|
معابر ..
آسيا علي موسى
الحوار المتمدن-العدد: 801 - 2004 / 4 / 11 - 06:34
المحور:
الادب والفن
توطئة...........
كلماتنا ، رذاذ أملنا المكتوم حسرة بدوا خلنا ، نتنهدها أحيانا بتقطع قاتل ، أنفاسنا الخافتة ، المكبوتة تصعد مع فرحتنا الغبية المتمردة على منطق يفرض نفسه علينا ، و تهوي مع خيبات كسرت وتيرة مشاعرنا .. وحدها المشاعر تنفلت من ملكوتنا ، من قانون " لكل فعل رد فعل مساوي له في القوة و مغاير له في الاتجاه " وحدها المشاعر لا تخضع لقانون العرض و الطلب. وحدها تخدعنا ، تباغتنا بتمردها ، تنفلت من التزاماتنا و تعلن العصيان . عابرة سبيل هي المشاعر..... لكن كيف نعرف أنها تختفي وراء باب موصد ،، فنحن لا نفتح إلا الأبواب التي هيئت لنا و نعرف جيدا منافذها .. و لا نجيب إلا عن الأسئلة التي نملك أجوبتها مسبقا ،، و مع ذلك تقتحمنا دون استئذان، تحتلنا دون أن نستطيع المقاومة، تعرينا من كل أسلحتنا و .. نستسلم. تسكن أرحام الروح ، غير عابئة بما يحدثه حمل جاء خارج العمر المشروع للولادة و داخل المناطق المحرمة . "تجهض الأشياء الحلوة فقط لان كل إجهاض ليس سوى نتيجة حمل تم خارج رحم المنطق "
هل هي هدية الصدفة أم نقمة القدر ؟ شيء نادر ،هذا كل الذي اعرفه ، أضمه إلى أشياء عمر مكتظ بالأشياء النادرة .
.................................................................................................. عندما قمت صباح ذاك اليوم ، كانت بي رغبة ملحة للمشي ، كثيرا ما الجأ إليه كوسيلة تنفيس أو لغاية التفكير في مشكلة تعترضني أو فقط لأعبء رئتي بهواء الصبح النقي من أنفاس الكادحين و آهات المتذمرين و زفرات اليائسين . أجمل ما في اليوم صباحه ، عندما تخترق الطرقات ولا أحد يعترض بوجهه المتعب طريقك أو نظرته الطفيلية ملامحك أو يصنع ابتسامة زائفة مستعجلة ترد عليها مجبرا . كذلك هناك من نصادفهم ليضيعوا أوقاتنا بشكاويهم البائسة .. لذلك كثيرا ما اخرج في الصباح الباكر جدا . يومها بعد ليلة من الأحلام المستحيلة ،كانت بي حاجة إلى جو بداية النهار و آخر الليل، ذلك التقاطع البديع بين موت الحياة و حياة الموت . بين نهاية التغافل و بداية الغفلة ، بين أحلام الحقيقة و حقيقة الأحلام ، بين وشوشاتنا السرية و صراخنا المكتوم ، هذا التقاطع بين النقيضين ، كم احب الرقص على حباله ، كم أحب النط من حال إلى حال ، بل كم أريد دائما أن أتابع العد التنازلي لعملية العبور . كان ذلك اليوم بديعا و كنت في حالة الأهبة لبدايته ، أو هكذا بدا لي ،، دائما تقول جدتي منذ وعيت و بدأت علاقتي بما حولي ، عندما بدأت أسأل.. - الضباب الكثيف يعني يوما مشمسا . حفظت هذا من جدتي حتى أضحيت كلما رأيت الضباب انتظرت بزوغ الشمس طول النهار . و أنا أكبر أيقنت أن هذه القاعدة لا تصح دائما على الحياة ، الأشياء الجميلة لا تأتي بداهة بعد متاعب و مشاق ... تأتي فقط صدفة ،دون أن نخطط لها ،دون أن نتوقعها من مقدمات ... بل تنقلب المعادلة ، يعقب الضباب الشمس ، أتعجب في تناقض قوانين الطبيعة مع طبيعة القوانين.. إذن كنت متأكدة أن يومها سيكون نهارا بديعا، أو هكذا خيل لي. و بعد ليلة بيضاء ، يملأها الضباب ، أردت أن أمني نفسي بعبوره إلى عمر اجمل .. تأتي الخرجات الصباحية هكذا ندية طبيعية صافية دون تجمل ، وضعت معطفي الأسود و شالي الذي لا يفارق رأسي منذ بدأت أتحول إلى امرأة. سروالي الجديد