|
المثقف وشبكة علاقات السلطة:2 آليات الإقصاء والإدماج
سعد محمد رحيم
الحوار المتمدن-العدد: 2603 - 2009 / 4 / 1 - 09:15
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الإقصاء والإدماج مفهومان لابد أن يجري استقصاؤهما في إطار شبكة علاقات سلطوية متنافذة، متغيرة. قد يكونان في بعض صورهما وتمظهراتهما عابرين وعرضيين. غير أنهما، ودائماً ما، ينزعان إلى النشاط في لحظة تطلبهما في سياق إستراتيجية السلطة ( ولاسيما الاستبدادية ـ الكليانية ) وفعلها. ومن الممكن، وإنْ ليس بيسر، الوقوع على ميكانزماتهما ( آلياتهما ) عبر الرصد والمعاينة والتحليل العلمي، مع توقع الكيفية التي تشتغل بها تلكما الآليتين. فالإقصاء والإدماج أنماط ودرجات، وحالات ظاهرة وخفية، مباشرة وغير مباشرة، واعية ولاواعية. إنهما تجليان لاشتباك علائقي غاية في التداخل والتعقيد، مخفي خلف غلالات كثيفة مما توجدها إيديولوجيا السلطة الاستبدادية/ الكليانية، ومصنع تزويرها وأكاذيبها الإعلامي والدعائي، وممارساتها القمعية، من أقنعة. وإذا كان الإقصاء ببساطة هو نبذ وإبعاد ومعاقبة مجموعة من البشر لا تقبل الترويض ولا ترغب بالاندماج في ماكنة النظام الاستبدادي/ الكلياني، وتفكر بحرية، وتسعى إلى المواجهة، في مقابل أن الإدماج هو احتواء المجموع وجعله طوعاً أو كرهاً جزءاً من تلك الماكنة بلا حول ولا قوة، فإن كلاهما ( الإقصاء والإدماج ) يكادان أن يكونا صنوين. فآليات أحدهما تحرّك آليات الثاني. إنهما التمظهران الجدليان لسلوك النظام الاستبدادي، والمنشئان لحركتها في الواقع، والمدمران له، في نهاية المطاف. فهما بالنسبة لذلك النظام وسيلة دفاعية ومحرّك داخلي وآلية اشتغال، أي ضرورة للعمل والاستمرار. وبدراسة المقصي والمدمج يمكن أن نتعرف على طبيعة ذلك النظام والكيفية التي بها يقونن الحياة والموت. يغري بالفردوس الزائف، ويدّعي منح البركات والغفران، ويستنزل اللعنة، ويوقد الجحيم، يهدد بها، ويلقي فيها من يشاء من غير حساب. تعمل آلية الإقصاء في إطار شروط قسرية، وظروف موضوعية قاهرة، تغذيان تلك الآلية وتحركانها وتفسِّرانها أيضاً. تتجلى بدءاً في ذلك الانفصال الذي يحدث بين الدولة ( التي هي التجسيد السياسي الأعلى للسلطة في الواقع الحضاري ) والمجتمع حين تتضاد مصالحهما وتوجهاتهما. ففي اللحظة التي تبحث فيها السلطة عن وسائل حماية لها من المجتمع فإنها تمهّد لنفسها، كوسيلة دفاعية، أرضية تسويغية للإقصاء. تقابلها، من جانب آخر، سعي حثيث نحو الإدماج، قوامها الترغيب أو الترهيب، أو كليهما في الوقت نفسه. والمثقف المقصي الناشط هو من تجاوز الخطوط الحمر وتجنب الوقوع في فخ الشبكة العنكبوتية للسلطة، أو بقي على مسافة منه، هي مسافة الصدام والمناورة جاعلاً بينه وبينها أرضاً حراماً ملغومة.. المثقف المقصي والسلطة الاستبدادية قطبان يتآمر أحدهما على الآخر. الأول من أجل بيان تهافت منطق وجود وخطاب وعمل الثاني وإرباك حركته، ونسف أسسه. والثاني من أجل إقصاء الأول قبل التفكير بإعادة تأهيله وإدماجه. أو إبعاد تأثيره ومن ثم إقصائه أكثر وأكثر. وقد يصل الأمر، في كثر من الحالات، حد الإمحاء الجسدي. وبقدر ما يمثل الإقصاء إبعاداً عن مركز الفعل ودائرته، فإنه يمثل إبعاداّ عن أنطقة الحرية