|
حكومة الاقليم - الوليدة - متى ستصبح - رشيدة - ؟ !
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 2603 - 2009 / 4 / 1 - 08:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
- حتى نهاية التسعينيات ، كانت هنالك نُكتة متداولة في اقليم كردستان ، حول حكومة الاقليم . فأي مواطن يسأل سؤالاً عن الخدمات المتردية او المستوى المعيشي المتدني او الفساد المُستشري ، كان يأتيهِ الجواب الجاهز مِنْ المسؤول :" ان حكومتنا " الوليدة " مازالت تحبو " ، فهي تشكلت في 1992 . وتنقصنا التجربة والخبرة ، إضافةً الى المصاعب والعراقيل المحيطة بنا . ينبغي على الشعب ان يكون صبوراً ولا يستعجل الامور ! وعلى كل حال ، فأن التأني من الرحمن والعَجَلة من ال ..... ! بحيث ان ( الحكومة الوليدة ) أصبحت حجة تُعَّلق عليها كافة السلبيات والنواقص والإنتهاكات . والغريب في الموضوع ، ان هذه الحكومة وبعد عدة " كابينات " ، وبعد ان تّعدى عمرها مرحلة المراهقة ، فان الكثير من المسؤولين لا زالوا يتعكزون على طفولة الحكومة العتيدة وعدم نضجها ! وكما يبدو فان حكومتنا الرشيدة مُصابةٌ بمرض توقف النمو الطبيعي ، فهي في الثامنة عشرة ولا زالت تتصرف أحياناً وكأنها طفلة في الرابعة من عمرها ! وأدناه بعض الامثلة على ذلك : - في كل العالم ، عندما تزمع الحكومة ، إنشاء محلة جديدة في احدى المُدن ، هنالك هيئة تُسمى " التخطيط العمراني " وقوانين بلدية وهندسية وصحية وجمالية وبيئية ، تُدْرس بعناية فائقة قبل البدء بالمشروع . بحيث تتم التهيئة المُسْبقة للمخططات وكيفية التنسيق الامثل بين جميع المفردات . وهنالك أسبقيات واولويات ، ينبغي إنجازها اولاً ، مثل شبكة مجاري المياه الثقيلة ومياه الامطار ، وشق الشوارع وعمل الارصفة وكيبلات الكهرباء والتلفونات وشبكة المياه الصالحة للشرب . وعندما تكمل هذه الاولويات ، ستكون عملية البناء سهلة وسلسة وبدون تعقيدات . لكن الذي يحصل عندنا ، هو العكس تماماً . تقوم الحكومة بتوزيع اوبيع قطع الاراضي . والبلدية تُزود المواطن بإجازة بناء فوراً ، وخلال سنة تتشكل ملامح محلة جديدة في تلك المنطقة ، جديدة مَجازاً . حيث ان أكثر شيء يميز هذه المحلة " الجديدة " هو الفوضى العارمة ! فالمساحات الفارغة تتحول اوتوماتيكياً الى مزابل ومكبات للنفايات . ورغم ان " ارض الله واسعة " ، فان البلدية او الجهات المسؤولة عن التخطيط ، تجعل عرض الشارع ستة امتار او بالكثير ثمانية امتار فقط ، بحيث انه لو وقفت سيارتان لبيتين متقابلين ، لإرتبك المرور ! إضافةً الى ان الارصفة ضيقة للغاية . وعندما يراجع المواطن من اجل الحصول على إشتراك الكهرباء والماء ، فأن الدوائر المعنية تُخبرهُ ، بان هذه الخدمات لن تصل قبل سنة او اكثر . وينصحونه بمد " صوندة " مؤقتاً من اقرب مصدر للماء ، والاشتراك مع " المولدة " الاهلية ، الى ان يُفرجها الله ! - وعلى إفتراض ، ان الكهرباء والماء ، وصلت الى المحلة الجديدة ، بعد سنة ، فأن تبليط الشوارع وإكساءها ، يستغرق وقتاً أطول ، بحجة شحة المكائن والزفت والقير ! ولنتفائل ونقول ان الشوارع بُلطت بعد سنة اخرى ، فأن المصيبة ، هي انه بعد ذلك بأشهر ، تُحال مُقاولة لعمل شبكة مجاري . فتُصرَف أموال من اجل ( تخريب ) ، نعم تخريب وتكسير الارصفة وحفر الشوارع ، من اجل مَد شبكة المجاري ! وطبعاً تستمر معاناة الاهالي لمدة أشهر ، وبالتأكيد من المستحيل ترميم ما تّخرب وإرجاعه مثل ما كان ! فتكون النتيجة ، محلة " جديدة " بشوارع ضيقة ، وارصفة سيئة الترميم ، وخدمات متدنية ، خصوصاً في الفروع والازقة . وهذه هي مُحصلة سوء التخطيط ، وعدم الإستفادة من التجارب . وهو مظهر مهم من مظاهر الإهمال والهدر والفساد ، فالفاسد ليس فقط مَنْ يمد يده الطويلة الى المال العام ! - قبل عشرين سنة ، كانت معظم الخضروات والفواكه والالبان واللحوم والدجاج والبيض ، من الإنتاج المحلي . والان كلها تقريباً مستوردة من كافة دول الجوار . ومن الطبيعي ان هذه المنتوجات الزراعية والحيوانية المستوردة ، اغلبها من المزارع التي تستخدم البذور المُعَدلة جينياً والهرمونات التي تُسّرِع في النمو ، غير مُبالية بالشروط الصحية والتأثيرات السيئة على الانسان في المدى الطويل ، لاسيما مع عدم توفر أجهزة رقابة كفوءة و لا سيطرة نوعية جدية في الاقليم . فحتى الجهات القائمة الان بمهام الرقابة والسيطرة النوعية ، لا تتمتع بمواصفات تُُمّكنها من أداء دورها المُهم ، وتخضع أحياناً الى ضغوطات مِنْ قِبَل المُحتكرين الذين يستوردون هذه المواد . هنالك إمكانيات كامنة هائلة في الاقليم ، من ناحية الزراعة والثروة الحيوانية . إلا ان ( إنجرار ) حكومة الاقليم ، وراء [ سراب ] الخصخصة والانفتاح وحرية السوق ، أدى الى نتائج وخيمة بحق الانتاج المحلي الزراعي والحيواني . ان وضع الفلاح الكردستاني وصاحب حقل الدواجن ومُربي العجول والاغنام المحليين ، تحت رحمة " قوانين السوق " والجشع اللامتناهي للتجار الاحتكاريين ، أجبرَ هذا الفلاح أما على ترك حقلهِ ومهنتهِ المتوارَثة ، او بيع منتوجهِ بأبخس سعر ، عاجزاً عن منافسة منتوجات دول الجوار . ان كافة دول العالم ، تسن قوانين [ تحمي ] إنتاجها المحلي ، وتدعم المُزارع والصناعي بالقروض المُيسرة وتقليل الضرائب وعدم استيراد المنتوجات المماثلة . وكذلك تتحمل هذه الدول من ميزانياتها ، شراء المنتوج المحلي بسعرٍ معقول يُنصِف المُنْتِج حتى كان أحياناً بسعرٍ أعلى من المستورد . كُل ذلك من اجل تشجيع الإنتاج المحلي وتشغيل الايدي العاملة والمساعدة في حل مشكلة البطالة ، وهذه الغايات هي من صميم واجبات الحكومة. هذا ناهيك عن عدم جدية الحكومة في إيجاد حلول لمشكلة " الامن الغذائي " للأقليم او بالأحرى الامن الغذائي للعراق ومن ضمنهِ اقليم كردستان . فليس الحل هو ان تتواجد كميات من المواد الغذائية في المخازن تكفي لمدة شهر او شهرين في حالات الطواريء ، إذ ما دامت هذه المواد " مستوردة " بالكامل ، فالأقليم عملياً تحت رحمة الدول المجاورة ، والظروف السياسية التي بموجبها تُفْتَح الحدود على مصراعيها او تُغلَق جزئياً او كلياً . ان تخصيص نسبة معقولة من الميزانية ، لتوفير