أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم عزمي - لن يعود .. قصة قصيرة















المزيد.....

لن يعود .. قصة قصيرة


كريم عزمي

الحوار المتمدن-العدد: 2590 - 2009 / 3 / 19 - 09:49
المحور: الادب والفن
    


يحاول كريم الإتصال للمرة الألف بصديقه سامر .. غير متاح .. لم تعد فيروز تشدوا بأغنيتها ( حبيتك تنسيت النوم ) لتعلن عن اتصال كريم به .. اربعة ايام من القلق المتواصل .. يشعر كريم بالعجز غير قادر على فعل شىء او معرفة أخر اخبارسامر .. غير قادر على انجاز أي من مهامه الوظيفية المكلف بها .. يجلس كريم بمكتبه عقله مشغول و القلق يعتصر قلبه .. يفتح الرسائل القصيرة على موبيله و يقرأ أخر رسالة وصلته من سامر .. يقرأها للمرة المائة محاولاً تلمس او فهم ما بين السطور :

( ماما عرفت كل شىء و البيت مقلوب )

علامات استفهام كثيرة تحوم حول هذه الجملة : كيف عرفت ؟ و متي ؟ و ما دليلها ؟ و ما رد فعلها ؟ ..... إلخ و لكن كريم لا يصل لأي من الاجابات التي قد توضح له الموقف .

استطاع كريم الوصول لمجموعة من الأرقام عن طريق البحث في دليل الهاتف من المفترض ان يكون من بينها رقم تليفون منزل سامر .. لكنه متردد في الاتصال .. كيف سيتكلم و من سيجيب عليه .. و ما هو الوقت المناسب للإتصال .. كان الخوف يملأه و لكنه لابد من الاطمئنان على سامر .. ربما يكون قريب من الهاتف فيجيب هو عليه .

لذلك قرر أن يتصل به اليوم في فترة الظهيرة .. من المحتمل ان يكون باقي أفراد الأسرة بالخارج حيث العمل أو الدراسة .. انتظر كريم حتى ذهب زميله الذي يعمل معه في نفس المكتب لتصوير مجموعة من الأوراق حيث اصبح كريم وحده بالمكتب .. اخرج الورقة التي دون بها مجموعة الأرقام و قام بالاتصال بالرقم صاحب الاحتمال الأكبر .. دقات قلب كريم أعلى من رنين الهاتف .. حتى أجابه صوت نسائي قائلاً :

- ألو
- السلام عليم .. ممكن أكلم سامر ؟
- انت مين ؟
- زميله في الجامعة
- اسمك ايه ؟
- اسمي عمر
- انت في سنة كام ؟
- في سنة رابعة
- أية اسماء المواد اللي انت بتدرسها السنة دي ؟
- هو فيه أيه حضرتك ؟ أيه لزمة الأسئلة دي كلها ؟
- انت عاوز ايه ( بصوت عالي )
- سامر موبيله مقفول من كام يوم .. فكنت قلقان عليه و كنت عاوز اطمن عليه
- تطمن عليه بصفتك ايه ؟
- ممكن اعرف مين حضرتك ؟
- و انت مالك ؟
- حضرتك بتسألي أسئلة غريبة و كأني بتصل علشان اعاكس .. انا عاوز اكلم سامر و اعتقد ان دي مفهاش حاجة

كل هذا الحوار و نبضات قلب كريم في ازدياد .. حتى انه لم يعد يعرف ان كان يتنفس أم لا و لكنه أكمل الحوار قائلا :

- أوكي يا ستي .. مش عاوز أكلمه .. المهم هو كويس ؟
- و انت مالك ؟ بتسأل عليه ليه ( بصوت مرتفع )
- خلاص يا ستي متشكر جدا ليكي .. سلام عليكم

كاد كريم يغلق الموبيل و لكنها اكملت كلامها بصوت مرتفع قائلة :
- منكوا لله .. منكوا لله
- خلاص يا ستي انا مش عاوز اكلمه
- ما هو انت مش هتقدر تكلمه تاني علشان خلاص
- خلاص ايه هو فيه أيه ؟
- انت بتقول انك زميله مش كده ؟
- ايوة

بدأ صوتها يميل إلى البكاء و الصراخ

- و انت يا زميله متعرفش انه مات و اندفن امبارح

نزلت الكلمات على كريم ألجمت لسانه .. لم تعد الكلمات قادرة على الخروج من فمه .. سبقتها الدموع و اكملت هي صراخها و بكائها :

- منكوا لله .. انتوا اللي قتلتوه .. منكوا لله

أغلق كريم الموبيل و انهار في البكاء .