والكرامة الإنسانية. فالإقصاء محاولة لانتزاع الجوهر الإنساني من المرء، من طريق سلب حريته؛ أي تضييق حد الممكن والمتاح له في الفعل والرؤية والتعبير. وماذا يكون الإنسان غير ذات تتحرك بأقصى حدود الممكن الإنساني وبرؤية واعية عميقة، وقدرة على التعبير عما يراه أنه الصواب والحق والخير والجمال؟. ويخبرنا ميشيل فوكو بأن "السلطة لا تُمارس إلاّ على ذوات أحرار"، وأن "في صميم أية سلطة، وكشرط دائم لوجودها عصياناً، وحريات جموحة" ولذا "فإنه لا توجد علاقة سلطوية بلا مقاومة وبلا مخرج أو مهرب، وبلا انقلاب محتمل". يأخذ الإقًصاء أشكالاً عديدة منها التجاهل والتحجيم والتشهير والنفي والاعتقال والسجن والإعدام. والمقصي هو نتاج عرضي للنظام الاستبداديم الكلياني، فمنطق هذا النظام الداخلي وآلياته يفرزان المقصي كضرورة ليمارس النظام فعله. فالمقصي بقدر ما هو ضد، هو شرط ليكون التحكم واقعاً. ولكي يشخّص المقصي ينبغي ان تعيّن خصائصه/ خطاياه. وتتوسع وتضيق مساحة هذه الخصائص/ الخطايا تبعاً للواقع الموضوعي للنظام ومديات تحكمه في المكان والزمان. حيث يسمّى المقصي ويُعرّف: منتمياً إلى أقلية ( أقلية دائماً من العاقين والمارقين )، مشكوكاً بانتمائه العرقي أحياناً، وخائناً عميلاً للأجنبي أحياناً، ومنحرفاً أحياناً. ومن يسمّى ويُعرّف في مناخ القمع والاستبداد يتلبس التسمية، وتسميته كافية لهرب الآخرين منه هربهم من الإصابة بعدوى مرض مميت. ناهيك عن تأليب الجهلة ضده. في سبيل المثال أن يُقال؛ ( إنه من الحزب الفلاني، من الطائفة الفلانية، من المنطقة الفلانية، من العشيرة الفلانية، الخ ). حيث تستدعي التسمية، في الذهن الانفعالي والمحدود التفكير، جملة من الصفات المنفرة والاستفزازية. ويكون هذا فعالاً في المجتمعات التي تعرضت لسياسات تجهيل وغسيل مخ ودعايات مفرطة. وغالباً ما يطول الإقصاء أصحاب الفكر والضمير الحرّين. * * * يبدأ فعل الإقصاء من فشل محاولة السلطة الاستبدادية/ الكليانية بمؤسساتها المسيطرة في تحييد العقل ( عقل النخبة المثقفة ) وترويضه وضمان امتثاله. وبذا ينصب الاهتمام على الجسد، وكما يقول مالرو في كتاب ( الوضع البشري ) فإن الانتقام السريع لا يتاح إلا من الجسد. وهنا لن يكون الاعتقال والتوسل بالتعذيب إلا مقترحاً واحداً. وقد يغدو إلحاق الضرر النفسي أجدى في بعض الأحيان. ومن صور الإقصاء الأخرى العزل ( النفي في الداخل ). والإنسان المعزول، المنتزع القدرة على الفعل في المكان، أي ذاك الذي يوجد في مكانه ولا يوجد في آن معاً، لن يكون سوى وجود معطل. وثمة الإرغام، وهو نمط من الإقصاء عن الذات، عن حقيقة الذات، فحين يُرغم المرء على اتخاذ موقف أو قرار لا يتوافق مع قناعاته، أو حين يعلن تنصله عن انتمائه السياسي أو مبادئه التي يؤمن بها رغماً عنه، معناه أن يُقصى عن أرضيته الطبيعية التي رسّخ جذوره في أعماقها ليدمج ويُلقى في أرض أخرى غريبة عليه. فيبقى بعدئذ يعاني من ازدواجية ( ظاهرة أو خفية ).. يتمزق بين مرجع يلوذ به في ساعات خلوته مع نفسه واضطرام وعيه أو حنينه، وولاء مبالغ به لسلطة يخافها.. إنه موزع بين منطقتين، علاقته بكليهما هشة. منطقته الأولى التي أقصي منها تدينه وترفضه، والمنطقة الثانية التي أُدمج فيها تقبله على مضض وتشك بأمره