته من قبل الرعايا ، الذين يحكمهم بمقتضى حق الهي مقدس ، ومشيئة الهية استثنائية . ولان الحاكم مسؤول فقط امام الله ، لذلك ان تكون محاسبته عن كيفية ممارسة السلطة ، الا امام صاحب هذه السلطة الذي فوضها اليه . وعليه فكل ثورة تقوم بها الرعية ، ضد الاستبداد والطغيان ، تعد اجراما . ان شرعية الغيب هذه ، هي التي كانت سائدة في مصر الفرعونية ، وفي الدولة التاريخية الاسيوية .. وفي الامبراطورية المقدونية .. وفي الامبراطورية الرومانية .. وايضا في الدولة الاسلامية . فبالنسبة لهذه الاخيرة ، يعتبر عثمان بن عفان ، اول حاكم اسلامي لجا الى شرعية الغيب لتثبيت حكمه ، حيث تحدث عن الخلافة باعتبارها « قميصا قمصه الله له » . وعلى منوال عثمان بن عفان ، سار الامويون ، ( كان معاوية يقول : « الارض لله وانا خليفة الله ، وما اخذت فهو لي وما تركت للناس فبفضل مني ». ) . وسار ايضا العباسيون ، ( كان المنصور يسمى نفسه « سلطان الله على الارض » ) . وسارت باقي الدول الاسلامية اللاحقة . وفي اوربا الاقطاعية ، خلال القرون الوسطى ، كان نظام الحكم المطلق الفردي ، المستند الى نظرية الحق الالهي التي تبرر شرعية الغيب ، يعيش ازهى ايامه . ان الملوك الانجليز ، والفرنسيين ، والجرمان ، والروس ، يشكلون نماذج بارزة ، لتلك الحقبة التاريخية الاقطاعية . غير انه مع التطور التاريخي ، افرز المجتمع الاقطاعي الاوربي من صلبه قوى اجتماعية حديثة تمثلات في الطبقة البزرجوازية الناشئة حينئذ . هذا الانقسام المجتمعي ، بين الاقطاع السائد والبورجوازية الصاعدة ، عبر عن نفسه في شكل صراع سياسي حاد كان الموقف من نظام الحكم واسلوب ممارسة السلطة ، احد ابرز مظاهره . ذلك انه، بينما كانت الطبقة الاقطاعية ، تصر على المؤسسة السياسية المدعمة بايديولوجية غيبية ، تبرر نظام الحكم المطلق ، كانت الطبقة البورجوازية ، على ، النقيض ، تصر على القانون الوضعي وعلى السطة الدنيوية وعلى الشرعية الشعبية . خلال هذا الصراع التاريخي ، قامت ثورات ، وثورات مضادة ، اطيح فيها برؤوس ملوك ، واعيد فيها تنصيب ملوك . وقامت حروب اهلية دامية وطاحنة ، مرة انتصر فيها هذا الطرف ، ومرة انتصر فيها ذاك الطرف . ولان الاقطاع في ذلك الوقت ، اهتزت اركانه ، لكن بدون ان يفقد كل القوة للمقاومة والصمود ... ولان البورجوازية في ذلك الوقت ، قد اصبحت قوة بارزة في المجتمع ، لكن بدون ان تكون لها القوة الكافية ، لحسم الصراع بشكل جذري ونهائي لصالحها . لذلك ، بدات تظهر في اوساط رجال السياسة والفكر لتلك المرحلة ، ميولات للبحث عن صيغ توفيقية بين القوتين المتصارعتين . هذا الميل التوافقي ، سيعبر عنه بشكل خاص ، الفيلسوف الانجليزي جون لوك ، الذي صاغ ما سيعرف بنظرية التعاقد ، في كتابه « محاولة في الحكومة المدنية » الصادر سنة 1690 . ان جوهر نظرية التعاقد ، يكمن في الدعوة الى اقتسام السلطة ، بين طبقة الاقطاع ، التي يمثلها الملك ، وطبقة البورجوازية التي تمثلها هيئة تمثيلية ، سميت مجلس العموم في انجلترا ، ( أي البرلمان ) . وعلى صعيد مؤسسات الدولة . تحت ترجمة اقتسام السلطة ، في الابتعاد عن نطاق الحكم المطلق الملكي ، والاتجاه الى النظام البرلماني الثنائي ، الذي يصبح فيه الملك والحكومة ، على حد سواء ، مسؤولين امام البرلمان ، ( بما يعنيه ذلك من حقه في نزع الثقة منها ) . ومن ابرز الاصلاحات التي