|
خمسة الغام على الطريق..
عبدالمنعم الاعسم
الحوار المتمدن-العدد: 2605 - 2009 / 4 / 3 - 09:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الى انتخابات نهاية العام ثمة خمسة الغام على الطريق، قابلة للانفجار جميعا، او فرادى، لتعيد الاوضاع الى نقطة الصفر، الى الفوضى المفتوحة على جميع الاحتمالات، ومن دون نزع فتيلها لا يمكن ضمان العبور الى ضفاف السلام الاهلي والمضي في عملية التأسيس وانهاء بؤر التوتر واحتواء اخطار الانكفاء. اقول: نزع فتيلها، ولا اتمادى في الدعوة الاخلاقية الى حلها، او في الاهابة الى معركة فاصلة تاريخية لتصويب المناهج والنيات، كما لا اغامر في الترويج الى معجزة تلقي بالكراهيات والمحاصصات وانعدام الثقة الى بالوعة الغيب، وتأخذ المشهد السياسي العراقي الى غرفة الانعاش، ومنها الى عهد البناء والشراكة والتعددية ودولة المواطنة الاتحادية في نهاية الامر، فان التمنيات لا تصنع حقائق على الارض إلا بارادات جمعية، لم تتحقق على اية حال، وان المعجزات كفت ان تطرق ابوابا يلازمها حراس لا يثقون ببعضهم. المراقب الموضوعي لخارطة التشابك السياسي بين فرقاء العملية السياسية وفي اتجاهات الراي العام يلتقط خطايا واوهاما تتمثل في الاعتقاد بان رئيس الوزراء نوري المالكي (بفريقه ومبادراته) قادر على نزع فتيل(او إرجاء انفجار) هذه الالغام الخطيرة، وانه، إذ اجتاز بحكومته معابر العنف والاحتقان الطائفي بنجاحات بائنة، سيتمكن بنفس الادوات من الحفاظ على زخم تلك النجاحات، ثم إطفاء ازمات لا تقل شأنا وخطورة والحاحا من العنف والطائفية، لكن اكثر الاوهام والخطايا شيوعا (وخطورة) الاعتقاد بان إبعاد المالكي وفريقه من شانه ان يصلّب عود العملية السياسية ويؤهلها الى احتواء الحرائق النائمة. وبعبارة اخرى فان، الطريق الى انتخابات نيابية انتقالية، تعددية، حاسمة، سيمر(حتما) بالازمات المستعصية التي باتت الغاما بموصوف الاثار الكارثية التي يمكن ان تنجم عنها، وان فريقا او تحالفا او خيارا، لوحده(اقول: لوحده) اعجز من ان ينهض بمثل هذه المهمة الثقيلة، وان سياسة إرجاء وترويض ودفع وتعليق وتقسيط ومطمطة الاستحقاقات والحلول (على طريقة: لكل حادث حديث) او الالتفاف عليها لن تجدي نفعا في ظل توازن(وهشاشة) القوى والحجوم، من جهة، وقدرة جميع القوى(والتحالفات) ذات العلاقة بالازمات- الالغام على المناورة وتخريب المشهد في حال تم شطبها من معادلات الشراكة. وبعبارة اكثر دقة يمكن القول: ان نزع فتيل الالغام التي تقف على طريق(وتهدد) انتخابات نهاية العام، يمكن فقط في حال اعادة بناء الارادات المتنافرة وتكوين غرفة شراكة وطنية متوازنة والتخلي(طبعا) عن امتيازات ومكاسب وسياسات لي الاذرع، وعن كومة من الاوهام التي انتعشت في مجرى اعوام الفوضى. البديل عن ذلك.. هل نتصور الجحيم؟. *** الاعتقاد بان البدء بانسحاب القوات الامريكية من المدن العراقية اواخر حزيران المقبل(بعد 3 اشهر) سيتم من دون ان يترك مشكلات امنية على الارض لا يعدو عن كونه(في توصيف دقيق) تفاؤلا مفرطا، فهو يقفز من فوق الحقيقة التفصيلية بان هذا الانسحاب المنصوص عليه في الاتفاقية الثنائية العراقية الامريكية سيلحقه اعادة وجبة كبيرة من الجنود الامريكان الى بلادهم، ثم “وضع حد للعمليات