أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - المثقف وروح القلق واليقين














المزيد.....

المثقف وروح القلق واليقين


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 2614 - 2009 / 4 / 12 - 10:15
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عندما ننظر إلى مختلف نماذج الإبداع الإنساني في الأساطير والأديان والفلسفات والآداب والفنون، فإننا نستطيع رؤية القلق الدفين في محاولاتهم تثبيت اليقين. وليس هذا القلق في الواقع سوى "ملاك الإنسان الضائع" في محاولاته بلوغ الهدوء والسعادة بين مكونات لا تثير في حركتها غير القلق. بمعنى أننا نستطيع أن نرى في ذلك محاولات الإنسان تحرير نفسه من ثقل الرذيلة الكامنة فيه. وهي رذيلة تحكمها "غريزة بلا حدود". من هنا الرغبة المتشددة في معاندتها! ومن صراعهما تبلورت فكرة الأخلاق والحدود بوصفها القوى الروحية و"السماوية" ضد قوى الطبيعة الأرضية. وهو صراع أرّق الإنسان دون أن يسلّمه لداء الإعياء. فقد كان السؤال المقلق والجوهري لمعنى وجوده يتعاظم مع كل هزيمة للجسد، بوصفه موطن الغريزة. ومع كل تعاظم له كانت تتعاظم فكرة السمو، والمتسامي، والروحي، والروحاني. ومع كل تراكم في وعي الذات تتحول "القوة الشيطانية" التي جرى انتزاعها من النفس وإخراجها إلى أنواع مختلفة من "شياطين" الجن والأنس إلى عالم الروح الباطني. وهو التحول الذي بلغ ذروته في صعود واستتباب فكرة "شيطان النفس" ووسواسه للفؤاد وتلبيساته للعقل. ولا يعني ذلك فيما لو جرى التعبير عنها بمنطق التأويل الفلسفي المتسامي، سوى أن الإنسان يدرك مع كل رقي مادي وروحي في صيرورته التاريخية وكينونته الثقافية، بان حقيقة الشيطان هي لعبة الوجود الأبدية والقلق المرافق لرؤية صراع الخير والشر فيها.
وقد أنتجت هذه الحالة المادية والمعنوية معنى الشيطان وصورته بصورة قد تكون هي الأوسع والأدق والأعمق مقارنة بنقيضها. وليس مصادفة أن نعثر على تسميات و"نماذج شيطانية" تفوق في كميتها ونوعيتها "النماذج الملائكية". بل حتى في القرآن نعثر على 94 مرة يتكرر فيها اسم الشيطان بينما يبلغ عدد المرات التي يتكرر فيها اسم الملائكة 73 مرة. وهي نسبة يمكننا العثور عليها في الأدب والفن وقصص الأطفال وأحاديث العجائز وحكايات الشعوب وأعمال الفلاسفة وأقوال الحكماء. ويشير هذا الواقع إلى طبيعة القلق المتناغم مع رغبة الخروج من مأزق الوجود المعنوي الذي يحاصر الإنسان ظاهرا وباطنا على مستوى الحياة الفردية والاجتماعية. كل ذلك يعطي لنا إمكانية القول، بان الشيطان هو المرافق الخفي لسر الأسرار، أي لدراما الحياة المتذبذبة بين يقينين. وفي هذا يكمن أيضا سر "اختياره" مبدأ الدراما التاريخية ونهايتها للإنسان. وفي هذا أيضا يكمن مصدر الصراع التاريخي في التفسير والتأويل والمواقف والمساعي تجاه القوة التي تتحدى الإنسان وتنبع منه بقدر واحد.
فعندما ننظر إلى تاريخ الأساطير ونوعية "الشيطان" فيها، فإننا سوف نقف أمام صور متنوعة ومختلفة ومتباينة من حيث تقييمها لدوره وموقعه ووظيفته وأثره بالنسبة لحياة الإنسان، إلا أنها تشترك جميعا في الإقرار الخفي بدوره في إشكالية القضاء والقدر. الأمر الذي يعطي لنا إمكانية القول، بان الشيطان يبرز في أساطير الأمم، بوصفه القوة الفعالة في كينونته الوجودية. وفي هذا يكمن طابعه الخاص بوصفه قوة وجودية في أساطيرها. في حين توحدت وتشابهت صورته ونموذجه في الأديان من خلال تحويل قوته الوجودية إلى وجود مؤثر بالنسبة لمصير الإنسان. وهي استعادة ونفي لما في تاريخ القلق الإنساني العميق في محاولاته تحدي النقص الدائم في الوجود البشري.
