|
لماذا المتاجرة بالسياسة من اجل المصالح الشخصية في العراق ؟
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2598 - 2009 / 3 / 27 - 09:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا نريد ان نعيد تعريف السياسة بمعناها الحقيقي هنا ،و التي في جوهرها ان استخدمت بنوايا صادقة و انسانية ستكون لصالح ادارة البلاد و حل القضايا و نضج ثمار المنافسة و الصراع الطبيعي في جو من السلم و الامان ، و ان اعتمدت الاعمدة و العوامل الملائمة لنجاحها وفق قواعد علمية و في اطر ديموقراطية علمية معينة تتعين فيها الخطوط الحمر و المصالح العامة و الامن الوطني بكافة جوانبه السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي . و بها يمكن الحصول على النتائج المرضية و تحقيق الاهداف التي تكون ارضيتها متوفرة و ملائمة . اما عند التدقيق و التمعن العميق فيما يجري على الساحة السياسية في الشرق الاوسط بشكل عام و في العراق بشكل خاص اصبحت السياسة عملية تضليلية و تستخدم كفن لتسويق الشعارات البراقة استنادا على ما يتطلبه الواقع و المستوى الثقافي العام للمجتمع . ان كانت السياسة وسيلة حضارية هامة مستندة على اليات مناسبة من اجل تحقيق الاهداف المتعددة الخاصة بفكر و عقائد اي حزب او مجموعة او تكتل و من اجل الحفاظ على المنجزات لتقدم المجتمع في سبيل خدمة المواطن و الوصول الى السعادة و الرفاهية للشعوب و ليس لافراد معينة دون اخرى ، ان ما نراه في العراق غير ما هو جوهر السياسة . الا اذا القينا نظرة عابرة على الاحزاب الموجودة في هذه المنطقة بالذات، نتاكد بانها تعمل وفق ما تفرضه عليه مصالحها الذاتية فقط ،و تعمل كشركة تجارية عامة استنادا على مباديء نفعية و شعارات خيالية ، و باساليب و مراوغات و تفنن من اجل بيع سلعهم المتنوعة في السوق العام ، و يصل المزاد الى قمتها في فترات الانتخابات العامة ، و بدلا من تثقيف المجتمع و ايجاد الوسائل و الحلول للقضايا و المشاكل التي تخص المواطنين من كافة انواعها ، فيعمل الكادر الحزبي بما لديه من الثقافة و العقلية من اجل الحصول على الاصوات و بطرق عديدة و منها غير شرعية ، و اكثره عن طريق نشر الاشاعات و الاخبار و البحوث التضليلية و الملفقة استنادا على مناهجهم و تفكيرهم و عقائدهم مستغلين نقاط ضعف المجتمع و وضعه الثقافي و وعيه ، و في اكثر الاحيان يخالفون بنود المناهج الداخلية لاحزابهم التي اقروها من اجل تسويق شعاراتهم دون ان يطبقوا جزءا يسيرا منها ، و يتوقف نجاحهم على قدرتهم و امكانياتهم المادية و عدد كوادرهم و ليس نوعيتهم ، و به يضييق المجال امام النضال الصحي و الصراع و التنافس المثمر ، و لم يتم تقييم كوادرهم استنادا على طريقة علمية معتمدة على الامكانية الفكرية الثقافية و التنظيمية بل يعتمدون على قدرة الكادر على بيع سلعهم في سوق السياسة الكبير ، و هذا هو الماساة في عالم السياسة و المعرفة في هذه المنطقة. و بدلا من تكون الاحزاب اداة ناجحة في ترميم و اصلاح المجتمع من كافة النواحي اصبحوا عاملا حاسما لخلق الازمات و تعميق المشاكل و تعقيد القضايا . و عمل و اهتمام الاحزاب يختلف حسب افكارها و اعتقاداتها ، منها سلطوية احتكارية تستفيد من امكانيات الدولة و منها دينية و مذهبية تستفيد من السلطة و تمسك العديد بها نتيجة مستوى الوعي المعلوم و استنادهم على الافكار الروحانية الخيالية و من اجل اهداف عقيدية و سياسية دنيوية ، و منها عنصرية تستفيد من امكانيات الحكومات و المخابرات القومية و العنصرية و من تاجيج الروح القومي في اية مسالة من اجل الاهداف الحزبية المصلحية فقط ، و لذلك يتقدم كل حزب عن الاخر استنادا على قدرته و امكانياته المالية و ليس على افكاره و شعاراته الحقيقية و تنظيماته الحزبية ، او اعتمادا على قدرة كوادره او ملائمة افكراه و صحة عقيدته و اخلاص قيادته و تضحيته من اجل شعبه ، بل انقلب كل شيء فيما يخص العمل السياسي راسا على عقب و لم يسير القطار على سكته الصحيحة في عالم السياسة العراقية و لم يستند النضال السياسي على ما تفرضه المصالح الانسانية ابدا . و من جانب اخر القدرة و الامكانية المالية لم تستخدم في ارضاء المريدين و كسب المشترين فقط بل استخدمت لبناء الالية من اجل قمع