أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعدي يوسف - طائرُ النار : من باليرمو إلى كاراكاس















المزيد.....

طائرُ النار : من باليرمو إلى كاراكاس


سعدي يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 795 - 2004 / 4 / 5 - 09:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في العشرين من آذار 2004 ، كنتُ في باليرمو ، عاصمة جزيرة صقلية ( حيث وضعَ الشريفُ الإدريسيُّ يوماًما أولَ خرائطِ العالَـم في عهد روجر الصقليّ ملكِ النورمان ) . ذهبتُ إلى هناك إحياءً ليوم الشعر العالمي ، وكان
معي محمد بنيس من المغرب وفاطمة قنديل الشجاعة من مصر ، وشاعران وشاعرة من إيطاليا . المستشرقة الإيطالية المعروفة فرانشسكا كوراو كانت وراء الدعوة . قرأنا قصائدنا باللغة العربية مع ترجمة أمينةٍ باللغة الإيطالية ، أمّـا
المكانُ فكان بيتاً عربياً قديماً تخلّــى عنه الجيشُ مؤخراً ، فاعتُـبِـرَ مَـعْـلَماً ثقافياً من مفاخر صقلية .
وماذا تفعلين الآن يا فرانشسكا كوراو ؟
أنا أُعِـدُّ الآن ديواناً للشعر العربي بالإيطالية ، منذ العصر الجاهلي حتى اليوم …
إنه لَـمشروعٌ ضخم !
نعم ، وأنا أشتغلُ عليه منذ عشر سنين !
المفاجأة كانت حضور الشاعر التونسي منصف غشّـام ( وهو شاعرٌ صديقٌ يكتب أشعاراً جميلةً بالدارجة التونسية
والفرنسية الرفيعة ) ، حيثُ أدّى مع فرقة مختلطةٍ برنامجاً امتزجَ فيه الشعرُ والغناءُ والموسيقى والحركة الإيمائية .
لم أُطِـلْ مكثاً في باليرمو ، إذ كانت عليّ العودةُ إلى لندن في الثاني والعشرين لأغادرَ إلى كاراكاس ، حيث إحياءُ
اليوم العالمي للشعر في " المهرجان العالمي الأول للشعر في فنزويلا " .
***
فنزويلا هي ثاني بلدٍ من أميركا اللاتينية أزوره بعد كولومبيا . مساحة البلد ضعف مساحة العراق . رابع بلدٍ مصدِّرٍ للنفط في العالم ، وكان مع عراق عبد الكريم قاسم ، مؤسسَي منظمة الأوبك . رئيس فنزويلا الحالي هو هوغو رافاييل شافيز ، الذي نجا قبل أعوامٍ من محاولة انقلابٍ دبّـرتها الولاياتُ المتحدة …
نصيرٌ للفقراء ، مكروهٌ لدى الأغنياء .
قد كنتُ تلقّـيتُ قبل أشهرٍ دعوةً لحضور المهرجان من وزارة الثقافة الفنزويلية ، باعتباري " شـاعراً وممـثلاً لشعبي ". القصائد اختيرتْ بعناية ، وتوافرت الترجمة الجيدة إلى اللغة الإسبانية .
في سفارة فنزويلا بلندن مُنِـحتُ تأشيرة الدخول في اليوم نفسه ( وهو أمرٌ نادرٌ هذه الأيامَ ) .
إذاً ، على الطائر الميمون ، طائرِ النار ، إلى كاراكاس ، يوم الثالث والعشرين من آذار !
***
الطيران من لندن إلى كاراكاس يستغرق حوالي عشر ساعاتٍ في رحلة متّـصلةٍ عبر المحيط ، حيث ليس مع الماء إلاّ الماء ، وحيث لا يصل المرءُ إلاّ إذا أحسَّ باليأسِ من الوصول !
في المطار استقبلني شابّـانِ مبتسمان ، حملَ أحدُهما لوحةً عليها إسمي . وهكذا من المطار إلى هلتون كاراكاس الضخم . ما أن دخلتُ البهوَ حتى رأيتُ محمد بنيس الذي سبقني إلى هنا ليحضر افتتاحَ المهرجان . من شعراء العربية كان عباس بيضون أيضاً .
عجباً !
كم هو صغيرٌ ورائعٌ عالَـمُـنا …
***

كانت قراءتي الأولى مساء الخامس والعشرين ، مع عباس بيضون الذي قرأ قصيدته المشهورة " صور " ، والشاعر الصيني المقيم في الولايات المتحدة بي داو ، وهو شاعرٌ ممتازٌ ، خفيضُ الصوتِ ، عميقُ النصِّ .
قرأتُ قصائدَ عدّةً بدأتها بقصيدتي " أميركا ، أميركا " . كنتُ أقرأُ باللغة العربية ، بينما يجري عرضُ النصّ الإسباني
على شاشةٍ عريضةٍ .
وبالنظر لظروف فنزويلا الحالية ( بمواجهة الولايات المتحدة ) حظيتْ هذه القصيدةُ بالتصفيق ووقوف الحاضرين ، وقد أشار وزيرُ الثقافة إلى هذا الأمر حين التقينا بعد أيامٍ مع الرئيس شافيز حول مائدةٍ مستديرةٍ .
***
يتصلُ هلتون كاراكاس ، عبر جسورٍ وسلالمَ ، بالـمُجَـمّـع الثقافي الضخم ( الذي يُعتبَـر أضخم صرحٍ من نوعه في أميركا اللاتينية ) ، حيث المسرح والسينما والمعارض الفنية والورَش ودار النشر الوطنية … إلخ ، وحيث أقيمت الأماسي الشعرية في مسرحٍ يتّسعُ لحوالي ألف وخمسمائة شخص .
زرتُ ، صُحبةَ شاعرةٍ أستراليةٍ تجيد الإسبانية ، دار النشر الوطنية ، والتقينا بمديرها الذي أطْـلعَـنا على جهد مؤسسته المرموق في نشر الشعر الفنزويلي من الأنثولوجيا الضخمة إلى الديوان الصغير .
سألتُه عن عدد مطبوعات الدار سنوياً . قال إن الدار تصدر ثلاثين عنواناً في العام . كم نسخة تطبعون من ديوان الشعر ؟ بين ألفٍ إلى ألف وخمسمائة نسخة . ودورة مبيع الديوان؟ بين عامٍ إلى عامين …
لقد كانت الدواوين ذات طباعة ممتازة وأغلفة جميلة وأسعارٍ معقولةٍ بل رخيصةٍ .
لكن الناس فقراء .
والأميّـة منتشرة .
الآن تجري حملةٌ وطنيةٌ لمكافحة الأميّـة .
وتحاول حكومةُ شافيز ، جاهدةً ، تحسين مستوى العيش للجماهير الكادحة ، وبخاصة في الإسكان وتأهيل أكواخ الصفيح بمساعدةٍ من الدولة .
***
كان اللقاء الأول مع الرئيس شافيز ، حول المائدة المستديرة ، في منتهى الهدوء واللطف .
تحدّث ، قبله ، وزيرُ الثقافة ، عن مشكلات البلد والمشاريع الثقافية وانطباعاته عن المهرجان ، وحين دخل الرئيس شافيز ، ربّت على كتف وزيره ، كي يتابع حديثه …
كان شافيز يرتدي بدلةً بسيطةً أقربَ إلى " السفاري " ، ويتهللُ مرحاً .
تحدّثَ حديثاً متوسط الطول ( هو مشهورٌ بإطالة الخطاب ) ، عن المتاعب والمشاريع ، عن الإعلام المعادي ، ومحطات التلفزيون الرجعية في فنزويلا ، وأفصحَ عن أحلامه في إعادة الروح إلى حركة عدم الإنحياز ، وفي الثورة البوليفارية عبر أميركا اللاتينية …
قال إن الفقراء يستعملون الإنترنت مجّـاناً ، وللمرة الأولى تقدم المدارسُ وجبة طعامٍ مجانية …
خططٌ عن الإستفادة المثلى من ثروة البلد النفطية . إصرارٌ على صيانة الإستقلال والدفاع عن الكرامة الوطنية.
***
اللقاءُ الثاني مع الرئيس شافيز كان على مائدة عشاءٍ في قصرٍ رئاسيٍّ عريق ( العمارة عموماً ذات مؤثراتٍ إغريقية/ رومانية ، وإسبانيولية/ موريسكية ، باستثناء كوزموبوليتية الزجاج والمعدن في الحيّ التجاريّ ) .
كان هناك غناءٌ: مغنية ممتازة ، وقيثار وجَـلو .
وكان هناك طعامٌ :
قلوب نخيل ، وأفوكادو
روست كريوليّ
رزٌّ وفليفلة
زوجيني وجَـزَر
أنصاف جْوافة مع كْـرِيم جُبن
خبز كاسافا
قهوة
عصير : باينأبل وتوت.
النبيذ: شـيليّ
***