****

انفتح باب المكتب .. كريم مازال يبكي .. يدخل هشام - زميل كريم - يجري تجاه كريم بعدما شاهد كريم منهاراً على الرغم من محاولات كريم في اخفاء دموعه و لكنه لم ينجح في ذلك :

- كريم .. مالك . فيه أيه ؟

كريم ما زال غير قادر على الكلام .. اخذه هشام في صدره ليهدء من روعه و بدأ يربت على ظهر كريم الذي ازداد في البكاء لكنه لم يستطيع أن يبوح بشىء مما حدث له .. مسح كريم وجهه و ذهب للحمام ليغسل وجهه .. و عندما عاد .. قال لهم أن أحد اقاربه قد توفي و أنه لابد أن ينصرف الآن لانه لن يستطيع أن يكمل عمله و هو في تلك الحالة لهذا استأذن في الإنصراف و طلب أجازة لمدة يومين .. و انصرف سريعاً ليهرب من أسئلة الزملاء و رغبتهم في معرفة سبب هذا الانهيار الذي أصابه .

***

فتح كريم باب الشقة و اتجه مباشرة إلى حجرته .. متجاهلاً سؤال أمه عن اعداد الغداء .. لم يريدها ان ترى عيناه الباكية .. ليس قادراً على مواجهة أى أسئلة الآن .. رمي كريم جسده فوق السرير محاولاً ترتيب افكاره و استرجاع الحوار الذي دار بينه و بين الصوت النسائي .. هل حقاً هي صادقة ؟ لا أعتقد انها قادرة على تمثيل هذا الدور من صراخ و بكاء .. و لكنه كيف مات ؟ هل انتحر ؟ هل قتلوه ؟ لم يعرف كريم يريد ان يتأكد من هذا الخبر .. قرر الاتصال مرة أخرى :

- سلام عليكم .. ممكن أكلم سامر ؟
- ( صوت نسائي بلهجة عنيفة ) مش قلتلك انه مات .. مات
- أرجوكي .. بلاش تقولي كده .. ازاي تقولي على أخوكي كده ؟
- ( بصوت حاد اقرب للصراخ ) علشان هو مات فعلاً
- طيب مات ازاي ؟
- و انت مالك ؟
- يبقى مش مات
- خبطته عربية و مات
- ازاي خبطته عربية و هو مش بيخرج من البيت
- انت مين ؟ و عاوز ايه ؟ انت تعرف كريم ؟

صمت كريم مندهشاً و لكنه أجاب قائلاً :

- ايوة أعرفه .. أنا كريم
- طيب قولي كان فيه أيه بينك و بين سامر .. أرجوك قولي كل حاجة .. أنا أمه مش أخته
- ( يبكي كريم ) طيب قوليلي هو مات ازاي ؟
- أبوه قتله .. أبوه قتله لما عرف اللي بينكوا
- ليه ؟ حرام عليكوا ( ارتفع صوت بكائه )

أغلق كريم الهاتف لان صوته انحشر و لم يستطيع الكلام .. اخد يسير كالمجنون في حجرته .. غير قادر على كبت دموعه .. يكتم صوت صرخة داخله خوفاً من أن تسمعه أمه .. مسح كريم وجهه و خرج إلى الحمام .. فتح الدش ووقف تحت المياة الباردة علها تهدىء النار التي بداخله .. لا يذكر كم من الوقف استمر هناك تحت المياة .. جفف كريم جسده و ارتدى ملابسه و خرج من البيت متجهاً للمدينة التي يعيش بها سامر و التي تبعد عن مدينة كريم حوالي الساعتين .. كانت الساعة قد قاربت السادسة مساءاً .. لم يستطيع كريم أن يصبر للغد ليسافر نهاراً .

***

في العربة المتجهه نحو مدينة سامر .. جلس كريم بجوار الشباك ناظراً للخارج محاولاً اخفاء عيناه الدامعتين عن باقي الركاب .. و مرت الساعتين كأنهم عامين و مرت خلالهم كل ذكرياته مع سامر .. كل شىء منذ اللقاء الأول و حتى اللقاء الأخير .. و حينما يتذكر خبر موت سامر تنهمر دموعه .. حتى وصلت العربة لنهاية الطريق و نزل كريم منها .. لا يعرف إلى أين سيتجه و لا يعرف أين هو الآن .

وقف كريم برهة من الوقت يحاول أن يستجمع كل المعلومات و تفاصيل الأماكن و الشوارع و المعالم التي مر بها في تلك المدينة التي زارها مرة واحدة فقط مع سامر .. تلك الزيارة التي أراد سامر ان يعرض لكريم اين يعيش و اين يمشي و كل الأماكن التي يحبها .. كانت زيارة واحدة .. حتى كريم لم يكن يعطي كامل انتباه لمعالم المدينة بقدر ما كان ينظر دائماً إلى سامر ذلك الشخص الذي عشقه و أحبه أكثر من نفسه .

أخذ كريم يمشي و يمشي حتى وصل إلى شارع تذكره .. نعم انه الشارع الذي به عيادة والد سامر .. ها هي اللافته تحمل اسم والده .. خفق قلب كريم .. صعد يجري على السلالم للدور الثالث حيث العيادة .. كاد ينكفء على وجهه عدة مرات أثناء صعوده جارياً .. وجد العيادة مفتوحة و بها بعض المرضى .. فرح كريم .. فلو كان سامر مات فلن يستطيع والده فتح العيادة .. لم يدخل كريم العيادة و لكنه أخذ رقم هاتف العيادة المكتوب على اللافته و نزل كريم على السلم فرحاً .

