احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 2593 - 2009 / 3 / 22 - 09:31
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
حقيقة هي انه مهما بلغت كثافة الضباب فانها لا تستطيع منع حبال نور الشمس من اختراقها، كما هي الحقيقة بعينها انه مهما لجأ مزورو الوقائع التاريخية والمنظّرون والساسة الدجالون وخدامهم في طمس، واحيانا تجاهل وحتى التضليل المبني على الكذب، مكانة ودور الشيوعيين في حلبة الصراع المصيري حول مستقبل فلسطين وشعبها، فان معطيات الواقع تشهد للشيوعيين على دورهم البطولي المميز. ففي العام الجاري 2009، يحتفل حزبنا الشيوعي ومعه الحزبان الشقيقان، الحزب الشيوعي الاردني والحزب الشيوعي الفلسطيني الذي يواصل حمل رايته حزب الشعب الفلسطيني، يحتفلون بمرور 90 سنة على نمو البذرة الشيوعية المباركة في ارض فلسطين الطيبة ضحية اغتصاب منهجي مبرمج لم يسبق له مثيل في التاريخ. فمن حيث نقطة البدء حسب التقويم التاريخي نشأت براعم الشيوعية في العام 1919 من خلال تنظيم "بوعلي تسيون" اليساري للمهاجرين الروس الذين قذفتهم الصهيونية الى فلسطين، اما الاعتراف رسميا بحزب شيوعي فكان في اجتماع "الكومنتيرن" - العصبة الاممية للاحزاب الشيوعية - في العام 1924. وقد تضمن اعتراف الكومنتيرن بالحزب الشيوعي توصيتين، الاولى، تعريب الحزب، بان لا يبقى محصورا على الرفاق اليهود في بلاد اكثريتها الساحقة من العرب الفلسطينيين اهل البلاد الاصليين، والتوصية الثانية المحافظة على تعزيز هوية الطابع الاممي الطبقي الثوري اليهودي - العربي للحزب، وان يتخلص الحزب الشيوعي من دنس بعض الشوائب الصهيونية التي كانت لا تزال عالقة في اذياله.
لقد ولد الحزب الشيوعي ونشأ على خلفية احداث وتطورات عالمية عكست اثرها على طابع الحزب ومكانته ودوره على حلبة الصراع. ومن اهم هذه الاحداث والتطورات يمكن التركيز على: اولا، ظهور الصهيونية كحركة سياسية تمثل مصالح البرجوازية اليهودية بين الجاليات اليهودية في اوروبا ومن ثم في بلدان القارة الامريكية الشمالية. وكان نشوؤها السياسي المنظم في مطلع تسعينيات القرن التاسع عشر وفي عز مرحلة تسريع وتيرة انتقال الرأسمالية من مرحلة السوق الحرة والتجارة الحرة الى مرحلة الاحتكار، وانتقال المنافسة بين ديناصورات البلدان الرأسمالية للهيمنة على الاسواق العالمية وطرق التجارة الى الهيمنة الاستعمارية المباشرة على سيادة البلدان الاخرى ونهب خيراتها وثرواتها. وقد كانت الصهيونية منذ نشأتها ربيبة للامبريالية وعلى استعداد لخدمة مصالحها، فقد قامت الصهيونية بدور رجعي في مختلف البلدان الرأسمالية الصناعية لفصل اليهود عن مختلف الكفاحات الثورية والتقدمية عن الحركات السياسية والدمقراطية والنقابية، بادعاء ديماغوغي ان الصراع ليس طبقيا وليس بين المستغلين وضحاياهم من المستغلَّين، بل بالنسبة لليهود الصراع هو عرقي ديني طائفي بين مختلف الشعوب واليهود الذين يعيشون بين ظهرانيهم، وان اللاسامية والعنصرية ابدية ومتأصلة بين مختلف الشعوب، ولا خلاص لليهود من كوابيس العداء والاضطهاد الا بقيام وطن قومي خاص بهم، واقامة حركة تحرر قومي عالمية لليهود لتخليصهم من "براثن" الشعوب الاخرى!