لم يكن عاديا( فاق يومها بالنسبة لجبني العادة ..) من الممنوع.. لأول مرة في حياتي أتخطى شيئا و أحقق بداية تعلمي النط على الخطوط الحمراء التي لم يسبق لي مناقشتها ، كثيرا ما صبرت على أحلامي ، التي كانت تكرر نفسها بإلحاح أو لعلها من صبرت على جبني كل السنين ، صالحني ذلك اليوم مع حلم قديم .. كم كان بسيطا حلمي و كم بدا لي في سن بعيدة بعيد التحقيق ، لم انتبه إلي فيه ، لست أعلم لماذا أحسست و كأن هذا الشيء البسيط جزء مني، لم أتخل عليه منذ حلمت يوما به، عجيب كيف تتحول الأحلام الممنوعة إلى أبناء غير شرعيين للتبني . لم اكن بحاجة إلى مرآة ، كانت راحتي فيه هي مرآتي ، فرحتي كطفلة صغيرة تختال بضفائرها المتدلية على صدرها و تعبث بشرائطها الحمراء التي لا تفارقها و فستانها القصير الذي يبرز فخذيها الطريين . سروال " الجينز "من أحلام أو من جنون الصبا ،، و الشباب ،، لم أحقق مطلب الجسد له حتى مضى العمر بي و قطعت سنيني في انتظار اللحظة أو اليقظة .. أحسستني جميلة ، و خفيفة .. ربما لان الجمال ليس ما تعكسه المرايا على الأجساد بل ما تعكسه الأرواح على المرايا .. و خفيفة ، لأنني تخلصت من حلم قديم ،، ندمت كثيرا لحظتها على جبني . صفقت الباب ورائي كما تصفق خيبات العمر .. و ركضت على ندى الصباح ،جائعة ، مهووسة، لأتقمص الفرحة قبل أن يأتي النهار . حاولت أن امشي الهوينى ، لكنني كنت أطير، غريب ، تعجبت مني ، لماذا هدرت العمر خوفا و نشوة التحدي مسكرة ، نشوة الروح .. كيف يكون الحلم صغيرا ، و يصبح بحكم الممنوع كبيرا ، عملاقا ، هاجسا ، مؤرقا ، متعبا، ،، الوجوه القليلة التي كنت ألتقيها، بدت لي باسمة ، على كل هكذا خلتها ، أو لعلني من كان يبتسم . ورغم الجرح الذي كان يدمي قلبي و الذي أمضيت سهدا بسببه، إلى أنني أحسستني جميلة في حزني ،،ربما نزعتي سادية أو أن طبيعة البشر كذلك ، هو سر الأرواح. معلقة بالفرح مشاعري رغم البرد ، رغم وقوفي في مهب الريح كنت أدرك ذلك جيدا ، لم ارغب صباحها في غير السعادة مع أن كل شيء كان يوحي بان أيامي القادمة ستحمل لي آلاما كبيرة . كنت أذرع الطريق و خواطري تذرع مخيلتي ، لكنني كنت سعيدة . تعجبت في سري كيف يهدر الإنسان عمرا في الركض وراء طيف حلم لا يكلفه سوى بعض الجرأة فقط ، يكفي أن يفتش عنها بداخله ليقتلعها من خمولها ، ليتيقن أخيرا ، أنها فقط موهبة فيه كانت دفينة. مزهوة كنت ، فخورة ، ليس بسروالي ،، بشيء اكبر و اجمل ،لم اكن احمل يومها أي إحساس بالذنب و لعل هذا ما أسعدني اكثر . كثيرا ما اعتبرت كل تحدياتي معارك قد اخرج منها جريحة أو صريعة ..لكنني يومها ،قفزت بمعجزة من حلم إلى إرادة لم أتلكأ أو أتعثر أو ارتعش خوفا من أحد ، كنت أنا ،، بإرادتي فقط . كثيرا ما نعتقد أن فشلنا في تجربة ،مرحلة عمرية بائسة ، و صفحة لا بد طيها ، ظنا منا أن العمر صفحات نفرقها ، نرقمها ، نمزقها ، نقلبها ، نخلدها وفق أهوائنا و آمالنا ، أو نتجاهلها وفق آلامنا ، لكن في الأمر مغالطة ،، ليس العمر إلا صفحة واحدة سطورا و فقرات ، نصا واحدا ، نقرأه من البداية ، لا يمكن عزل فقرة حتى يستقيم المعنى و إلا خدعنا التشطيب . كنت أفكر في تلك الفقرات و أنا ألتهم الطريق بخطواتي و كأنني أستعجل الالتحاق بعملي ، في الحقيقة اتخذت طريقا مطولا حتى أبعثر وقتي في التفكير فيما حدث لي الليلة الفارطة . الرسالة .. اجل الرسالة اللعينة.. أبدا