أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسين الحاج صالح - ليس الدولة أن تفهم غير لغة القوة














المزيد.....

ليس الدولة أن تفهم غير لغة القوة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2616 - 2009 / 4 / 14 - 09:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الدولة بما هي كذلك لا تفهم غير لغة القوة. تفاوت اللغات والثقافات والأديان والأعراق لا ينال من هذا المبدأ. ينال منه فقط مدى اكتمال الدولة، أي تشكلها في صورة الدولة القومية أو الدولة – الأمة، السيدة، المستقلة عن مثيلاتها وعن الطبقات والطوائف داخلها. الدول الأكمل هي الدول التي تفهم لغة القوة أولا وأساسا. الدول التي قد تفهم غير لغة القوة قد تكون دولا ناقصة لا دولا فاضلة، وتابعة لا مستقلة. ليس هناك، تاليا، دول تفهم من تلقاء نفسها لغة الحوار والأخلاق. هذه إيديولوجية قد تنسبها دول لنفسها، وتتذرع بها لتبرير ضرب خصومها الذين لا يشاركونها قيمها المزعومة. يقول إسرائيليون إن العرب لا يفهمون غير لغة القوة. وسبق لأميركيين أن قالوا مثل ذلك أيام حرب الخليج الثانية عام 1990. هذه أحكام عنصرية، الغرض منها تسويغ ممارسة العنف ضد المعنيين بطبيعتهم المضادة للحوار.
كانت حنا آرندت قد نصحت الإسرائيليين بأن يتخلوا عن الاعتقاد بأن العرب لا يفهمون غير لغة القوة. قالت، بالعكس، إن العرب لا يفهمون لغة القوة. محقة تماما، لكن بالضبط لأن العرب ليسوا دولة، بل هم ثقافة متأصلة يفترض أنها تمنحهم رسوخا وجوديا وتاريخيا. أما كدول فالعرب مثل غيرهم، لا يفهمون غير لغة القوة، فيهابون الأقوى منهم لأنه أقوى، ولا يراعون الأضعف منهم. وسيرة صدام حسين معروفة. ومثله اليوم عمر البشير. وعقيدة أن الخصوم لا يفهمون غير لغة القوة تشارك بها نظم عربية ضد معارضيها، كما تسنى لي أن أعاين شخصيا في تسعينات القرن الفائت.
من الأمثلة الثلاث، الإسرائيلي والأميركي والعربي، نلاحظ أن القوي العنيف هو من يتهم الضعفاء بأنهم لا يفهمون غير لغة القوة. من جهة يموه سلطانه، ومن جهة يبيح لنفسه ممارسة العنف ضدهم وتحميلهم المسؤولية عنه في آن معا.
لا يقوم النظام الدولي المعاصر المكون، مبدئيا، من دول قومية سيدة على غير مبدأ القوة. ولا تكون الدولة عاقلة أو كاملة في هذا النظام إن لم تسع لحيازة أكبر قوة ممكنة. فإذا تمثلت هذه بالسلاح النووي كانت جميع الدول غير الحائزة على هذا السلاح منقوصة الصفة الدولية إلى حين تمكنها من حيازته. ليس هناك قاعدة أخلاقية أو قانونية دولية تدين هذا المسعى إلا إذا استبطنا المنطق الامتيازي غير العقلاني للنظام الدولي في صورته الحالية. هنا تناقض النظام. فمن جهة هو مكون من دول سيدة متكافئة، يتشكل مجتمع الأمم المعاصر من شراكتها في هيئات معلومة، أبرزها الأمم المتحدة، ولا تتحقق غريزة الدولية لأي منها على أكمل وجه إلا بحيازة "السلاح المطلق" المعاصر، أي القوة النووية، فإن تطور سلاح أشد إطلاقا كان واجب الدولة بما هي دولة أن تحوزه. ومن جهة ثانية تحتكر التحقق الأتم لهذه الغريزة دول بعينها تهدد غيرها بالتدمير، أو إعادتها قرنا إلى الوراء، أو إلى العصر الحجري، وهي تعابير شاعت في العقدين الأخيرين على ألسنة سياسيين يحظون بالاحترام في بلدانهم، ويراد لهم أن يحظوا بالاحترام عالميا، قالوها عن بلدان جرى تحطيمها بالفعل مثل العراق، أو تهديدا لبلدان "شريرة" مثل إيران.
ولا يتوفر النظام على حل لهذا التناقض المتولد عن انبنائه على القوة غير المزيد من القوة، أي ضرب الطامحين الجدد للانضمام إلى نادي القوة العالمي. وفقط إن نجح أحد من هؤلاء في تحصين نفسه بالأسلحة الأشد فتكا، أمن شر الملأ المتربع على عرش القوة العالمية.