واختيار فلسطين وليس شبه جزيرة سيناء او اوغندا او الارجنتين كان خيارا استعماريا – صهيونيا متفقا عليه كأفضل مكان يمكن خدمة المصالح الاستعمارية من موقعه الجغراسياسي في قلب بلدان حركة التحرر القومي العربي، وافضل مكان يمكن للتضليل الصهيوني ربطة بغيبيات العلاقة الدينية ولهذا بدأت منذ التسعينيات من القرن التاسع عشر موجات الهجرة اليهودية المنظمة التي ترعاها الحركة الصهيونية العالمية والدوائر الاستعمارية، هذا مع ان الهجرة غير المنظمة الى فلسطين وباعداد قليلة بدأت في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر. ولكن نقطة التحول المأساوي كانت في الحرب العالمية الاستعمارية الثانية وانهيار الامبراطورية العثمانية واعادة تقسيم بلدان الشرق الاوسط بين المستعمرين الفرنسيين والبريطانيين. وفي الثاني من شهر تشرين الثاني سنة 1916 صدر وعد بلفور المشؤوم الذي كان يشغل منصب وزير خارجية الامبراطورية الاستعمارية البريطانية. فالمدلول السياسي لهذا الوعد المشؤوم عقد صفقة سياسية تآمرية بين القيادة الصهيونية والاستعمار البريطاني، فالاستعمار البريطاني يعد باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين "على حساب ارض وشعب فلسطين العربي مقابل تأهيل "هذا الوطن" للقيام بدور محفز استراتيجي امامي يخدم المصالح الامبريالية ضد حركة التحرر القومي والشعوب العربية، ووعد بلفور كان عمليا خلفية وضع حجر الاساس لنكبة الشعب العربي الفلسطيني، ومنذ وعد بلفور ووقوع فلسطين تحت وطأة الانتداب البريطاني فرض على الشعب العربي الفلسطيني ان يناضل ويقاوم على عدة جهات في موازنة قوى ترجح كفة المستوطنين الجدد المسنودين استعماريا وماليا من توظيفات الرساميل الصهيونية المتدفقة من الخارج. كان على العربي الفلسطيني ان يواجه العنصرية الصهيونية في "اليشوف المغلق" "بالعمل العبري" و"الانتاج العبري" والسوق العبرية الذي يعني اقفال الابواب في وجه العمال العرب والانتاج العربي اضافة الى سرقة الارض بمختلف الاساليب الثعلبية فثقافة مقاومة الظلم والظالمين، وبمختلف اشكالها السياسية الجماهيرية والمسلحة نشأت وتطورت لدى الشعب الفلسطيني في خضم الصراع ضد التحالف الاستعماري الصهيوني وتواطؤ العملاء من سماسرة الارض العرب وغيرهم معهم.
• ثانيا، كان لانتصار ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى في روسيا الامبراطورية الاثر التاريخي الهام على مجرى الصراعالعالمي وفي منطقتنا، فالنظام الشيوعي في وطن اكتوبر فضح على الملأ مخططات المستعمرين ضد شعوب المنطقة ومنها معاهدة سايكس بيكو لتقسيم بلدان المشرق العربي بين وحوش المستعمرين ووعد بلفور المعادي لحق وجود ومستقبل تطور الشعب العربي الفلسطيني. ولا يمكن انكار ان حملة الافكار الشيوعية من المهاجرين القادمين من وطن الاشتراكية الاول كان لهم الاثر في اقامة احد اعرق الاحزاب الشيوعية عالميا وفي منطقتنا وفي شحن الوعي الطبقي الثوري الكفاحي على حلبة الصراع في فلسطين، فمن يراجع التاريخ المجيد للحزب الشيوعي ومنذ السنوات الاولى لنشاطه انه اثرى الساحة الكفاحية، ساحة التطور والصراع بثقافة كفاح ومقاومة مميزة تعكس جوهر مضمون طابع هويته الاممية المميزة التي تغذي وتشحن الهوية الوطني ة الصادقة التي تخدم المصالح الحقيقية للجماهير الشعبية، فالحزب الشيوعي برفاقه العرب واليهود برز على ساحة الصراع الطبقي النقابي متضامنا مع العاملين ضحايا الاستغلال الرأسمالي وضد عنصرية "الهستدروت" احادية القومية والمعادية للعرب. ونتيجة لموقف الشيوعيين اليهود التضامني مع العمال العرب وضد عنصرية الهستدروت الصهيونية طردت كتلة الشيوعيين من الهستدروت في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي (اقرأ مذكرات القائدة الشيوعية العريقة بنينا فينهاوزن). وشارك الشيوعيون اليهود والعرب في التنديد ومواجهة جرائم المستوطنين في طرد الفلاحين العرب من قراهم ومن الارض التي يفلحونها بحجة انها ارض دولة (ميري)! او انهم اشتروها من اقطاعيين عرب من خارج فلسطين.
