|
الاسرة وانتاج الحس اللاديمقراطي
هشام المغربي
الحوار المتمدن-العدد: 2604 - 2009 / 4 / 2 - 09:30
المحور:
العلاقات الجنسية والاسرية
من المميزات الأساسية التي تتميز بها المجتمعات المتأخرة : حالة من اللاديمقراطية، ليس فقط على مستوى السلطة العليا التي تسمح لمجموعة بالتحكم في بقية المجوعات الأخرى، و إنما هو واقع تعيشه هذه المجتمعات انطلاقا من الأسرة ؛ أول و أصغر مؤسسة داخلها، قد يكون لها الدور الأول في تربية و تنمية الحس اللاديمقراطي الذي تعرفه هذه المجتمعات في أكبر و أقوى مؤسساتها، و تمتد هذه الحالة لكل القطاعات لتجعل الفشل و التردي و التأخر طابعها الأساسي.
إن السلطة الأولى داخل المجتمع الصغير تعود للأب الذي يملك حسب العادات و التقاليد و ما تعارف عليه الناس… حق فرض القواعد، و تبعا لذلك فإن كلمة الحسم الأولى تعود للأب في كل الأمور. و لما كان هذا الحق يستند إلى تلك المرجعيات ، فإنه بالضرورة لا يستند إلى مرجعيات ديمقراطية. و على هذا الأساس فإن الأب يتحكم في مستقبل أفراد مجتمعه و يقرر في مصيرهم دون أن تكون له لا القدرة و لا الكفاءة الكافيين لفعل ذلك.
إن الأب الذي يملك زمام الأمور في كل شيء و يقرر داخل البيت وفق مايراه صوابا و واجبا في كل مراحل نمو و تطور الأسرة و نمو وتطور أفرادها ، لا يسلك دائما وفق ما تقتضيه الديمقراطية، فيسمح لنفسه باتخاذ القرارات الصغيرة و الحاسمة دون أن يكون عليها إجماع أو أغلبية فقد تتفق الأسرة حول مشروع زرع شثيلة في حديقة المنزل، لكن نوع الشثيلة و المكان الدي ستزرع فيه من الحديقة يقرر فيها الأب . و قد لا يسمح بوجود أصوات معارضة و يعمل على إسكاتها إن وجدت، وكأي جماعة فإن الأسرة تمر بمراحل تشهد فيها نزاعات بين أفرادها، و باعتباره السلطة العليا التي تحكم هذا التنظيم، فإن الأب يكون هو الحكم بين أطراف النزاع، لكنه غالبا ما يكون غير عادل في أحكامه فينحاز لطرف عن آخر، وحتى في اللحظات التي يفترض فيها أن يتحمل مسؤولياته كرب للأسرة و كصدر عطوف و حنون، فإن حنانه يعطيه للابن الصغير دون الابن الأكبر أو العكس…
والحقيقة أن حالة اللاتكافؤ هذه ، قد تكون سببا في وجود اضطرابات مستقبلية ستعيشها الأسرة، إذ أن الأمور لاتمشي دائما وفق ما تقتضيه مشيئة الأب، فتعيش على حالة من الخروج عن القواعد التي استمدت اساسياتها من العادات و التقاليد و كذلك الدين كما يفهمه الأب، فنكون أمام مايعرفه المجتمع من حالات انحرافية شاذة، لذلك فقد نسمح لأنفسنا بأن نفسر بعض الظواهر الإجتماعية كالإدمان و الدعارة و الجريمة… على هذا الأساس، فالسرقة مثلا قد تكون ثورة على القواعد التي ظلت تلازم هذا الشخص منذ الولادة، فجعلته سجينها و سلبته حريته في الحركة و في الإختيار… وبذلك فقد تكون السرقة رد فعل طبيعي على الوضع اللاديمقراطي الذي يعيشه المجتمع الصغير.