القتالية الامريكية نهائيا بحلول آب من العام المقبل” وفق ما اعلنه الرئيس الامريكي باراك اوباما في منتصف شباط الماضي، في استباق له مغزاه لسحب القوات الامريكية بشكل كامل في نهاية عام 2011على ما تنص عليه الاتفاقية. اما اللغم فيكمن في التحديات الامنية الكبيرة التي سيواجهها العراق عشية انتخابات نهاية العام مع ضعف حلقات التعبئة والمستلزمات الامنية والعسكرية لحماية البلاد لملء الفراغ الامني(التسليح، الكفاءة، المهنية) آخذا بالاعتبار بان المادة الرابعة من الاتفاقية الثنائية (الفقرة 4) تعترف للجانب الامريكي بحق سحب قواته من العراق متى ما شاء خارج التوقيتات المتفق عليها، ويبدو للمراقب ان اليوم الذي سيواجه به العراق مصيره لوحده يمكن ان يحل بشكل مفاجئ اذا تمت القراءة المتأنية للاشارات الموحية التي صار يطلقها الرئيس اوباما بكثافة في الاونة الاخيرة بصدد حرب العراق، وكذلك بعض الشكاوى التي ترد على لسان القادة العسكريين الامريكان من”اضطراب الاتصالات مع الجانب الامني العراقي في الاونة الاخيرة” كما اعلن الجنرال فوليسكي، قائد الفوج الثالث من فرقة الفرسان الأولى في شمال العراق. الافراط في التفاؤل لا يضر حين يكون في ثنايا قراءة تحليلية اعلامية(او في نطاق الدعاية المضادة) لكنه يلحق افدح الاضرار عندما يكون في قلب السياسة الرسمية، وفي مركز قناعة اصحاب القرار والنفوذ، لانه يتجاهل الاخطار الامنية التي تشكلها انشطة قوى العنف والارهاب وفلول الجماعات المسلحة والميليشيات والجريمة المنظمة، فضلا عن التدخلات الخارجية التي جميعا ستدخل في سباق مع موعد خلو العراق من القوات الامريكية بغرض اشاعة الفوضى وتدمير مسيرة التحرير والتأهيل و”إملاء الفراغ” ومعاقبة الشعب العراقي. لكن اخطر ما ينطوي عليه هذا التفاؤل الذي يبرز في تصريحات علنية ومنشورة على لسان ممثلي الحكومة والقوات الامنية يتمثل في توظيفه للدعاية السياسية والانتخابية والفئوية عن”الاقتدار” على احتواء نتائج هذا الانسحاب”برهاوة” فيما الامر يتطلب الارتقاء الى سياسة طوارئ وقائية تقوم على حزمة متكاملة من التدابير والاجراءات وتضافر الجهود والطاقات والارادات الوطنية من اجل تحويل هذا الانسحاب الى نقطة انطلاق لبناء العراق الجديد الذي يتكفل ابناؤه وقواه ومكوناته مسؤولية حمايته وبنائه.. وللاسف فان شيئا من ذلك لم يظهر حتى الآن في علائم تلتقطها العين.. والعين لا تخطئ. *** من التبسيط (وبعض التبسيط متعمّد) القول بان قضية كركوك، المتنازع عليها، يمكن ان تُحل بعد ان يجري تدقيق سجلات النفوس والبطاقة التموينية ومقارنتها مع سجلات الناخبين وتوثيق نتائج الانتخابات السابقة واعادة توزيع السلطة المحلية تمهيدا لاجراء انتخابات مجلس المحافظة، وهي المهمة التي اوكلت الى لجنة برلمانية لتقصي الحقائق شكلت في ايلول من الماضي(وفق المادة 23 من قانون الانتخابات) من ممثلي الاطياف القومية السبع في المحافظة وتلكأ عملها شهورا طويلة على خلفية ازمة رئاسة البرلمان(اذا ما احسنا الظن بهذا التسبيب). اقول من التبسيط القول ان هذه الاجراءات وحدها تنزع فتيل ازمة كركوك فان ست سنوات من الاحتقان القومي والتجاذب والتجييش ودورة العنف والارهاب وتعميق الحساسيات والخسائر الفادحة بالارواح، قد حول