خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 2615 - 2009 / 4 / 13 - 08:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ضمن صياغة بريطانيا ل(خارطة الشرق الاوسط القديمة ) , انبثقت في المنطقة قضايا قومية متعددة متنوعة منها , قضيايا تقسيم قوميات بين قوميات اخرى كقضية فلسطين وقضية كردستان وقضية بلوشستان , الى جانب قضايا حدودية بين دول قومية كقضية حلايب بين مصر والسودان وقضية مزارع شبعا بين لبنان وسوريا وقضية لواء الاسكندرونة بين سوريا وتركيا وقضية عرب ستان بيثن العراق وايران وقضايا تقسيم القومية الواحدة الى دول عدة كما كانت اليمن والامارات ....الخ.
ان التخطيط الاستعماري الجيوسياسي للنطاقات الاقليمية عالميا , يستهدف عدة اهداف يتم تحقيقها مرة واحدة بهذه العملية اهمها اطلاقا
1) ابقاء ميزان القوى بين النطاقات الاقليمية والمراكز الاستعمارية مختلا لصالح المركز الاستعماري عبر حالة التخلف التي تبقى سائدة ومسيطرة في النطاق الاقليمي جراء انشغاله في الصراعات الاقليمية , وعبر لعب المركز الاستعماري على خلل ميزان القوى الاقليمي بين الدول القومية فيه حيث يعيد المركز الاستعماري تحديد مركز ثقل ميزان القوى بينها بحسب احتياجات مصالحه وقد لمسنا هذه التجربة الاستعمارية ابان الصراع في الخليج وتحديدا بين العراق وايران ما بين فترات حكم شاه ايران حيث كانت ايران هي مركز الثقل ومن ثم انتقال هذا المركز الى العراق بعد الثورة الاسلامية في ايران ومن ثم العودة الى تغليب المركز الايراني بهزيمة العراق امام التحالف العالمي
2) خلق هامش ذي حد ادنى وحد اعلى في الصراع والتحالف بين القوميات الاقليمية يرتبط بمصالحها المتحققة من القضايا التي تم صياغتها مسبقا وعلى سبيل المثال تقييد الصراع بين الدول التي تقاسمت فلسطين عام 1948 بموقف موحد معادي للتحرر الوطني الفلسطيني واقامة دولة فلسطينية مستقلة لان ذلك يعني خسارة هذه الدول لمكتسباتها المتحققة سابقا , وهو في الوقت الراهن حقيقة موقف وسلوك هذه الدول من مقولة الدولة الفلسطينية بغض النظر عن التصريح السياسي المنطوق به
3) اعاقة تمدد نفوذ مراكز استعمارية عالمية اخرى في المنطقة وتوظيف جهد الدول القومية الاقليمية بهذا الاتجاه , كما نرى الان عمل ( دول الممانعة ) على اعاقة تمدد النفوذ الامريكي في المنطقة والذي يحمل معه رسما جديدا لخارطتها ( خارطة الشرق الاوسط الجديد) حيث تهدد هذه الخارطة باعادة بعث دولة للفلسطينيين والاكراد والبلوشستان الامر الذي نفر الدول الاقليمية من النهج الامريكي وزاد من ولائها لاوروبا , كما اعاق سابقا تمدد النفوذ السوفييتي في المنطقة
ان الصورة السابقة بالطبع لا تعني ان المراكز العالمية الاخرى ستقف مكتوفة الايدي امام هذه الصياغة , فان الوقائع التاريخية اثبتت ان للمركز الاستعمارية العالمية الاخرى قدراتها على تجاوز ممانعة هذا المخطط لتمدد نفوذها , حيث تكون هناك لحظات في الصراع العالمي ذي شروط خاصة تتيح لهذه المراكز النفاذ منها للمنطقة ومثال ذلك فترة الحرب الباردة والتي اخضعت بها اوروبا لشروط واهداف الحركة الامريكية , ومثالا ملموسا على ذلك دور الموقف الامريكي في حرب 1956 على مصر حيث دعمت الولايات المتحدة وساندت الموقف المصري وخلعت مصر من سيطرة النفوذ البريطاني الفرنسي الصهيوني دون ان تجرؤ هذه الدول على الصراع مع النهج والموقف الامريكي