فالقلق من القلق! وهي الدورة التي تصنع شياطينها وملائكتها. وهي فكرة عقلانية نعثر على صيغتها الدينية وصورتها النموذجية في الرؤية الإسلامية التي جعلت من الشيطان نموذج التحدي العنيد والاستكبار المحكوم بغيرة أبدية ليست بذاتها سوى أحد عناصر الوجود. فعندما يعتدّ إبليس بناره، فانه يكون بذلك قد جهل بان قيمته ليست بذاته بل في وحدة مكونات الوجود الأخرى. وهي فكرة عانت منها عقلية الفلسفة الأولى عندما جعلت من عناصر الماء والهواء والتراب والنار كل لحاله مبدأ الوجود. لكنها إذا كانت تحتوي حينذاك على أبعاد منهجية مهمتها تفسير الوجود، فان رفع أي منها إلى مصاف القيمة الذاتية سوف يجعل منها بالضرورة قوة تكسر الوجود. وليس استعلاء النار على التراب كما هو الحال في الرؤية الإسلامية سوى الصيغة المعبرة عما يمكن دعوته بغواية الدراية الناقصة، أي ضعف العقل عن إدراك الأبعاد الكبرى في وحدة مكونات الوجود. بينما إدراكها يشكل مضمون المعرفة الحقيقية. وهي المعرفة التي تصنع من التراب والنار مختلف نماذج الفخار والحجار، بمعنى قدرتها واستعدادها على صنع فخار الرونق وافتخار النفس الغضبية، وكذلك حجارة القبور والقصور.
وعندما نتأمل تاريخ الأمم والثقافات وتجارب صعودها وهبوطها، ارتقاءها وانحطاطها فإننا نقف دوما أمام حقيقة مستترة يقوم فحواها في طبيعة الصراع بين "شياطينها" و"ملائكتها". ومهما كانت النتيجة، فان هذه التجارب تكشف عن أن "للشيطان" مظاهر و"مآثر" على قدر ما في الثقافة من دراما الغواية والدراية. بمعنى أن الصراع العلني والمستتر في تاريخ الأمم والثقافات عادة ما يضعهما أمام إشكاليات المعرفة ونوعية التمسك باستنتاجاتها. وليس مصادفة أن تتوصل الثقافة الإسلامية على لسان الشيخ الجنيد بالقول، بان من ليس له أستاذ فأستاذه الشيطان. وهي عبارة تكشف عن حجم المعاناة الكبرى للثقافة تجاه قضايا التلبيس والشبهات والقلاقل والفتنة المحتملة في العقل والضمير والوجود الاجتماعي للبشر ومواقفهم العملية من كل ما يشكل بالنسبة لهم قيمة كبرى. فهي العبارة التي كثفت في أعماقها إشكالية التراكم الثقافي وتربية الإرادة بالشكل الذي يحررهما من غواية الارتماء وراء كل عابر طريق أو تقليد أجوف.
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الراديكالية السياسية للغلاة الجدد!
- المثقف – الحلقة الرابطة لديمومة الروح التاريخي للأمم
- الراديكالية الشيوعية والبعثية العراقية وانقلاب القيم!
- المثقف وإبداع الأبد
- الموجة الأخيرة للزمن الراديكالي
- طوفان الزمن الراديكالي وبداية التاريخ العقلاني
- المثقف ومرجعيات الروح المبدع
- المصالحة الحقيقية وأشباح الموتى!
- الزمن الطائفي والتاريخ العربي
- الحركة الصدرية – (تيار الداخل) وصعود الباطن العراقي(4)
- مقدمات المعترك السياسي والأيديولوجي للحركة الصدرية(3)
- الحركة الصدرية-غنيمة الزمن العابر وتضحية الانتقام التاريخي ( ...
- مقتدى الصدر - ميتافيزيقيا الثورة الصدرية( 1)
- المركز السياسي والمركزية الثقافية
- كتاب (العراق والمستقبل – زمن الانحطاط وتاريخ البدائل).
- الدكتور علي ثويني – الفكرة المعمارية وهندسة الروح العراقي
- حدود الصراع الروسي الجورجي وتجارب -الثورات الملونة- (1-2)
- نهاية الزمن العرقي (الكردي) في العراق (2-2)
- نهاية الزمن العرقي (الكردي) في العراق (1-2)
- نهاية الزمن الطائفي في العراق


المزيد.....




- مشاهد لوصول الروسي المفرج عنه من قبل الولايات المتحدة إلى رو ...
- قبيل محادثات في عُمان السبت .. واشنطن وطهران تتبادلان التحذي ...
- اعتُقل طفلا وخرج شابا.. لحظة الإفراج عن الفلسطيني أحمد مناصر ...
- RT ترصد الأوضاع شمال الخرطوم
- ديوان نتنياهو: وفد إسرائيلي رفيع المستوى
- شبكة المنظمات الأهلية: غزة منطقة مجاعة
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تخطط لإطلاق حملة لـ-إقناع- ...
- مصر.. خلاف بين شاب ووالدته ينتهي إلى جريمة مروعة
- طائرة تحمل أعضاء في الكونغرس الأمريكي تتعرض لحادث في واشنطن ...
- واشنطن: لا نريد أن تستغرق تسوية الأزمة الأوكرانية ستة أشهر أ ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - المثقف وروح القلق واليقين