أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - ياسين الحاج صالح - -رابحا على طول الخط-.. رحل فارس مراد














المزيد.....

-رابحا على طول الخط-.. رحل فارس مراد


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2593 - 2009 / 3 / 22 - 09:31
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


طفولة فقيرة، شباب كفاحي من أجل فلسطين و"المجتمع العربي الاشتراكي الموحد"، سجن طويل طويل، صحة متداعية ومنع من السفر بعد الخروج من السجن، ثم وفاة مبكرة في التاسعة الخمسين.
هذه هي "قصة" حياة فارس الذي قضى في السجن أكثر من نلسون مانديلا: 29 عاما ناقصة بضعة شهور. مصير سوري نموذجي لهذا الفلسطيني السوري العربي، الذي احتفظ رغم كل شيء بالتفاؤل التاريخي الشيوعي وصرح بأنه "لم يخسر شيئا"، بل مضى إلى حد القول إنه "رابح على طول الخط".
يدرك فارس مراد أن ما يقوله مستحيل، فيضيف: "حتى لا يظن أحد أنني أتواضع تواضعا كاذبا، أنا معتد كثيرا بنفسي. لكن حقيقة، عندما أنظر إلى ما قمت به وقدمته إلى وطني، أراني مقصرا. هناك أشخاص قدموا روحهم ودمائهم في سبيل وطنهم" (كل الاقتباسات من حوار أجرته معه الزميلة رزان زيتونة، موقع ثروة، أكتوبر 2006). أبو فراس ينحدر من جيل جعل من الوطن مرة ومن الثورة مرة ومن الحزب مرة ومن الإيديولوجية مرة أيقونة مقدسة يتعبد لها المرء. كثيرون من هذا الجيل اكتشفوا أن تجارة الإيقونات رابحة جدا، وجنوا منها ثروات وأمجادا طائلة. ليس فارس منهم، لكن تفكيره السياسي لا ينصب أية حواجز في وجه ممارسة كهذه. ما قد ينصب حواجز هو نزع الأيقونية عن الأوطان والإيديولوجيات والأديان والأحزاب والأشخاص، والتوظيف في حرمة الحياة الإنسانية والكرامة الإنسانية. لو كان للحياة وللكرامة حرمة لما سجن فارس مراد 29 عاما. خرج منها محني الظهر، متصلب العمود الفقري، رئتاه مضغوطتان وعنقه متيبس (قرر الطب أنه يعاني من عجز يراوح بين 50 و70%). ولو كان للحياة اعتبار لما منع من السفر لتلقي علاج لمرض التهاب الفقار اللاصق (سبونديلوزيز)، لا تتوفر تقنيات ومؤسسات معالجته في سورية. هذا يعادل حكما بالإعدام بعد نحو 3 عقود سجنا.
***
في الرابعة والعشرين، عضوا في المنظمة الشيوعية العربية التي تجمع بين الشيوعية والعروبة كما يدل اسمها وبين العمل المباشر ضد "المصالح الامبريالية". فجرت المنظمة عبوة ناسفة في مركز تجاري أميركي في دمشق، راح ضحيته خطأ مواطن سوري. اعتقل 14 بالنتيجة هم جميع أعضاء المنظمة في سورية. خمسة أعدموا، وخمسة حكم عليهم بالسجن المؤبد، منهم فارس، و4 تقرر سجنهم لمدة 15 عاما فقط. وقتل أحد زملائهم وقت الاعتقال. يا لها من عدالة!
فارس ليس حاقدا مع هذا كله. "هناك محاسبة إذا جاء وقت المحاسبة، لكن بدون حقد". العدالة نعم، لكن ليس الانتقام. الرجل يشعر بالمسؤولية عن مستقبل وطنه الذي لا يبدو أن أحدا فيه، خلا قلة عاجزة، شعر بالمسؤولية عنه.
***
فارس نفسه لا يلتزم بتفاؤليته التاريخية. حين يتكلم على سجيته يستطيع أن يقول: "حياتي باتت عدما لا يرجى منه فائدة". وفيما ترك له العدم من حياة يثابر على التدخين رغم انضغاط رئتيه وتشنجهما.
"لا شيء في السجن يفتقد. كل ما ذهب غير مأسوف عليه"، يضيف فارس الذي بارح محبسه وهو في الرابعة والخمسين. لكن في السجن كان فارس يفتقد أكثر من أي شيء آخر "المرأة ولمستها الحانية". مجيبا على سؤال في هذا الشأن، يقول: "ما يمنعني جديا أن أبحث عن ارتباط بالمرأة الآن هو وضعي الصحي أولا ووضعي المادي ثانيا. عندما أفكر بالارتباط أود أن أتمكن من أن نعيش حياة طبيعية، نذهب ونجيء، لدينا رغبات نلبيها لبعضنا. أنا ليست لدي القدرات الجسدية للقيام بهذه الواجبات، ومن ناحية ثانية إذا أحببت أن أعزمها على فنجانه قهوة فليس معي ثمنه". كم هذا أليم؟ وكم هو مهين لبلدنا وجيلنا كله؟ ليس هناك ما يسوغ في هذه الدنيا، ولا في أي دنيا، ممكنة سجنك المديد يا فارس وضيق ذات يدك الشديد وعجزك الصحي ومنعك من السفر لتلقي العلاج وفقدك للحب. لا "المجتمع العربي الاشتراكي الموحد" ولا "الوطن"! أي وطن هذا يثابر على تدميرك بهذا الدأب منذ اعتقلت صيف عام 1975؟
لن يستعيد وطنك كرامته إلا حين يعتذر منك ذات يوم، ويقطع على نفسه عهدا ألا يعامل أبناءه أو أي إنسان بهذه الوحشية. إلى ذلك الحين السلام عليك يا أبا فراس!



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يصبو الإنسان إلى الحرية؟
- الإخوان المسلمون السوريون وتعليق النشاط المعارض.. ماذا بعد؟
- أصول ثقافية للعسر السياسي العربي
- سورية موضوعا مستقلا للمعرفة!
- في شأن -الأخلاق الموضوعية- لمقاومة الطائفية
- الرحيل الأخير لصالح بشير
- أربعة وجوه للمسألة الغربية
- نقد مفهوم التقدم كشرط لبلورة نقد تقدمي
- مضاربة، مضاربة، مضاربة
- بصدد بعض أصول هشاشتنا النفسية ضد الوطنية القبلية
- ثقافة الحرب الأهلية ومثقفوها
- في شأن أخلاقيات مقاومة الطائفية
- في تغيرات الإيديولوجية السورية وأصولها
- في نقد العنف اللفظي ضد العرب والإسلام
- عن -المجتمع المكشوف- وتحرره
- البوشية وتحطيم الديمقراطية
- الصراع الوجودي والصراع العدمي
- ما وراء -كي الوعي- وما تحت الوعي المكوي
- في نقد لبنان.. خواطر في شأن بيروت والثقافة والحرية
- أنهاية الردعية الإسرائيلية؟!


المزيد.....




- الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - ياسين الحاج صالح - -رابحا على طول الخط-.. رحل فارس مراد