لقد كانت هذه المقدمة ضرورية لفهم حالة الصراع الاقليمية باعتبارها جزءا من حالة وحركة الصراع العالمي , وللابتعاد بوعينا عن ان يكون مرتهنا لمفاهيم عاطفية عن الصداقة والولاء ....الخ التي يحرص الاعلام الرسمي على حشو عقلية المنطقة بها , ولنعبر من هذه المقدمة الى فهم خصوصية الدور الصهيوني في ظل شرط طموح الفكر الصهيوني الى تحويل ( الوطن القومي لليهود ) كما ارادته بريطانيا الى ( مركز استعماري عالمي ) موقعه اخطر منطقة في الصراع العالمي , منطقة الشرق الاوسط , وكيف يتمكن الكيان الصهيوني بامكانياته التي تعتمد على مساعدات مراكز الاستعمار العالمي ويطمح في التحول ليس لمنافس لها فحسب بل متفوقا عليها ايضا
ان خصوصية الكيان الصهيوني لا تنبثق فحسب من صفته اللاطبيعية كمجتمع ودولة تكونت بقرار ولم تاتي في سياق عملية تطور قومي طبيعية , بل تتعدى ذلك الى كونه مجتمع ودولة برنامجي الطابع , فهو برنامجي بسببيته وهو برنامجي بهدفه , لذلك لا نجد استقرارا في انتماء الفكر الصهيوني الا الى هدفه الخاص ( التحول الى مركز استعماري عالمي متفوق ) الحد الادنى الذي يشير الى تحقيق هذا الهدف ويعطي الفكر الصهيوني القناعة بالاكتفاء والشبع هو اقامة دولة اسرائيل الكبرى من الفرات الى النيل والسيطرة على عصب العالم الحساس منطقة الشرق الاوسط ,
في سياق ذلك لا يعرف الفكر الصهيوني سوى استقلالية برنامجه الخاص , وهو على استعداد للتعامل مع الشيطان في سبيل تحقيق هذا الهدف , اما مجاله في تحقيق هذا الهدف فهو لا يزال ( تقديم الخدمات ) لمراكز الاستعمار العالمية والالتصاق بمن هو اكثر قدرة على ( ابتزازه ) من هذه المراكز العالمية , لذلك نرى العلاقة التاريخية للصهيونية قد مر بمراحل متعددة كما يلي
1) المرحلة الاولى هي مرحلة العلاقة باوروبا والتي بدات قبل الحرب العالمية الاولى وانتهت بحرب 1956 على مصر , وفي هذه المرحلة نجحت الصهيونية باللعب على صراعات المراكز الاوروبية في ابتزاز اوروبا واستصدار وعد بلفور وتسخير الموارد والنفوذ الاوروبي لاقامة دولة اسرائيل
2) المرحلة الثانية نقل مركز ثقل علاقتها العالمية الى الولايات المتحدة الامريكية التي تصدرت معسكرالاستعمار الراسمالي العالمي واصبحت مقرر وموجه حركته في الصراع العالمي ( المعسكر الاشتراكي وباقي العلاقات العالمية) ابان فترة الحرب الباردة وبموجب خدماتها نالت توسعها الكبير في حرب 1967 ونالت حصانة عالمية في الشرعية الدولية مردها الى حالة تنافس اوروبية امريكية على الاستفادة من الخدمات الصهيونية وهي حالة استمرت حتى اطلاق الولايات المتحدة مسيرة التسوية في المنطقة والتي تهدد ان يخسر الكيان الصهيوني كل مكتسباته التي حققها في حرب 1967 ولا يساند الصهيونية بها الموقف والنهج الاوروبي الذي يجمعه مع الموقف الامريكي ادراك ضرورة تحجيم الكيان الصهيوني بدولة فلسطينية ووضوح الشرعية الدولية
3) المرحلة الراهنة وهي مرحلة الابتعاد عن الغرب والتوجه الى الشرق حيث الصين وروسيا , وهي مرحلة ابتدات مظاهرها منذ بدء التحولات التي طرات على المعسكر الشرقي الذي لم يعد شرقا شيوعيا بل شرقا راسماليا استعماريا عالميا
ان الباعث الرئيسي لهذه الحركة من قبل الكيان الصهيوني نجده في الصراع الداخلي في المجتمع الصهيوني ومحور هذا الصراع هو ( حجم ومدى ضرورة استقلال الكيان الصهيوني عن الجوهر الوظيفي والتبعية للمركز الاستعماري العالمي ) الذي كان السبب الرئيسي وراء قيام دولة اسرائيل , وهو صراع تبدت ملامحه في السنوات الاخيرة على شكل جوهر الصراع البرنامجي الانتخابي بين الاحزاب الاسرائيلية , حيث تصاعد الصراع بين خط الاستقلال الوطني وخط الاستمرار بالحالة الوظيفية , ويمكن اعتبار صراع السنوات الاخيرة داخل وبين الاحزاب الاسرائيلية هو صراع حول هذه المسالة بل والموقف منها هو سبب اعادة رسم احجام وقوة الاحزاب الاسرائيلية ومؤشر رئيسيا على ذلك نجده في تراجع احجام الاحزاب التاريخية الاسرائيلية مثل العمل والليكود ومعاناتها من مسالة الانشقاقات , ونمو احزاب وطنية على حسابها مثل حزب كاديما واسرائيل بيتنا وهي الاحزاب التي نشات