لقد كان الشيوعيون من اصلب المناضلين والمقاومين للمستعمرين البريطانيين وحلفائهم من المهاجرين والمستوطنين الصهيونيين واذنابهم من عملائهما العرب. ولهذا ليس من وليد الصدفة ان يلجأ المستعمر البريطاني بالتنسيق مع القيادة الصهيونية وقوى رجعية عربية الى طرد وتهجير قادة شيوعيين فلسطينيين وبالتنسيق مع القيادة الصهيونية وقوى رجعية عربية الى طرد وتهجير قادة شيوعيين فلسطينيين امثال القائد الشيوعي محمود المغربي الى خارج حدود الوطن بتهمة الخطر على امن تحالف المتآمرين. وعندما فجر الشعب العربي الفلسطيني ثورته الوطنية الكبرى في الستة والثلاثين من القرن الماضي ضد الاستعمار والصهيونية ولوقف الهجرة اليهودية الى فلسطين لم يتخلف الشيوعيون وشاركوا في الثورة، وعندما بدأت تبرز ملامح جدية لتغيير ميزان القوى داخل فلسطين من جراء تدفق الهجرة اليهودية الواسعة وتبلور شكل "دولة يهودية" داخل فلسطين الانتدابية، دولة منظمة ومبلورة اقتصاديا وعسكريا ونقابيا وحزبيا ومدعومة بالسند الاستعماري وبتدفق الرأسمال الاجنبي الصهيوني والمتصهين، وبدأت تبرز ملامح التآمر على مصير الشعب العربي الفلسطيني، في مثل هذه الظروف طرح الحزب الشيوعي برنامج وموقف اقامة دولة فلسطين الدمقراطية لينعم فيها "بعد جلاء المستعمر البريطاني، جميع سكانها من العرب واليهود بمساواة دون تفرقة قومية عنصرية او دينية طائفية او مذهبية. ولكن التحالف الثلاثي الدنس - والاستعمار والصهيونية وتواطؤ بعض القوى الرجعية معهما لم يضمر سوى الشر للشعب العربي الفلسطيني ونشطوا محراك الشر بتأجيج وتصعيد الصراع الدموي بين اليهود والعرب الى درجة اصبح من غير الممكن اقامة دولة فلسطينية واحدة للعرب واليهود معا. وكان قرار التقسيم في السبعة والاربعين القاضي باقامة دولتين متجاورتين واحدة تمثل حق تقرير المصير لليهود ومع بقاء اقلية عربية فلسطينية فيها ودولة عربية فلسطينية مستقلة وضمان حرية التنقل في القدس عاصمة الدولة لافلسطينية واقامة علاقة من اقتصادية وحسن جوار بين الدولتين. وايد الشيوعيون العرب في عصبة التحرر الوطني الفلسطينية والشيوعيون اليهود في الحزب الشيوعي الفلسطيني قرار التقسيم، فبالرغم من انه مجحف بالحق الوطني الفلسطيني، الا ان البديل له هي النكبة التي حذر الشيوعيون من كوارثها المرتقبة.
وعندما حلت النكبة بالشعب العربي الفلسطيني وقف الشيوعيون كالابطال يقاومون مؤامرة الترحيل والتطهير العرقي وقذف العرب الى اللجوء في الشتات القسري. وتحدى الشيوعيون السجن والسجان وارهاب الحكم العسكري في نضالهم العنيد والمثابر حفاظا على حق البقاء وفي الوطن وصيانة الهوية القومية الوطنية للجماهير العربية – هوية الكفاح المسؤول دون مزايدة او خنوع للظالم وفي شتى المجالات من اجل المساواة القومية والمدنية لجماهيرنا والحق الوطني الشرعي بالحرية والدولة والقدس والعودة لشعبنا، تسعون سنة من الكفاح المبدئي المثابر كحزب اممي طبقي ثوري مقاتل من اجل السلام والمساواة والعدالة الاجتماعية قد ثقف الحزب اجيالا من المناضلين والجماهير الشعبية بثقافة المقاومة المسؤولة ولمختلف اشكالها بعيدا عن المغامرة الفارغة وطرح الشعار المناسب والمهمة الكفاحية المناسبة في الظرف الزمني المناسب وفي المكان المناسب، وهذا هو "سر" مصداقية الحزب الشيوعي وتجدد شبابه المستمر والمتواصل خلال التسعين سنة، فحزب يحتضن مهمته الاساسية بحمل قضايا وهموم الناس الى اوضاع افضل، الى مجتمع العدالة الاجتماعية حيث لا مكان للتمييز القومي والترانسفيرية العنصرية والعنصرية الفاشية هو حزب اهل للحياة والتطور.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