وتعيّره بماضيه. وقد يصل الأمر ببعضهم ممن أصيبوا بشرخ في العقل وعطب في الروح أن يتحدثوا ويهتفوا بحماس بالشكل الذي يعاكس آراءهم وامزجتهم الحقيقية، في لحظة نفاق مروعة، ومن غير أن يدركوا فداحة التناقض والازدواجية فيما يقولون ويفعلون. إن إدماجاً قسرياً يعقب عملية الإقصاء لا يمزق التاريخ الشخصي للكائن فحسب، بل تتعدى عملية التمزيق لتمس جوهر الوجود، وذلك هو خراب الفكر والروح. ها هنا يمسي المرء مهمشاً ومريباً وزائداً عن الحاجة ومحكوماً بموت بطيء، أو ميتاً. * * * المقصي هو المتمرد السلبي، هو الذي يُمثّل في خطاب السلطة شاذاً مرذولاً عاقاً، ضالاً، مارقاً وخطراً، ومرشحاً للخيانة أو خائناً. فالمقصي يسمّى، والتسمية تلك تكون مشحونة بدلالات منفرة ومنكرة اجتماعياً. دلالات ذات وقع سياسي أو ديني أو أخلاقي بمحمول سيكولوجي ثقيل يكون كافياً لتسويغ فعل الإقصاء لدى شرائح معينة ( واسعة أحياناً ) من المجتمع الممتثل الذي تهيجه كلمات من قبيل: ( خائن، ملحد، منحرف، عميل، الخ )، حيث تُلجم أسئلة من قبيل؛ أهو ( المقصي ) حقاً كذلك؟ كيف، ولماذا؟، ومن حكم عليه هذا الحكم؟ وهل يمتلك، مُصدِر الحكم الأهلية والشرعية لإصدار قرار الحكم ذاك؟ وأية معايير استخدمها في إطلاق حكمه؟.. تلك أسئلة مغيبة عن الأذهان، أو غائبة لأن لا أحد يجرؤ على طرحها علناً، في الضوء والهواء الطلق. في جو كهذا ثمة تدفق لا ينقطع للتهم، ودائماً هناك حدود جديدة وشبهات جديدة، تسمم المناخ السياسي والاجتماعي. ومع مرور السنوات يجد كل فرد نفسه متلبساً بخروقات/ جرائم شتى قد يشك أو لا يدري إن كان ارتكبها حقاً، وهي مما يمكن أن تودي به إلى السجن أو حبل المشنقة. فالفرد يخفي ذنوبه وهو يبحث دوماً عن مسوغات لسلوكياته، أمام الآخرين ( وأحياناً حتى أمام نفسه ) مسوِّغات، يستحضرها ويحفظها عن ظهر قلب، قد تعينه أو تنقذه فيما إذا تعرّض لأي تحقيق أو استجواب بشأنها. إنه امرؤ غائص في القلق. يحدث فعل الإقصاء على تخوم المنطقة الإشكالية المتوترة بين السلطة والمعرفة، أو في النسيج المعقد الذي يفرزه التداخل بين السلطة والمعرفة. فالسلطة المعززة بمعرفة ما تنتج الآليات المناسبة للقبول والرفض، للإدخال والإخراج، للمباركة أو التشهير والنبذ. وباصطلاحنا؛ للإقصاء والإدماج. إنها ترتب الوسط السياسي والاجتماعي والثقافي بالكيفية التي تجعل من هذه السلطة مركزاً ومن الآخرين توابع أو مطرودين. والإقصاء يتخذ معنى قمع خطاب ما، هو خطاب الثقافة المعارضة. والمقصي هو من يُحجب خطابه، أو يُجتزأ ويُختزل ليُعاد عرضه مشوهاً وقابلاً للإدانة. هنا يكون للإقصاء بعده السيكولوجي الاجتماعي إذ يُصاغ خطاب المقصي مبتوراً، ويُمثّل في خطاب السلطة كما لو أنه انتهك محرمات المجتمع، أي بالشكل الذي يُحرك المجتمع ضده سلبياً. وقد يغيّب المقصي من ذلك الخطاب ( خطاب السلطة ) ويجري تجاهله وهذه صورة مختلفة للإقصاء. والإهمال ليس معناه عدم الاعتراف بالآخر وسلطته حسب، بل حجب وإخفاء طبيعة وشكل وقوة الصراع الواقع أو المؤجل أو المحتمل معه. وقد تصل المواجهة حد الصدام المسلّح أو الحرب. ومع ذلك يتم التستر على طبيعة الصدام أو تزييف وقائعه أو حتى إنكار وقوعه. تحوّل آليات الإقصاء المجتمع من نسيج متماسك إلى ذرات معزولة بعضها