حول المائدة ، كنا أربعة ً : شاعرة من أستراليا ، شاعرٌ كهلٌ من فنزويلا ، فتاةٌ فنزويلية تترجم إلى الإنجليزية
( الموائد حسب اللغات ) ، وأنا .
فجأةً جاء الرئيسُ شافيز إلى مائدتنا ، وجلس رفقةَ أحد ضباطه الشبّـان .
سيدةٌ لبنانية ( أصلُها من الشويفات ) مدرِّسة وشاعرة باللغة الإسبانية ، تولّت ترجمة الحديث بيني وبين الرئيس.
شكرتُه لإقامة المهرجان ، كما شكرتُ له موقفه الواضح ضد احتلال العراق وإعادة استعماره . قال باللغة العربية:
السلام عليكم .
وتمنى أن يتغلّب الشعبُ العراقيّ على محنته.
قال لي أيضاً بالحرف الواحد: هذه البلاد بيتك …
***
فنزويلا بلادٌ واسعةٌ .
الأمازون العظيم يبدأ من هنا ، ليكون في البرازيل .
وقممُ الأنديز ( حيث آلهة الهنود القدامى ) هنا أيضاً …
***
وإلى الأنديز ذهبتُ !
قيل لي إنني سأقرأُ شعراً في ميريدا …
وبالطائرة ذات المقاعد العشرين أذهبُ إلى ميريدا .
يا أُمَّ الله المقدّســة !
يا سيدةَ الثلج …

Notre Dame de Neige
وقمّة فون همبولدت ( 4770متر فوق سطح البحر ) المكللة دوماً بالثلوج ، همبولدت الذي تحمل جامعة برلين اسمه ، والذي قال عنه سيمون بوليفار إنه أعظم عالِـمٍ في العالَـم …
قمّة سيمون بوليفار ( أكثر من خمسة آلافٍ مترٍ فوق سطح البحر ) التي لم أرها … حيث الآلهة القديمة اتخذت مساكنها وحيث الصقورُ المحوِّمة ونسور الكوندور …
هنا في الأنديز ، حيث فراشاتُ النهار
وفي الليل : فراشاتٌ هائلةٌ بحجم الوطاويط ، سودٌ ومباغِـتةٌ …
هنا حيث الـبُرَكُ الربّانيّـةُ تغذو أسماكَ التروت العجيبة !
سوف أشربُ رحيقَ الماندارين ، أو اللوزِ الـمُـرِّ …
مباركةٌ أيتها الأرض !


لندن 4/4/2004




#سعدي_يوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تكوين 34 - في ميلاد الضوء الشيوعي -
- مَــنازل
- رائحــة
- الناسك
- نارُ الحطّـابين
- يومياتٌ ذاتُ مغزى
- مســتعـمَــرةٌ رومانـيّــةٌ
- ذَبـــذَبـــــةٌ
- ســاعات أندريه جِـيد الأخيرة
- ســاعاتُ لوركا الأخيـرة
- لو كان الصبحُ جميلاً
- عُـرسُ بناتِ آوى الباريسيّ
- أمُّ المعاركِ : حربُ - القَـبَـضايات -
- البــلدُ المستحيــلُ
- امبراطوريةٌ ليست كالأخريات ، أيضاً
- طبيعةٌ غيرُ مـيِّـتةٍ
- إمبراطوريةٌ ليست مثلَ الأُخرَيات
- حــياةٌ جـــامدةٌ
- الليلةَ … لن أنتظرَ شـيـئاً
- - قوائمُ - بلا حدود …


المزيد.....




- روسيا تعلن استعادة إحدى آخر القرى في منطقة كورسك من القوات ا ...
- -الاتفاق أفضل-.. ترامب يعلن عن محادثات مهمة مع إيران حول برن ...
- لماذا يُحب ترامب أردوغان؟
- طهران تعلن عن موعد الانطلاق لمحادثات -غير مباشرة- مع واشنطن ...
- Ph?c m?n ???ng 789club – T?a game c?c hot dành cho bet th?
- Ng? long sicbo 3D 789club – Tr?i nghi?m c? c??c m?i l? và th ...
- مشاركة عزاء للرفيق ثائر تيم بوفاة خاله
- الخارجية الروسية: الاتفاقية بين روسيا وإيران لا تنص على تباد ...
- -يديعوت أحرنوت-: تراجع أعداد المليونيرات في إسرائيل.. 1700 م ...
- الإعلام الروسي يكشف تفاصيل عن حياة ماهر الشرع في روسيا (صورة ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعدي يوسف - طائرُ النار : من باليرمو إلى كاراكاس