الدعم للبذور والاسمدة واللقاحات والادوية ، وإعطاء قروض قصيرة الامَد ، وتوفير مناخات وسياسات إقتصادية مناسبة وسَن قوانين داعمة ، كُل ذلك ، سيجعل الاقليم مكتفياً ذاتياً في فقرات أساسية مثل القمح والشعير والرز واللحوم والدواجن والبيض والفواكه والخضروات والزيوت ، بل ان هنالك إمكانية ان يكون الانتاج فائضاً عن حاجة الاقليم . قد تصرف الحكومة مليار دولار على سبيل الإفتراض ، ولكنها في المُحصلة ، ستجني اضعاف ذلك ، من خلال إشتغال نسبة مهمة من العمالة المحلية في هذه النشاطات الاقتصادية ، والإستغناء عن الإستيراد . - حتى لو إستثنينا سنوات التسعينيات المُضطربة بالصراعات الدموية الداخلية ، فان الاعوام من 2000 – 2008 ، لم تشهد إنشاء مشاريع سياحية مهمة في الاقليم . حيث ان بناء فنادق ذات عدة نجوم في المدن الرئيسية الثلاث او مطارين في السليمانية واربيل ، لا يعني ان السياحة بخير . وعلى الرغم من عدم توفر إحصائيات دقيقة ، فمن المؤكد ان " حصة " السياحة من الموارد الداخلة للأقليم " والتي هي بمُجملها قليلة " ، ضئيلة جداً وتكاد لا تُذكر . في حين ان الإحتمالات السياحية من مناخ وتضاريس وجبال ووديان وغابات ومياه وثلوج ، كلها موجودة وتُوّفر إمكانيات سياحية هائلة ، قد تَدُر مليارات الدولارات من العملة الصعبة سنوياً ، فيما لو حضت المنطقة بالرعاية الكافية والتخطيط السليم والإستثمارات . هنالك مئات المناطق في اقليم كردستان ( غير مُكتشفة ) ، اي ان الطُرق لم تُشَق اليها ، وهي بعيدة عن المدن ولم تصل اليها الكهرباء . هنالك اماكن تُغطيها الثلوج الكثيفة الى نهاية شهر ايار بل وحتى حزيران . هنالك مساقط مياه منتشرة ، من الممكن الاستفادة منها في عمل سدود صغيرة ، قد تنتج كمية من الكهرباء لا بأس بها . مئات الوديان يُمكن تحويلها الى مسطحات مائية ، لها فوائد متعددة الاوجه ، من ضمنها السياحة . السائح الذي سوف يأتي ، لايهتم كثيراً بمراكز المدن او الفنادق الفخمة التي فيها ، فهو على الاغلب قادمٌ من دولٍ في مُدِنها فنادق مثل هذهِ او حتى افضل منها ، بل يريد ان يرى ويكتشف " الطبيعة الخلابة " للاقليم . - من المآخذ المهمة على الحكومة ، هو عدم توفير فُرص عمل " حقيقية " لجيش العاطلين عن العمل في الاقليم . فتحت " الغطاء الخادع " لتحسن الوضع المعاشي للمواطن ، هنالك حقيقة مُرّة ، وهي انه نتيجة للسياسات الاقتصادية والمالية والتنموية ، الخاطئة ، للحكومة خلال السنوات الماضية ، فأنه تم تكريس"إستهلاكية المجتمع" وجعلهِ إتكالياً على الحكومة وغير منتج ! فمن أكبر الامراض التي نعاني منها الان ، هو التمدد المُفرط للقطاع العام الحكومي ، فهنالك حوالي 60 % من عدد نفوس الاقليم يقبضون " راتباً " سواء من الحكومة مباشرةً كموظفين ومستخدمين ، او من الحزبين الحاكمين ككوادر حزبية . ونسبة كبيرة من هؤلاء لايمارسون اي عمل حقيقي وهم مُصَنفون تحت بند " البطالة المُقّنعة " . من الصعوبة بمكان ، إستمرار الوضع الراهن كما هو . فالجزء الاكبر من ميزانية الاقليم يذهب للرواتب والمصاريف التشغيلية