عن بعض، على الرغم من وجود أشكال لمؤسسات تجميعية. والحقيقة أن هذه المؤسسات مرتّبة بطريقة تمنع قيام أي مبادرة جماعية خارج نطاق السلطة وسياساتها وأهدافها. فالنظام الاستبدادي/ الكلياني يحتوي الإنسان من خلال فصله عن محيطه ( الجماعة البشرية ) فالفرد لا يُدمج إلا بوضعه في حالة اغتراب، فالمدمج مغترب، يسم علاقته بالآخرين خلل فادح. فهو في اللحظة التي لا يستطيع فيها الانسجام والتناغم مع المحيط يكون مهيئاً لكي يُدمج، ليكون جزءاً، أحياناً بالرغم منه، في آلة السلطة. فمنطقياً لا تُدمج إذا لم تُعزل. إن القوة التي تجسدها علاقاتك الاجتماعية ستحول دون إدماجك، ضد إرادتك. لذلك ينبغي إضعاف هذه القوة وقتلها من خلال تخريب علاقاتك الاجتماعية. وتخريب العلاقات الاجتماعية لن تتأتى من خلال منع صلة الفرد بالآخرين، فذلك أمر مستحيل. ولكن من خلال تلغيم وتشتيت وتحوير أنماط هذه العلاقات بحيث يُعسر، في إطار هذه العلاقات إنشاء قوة مضادة ذات إرادة وقدرة على الفعل. فآليات المراقبة والقمع والإلهاء والإشغال والدعاية والإغراء والإرهاب ( الجزرة والعصا ) تخلق الإنسان العديم الثقة بنفسه وبالآخرين، ضعيف الإرادة وغير المستعد للفعل المضاد. فهو هنا كائن مستلب معزول.. أن تُعزل من أجل أن تُدمج هو أن تغترب عن جوهرك إنساناً. إن اللافاعلية، ها هنا، مرتبطة بمفهوم الاغتراب وقد وصل أقصى حدوده أو كاد. والاغتراب لا يظهر في علاقة الفرد بالآخرين فقط، وإنما في علاقة الفرد بذاته أيضاً. ففي اللحظة التي تنهار قاعدة علاقاته الاجتماعية فإن ممكناته التي تتغذى من هذه العلاقات سوف تضمحل ليغدو كائناً بلا قدرة على الفعل. وحتى لو قام بفعل ما فإن هذا الفعل سيبقى عقيماً ومشوشاً ويائساً. إنه منذ هذه الآونة يكون مهيئاً للإدماج. وهناك ممن عانوا من جور سلطات بعينها، وكانوا حانقين عليها، وعلى الرغم من ذلك قبلوا الإندماج في هياكلها. لماذا؟ لا شك أن الرجوع إلى مفاهيم ( إزدواجية الشخصية، الشعور بالنقص، ضعف الإرادة، الجبن، الاستسلام، النفاق الاجتماعي، الخ ) قد يكون مفيداً، بيد أنه لا يفي بالغرض تماماً.. إن إنساناً مثل هذا هو وليد عوامل بيسكولوجية/ اجتماعية معقدة.. هو ابن تجربة مريرة وتاريخ شائك. إنه مشوه في الفكر والروح بعد أن تعرض إلى محبطات وضغوطات وقوى قمع، وعانى الألم والخوف والقلق والتردد ووصل حد اليأس. فالجيل الذي يعيش في ظل نظام استبدادي فاشي، حتى ولو لسنوات قليلة، يكون قد تحمّل أكثر مما تحمّله أجيال لم تعرف مثل وطأة ذلك النظام. إن المقصد النهائي من الإقصاء، كما من الإدماج، هو إلغاء الكينونة الإنسانية وعياً وقدرة وفعلاً. فالإقصاء هو المسعى لتحجيم وإمحاء طاقة الإنسان العصية على التوظيف في ماكنة النظام الاستبدادي/ الكلياني. كما أن الإدماج هو السعي لتقويض أسس الوعي الإنساني وإهدار الطاقة الإنسانية وشل قدرة الإنسان على الفعل الخلاق. أو استثمارها قسراً لمصلحة النظام ذاك. * * * مع مرور الوقت، وبالخديعة والمناورة والدسائس الخفية، تتوطد أركان النظام الاستبدادي وتصبح قوة آلية كاسحة عمياء تطول الأفراد جميعاً، أولئك العائشين في مجالها. فتراتبية النظام التي تبدأ من وثن/ رمز كلي القدرة، نزولاً حتى أتفه مخبر يمكن أن تسحق أي أحد ـ أي أحد آخرـ إذا ما فشل في التكيف مع قانونها الفيزياوي العام، التكيف سواء بالخضوع أو بالمراوغة، بالاندماج أو بالإفلات ( الإقصاء ).. إن كتمان المشاعر والأفكار، والنفاق والسلبية والازدواجية والتهرب واللعب على الحبال والنضال الخفي كلها وسائل مراوغة ـ مع اختلاف في الدرجة والنوع ـ للحيلولة دون السقوط تحت العجلات الشيطانية الماضية بلا هوادة، أو رحمة، وإلى أجل غير مسمى. ( كان هتلر يتحدث عن إمبراطورية الألف عام، ويتم تداول عبارة ـ وإلى الأبد ـ في خطاب الأنظمة الاستبدادية/ الكليانية بلا حياء ). يشتغل النظام الكلياني تحت وهم وذريعة الوحدة الداخلية والاستقرار والانسجام والولاء المطلق. فكل فرد، افتراضاً، هو مدمج أولاً، وهو في الوقت نفسه مشروع مقصي، وإذن هو مرشح للإقصاء. الإقصاء الذي هو، منذ البدء، احتمال قائم أبداً، ومصير يهدد الجميع. فحتى المدمج يظل مشكوكاً في أمره، وموضوع مراقبة من قبل آخرين هم مواضيع مراقبة بعضهم لبعض. المدمج كائن هو في طريقه، طال ذلك أو قصر، إلى الإقصاء. يولد النظام الكلياني وهو يحمل في داخله، أو يوِّلد معه أكثر من جرثومة لموته، العمل بالإقصاء واحدة منها. وإذا كان الإقصاء إحدى آليات ذلك النظام من أجل أن يستمر لأطول مدة، فإنه، من الجانب الآخر، آلية الدمار له. فالإقصاء يعينه، مؤقتاً، في مواجهة معضلاته واختلالات بنيته، لكنه بالمقابل يمهد لتصعيد فاعلية المقصيين ضد النظام لأنهم سيجدون الفرصة السانحة فيما بعد، بمساحة للمناورة أوسع. الإقصاء هو دواء مسكِّن لا يستطيع النظام الاستبدادي/ الكلياني العمل من دونه، لكنه ذو نتائج عرضية خطيرة ومميتة، لا يستطيع النظام العمل شيئاً إزاء استفحالها أخيراً. أو لا يستطيع التعرف على طبيعة وحيوية الجرثومة الناخرة التي تتخلق من فعل الإقصاء إلاّ بعد فوات الأوان. وذلك لسبب بسيط هو أن هذا النظام لا يشتغل بآليات التقويم والمراجعة والنقد الذاتي.. إنه يستطيع أن يرد بعنف، ويواجه بصلافة، ويقمع بقسوة، ويؤجل، لكنه أبداً، في أية جولة، لن يستطيع أن يحسم الصراع تماماً. ولن يقدر، مهما جار واستبد، على كسب الجولة الأخيرة، طالما أنه لا يدرك، أو لا يريد أن يعترف بـ ( عنصر الهدم وقانونه ) العاملـَين بدأب في أحشائه.
#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المثقف وشبكة علاقات السلطة: 1 آليات صناعة الممنوع
-
الدولة والإنتاج الثقافي
-
تلك الأسطورة المتجددة: قراءة في كتاب -أسرار أسمهان؛ المرأة،
...
-
-متشرداً بين باريس ولندن-: هوامش المدن المتروبولية في أوروبا
...
-
إيزابيل الليندي تكشف أسرار أسرتها في -حصيلة الأيام-
-
قراءة في كتاب: ( لعنة النفط.. الاقتصاد السياسي للاستبداد )
-
النخب؛ البيئة الثقافية، والمشروع السياسي
-
في وداع عام آخر
-
تواصل النخب والشباب
-
سؤال الثقافة.. سؤال السياسة
-
لمّا سقط المطر
-
عالم يتغير
-
-ليلة الملاك- ملعبة خيال طفل
-
الحكم الصالح
-
متاهة المنافي في ( سوسن أبيض )
-
حين يموت الأطفال جوعاً
-
من نص اللذة إلى لذة النص؛ قراءة في -دلتا فينوس-
-
الدراما العراقية في رمضان
-
إيكو الساخر في ( كيفية السفر مع سلمون )
-
-اللاسؤال واللاجواب- محاولة في الكتابة المحايدة
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|