|
رحيم الغالبي وجدل شعر العامية
ناصر الحداد
الحوار المتمدن-العدد: 2604 - 2009 / 4 / 2 - 07:03
المحور:
الادب والفن
قرأتُ يوم أمس قصائد بالعامية للشاعر رحيم الغالبي بعنوان : ( قصائد آذاريات لميلاد الحزب الشيوعي العراقي ) . بداية أقول أن القصائد حملت مشاعر رحيم الغالبي " خارج " ذاته لكنها ليست منفصلة عن " داخل " كيان الحزب الشيوعي العراقي ، إذ يتم الاحتفال ، هذه الأيام ، بذكرى تأسيسه الخامس والسبعين . في سياق القصائد الاذارية تلك ، وجدتُ حنينا وبحثا متواصلا بين الشاعر والحزب ، بنوع هادئ من حماسة بدت لي شعريا كحركة تهم بالنهوض حين يقول : (( مملوح بس وسفه الايدين كصيرة متلوح بس فكري طويل ايتابعك شتروح....!! انت الذوق انت الراي انت الروح )) .. في البيتين الأولين يجتمع الغم إلى الغم ، غم الشاعر وغم الحزب ، لكن الشاعر سرعان ما يرفض التشاؤم حين اقبل بهمة على القول بأن الحزب هو " الذوق " وهو " الرأي " وهو " الروح " . فهل أراد الشاعر أن يعبر عن علاقة الشعر بالايدولوجيا أم أراد التهليل شعبيا لعلاقته مع حزب جماهيري يتجه عمره نحو اكتمال ثلاثة أرباع القرن من عمره ، أم انه أراد أن يكشف لنا أن شعر العامية العراقية يمثل من خلال إنشاده لهذا الحزب رافدا مهما من الروافد الثقافية العراقية ، المعبرة عن ضمير الشعب العراقي ، الذي واصل كفاحه منذ زمان طويل ضد الحكومات الغاشمة ، وضد ظلامية سلطة الحزب الواحد خلال 35 عاما ، وضد جرائم العصابات الخارجة على الدولة وقوانينها خلال السنوات الست الأخيرة من عمر العراقيين . لا شك أن جدلية التفاؤل في قصائد اذاريات تكبر تدريجيا بإحساس فطري متنام حين يؤكد الصفات الفردوسية مثل : (( من الصبح كون اكعد انه من الصبح ماشوف سجينه وجرح عمال اشوفن والفلح طلاب دفترها .. محبة ومزهرية وغصن زيتون و حمامات وشرايط حمر تتباهه بيها اطفالنا بين المعلمات و للمدرسة لمن يروحون وعصرية ... يضحكون ويفرحون مثل نصب الحرية من يرجعون.. )) هذه مفردات ذات تعبير قادرة على تطهير مستقبل العراق ومستقبل أناسه ، الذين سيكونون أكثر سعادة وانسجاما مع عالم نصب الحرية في بغداد . في الحقيقة أن وجدان الشاعر رحيم الغالبي هو نفسه وجدان شعراء آخرين مثل مظفر النواب وعريان السيد خلف ورياض النعماني وسامي عبد المنعم وغيرهم من الشعراء ، الذين جسدوا لنا اللهجة العامية من خلال الحزن ولوعة الحب ثم من خلال التواصل مع " الآخر " الذي هو الشعب أو الناس وفي قصائد اذاريات الغالبي هو الحزب الشيوعي العراقي حين استولد قصيدته من تجربة داخلية في أفقر محافظات العراق وهي مسكونة بجدلية الأمل والنضال والمستقبل حيث يموت الإنسان أو يستشهد غير أن الحزب الشيوعي العراقي يفوق الولادة والنمو لينتقل الى المستقبل مجسدا سرا كبيرا بان الحزب لا يموت إذ يقول : هي الشمس واحده