ما كانت لعينة بل .. وخزة في الفؤاد ، هزة في الصميم ، صفعة في الضمير ، و وقفة للتأمل و المحاسبة ... " دعني أنعم بمولود روحي وحدي ، هو ابن طالما أردته، كثيرا ما عرفت روحي إشارات حمل كاذب أو أجهض قبل الولادة ، لكنني الآن ، أضم مولودي المشاغب إلى صدري ، أطعمه ،أهدهده ، أؤدبه متى ازداد دلاله ، أرنمه أجمل ما أحفظ من أغنيات.. انت عمر ي،،رجعوني عينيك ،،كن صديقي ، Quand on a que l’amour ; Avec toi,, My heart will go on ; sous le vent أعلمه الحبو و المشي ، أتابع خطواته الأولى ، سقطاته كلها ، أمد له قلبي ، أمسح جراحه ، أنفض الغبار العالق بأشيائه ، أعلمه القفز على حبال الممنوع ،، هو ابني ، مولود روحي أنا ، أريده متمردا ، مشاغبا ، مجنونا ، أعيش مع ابني في منطقة المستحيل ، منطقة لن يدخلها غيرنا ،، أما أنت ، فلك الجد ، فلك دينك و دنياك ، فلك قسوتك و غلظتك ، فلك غرورك و أنانيتك، فلك حمقك ،،،فلك أحلامك ،، لأنني لا أتكرر مرتين." كان رده غريبا .. " لم يخطر ببالي أن أكون قد بذرت في حديقتك مشاعر ما ، لا تخلطي بين الحقيقة و الخيال ، فأنت تصنعين من الأشياء العادية ، أمورا تفوق العادة..." قالها ،، أشيائي تفوق العادة ، ليس بديهيا أن نخرج من العادة ما يفوقها و ليس مخولا للكل صنعه ، إذن هو إبداعي الفردي ، كم احتاجه ، خيالي ،لأجمل قبح هذه الحياة. تصورت كثيرا ، كيف تصبح الحياة بدون خيال .. مملة أكيد، أليست مراحل الطفولة أحلى مراحل العمر مهما قست . وحده خيال الأطفال يعجن من الشوك ورودا ومن الحجر فراشات ومن الثلج دفئا و من الوحدة أنسا ، ومن كل شيء .. لعبة .. فهل صنعت أنا من أشلاء روحه المشتتة ، كائنا خرافيا ،خلق في الروح نشوة . كان علي أن ابكي ربما و أنا أتلقى رسالته ، لكن أبدا لم يحدث شيء من هذا القبيل مطلقا ،صحيح أنني حزنت لكن لم أر أي داع للبكاء ، نبكي عادة عندما نندم لكنني لم أشعر بالندم ، وحده القدر خطط لكل شيء ، باغتني ، ملائكة الحب المصرة والصابرة علي كل السنين ، أهدتني باسم كل آلهة الخير ..عشتار ، فينوس ، كيوبيد بشقاوته ،بروميثيوس بجنونه ، يمكنني أن اخترع ما استطعت من آلهة أشكرها على نعمة الخيال المبدع في دنيا الشذوذ و القبح . سمفونية سيرينية ،تأخذني نحو حتفي ،،لكنني .. كنت سعيدة بمشاعري ، بحزني ، بألمي ، بسروال الجينز وكل ما علق بحناياي من جنون . الشارع يستقبل جنوني مبتسما ، كنت بحاجة إلى خطيئة ،، إلى توبة ،، كنت أريد أن ألبس ثوب إنسان، لا تاج و لا جناحي ملاك . لان ما أحمله في دواخلي كان صغيري وحدي ..ربما غير شرعي ولد في المناطق المحرمة، أو دون أب،، يسوع روحي ،،معجزتها . و لان المشاعر تأتي هكذا ناضجة لا تحتاج إلى طهو أو تخمير ، إما تأتي أو لا تأتي ، لا تقبل الدعوات الجاهزة و لا الإلحاح. أقترب من مقر عملي ، ألمح وجه زميلة تحدق في و تتجه نحوي مبتسمة.. - صباح الخير ، ،، ما هذا التغيير ؟ و قبل أن أرد تحيتها ، تحشر راحتها تحت شالي معلقة : -انظري ، تسلل شعرك خارج خمارك . تسمرت الفرحة في حلقي ،أحسست بمرارة ،دون كثير تفكير ، أزحت يدها قائلة : - الحياة معابر.. تركتها مع بؤسها و عبرت باب الخوف و الكمال
#آسيا_علي_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هواجس محرمة
-
كوني امرأة
-
رحلة إلى..السراب
-
ما يشبه الابتسامة
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|