القضية الى بؤرة توتر تتجمع فيها سلسلة متشابكة من الازمات التي تضرب المشهد السياسي العراقي، وفي المقدمة منها العلاقة بين اقليم كردستان والحكومة المركزية. وبكلمة موجزة، ان قضية كركوك تتصل مع معابر كثيرة بادق القضايا ذات الصلة بمســـتقبل العراق، وفي صدارة تلك المعابر ما يمكن تسميته بـ”اجواء الثقة” وبكلمة اكثر ايجازا، يمكن القول ان حل هذه القضية بالمراضاة والتوافق وبحسب روح الدستور والتوقيتــات الملزمة للجميع (إذ يلزم نظرة ولفتة وجهودا استثنائية) من شانه ان ينعش مفاصل اخرى في لوحة الازمات الملتهبة ويحسّن من فرص وادوات وشروط بناء الدولة العراقية الاتحادية. اما الاخفاق في حلها فانه يعني، ببساطة، إعلان اخفــاق بناء هذه الدولة، وفي هذا يكمن التوصيف الدقيق لحالة كركوك كلغم، لا يقلل من اخطاره، ان ساعته تدق منذ حين ببطء على حد قول محلل دولي هو ديفيد اغناتيوس. وبموازاة ذلك ينبغي النظر بجدية الى اتجاهات عمل بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) التي ينبغي ان تقدم مشورتها في حزيران المقبل، في وقت اصبح واضحا ان البعثة (كما يبدو) نأت عـــن فكرة تقسيم المحافظة الى اربع مناطق واقتربت من خيار اعادة تقاســـم المناصب الحكومية المحلية، لتبطـــل بذلك عنصرا واحدا من عناصر اللغم إذ تعكف البعثة، وكذلك لجنة تقصـــي الحقائق، على بحث افضل الطرق للتوفيـــق بين المادة 140 من الدستور التي تضع مسارات التطبيع والاحصاء والانتخابات وبين المادة 23 من قانون انتخابات مجالس المحافظات التي وضعت مسارات اخرى للتعامل مع قضية كركوك، والتوتر هنا يتركز في ما يعلنه ممثلون للجبهة التركمانية ببطلان المادة الدستورية ذات الصلة وعدم الاعتراف بها، والتمسك بالتقاسم المتساوي للسلطة، وبمعنى آخر شطب نتائج انتخابات المحافظة لعام 2005. ولو ان الخلاف بقي في هذه الحدود، لامكن حصره وتقريب وجهات النظر حياله والاستعانة بما ستقدمه البعثة الدولية من نصائح، لكن ثمة خطوط من خارج الازمة تعمل على تغذية المكاره القومية وتديـــر لعبة التحذير مما تسميه “نيات الكرد” لابتلاع كركوك، بل اننا نطالع بالكثير من الاستغراب افادات تطلقها زعامات محلية تذهب الى عدم الاعتراف بنتائج التقارير والتحقيقات والمشورات والانتخابات ما لم تات متطابقة مع خيارها السياسي، وتلميحات اخرى تربط بين قانون النفط والغاز وملف العقود النفطية بقضية كركوك، وتصريحات ثالثة تســيّس ما لا ينبغي ان يُسيّس من الشؤون الادارية والخدمية والتعليمية وحتى المرورية في المدينة. من هنا يظهر الافتراق بين مشروعين للدولة العراقية، المشروع الاتحادي والآخر القهري، ومن هنا ينطلق الحديث عن مسؤولية اصحاب القرار وكل معسكر التغيير والعملية السياسية بين ان يضعوا اقدامهم مع مشروع التسوية، او المشروع الفتيل. *** اسماء كثيرة لحال العراقيين الذين فرضت عليهم احداث بلادهم السياسية والامنية والمعيشية ان يتركوا بلادهم فرضا واضطرارا (وليس سياحة او بحثا عن فرص عمل) الى مأوى آمن واكثر كرامة ما وراء الحدود، فهم المنفيون والمغتربون واللاجئون والهاربون والنازحون واهل الخارج، وطبعا، لكل صفة موصوف في خلفيات الاحداث وازمانها وحكوماتها واشكال الصراع التي كانت تتسبب في تحول هذا الحال