من اجل التاكيد على الوطنية والاستقلال الاسرائيلي عبر التملص من مسالة التسوية التي تنتهي الى تحجيم اسرائيل وايضا عبر تصاعد الدعوة الى النقاء اليهودي لدولة اسرائيل وان يكن هناك اختلاف حول تاكتيك تحقيق هذا الامر , حيث نجد ان حزب كاديما لا يزال يرى فرصة للكيان الصهيوني في الهروب من الضغوط الدولية عبر تحقيق تسوية اسرائيلية للصراع مع الفلسطينيين ومن ضمن سمات هذه التسوية مسالة التخلص من حجم رئيسي من الوجود الفلسطيني في مناطق 1948 ومن سماتها ايضا السماح بكينونة فلسطينية لا تصل في مستوى تحققها القومي الى مستوى اشغال الحيز المناسب في الشرعية الدولية وكل ذلك عبر محاولتها تحويل السلطة الفلسطينية بمسار تفاوضي مفتوح المدى وسلسلة من الاتفاقات المتراكمة التي تنفذ منها اسرائيل ما تحتاجه في تحويل مشروع الدولة الفلسطينية الى سلطة حكم ذاتي ذي مهام امنية تخدم الامن الصهيوني , في حين ان حزب اسرائيل بيتنا كنموذج لعقلية القمع والقوة الصهيونية يود القفز مباشرة الى هدف اجهاض التسوية وتحقيق النقاء اليهودي لدولة اسرائيل , وهو يجد لذلك سبيلا هو ابتزاز حالة الصراع بين مراكز الاستعمار العالمي عبر اللعب على تناقضاته العالمية وتحديد الشروط الاسرائيلية مسبقا لتقديمه الخدمات لهذه المراكز ( عدم التدخل في الشئون الداخلية الاسرائيلية والذي يحيل القضية الفلسطينية الى قضية شان داخلي اسرائيلي لا موقع قضية صراع عالمي )
من الواضح ان الصراع الداخلي في اسرائيل يتجه الى سيطرة الاتجاه الوطني والاستقلال كما دلل على ذلك التغير في حجم وقوة الاحزاب الاسرائيلية وانحسار الصيغ البرنامجية التي تتحدث عن صداقات اسرائيل العالمية وتقدم الصيغة الوطنية والاستقلالية عليها , لكن ذلك ليس مرده الى ارادات العقل الصهيوني فحسب بل ايضا الى نمو عوامل اجتماعية اقتصادية سياسية في الكيان الصهيوني تساعد في تحقق هذا الاتجاه , ولعل من اهمها مسالة استنفاذ امكانيات الهجرة اليهودية من منطقة الشرق الاوسط وهي هجرات عقائدية مذهبية في اغلبها وبقاء امكانيات الهجرة النفعية الاستعمارية من باقي مناطق العالم مفتوحة على مصراعيها , بل واكثر من ذلك بدء اخضاع الدين اليهودي والنهج المذهبي لحاجات النمو السكاني تحت المسمى الديني , حيث نلاحظ مؤخرا بدء ابتزاز المعتقد الديني لصالح توسيع امكانيات وسياسات الهجرة الى اسرائيل فلم تعد الشروط الدينية هي المقياس الاساس بل استبدلت بالحاجة والشرط الاقتصادي والسياسي , وهو الامر الذي يلعب الان دور الشارط الرئيسي في تحولات بنية المجتمع الصهيوني وبالتالي تعبئته وتنظيمه في قوى فعالية سياسية , وبهذا الصدد نجد ان النمو غير الطبيعي للجالية الروسية في المجتمع الصهيوني شكل احد اسباب التغير في بنية القوى الاجتماعية الاسرائيلية وفرض شرطه على العملية الانتخابية في فوز حزب اسرائيل بيتنا الذي هو في الحقيقة ليس سوى حزب روسي في مجتمع وحياة الكيان الصهيوني , مما اسهم في ترسيخ عقلية القمع والقوة ( والذي وصفه البعض باليمينية ) لكنه في حقيقته ليس اكثر يمينية من باقي العقل الصهيوني غير انه اكثر استشعارا باحتمالات نموه المستقبلية , ليس ذلك فحسب بل انه يشعر ايضا انه مستند ومرتكز الكيان الصهيوني في اثناء نقله علاقاته الى الشرق عوضا عن الغرب واثناء تملصه من الضغوط الغربية
وعلى العكس من توقعات البعض في ان يكون ليبرمان سببا من اسباب عزلة اسرائيل دوليا فان الاحتمال الاكثر امكانية للتحقق وبغض النظر عن تعرجات تحققه هو في ان يصبح ليبرمان في المستقبل الرجل الاول في الكيان الصهيوني ورئيس وزراء مستقبلي لها ايضا تماما وبتواز مع ان يكون اسرائيل بيتنا مستقبلا هو اقوى الاحزاب الاسرائيلية
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