واللي خلق هالارض .. تبقى الشمس شمسه ونته شمسنه..الحزب..تاريخ أمه وشعب ماصرت خبزة ابحلك ، واللي يمضغك حقد .... صدّكني كل الصدك هم ينكسر ضرسه بس عدنه احنه السمع وافواهم خرسه….)) . هل نحن أمام صومعة رحيم الغالبي تتقافز منها ومن مياه مدينته " الشطرة " مختلف مفردات الكينونة والوجود والخلود كي يعرّف بها الحزب الشيوعي ..؟ هل هذه مبالغات شعرية أم أنها شكلا من أشكال التواصل مع الحزب الذي أحبه أم أنها وعي الزمن القادم ..؟ ربما لا يوجد جواب ضمن القصيدة على أسئلة من هذا النوع لكن الشيء الابلغ في قصائد اذاريات يكاد يلوح تعبيريا عن تجارب في الحب بين فرد ومجموعة ، بين شاعر وحزب ، بين الفرد ومكمله . لهذا السبب بالذات يعتقد الشاعر أن حزبه لن يكون في المستقبل على هامش الحياة بل سيكون ساحرا لنشاط الناس وملهما لأفكارهم وان سيفلح في نهاية المطاف أن يكون الحزب والشعب أكثر سطوعا في بناء إنسان المستقبل وعلاقته حين يقول قولا شعريا مكثفا : (( فاض النبع نهران... نهران فاض النبع نهران... روحك رمز للشعب والصلى ..راد آذان
أذنت محد سمع
منها..... وبدى الخسران
يا روحي لمي الشمل.... )) . الشيء الفني الذي وجدتُ كينونته في قصائد رحيم الغالبي " الاذاريات " ــ المنشورة في موقع الحوار وفي موقع الناصرية ــ هي انه استخدم لهجة ، هي لهجة الشعب ، وانتقى مفرداتها ذات قرب لأدوات فهم النخب المتعلمة ، بمعنى انه حاول ابتكار صيغة التوافق الشعري في القصيدة الواحدة بين النخب والناس الفلاحين ، بين المتعلمين وغير المتعلمين ، في محاولة منه لأن يشرح حبه للجميع ، معبرا عن هذا الحب بان يكون المحبوب وهو الحزب الشيوعي العراقي اختيارا شائعا لكل عاشق في بلاد الشمس الساطعة والنهرين الكريمين . بالصور المتجسدة في الاذاريات وبالمفردات المتكدسة في أبياتها ، استطاع رحيم الغالبي أن يستغور العلاقة بين الذات والمجموع ، بين الفرد والحزب ، بين نقاط افتراق الحاضر ونقاط التقاء المستقبل. تلك هي طبيعة الشعراء النشيطين في استخدام النظام الشعري الدقيق في مناسبة مثل لحظات توقف العراقيين أمام معاني الذكرى الخامسة والسبعين لميلاد الحزب الشيوعي . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 30 – 3 – 2009
#ناصر_الحداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في مفهوم الوطن ماذا يعني أن تكون مواطناً؟
-
في مفهوم الوطن ماذا يعني أن تكون مواطناً؟
المزيد.....
-
ميركل: بوتين يجيد اللغة الألمانية أكثر مما أجيد أنا الروسية
...
-
حفل توقيع جماعي لكتاب بصريين
-
عبجي : ألبوم -كارنيه دي فوياج- رحلة موسيقية مستوحاة من أسفار
...
-
قصص البطولة والمقاومة: شعراء ومحاربون من برقة في مواجهة الاح
...
-
الخبز في كشمير.. إرث طهوي يُعيد صياغة هوية منطقة متنازع عليه
...
-
تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في -مراجعات ريتا-
-
مكتبة متنقلة تجوب شوارع الموصل العراقية للتشجيع على القراءة
...
-
دونيتسك تحتضن مسابقة -جمال دونباس-2024- (صور)
-
وفاة الروائية البريطانية باربرا تايلور برادفورد عن 91 عاما
-
وفاة صاحبة إحدى أشهر الصور في تاريخ الحرب العالمية الثانية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|