محصل ذلك أن تهديد السلم العالمي ينبثق من صميم النظام، وبالخصوص من الدول الممتازة أو "النبيلة" فيه. وجوهر النظام ذاته هو ما يقضي بأن الدول القادرة على الحرب هي الدول التي تحوز فرصة أكبر للتمتع بالسلام. هذا لأن السلام الممكن في ظل نظام الدولة الراهن هو هدنة قد تطول، لكنها مشروطة بتوازن القوى، بأهلية متكافئة لخوض الحرب. الحرب هي الأساس.
***
هذا من باب قول الأساسيات. وعليها لا على غيرها يبنى تفكير سياسي سديد.
الأساسيات بحد ذاتها ليست سياسة ولا تصلح سياسة. من يتصرف بموجبها وحدها يجلب على نفسه ودولته الدمار. فيكون أشد على وطنه من أعدائه ومن نظام دولي جائر.
فإن شئنا أن نكون مثل أقوياء العالم في القوة، وهذا حق، فعلينا أن نكون مثلهم في أشياء أخرى قد تكون أسست لقوتهم. وأول هذه هي الدولة الحديثة أو الدولة- الأمة، التي هي وحدة القوة في النظام الدولي. لا يسعك أن تشارك في نظام القوة الدولي دون أن تطور وحدته المكونة. وهذه دولة إنتاج وعلم، ودولة عقلنة وقانون عام، ودولة مواطنة ومساواة. وهي دولة لا تفهم لغة القوة جيدا إلا لأنها تنتج القوة وتتشكل منها وتعرف معناها. غريزتها القوة كما قلنا، فلا تكف تحسب وتجمع وتوفر وتراكم، وتحاصر التبديد والعشوائية. دولنا لا تكف عن التبديد، من الموارد العامة إلى الحياة البشرية. هذا يحكم على شكواها من هيمنة القوة في العلاقات الدولية بأن تكون متهافتة. هي نفسها لا تكف عن ممارسة القوة العشوائية في مجالها وضد رعاياها. يحصل أيضا أن تفهم دولنا من غيرها لغة غير لغة القوة وحساباتها وموازينها، لغة "الخواطر" و"الجاه" بخاصة. هذه ليست فضيلة. إنها مؤشر على نقصها كدول وعدم استقلالها عن حكامها. برهان على التبعية أو على التأخر أو عليهما معا. دولنا مدعوة أكثر، لا أقل، إلى أن "لا تفهم غير لغة القوة". هذا، وليس العكس، هو ما يكسبها الاحترام في العالم والشرعية أمام محكوميها.
***
هل يبدو أننا نقول شيئا، ثم نستدرك عليه لنقول ما يكاد يعاكسه؟ ننتقد وضع العالم المعاصر، ثم نندار بالنقد على أوضاعنا ودولنا؟ هذا على السطح فقط. نتحفظ على إيديولوجية شائعة بيننا تتماهى بالأقوياء وتلوم الضعفاء، بقدر ما نتحفظ على إيديولوجية شائعة أيضا تتوهم القوة خشونة وعنفا وتجاسرا على القتل. ننتقد الأولى لكي نفهم، والثانية لكي نعمل. منطق التحليل يقضي أن نبدأ من العالم ونظامه، أما منطق العمل فينطلق من أحوالنا.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بصدد التبعات الاجتماعية والسياسية المحتملة لتحرير الاقتصاد ف ...
- الثقافة العربية وغياب الموضوع
- في أربعين صالح بشير.. المثقف المنفصل
- نظام عربي أكثر تكافلا، علاقات عربية أقل -أخوية-
- بصدد النقاش حول تعليق الإخوان المسلمين السوريين نشاطهم المعا ...
- في شأن سورية وأكرادها و..المستقبل
- -رابحا على طول الخط-.. رحل فارس مراد
- هل يصبو الإنسان إلى الحرية؟
- الإخوان المسلمون السوريون وتعليق النشاط المعارض.. ماذا بعد؟
- أصول ثقافية للعسر السياسي العربي
- سورية موضوعا مستقلا للمعرفة!
- في شأن -الأخلاق الموضوعية- لمقاومة الطائفية
- الرحيل الأخير لصالح بشير
- أربعة وجوه للمسألة الغربية
- نقد مفهوم التقدم كشرط لبلورة نقد تقدمي
- مضاربة، مضاربة، مضاربة
- بصدد بعض أصول هشاشتنا النفسية ضد الوطنية القبلية
- ثقافة الحرب الأهلية ومثقفوها
- في شأن أخلاقيات مقاومة الطائفية
- في تغيرات الإيديولوجية السورية وأصولها


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسين الحاج صالح - ليس الدولة أن تفهم غير لغة القوة