الى ورم اجتماعي وسياسي خطير، يتفاعل يوما بعد يوم، ويرشح نفسه للانفجار إذا لم تضع الدولة خطة عملية وتعبوية وشاملة لمعالجته، وبالتعاون والتنسيق مع المجتمع الدولي وهيئاته والدول التي تستضيف وتأوي وتُجنّس العراقيين. على ان خطورة هذا اللغم لا تتمثل فقط في عدد العراقيين الذين يعيشون في الخارج، بل وايضا في(اولا) النتائج الخطيرة لوجود قطاعات وكفاءات وطنية هائلة بعيدة عن مكانها الطبيعي في عملية تأهيل وبناء الوطن، وهي (او غالبيتها الساحقة) مستعدة لكي تلبي فروض العودة، و(ثانيا) في التشوّه الاجتماعي والسايكولوجي والثقافي الناتج عن حالة شعب ينشطر الى نصفين اعتباطيين، مقيم ومهاجر، تقاسما محن السياسة والصراعات، لكنهما يواجهان استعصاءات التواصل ونمو رابط المواطنة الطبيعي، وينبغي ان نستبق التحليل والاستطراد بالاشارة الى ما تعانيه دول في افريقيا واسيا من نتائج القطيعة الطويلة والقسرية بين مهاجريها وسكانها. اما عدد افراد هذا “الشعب” العراقي الذي يقيم في الخارج فانه يتراوح بين اربعة ملايين في غالبية البيانات والتقديرات غير الرسمية، ومليونين ونصف في بيانات الحكومة العراقية والمنظمات الدولية، وحين نضيف له جيش النازحين عن بلداتهم الى بلدات اخرى، لاسباب طائفية، وقدر من قبل الجهات الرسمية بـ55 الف عائلة وقدرته منظمة شؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة بما يقارب المليون فان مخزون هذا اللغم من عناصر الانفجار يمكن ان يرصد بالعين المجردة كونه الفتيل الكامن والمستمر للاحتقان الطائفي، ويمكن ان يذهب المراقب الى ان جميع المؤتمرات والاهابات والنداءات والمبادرات الرسمية (وحتى الدولية) لم تقدم وصفة ناجعة لاحتواء هذا الخطر الداهم، وكانت النتائج متواضعة إذ عاد 195 الف لاجئ خارج العراق الى مناطق سكنهم، فيما رجع 25 ألف لاجئ كانوا نزحوا الى مناطق أخرى داخل العراق، بحسب تقرير المفوضية العليا للاجئين الذي رصد ايضا حقيقة “ان جهود انتاج هجرة معاكسة بدءاً من عام 2008 بعد تحسن الملف الأمني لم تنجح في حل مشكلة المهجرين بالكامل”. ومما يزيد في تعقيد هذه المشكلة محاولات الحكومة إعفاء نفسها من مسؤولية الدراسة والمعالجة والحل باختزال قضية الملايين المغتربة الى شريحة من الكفاءات الوطنية من اصحاب الشهادات والخبرات الاكاديمية، وتنظيم المؤتمرات لها وتكريمها بالاوسمة والعبارات والولائم والمضافات والوعود، فيما يصطدم الكثير من العائدين من هذه الشريحة بحزام كونكريتي من المصاعب والقوانين والاجراءات والمراجعات المضنية، ويضطر بعضهم الى إعلان هزيمته امام دواعي العودة الى الوطن. يكفي ان نمعن النظر في النداءات التي توجهها بين فترة واخرى الحكومة العراقية وحكومة اقليم كردستان الى الامم المتحدة ودول اللجوء بوجوب السعي الى وقف اجراءات اعادة عشرات الالوف من اللاجئين في اوربا قسرا الى بلادهم، وفي هذا يكمن “التركيب” الخطير للمشكلة حين يصبح العائد الى وطنه مشكلة في بلاده، وهذه واحدة من زوايا النظر الى ملف يتفاقم وينزلق الى لغم لا احد يعرف اين ستقع شظاياه. *** ابرز الالغام التي تواجه انتخابات نهاية العام، وتهدد سلامتها ونزاهتها وشفافيتها(وحتى شرعيتها) يمكن ان نرصده في الارقام والمعطيات المفزعة لانتشار الفساد