إن حالة اللامساواة التي تعيش عليها الأسرة و غياب الديمقراطية داخلها يساهم في تربية وتنمية الحس اللاديمقراطي عند النشا، الذي يستدمج ويقلد منهاج الأب وتعامله مع بقية أفراد الأسرة، ونفس الواقع تعكسه وسائل الإعلام التي تعيد إنتاج نفس المبادئ و التصورات، يكون الطفل أكثر تعرضا لها، إذ أنه أكثر من يشاهد التلفزيون داخل البيت، فكيف تؤثر لاديمقراطية الأسرة على المجتمع الكبير؟
إن التنمية الحقيقية داخل أي مجتمع تقتضي إشراك كل أطرافه القطاعية، و لا يمكن أن تدور عجلة التنمية بوثيرة سريعة و سليمة داخل هذا المجتمع دون أن تنطلق و بنفس الكيفية من مختلف قطاعاته، و لا يمكن تحقيق ذلك بالتركيز على قطاع واحد دون بقية القطاعات. و لما كانت الموارد البشرية هي الأساس في كل شيء، فإننا و لإنجاح هذه العملية سنكون في أمس الحاجة لكل مواردنا البشرية و المؤهلة لذلك عملا بمبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب.
و العمل بهذا المبدأ من شأنه أن يمهد الطريق و يجعل درب التقدم أكثر قربا، فوضع الرجل المناسب في كل قطاع سترفع من إمكانية النجاح لكل الخطط و القرارات، لأنها ستكون ناتجة عن إرادة و دراية حقيقية قد يكون للموهبة دور كبير في صنعها ، والتي تساهم المكتسبات الأكاديمية في جعلها أكثر تناغما، و تبعا لهذا فإننا يمكن أن نعتبر على سبيل المثال أن السياسة المعمارية التي اتبعها المغرب منذ عقود كانت خالية من لمسات موهوبين، و اعتمدت فقط على الدرس المدرسي، إذ جعلت المهندسين يستوردون نماذج جاهزة بعيدة كل البعد عن موروثنا الثقافي و المعماري الذي كان ينبغي أن نحافظ عليه و نطور في بعض جزئياته، و حتى في مشاريعنا السياحية لا زلنا نعتمد نمادج غربية لاستقبال سائحين غربيين، كل الذي جاء بهم إلى هذا المغرب هو موروثنا الثقافي و المعماري منه.
و الواقع أن حالة اللاديمقراطية التي تعيشها الأسرة، بالضرورة، تعطي أشخاصا لا ديمقراطيين من الحثمي أنهم سيشكلون طاقات عاملة و سيشغلون مناصب عالية و مهمة داخل كل قطاع و بما أنهم تربو في وسط لا ديمقراطي فإن اللاديمقراطية ستعيش بداخلهم ما تبقى من حياتهم و التي من المؤكد أنها تدخلت بقوة لتوزع الوظائف و الأدوار بينهم : هذا موظف أو عامل بسيط و ذاك مدير عام، و اللاديمقراطية كذلك هي التي ستجعل مستقبل هذا القطاع أو ذاك لا ديمقراطي. ذلك أننا سنعيش داخل المؤسسة الإنتاجية و خارجها نفس الوضعية التي تعيشها الأسرة، فكل القرارات الصغيرة و الكبيرة بما في ذلك تلك التي تهم مستقبل العاملين و أجورهم. بيد أكبر سلطة داخل هذا التنظيم باعتباره الجهة التي تملك حق فرض القواعد و تطبيقها دون الأخذ بعين الإعتبار حقوق العمال المعروفة، و التي تنص عليها قوانين الشغل… قد يؤدي إلى تدمر العمال و عدم رضاهم.
