|
شارع المتنبي .. أرصفة تنطق بالحرف
ضياء الاسدي
الحوار المتمدن-العدد: 2596 - 2009 / 3 / 25 - 06:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كما ان للعملات والذهب والالماس والزهور اسواقا وبورصات، فأن للكتب بورصة وسوقا، وعشاقا وسمارا ومحبين ومقتنين. وربما تفسر اقامة معارض الكتاب وفي انحاء متفرقة من العالم وشدة الاقبال عليها العلاقة الاثيرة بين الانسان والكتاب.وفي اماكن متفرقة من مدن عديدة توجد اسواق متخصصة بالكتب، قديمها وجديدها، غالبا ما تقام وتزدهر ايام عطل الاسبوع. ولم تشذ بغداد عن هذا التقليد العريق فشارع المتنبي المتفرع من شارع الرشيد وامتداد سوق السراي التأريخي هو المكان الذي شهد ويشهد اكبر تجمع للكتب في العراق. من الواضح ان ثمة طقسا ثقافيا وعاطفة ومحبة وحنانا تربط الناس بهذا الشارع، خاصة بعد تعرضه لمحاولة اغتيال قاسية، نجا منها وخرج مثخنا بالجراح التي ما زالت آثارها على جسده ، ولكنه اثبت انه اقوى واعرق من ان تستطيع سيارة جهل وحقد مفخخة ان ترسله الى الموت. بين ثناياه ذكريات حقبات وعقود مرت على البلد الشقي، وللكتب ايام كما للبشرايام، تصعد حينا وتنزل حينا آخر، لعل سنوات الحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي، عندما ضغط الظرف الاقتصادي حتى كاد ان يطحن عظام العراقيين، اجبرت الظائقة الاقتصادية العديد مكرهين على بيع مكتباتهم اومقتنياتهم من الكتب: يقول بائع الكتب مازن لطيف انه لن ينسى منظر رجل متقاعد كان قد باع للتو مكتبته الشخصية جلس على رصيف الشارع وبيده نحو مئة الف دينار، والدموع تملأ عينيه، مرددا : " لعن الله اليوم الذي سأرجع فيه الى البيت ولا اجد كتبي ، لعن الله من تسبب ببيع مكتبتي" ، ـ في اشارة واضحة الى (القائد الضرورة) ـ، كان حزن ذلك الرجل الطيب كبيرا، وحاله كحال من دفن للتو ابناءه. موجات مرت بالشارع موجات وموجات من الكتب تسيدت لسنين، ثم انسحبت بهدوء لتحل كتب اخرى تكون موجة اخرى، يوضح نعيم الشطري بائع الكتب العتيق قائلا: أنه صدى ورجع ومزاج الحياة الثقافية والادبية للعراق ومحيطه الاقليمي، ومجاراة لحياته السياسية، ويتابع : اتذكر قبل ان يأخذ الشارع شكله الحالي، كانت بعض المكتبات في سوق السراي الذي تحول الى بيع القرطاسية تبيع كتب جرجي زيدان والمنفلوطي ومجلة المختار من ريدر دايجست قصص ألف ليلة وليلة ودواوين الشعر، ثم غزت الكتب والروايات العربية كقصص صاحب جائزة نوبل نجيب محفوظ وطه حسين وتوفيق الحكيم والعقاد وغيرهم من جيل الرواد، الذين يندر ان تخلو مكتبة اي خمسيني من احدها، ولا انسى فترة سيادة الكتب الدينية لسنين لاسباب عديدة، ومذكرات وسير الساسة العراقيين ايام الحكم الملكي. وعن حال الشارع ايام النظام الشمولي ، قال: انصاع الشارع لايديولوجية الاقصاء لاشهر الكتاب ، وثقافة اللون الواحد والرأي الواحد، وكانت الرقابة تمنع كتب مفكرين كبارا ليس بسبب ما في كتبهم، بل بسبب تصريح او موقف الكاتب من النظام، وسادت فترة انتعشت فيها دواوين الشعر الحر خاصة اعمال نزار قباني، وفي سنين قليلة قبل السقوط ظهرت طبعات (مستنسخة) لاعمال كتاب معارضين لحكم صدام، كان اشهرها كتاب (جمهورية الخوف) لكنعان مكية وكتب المفكر حسن العلوي، وكتاب شبيه عدي ( كنت ابنا للرئيس)، ولايمكن اغفال ذكر كتب حنا بطاطو عن الانظمة السياسية في العراق التي لاقت رواجا وطلبا كبيرين، ومن البديهي ان تلك الكتب كانت تباع لاناس ثقاة يتداولونها بينهم سرا. كتب حسب الطلب يشرح مازن لطيف احد باعة الكتب عن اكثر الكتب المتداولة هذه الايام ، قائلا : لولا جراح الانفجار لقلت يعيش الشارع الان ايامه الجميلة، فقد اكتظت واجهات المحال وعلى ارض الشارع ابرز الكتب، التي كان يحلم بها المثقفون، والتي كان من المستحيل وجودها في العراق. وعن اكثر الكتب رواجا في بورصة الكتب هذه الايام ، قال مازن : مذكرات السياسيين العراقيين، وكتب سياسية مثل مذكرات بريمر ومذكرات الرئيس كلنتون ووزيرة خارجيته مادلين اولبرايت، وعناوين اخرى لكتب فكرية حديثة بعضها نسخ اصلية تباع بالدولار، واخرى تستنسخ وتباع بالدينار. الشطري عاشق الكتب السيد نعيم الشطري واسماء لامعة اخرى لايمكن تجاوزها ان اردت الحديث عن شارع المتنبي، فهذا الرائع الذي يكاد ان يتنفس من عبير كتبه وعبق دكاكينه الناطقة بالحرف، سألناه عن ما يبحث عنه قراء اليوم، فاجاب : الكتب الفكرية والفلسفية هي الرائجة والمتسيدة، احيانا يأتينا قارئ لم يحدد عنوانا معينا، وهو كالظمآن الذي يريد ان يروي ظمأه بكتاب جيد، فنعرض عليه بعض الكتب بعد معرفة حقل اهتمامه، وثمة من ياتي باحثا عن كتب معينة، مثل كتاب ( قصة الحضارة) لديورنت، بحار الانوار للمجلسي، شرح البلاغة تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم، المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام لجواد علي وغيرها كثير.
#ضياء_الاسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المقاهي الادبية
-
المسكوت عنه في ثنائية السلطة والفنان
-
الفنان قاسم الملاك: أنا دقيق في اختياراتي ولا أرضى عن شيء بس
...
-
سيدي الباشا .. عبد الخالق المختار
-
فيروز.. صوت عابق برائحة الآس والليمون
-
أنتونان آرتو:الرجل الذي تحول الى مسرح!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|