في مفاصل الدولة و(الاكثر بروزا) في مؤسساتها السياسية التي وفرت حماية خرسانية لبؤر التهريب والتعدي على المال العام والنصب وإفساد الجمهور والرشوة وتحدي القوانين والقضاء واللصوصية واسس الادارة والغيرة والاخلاق, حتى بات القول التالي سليما: لا امل بتراجع مناسيب الفساد في الدولة ما لم يُستأصل الفساد من المؤسسة السياسية واحزابها وزعاماتها، وما لم تكف هذه المؤسسة عن حماية اللصوص والفاسدين والمهربين من المساءلة والعدالة. تكفي الاشارة الى تلك الصفقة(وهي أم المفاسد) التي تدور دواليبها في الكواليس الحكومية والبرلمانية تحت عنوان: “تستجوب وزيري استجوب وزيرك.. تسكت عن وزيري اسكت عن وزيرك” ويهتف نائب في هيئة النزاهة معلنا “أن الاصطفافات السياسية الموجودة بين الكتل الحاكمة هي التي تمنع من محاسبة المسؤولين” ويشير الى اسماء تلك الكتل على مسؤوليته، لكن اللافت ان المعنيين ابتلعوا التهمة محتمين ببعضهم رغم الصراعات المستفحلة بينهم، فيما يجري عقد صفقة اخرى عنوانها: “تمرر عقودي، أمرر عقودك” فتعلن هيئة النزاهة ببيان تحت ايدينا يقول “أن معظم العقود الضخمة، تُبرم دون السماح للجهات الرقابية، خصوصاً هيئة النزاهة بالاطلاع، أو التحقيق فيها” والحاصل(اولا) ان خسائر البلاد بلغت 250 مليار دولار بحسب هيئة النزاهة التي قالت ايضا بما يشبه الفضيحة: “ ان الأمانة العامة لمجلس الوزراء البؤرة الأخطر للفساد، فيما احتلت وزارة الدفاع مرتبة متقدمة بين الوزارات في هذا المجال” وان العراق بحسب منظمة الشفافية العالمية يقف(انتباه) في المرتبة الثانية في سلم الدول الفاشلة، بعد السودان، والمتضمن تقييم الأوضاع في 177 دولة وفق معايير ومؤشرات اقتصادية واجتماعية وأمنية وغيرها. والحاصل(ثانيا) ان تكرار الشكوى من انتشار الفساد(وبعض الشاكين فاسدين) ومطاعن التجاوزات المالية والاتهامات المتبادلة بين مواقع الادارة والاحزاب المتنفذة عن ارقام مالية فلكية مهدورة، ومع فيض التقارير الاعلامية عن لصوصية تطال قوت الشعب وثروته ومصالحه تكوّن ما يشبه المناعة لدى ابطال الفساد حيال اية محاولة للتحقيق، عدا عن مهارة في الاندساس في الجيوب المحرمة، الحساسة، المحمية (وبعضها دينية) ما يصعب اقتحام اسوارها، وصارت تمتلك آليات وقدرات هائلة للتلاعب في العملية الانتخابية وتزوير ارادة الشعب في نهاية المطاف. والحاصل اخيرا، ان مستعمرات فساد اُنشئت في محافظات موسرة او حدودية تقوم بانتاج اجيال جديدة من النصابين والحبربشية، وتنتج ثقافة سوداء، على مدار الساعة، تُعدّ اعمال الفساد بوصفها شطارة او رزق.. ورزقكم في الارض وما توعدون. *** اذا ما استعرضنا دوامة قضية التعديلات على الدستور وفق المادة 142 والتجاذبات بين فرقاء لجنة الـ26 التي شكلت في منتصف نوفمبر 2006 من ممثلي الكيانات، فاننا سنكون حيال مشهد من الكوميديا السوداء، إذ يصبح الدستور نفسه عبئا على العملية السياسية واللجنة (المحاصصة) عبئا على الدستور، وتصبح التعديلات في ذاتها عبئا على اللجنة، واللجنة عبئا على التعديلات، ويقف الحوار عاجزا عن التوصل الى حل باستثناء الحكمة التي برعنا فيها: إرجاء الحلول الى المستقبل، وبمعنى ما، ارجاء الحريق الى الوقت المناسب. ثم ندخل في نفق معتم حين نعرف (من احد اعضاء