رافقت هذا التحول السياسي ، نذكر على سبيل المثال اعلان الحقوق سنة 1689 ، الذي شكل شرطا من شروط اعتلاء العرش ، كما يضمن البرلمان الحق المطلق في مجال الاقتراع على القوانين والمراقبة المالية . ان الانتقال بنظام الحكم ، من الشرعية الغيبية المؤسسة على نظرية الحق الالهي ، الى الشرعية المدنية المؤسسة على نظرية التعاقد الاجتماعي ، سيسمح بظهور مؤسسة حديثة اخرى ( الى جانب البرلمان ) ، هي مؤسسة الحزب السياسي . لقد ظهر الحزب ، عندما بدات مجموعات بورجوازية تتوحد حول افكار مشتركة جديدة ، مخالفة للقيم الاقطاعية القديمة . وتم ذلك في بادئ الامر داخل البرلمان ، حيث كان اعضاء البرلمان ينقسمون ويتجمعون في مجموعات بصفة تلقائية ، حسب ميولاتهم السياسية وقد ادى استمرار هذا التقليد ، الى خلق الفرق البرلمانية . وخارج البرلمان ، كانت الشخصيات السياسية ، تعمل على خلق الاحياء ،، للقيام بالتعبئة للحملات الانتخابية ، وكانت هذه اللجان تختفي وتندثر مع انتهاء الانتخابات ، غير ان بعضها كان يستمر في ربط علاقات مع الناخبين ، ومع الزمن ، ظهر الميل لترسيخها وتجميعها في اطار منظم وقار ، سيطلق عليه اسم الحزب السياسي ، الذي كان في البدء عبارة عن تنظيم للاطر ، قبل ان يتحول الى حزب جماهيري واسع . في تقييمهم لتجربة اقتسام السلطة ، بين الملك ( الاقطاع ) ، والبرلمان ( الشعب ) ، القائم على نظرية التعاقد ، يرى بعض المفكرين ، وعلى راسهم هيجل ، بان صيغة التوافق ، لم يكن لها في الواقع العملي ، أي وجود . باعتبار انها كانت دائما تؤول ، اما في اتجاه الرفع من سلطات الملك ، واما ، بالعكس ، في اتجاه الرفع من سلطات البرلمان ، وفق ما يمليه ميزان القوى بين الطرفين . وفقط مع مرور الزمن ، الذي جعل قوى الاقطاع تتلاشى وتضمحل ، وقوة البورجوازية تتنامى وتتعاظم ، استطاعت هذه الاخيرة ، ان تحسم السلطة لصالحها ، بشكل جذري ونهائي ، وبالتالي الانتقال من صيغة النظام البرلماني الثنائي ، الى صيغة النظام الرلماني الاحادي ، الذي يقوم على الاسس الرئيسة التالية : عدول الملك عن رئاسة الحكومة التي اصبحت من اختصاصات الوزير الاول .. حل البرلمان ،، المسؤولية الوزارية .. التزام الملك بتعيين الوزير الاول من الحزب الفائز في الانتخابات . مع هذا التحول النوعي ، في التاريخ السياسي للانظمة الملكية الاوربية ، يمكن القول ، بان السيادة اصبحت فعلا سيادة مدنية . ومن المفارقات ان البورجوازية ، ما ان تحررت من ديكتاتورية الاقطاع ، حتى اتجهت لممارسة ديكتاتوريتها الخاصة . ذلك ان بعض اسس الديمقراطية ، مثل الاقتراع العام المباشر والمتساوي ، لم يشرع في العمل به ، الا بعد الحرب العالمية الاولى ، تحت ضغط نضالات الطبقة العاملة ، من جهة ، وضغط الدولة الاشتراكية السوفياتية ، من جهة اخرى ( في انجلترا ، مهد الديمقراطية الغربية لم يصبح الانتخاب عاما بالنسبة للرجال ، الا سنة 1918 ولم يشمل النساء الا سنة 1928 ، وفي سنة 1932 ، لم تكن نسبة الناخبين من عدد السكان في انجلترا ، تتجاوز ٪4 ) اكثر من ذلك ، لم يتم تخصيص السن الانتخابي الى 18 سنة ، في معظم الدول الغربية ، الا في مطلع السبعينات ، ( وهذه حالة انحلترا ، وكندا ، والنرويج ، وهولندة ، مثلا ، اما فرنسا فلم يتم ذلك الا سنة 1974 ) . واذا انتقلنا الى اسلوب انتخاب رئيس الجمهورية ، فاننا نلاحظ ان الرئيس الفرنسي ، لم يخضع للاقتراع المباشر الا سنة 1962 ، في حين ان في امريكا ، لاتزال سائدا لحد الان نظام الدرجتين . والخلاصة ، ان الديمقراطية في الغرب قد تطلبت وقتا طويلا قبل ان تترسخ . هل معنى هذا ، اننا نحن في المغرب ، سيلزمنا وقت طويل ، للانتقال من نظام الحكم المطلق ، المزين بدستور ، الى النظام الديمقراطي ؟ . في اعتقاد الفقيد عبد السلام المؤذن ، ان الذي جعل الديمقراطية في الغرب تاخذ كل ذلك الوقت قبل ان تتحقق ، هو انها في البداية ، معزولة في جزر يحيط بها عالم معاد ، واسع جدا . اما المغرب ، فيوجد اليوم في زمن استثنائي ، يتميز بكون الديمقراطية تتجه نحو التعميم في كل بقاع الارض ، التي اصبحت مجرد قرية صغيرة .
#بلكميمي_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//الماركسية ....هل ان
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// دور الوعي في تحريك
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// الوعي المطابق والو
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// الطبقات . . السلطة
-
في اليوم العالمي للصحة الذي يصادف 7 ابريل من كل سنة // البور
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// الرفيق عبد السلام
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// سؤال المرحلة
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//التطور التاريخي للت
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//التطور التاريخي للت
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//التطور التاريخي للت
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//التطور التاريخي للت
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//ماهو السجن ؟
-
بمناسبة اليوم العالمي للمراة //والدة الفقيد عبد السلام والزن
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//التطور التاريخي للت
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//التطور التاريخي للت
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//التطور التاريخي للت
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//التطور التاريخي للت
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//التطور التاريخي للت
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//التطور التاريخي للت
...
-
تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//التطور التاريخي للت
...
المزيد.....
-
محمد رمضان يثير الجدل مجددا بفيديو ساخر.. -رمضان أحلى-
-
نتنياهو يغادر إلى واشنطن ومكتبه يوضح الهدف من الزيارة
-
بوتين: ترامب سيعيد النظام بسرعة كبيرة والنخب الأوروبية سترضخ
...
-
الشرطة البريطانية تعتقل رجلا حرق القرآن في بث مباشر غداة مقت
...
-
ترامب وزوجته ونائبه -يرثون- حسابات أسلافهم على السوشيال ميدي
...
-
مكالمة السيسي وترامب في الإعلام المصري: -التوتر يتراجع ودعوا
...
-
اتفاق مصري جيبوتي على استعادة الأمن وحركة الملاحة في باب الم
...
-
لبنانيون يحاولون العودة إلى بلداتهم رغم وجود الجيش الإسرائيل
...
-
بوتين: ترامب سيعيد النظام بسرعة كبيرة والنخب الأوروبية سترضخ
...
-
إسرائيل تستأنف الإثنين المفاوضات مع حماس بشأن المرحلة الثاني
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|