الاخرى ، والجزء الصغير الباقي يُبّدد على الاغلب في أبنية حكومية فخمة ، تماشياً مع النزعة الإستعراضية السائدة ! بينما المطلوب هو إهتمامٌ جذري ب ( التنمية البشرية ) في الاقليم ، ليس عن طريق ندوات إعلامية دعائية ، او ورش عمل منظمات " المجتمع المدني " التي تُقام في عمان والاقليم ، والتي ينتهي مفعولها مع إنتهاء ورش العمل ! بل ينبغي التعويل على مسألة جوهرية ، وهي : التركيز على [ قيمة ] العمل ، وإعادة الاحترام الاجتماعي " للعمل المُنتج " ، ونبذ روحية الإتكالية والكسل والاستهلاك المتفشية الان في مجتمعنا ، وتنمية الجوانب الايجابية في الشخصية الكردستانية ، التي تستطيع مواكبة العالم المعاصر والتصدي للتحديات المختلفة التي لابد ستواجهنا في المرحلة القادمة . - حتى اليوم 1 / 4 / 2009 ، ورغم الجهود المبذولة ( المتاخرة على كل حال ) ، ورغم الضغوط المتشعبة ، فشلت الحكومة ان " تُوّحد " نفسها بصورةٍ كلية . وهذا يُشكل إحباطاً إضافياً للمواطن . ومن الممكن ان تتوحد الوزارات الثلاث الباقية خلال الايام القادمة ، ولكن هذا لن يكون كافياً . فالجماهير تنتظر الكثير من الخطوات السديدة .. من حكومتنا الرشيدة الجديدة .. بدلاً من القديمة الوليدة !
#امين_يونس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- غول - في بغداد
-
جماهير كردستان تُنّدد ب - جريدة هاولاتي - !
-
- فضِّيق الحبلَ وأشدد من خناقهم فربما كانَ في إرخائهِ ضرَرُ
...
-
نِعَم وبركات الشيخ رفسنجاني !
-
برلمانيون ارهابيون !
-
إنتخابات مجلس محافظة نينوى ..أرقام ذات مغزى !
-
الشعائر إقتصادياً
-
حلٌ سحري لمشكلة رئاسة مجلس النواب !
-
الخارطة السياسية الجديدة في محافظة نينوى
-
لجنة - العد والفرز - أم - لجنة العدو - ؟ !
-
لكي لا يتكرر - 8 - شباط اسود آخر
-
على هامش إنتخابات مجالس المحافظات
-
شعارات المالكي .. بين النظرية والتطبيق
-
مليون صوت مُجّيَر مُسبقاً لأحزاب الاسلام السياسي
-
حرب المُلصقات : - مَديونون - و - شنو الداعي ؟ - !
-
- مبايعة - أوباما والدروس المستخلصة
-
القائمة الوطنية العراقية ..تدمير من الداخل
-
دعايات نصف مُغرضة !
-
أهالي ضحايا حلبجة ينتظرون الجواب
-
الإصلاح السياسي في اقليم كردستان .. ضرورة مُلّحة
المزيد.....
-
بعد رفضها الامتثال للأوامر... ترامب يجمّد منحًا بأكثر من 2.2
...
-
أوكرانيا تعلن القبض عن أسرى صينيين جُنّدوا للقتال في صفوف ال
...
-
خبير نووي مصري: طهران لا تعتمد على عقل واحد ولديها أوراق لمو
...
-
الرئيس اللبناني يجري زيارة رسمية إلى قطر
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف
-
الرئيس اللبناني: 2025 سيكون عام حصر السلاح بيد الدولة ولن نس
...
-
ابنة شقيقة مارين لوبان تدعو وزير الخارجية الفرنسي لتقديم است
...
-
نتنياهو يوضح لماكرون سبب معارضته إقامة دولة فلسطين
-
في حدث مليوني مثير للجدل.. إطلاق أول سباق عالمي للحيوانات ال
...
-
بيان وزارة الدفاع الروسية عن سير العمليات في كورسك
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|