اللجنة) ان التعديلات الدستورية المطلوبة "لن تتم في وقتها المحدد لأن آلية التعديل في الدستور تجعل من المستحيل اجراء التعديلات المطلوبة ولاسيما ان بعض القوى السياسية(يقول) بدأت باضافة تعديلات جديدة على الدستور مؤكدا هذا الامر كامر مشروع" ثم حين نعرف ان الاتجاه العام في اللجنة هو ترحيل قضية تعديل الدستور الى مجلس النواب المقبل على الرغم من توصل اللجنة الى صياغة ما يزيد على 58 بالمائة من التعديلات المقترحة، وان الجزء المتبقي من المقترحات يتمثل في المادة 140 الخاصـة بالمناطق المتنازع عليها والمادة 41 الخاصة بالاحوال الشخصية وصلاحيات رئيس الجمهورية والصلاحيات بين الاقاليم والحكومة الاتحادية وتقسيم الثروات النفطية "حيث أن الاتفاق على التعديلات يجب أن يكون دفـعة واحدة بحسب نص الدستور". الدستور ليس نصا مقدسا، والتعديلات تحصل في جميع الدساتير ، لكن ليس قبل التمسك بالدستور وحمايته من العبث، وسد الطرق امام محاولات تكييفه لكي يكون مفصلا على كيان او زعامة او اهواء، ومنع التدخلات والاملاءات والتاولات من قبل هيئات او جهات لا مكان لسلطتها في الدستور، والتزام المرجعية القانونية الاتحادية في تفسير النصوص والتحكيم في الاختلافات، وليس اخطر على الدستور العراقي موضع الجدل من القول اننا شعب لم يتعوّد الحياة الدستورية، والحق (إذا شئنا الصراحة) ان البعض من شرائح الطبقة السياسية الجديدة لا يريد ان يلزم نفسه بدستور يمنع التمدد خارج المسموح. وفي هذه الدوامة يتمثل اللغم الايل للانفجار ، فان الجميع (كما يبدو) يتمسكون بالدستور، وان الجميع يريدون تعديلات تحّسن مواقعهم وسلطتهم وامتيازاتهم، والبعض يدس في ثنايا التحفظات والمقترحات امنية خفية بتدمير اسس الدولة الاتحادية، وفي هذا يكمن اللغم الايل للانفجار لأن الطريق سيكون مبلطا نحو العودة الى نقطة الصفر- الجحيم. *** تلك هي الالغام التي تمد رؤوسها من على الطريق الى انتخابات نهاية العام، غير ان ثمة لغم تزيد خطورته على مخاطر جميع الالغام ويتمثل في الغرور السياسي الذي يضرب الطبقة السياسية والعديد من زعاماتها ويعبر عن نفسه في التقليل من خطورة الالغام التي تعترض مسيرة التاسيس.. وفي الرقص فوق الالغام، احيانا. ــــــــــــــــ كلام مفيد: “ كلنا كالقمر .. له جانب مظلم”. حكمة
#عبدالمنعم_الاعسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
8 آذار.. نمساء بمواجهة نساء
-
تائج الانتخابات: هزيمة القوى الديمقراطية ومسؤولية الحزب الشي
...
-
قضية الدايني.. ابعد من رفع الحصانة
-
القاعدة في العراق والمنطقة
-
عن الواقعية السياسية
-
هزيمة التشدد.. بانتظار الحوار
-
هل يعود البعثيون الى حكم العراق
-
الاتفاقية بين معسكر لا ومعسكر نعم
-
سباق المجالس.. تدقيق مبكر ومهم
-
اعداء حكومة المالكي.. وانصارها
-
سبعة اخطاء في الدعوة الى دولة عراقية قوية
-
حركة القرضاوي.. أبعد من الشيعة
-
ليتحد العالم ضد حثالات الموصل
-
نهاية مدير عام
-
ايتها الكلمة الساحرة..
-
احوال الصحافة في العراق
-
كامل شياع وحموضة المثقفين العرب
-
كوميديا.. .. هذا ما يجري بالضبط
-
كركوك.. شهادة في الازمة والخلفيات
-
في جدلية التوافق السياسي
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|