المعارضين بكافة السبل و لكتم اصوات المثقفين و الكتاب و النخبة ، اي يمكن و صفها بالشركة او مؤسسة نفعية تستخدم كافة الوسائل من اجل المصالح الخاصة و المتضرر الاول هو الشعب . و به تتوسع الفجوة بين مثل هكذا احزاب و كافة مكونات الشعب و تنعدم الثقة و يخرج العمل السياسي عن ساحته الطبيعية و يصبح عائقا امام تقدم المجتمع بدلا من ان يكون وسيلة لتقدمه ، اي اصبحت المتاجرة بالعمل السياسي هو الشغل الشاغل بقصد او بغيره في الساحة السياسية العراقية ، و هو العائق الاكبر امام تحقيق المباديء الديموقراطية السامية و العلمانية الحقيقية ، و ليس اي حزب بحقيقي الا اذا كان مشاركا لهموم الشعب و انبثق منه و كان علاقته متينة به و هو يعمل من اجله و لخدمته و لتامين مستقبل اجياله و عاملا لحل مشاكله و قضاياه و متين الثقة به و نزيه و سامع لاراء نخبه و مثقفيه و مخلصيه ، و ليس كشركة عامة نفعية تعمل من اجل المتاجرة بسلعها في السوق الشعبي . و بعد ان تغيرت الاوضاع العامة في العراق عدة مرات خلال تاريخه المديد ، امتلك الفرد العراقي مجموعة من المميزات و الخصائص الاجتماعية ، و اتصف بالازدواجية في الفكر و الراي و العقلية و اختلف في السلوك و التصرفات و الاخلاقيات . و به يمكن ان نقول ان السياسة تستند في جانب كبير منها على الوضع الاجتماعي للمجتمع و الفرد ، و بهذا يمكننا ان نقول ان الاسباب الذاتية لافراد المجتمع و صفاته مساعدة لاتباع طريق الاتجار بالسياسة ، بالاضافة الى الظروف الموضوعية في الواقع السياسي و مؤثرات العصر و احتياجات الفرد اليومية و تدخلات الدول العديدة في شؤونه الداخلية سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا و اجتماعيا مما فتحت الابواب على مصراعيها امام اتخاذ السياسة كوسيلة للكسب المادي ، اي المصالح الشخصية هي التي تفرض نفسها على المصالح العليا ، و هذا ما مكٌن الاحزاب من الخروج من الخطوط الحمرللمباديء العامة للمجتمع و اضروا بمستقبل اجياله.
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا التملص من اجراء الانتخابات البرلمانية في اقليم كوردستا
...
-
انظمة الحكم المستبدة تحتٌم على المعارضين استغلال كافة الوسائ
...
-
المصالحة غير المشروطة مع البعث نكوث بالعهود الديموقراطية
-
الدولة المدنية تستوعب اليات ضمان الحقوق المختلفة للمجتمع
-
المدارس المختلطة تزيد فرص الابداع على المدى البعيد
-
دور المراة الهام في تحقيق دولة مدنية حديثة
-
النظام الديموقراطي ضامن لبقاء المجتمع المدني في كثير من المر
...
-
من اهم مهامات اليسار في المرحلة الراهنة، الواقعية و الاعتدال
...
-
مابين الليبرالية و اليسارية و الديموقراطية
-
المجتمع بحاجة الى المؤسسات و العقليات الثقافية التقدمية اكثر
...
-
اصرار البرلمان الكوردستاني على القائمة المغلقة للانتخابات ال
...
-
ما النظام السياسي و الحضارة التي تنصف المراة و تضمن حقوقها ؟
-
تمسك المراة بالروحانيات عادة مكتسبة
-
الشفافية تزيل الشكوك و الخوف من مجريات العملية السياسية الرا
...
-
العراق بحاجة ماسة الى اعادة التاهيل السياسي و الثقافي
-
اهمية ادارة التغيير و كيفية قطف ثمار الصراعات و الاختلافات
-
لماذا اختيار هذا الوقت لكشف تورط النواب العراقيين في الجرائم
...
-
اليسارية بين العقل والحرية
-
ماذا يحل بالمنطقة بعد نضوب النفط فيها ؟
-
هل ستنتظر امريكا نتائج انتخابات الرئاسة الايرانية لتتحذ الخط
...
المزيد.....
-
اكتشاف ثالث حالة إصابة بجدري القردة في بريطانيا خلال أقل من
...
-
حضور روسي مميز بمعرض ليبيا للأغذية
-
ترامب يتحدث عن -مشاورات جادة- لإنهاء الحرب بأوكرانيا
-
حسان دياب يكشف خفايا مهمة عن انفجار مرفأ بيروت
-
تحالف دجلة والفرات.. أفكار كاراكوتش تعود للواجهة
-
الشركات الأهلية حلقة من حلقات البناء القاعدي الشعبوي
-
بوعز.. تفاصيل جديدة عن الإيراني الذي اصطاد جنديين إسرائيليين
...
-
تبادل إطلاق نار في المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا
-
-حماس- تصدر بيانا بشأن فلسطينيين تتوقع الإفراج عنهم مقابل 3
...
-
عمدة مدينة اسطنبول أمام القضاء وسط هتافات المؤيدين ودعوات لا
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|