بعد معرفة مكان العيادة تذكر كريم الطريق لبيت سامر .. أخذ يسرع و يسرع حتى وصل للبيت .. يرى نور حجرة سامر بالدور الرابع مضاء .. فقد اخبره سامر أن تلك الحجرة المطلة على الشارع هي حجرته .. أراد أن يصرخ كريم منادياً على سامر .. أراد لو أنه يمتلك قدرات خارقة مثل سبيدرمان ليطير ليصل لحجرة سامر ليطمئن عليه .. صعد كريم سلالم بيت سامر حتى وصل للشقة التي بها يعيش سامر .. نبضات قلبه كانت تعلو و تعلو كلما اقترب .. وقف كريم أمام باب الشقة قليلاً لا يعرف ماذا يفعل بعد ذلك .

***

نزل إلي الشارع مرة أخري و ما زالت عيناه معلقتان على شباك حجرته .. اخرج الهاتف اتصل بهاتف عيادة والد سامر .. جاءه صوت رجولي قائلاً :

- ألو
- ألو .. السلام عليكم .. لو سمحت ممكن أكلم دكتور سعيد ؟
- دكتور سعيد لسه موصلش .. أي خدمة ؟
- أيوة حضرتك .. كنت عاوز اتاكد من خبر وفاة حد في عيلة الدكتور .. الكلام ده صحيح ؟
- حالة وفاة ؟ حد من البلد ؟
- أيوة
- معنديش فكرة والله
- طيب أوكي متشكر أنا هتصل بيه على البيت

أغلق كريم الموبيل و تعلوا الابتسامة و الفرحة وجهه .. ها هو الآن يتأكد أن حبيبه ما زال هناك .. ينبض بالحياة .. صحيح أنه لم يعرف عنه شيء .. هل هم يعذبوه ام هو محبوس فقط .. المهم انه ما زال هناك .. اراد ان يصرخ بأعلى صوته اسفل نافذته و يقول له بحبك يا سامر .. و لكنه مشى .. يكفيه ما حدث له اليوم .. يدهشه أداء تلك السيدة التي أدت الدور ببراعة و اتقان .. صراخ و صوات و بكاء .. استطاعت ان تخدعه .. تذكر كريم أنه لم يتناول أي شيء طوال هذا اليوم .. اشترى بعض العصائر و الباسكوتات ثم اتجه نحو موقف العربات العائدة لمدينته .

***

في عربة العودة .. نام كريم .. لم يشعر إلا بالرجل الجالس بجواره يوقظه ليعلمه بالوصول .. بعدما عاد كريم للبيت .. اتصل بصديقته المقربة له .. حكى لها كل ما حدث له في هذا اليوم العصيب الذي لم يعيش كريم مثله في حياته .. انصتت له لأخر كلمة ثم قالت له :

- عاوز نصيحتي يا كريم
- يا ريت طبعاً
- بلاش تستنزف مشاعرك .. أهله عمرهم ما هيأذوه .. مهما حصل مش هيأذوه .. و من الأفضل تبعد .. لأن علاقتكوا كده انتهت .

صمت كريم و لم يجيب و لكن قلبه امتلأ بالحزن و أكملت هي قائلة :

- حتى لو بعدين أهله سابوه و قدر يخرج و يكلمك و قدرت تقابله .. عمر ما مشاعره ليك هتكون زي الأول
- ليه ؟
- انت متعرفش لما يرجع و يخرج من الأزمة دي هيكون لسه بيحبك و لا لاء .. كمان هيفضل فاكر انك سبب من أسباب المشكلة اللي هو فيها دلوقتي .. و مش بعيد يحملك الذنب كله .. و هتفضل علاقته بيك مرتبطه بالألم اللي اتعرضله دلوقتي .. فبلاش تستنزف مشاعرك ع الفاضي .

أغلق كريم الهاتف حزيناً مفكراً في كلامها .. هل حقاً ستكون هذه هي النهاية .. و انه لن يعود إليه مرة أخرى حتى لو انتهت الأزمة ..



#كريم_عزمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هاكاتاه .. قصيدة
- قُبلة .. قصة قصيرة
- تمنيت أن أعيش في الهواء
- أدم و الشجرة المُحرمة
- ليلتها الأخيرة .. قصة قصيرة
- دِول العالم النائم
- تاريخ حركة الدفاع عن حقوق المثليين
- إخناتون و سمات الرجولة
- حبك داخلي أبداً لن يموت
- اللقاء الثاني .. قصة قصيرة
- لما أكبر هتغير !!!
- حوار جمعية القوس مع كريم عزمي
- للوقاية من المثلية الجنسية
- حينما يتزوج المثلي امرأة
- إيساف .. قصة قصيرة
- المثلية الجنسية و التدين
- التفاح الأخضر و التفاح الأحمر و المثلية الجنسية


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم عزمي - لن يعود .. قصة قصيرة