وبذلك أمكننا القول أن الأوضاع المتردية التي تعيشها قطاعاتنا: كالتعليم، الصحة، الفلاحة و الصناعة…. هو نتيجة غياب الديمقراطية داخلها. و التي كانت أيضا مسئولة عن وضع هذه القطاعات بيد أشخاص ليست لهم المؤهلات الكافية لإدارتها، مساهمة في تغييب الرجل المناسب في المكان المناسب، مما سيجعلنا نحكم على هذا التنظيم مسبقا بالفشل و التردي. فكيف يمكن أن نتصور أن من عاش ماض لا ديمقراطي، يمكن أن يعيش مستقبلا ديمقراطيا.
و من الأسرة تتخرج أكبر السلط في البلاد تعكس نفس وضعية الأسرة دائما هناك من يتفرد بسلطة القرار و على البقية الخضوع و تنفيذ الأوامر، و بما أن الأصل في الحكومة الأسرة، فإننا لا يمكن أن نتصور أن تنشأ أو تشتغل في مناخ ديمقراطي. ذلك لأن الفكر الأسري سيطغى عليها في كل مراحلها قبل و بعد تواجدها. فالفكر الأسري يطغى على الأحزاب فيجعلها غير ديمقراطية، ذلك أن نفس الزعامات تتواجد على رأسها تقريبا منذ تأسيسها، ولم تختر لتتواجد في هذا المكان بطريقة ديمقراطية، فهي تعتمد على مبدأ التوارث، و المعروف أن الأحزاب لا تحركها المصلحة العامة بقدر ما تهتم بخدمة مصالحها الخاصة. و العادي أن الحكومة في الغالب تتشكل من الأحزاب. و بما أن هذه الأحزاب ليست ديمقراطية من الداخل، فإن هذه الحكومة ستكون هي الأخرى غير شرعية حتى لوثم اختيارها من عامة الشعب بطريقة ديمقراطية و الشعب في هذه الحالة سيكون مغرر به …. و ستبقى هي الأخرى النموذج الأسري هو المسيطر عليها، مجموعة مستبدة تمثل دور الأب و غالبية مغلوبة على أمرها تحتل دور بقية الأسرة مع تغييب الديمقراطية.
#هشام_المغربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
روسيا.. غرامات بالملايين على الدعاية لأيديولوجيات من شأنها ت
...
-
فرنسا: مئات المنظمات والشخصيات تدعو لمظاهرات مناهضة للعنف بح
...
-
السعودية.. إعدام شخص اعتدى جنسيا على أطفال بالقوة وامرأة هرب
...
-
تطبيق لتوزيع المهام المنزلية وتجنب الخلافات داخل الأسرة
-
-دعت إلى قتل النساء الفلسطينيات-.. أستراليا ترفض منح تأشيرة
...
-
مشهد يحبس الأنفاس.. شاهد مصير امرأة حاصرتها النيران داخل منز
...
-
السعودية.. الداخلية تعلن إعدام امرأة -تعزيرا- وتكشف عن اسمها
...
-
الكويت.. مراسيم جديدة بسحب الجنسية من 1145 امرأة و13 رجلا
-
نجل ولي عهد النرويج متهم بارتكاب اغتصاب ثان بعد أيام من اتها
...
-
انحرفت واستقرت فوق منزل.. شاهد كيف أنقذت سيارة BMW امرأة من
...
المزيد.....
-
الجندر والجنسانية - جوديث بتلر
/ حسين القطان
-
بول ريكور: الجنس والمقدّس
/ فتحي المسكيني
-
المسألة الجنسية بالوطن العربي: محاولة للفهم
/ رشيد جرموني
-
الحب والزواج..
/ ايما جولدمان
-
جدلية الجنس - (الفصل الأوّل)
/ شولاميث فايرستون
-
حول الاجهاض
/ منصور حكمت
-
حول المعتقدات والسلوكيات الجنسية
/ صفاء طميش
-
ملوك الدعارة
/ إدريس ولد القابلة
-
الجنس الحضاري
/ المنصور جعفر
المزيد.....
|