|
حكاية -أبناء السلطان- فيها حكمة كبيرة
جميل السلحوت
روائي
(Jamil Salhut)
الحوار المتمدن-العدد: 2587 - 2009 / 3 / 16 - 06:14
المحور:
الادب والفن
صدرت حكاية " أبناء السلطان " الشعبية عام 2008 عن منشورات مركز أوغاريت الثقافي في رام الله – فلسطين ، وهي من اعداد الدكتور نمر سرحان ، ورسومات منار بعيرات ، وبصفحات غير مرقمة . بداية لا بدّ من التذكير بأن الأديب الدكتور نمر سرحان هو أحد أبرز الباحثين الفلسطينيين في الفولكلور الشعبي – فهو صاحب " موسوعة الفولكلور الفلسطيني " كما أنه أحد كتاب مجلة " الأفق الجديد " التي صدرت في القدس في ستينات القرن العشرين . وحكاية " أبناء السلطان " التي نحن بصددها هنا ، هي احدى الحكايات الشعبية العربية ، وبما أن التراث الشعبي جزء من الهوية الوطنية لكافة شعوب الأرض ، فإنه يجدر التنويه الى أن التراث الشعبي العربي لا يلقى ما يستحقه من جمع وتدوين ودراسات بحثية ، مع التقدير للجهود الفردية التي قام ولا يزال يقوم بها بعض الباحثين والدارسين في طول العالم العربي وعرضه ، وكذلك بعض المؤسسات مثل جمعية انعاش الأسرة في البيرة ، والتي صدرت عنها عدة دراسات وأبحاث فلكلورية ، كما تصدر عنها مجلة " التراث والمجتمع " المختصة بالموروث الشعبي ، فإن ذلك ليس كافياً ولا يتناسب مع حجم وغنى تراثنا الشعبي العربي ، وقد سبق وأن ناقشنا في ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس عدة حكايات شعبية من التي جمعها الباحث الدنماركي " أندرسن " المولود قبل أكثر من مئة عام ، والتي تعيد المؤسسات الثقافية في بلاده طباعتها وترجمتها الى لغات عالمية ومنها لغتنا العربية . ومع أن " الحكايات الشعبية " حكايات مسلّية كما هو حال جميع الأعمال الأدبية ، فإنني أستغرب أن يضع الناشر على الصفحة الأولى من الحكاية عبارة " حكاية شعبية للأطفال " فهل جاءت هذه العبارة من باب أن الحكايات الشعبية غالباً ترويها الجدّات لأحفادهن الأطفال قبل النوم ؟؟ ففي الحكايات الشعبية خيال واسع يفوق خيال الأطفال ، ومع أهميتها للأطفال فإنه لا يمكن أن نعفي الكبار من دراستها واستخلاص العبر والحكم من بين ثناياها ، فعلى سبيل المثال فإن حكايات " ألف ليلة وليلة " المترجمة الى عشرات اللغات العالمية لا تزال تثير اهتمام الدارسين والباحثين في مختلف أرجاء العالم . وكذلك بعض السير الشعبية مثل " سيف بن ذي يزن " و " أبو زيد الهلالي " و " عنتره " وغيرها . وأيضاً " كليلة ودمنة " التي ترجمها الى العربية ابن المقفع عن الفارسية . ومعروف أن الآداب الشعبية ومن ضمنها الحكاية لم توضع عبثاً بل هي تحمل ثقافة الشعب التي أنتجها في مرحلة من مراحل حياته وتطوره . وعودة الى حكاية " أبناء السلطان " التي تتحدث عن سلطان له زوجتان ، واحدة شريرة شغلها الشاغل أن تضمن وراثة العرش لابنها بعد وفاة زوجها المريض ، في حين أن الزوجة الطيبة كان همّها العناية بزوجها السلطان المريض . ولهذا فإن الزوجة الشريرة لجأت الى كبير السحرة طالبة المساعدة في تحقيق هدفها فأعطاها طائراً سحرياً كي تذبحه وتطبخه وتطعمه لابنها ، وعند موت السلطان فإن طائر السعادة الذي سيطلقه الناس سيحط على رأس الابن الذي أكل الطائر السحري وبالتالي سيصبح هو السلطان . وعندما ذهب ابن الشريرة للصيد مع اخوته مصطحباً الطائر السحري المطبوخ ، لم يكن جائعاً ، فأكله اخوته . وعندما تفرقوا للصيد بعد مقابلة امرأة عجوز لم تنحز بنصيحتها لأيّ منهم . وصل كبيرهم " سالم " الى مدينة عامرة بسكانها المجتمعين لاختيار سلطان وريث لسلطانهم المتوفي ، وعندما أطلق كاهنهم طائر السعادة حطّ على رأس " سالم " فكرروا محاولتهم أكثر من مرة وكانت النتيجة واحدة ، فسلطنوا سالم عليهم . أما الابن الثاني " سلمان " فقد وقع في فخّ قبطان سفينة على شاطىء بحر ، فدعاه الى جولة بحرية وفي نيته أن يلقيه في البحر كي تسير سفينته بسلام . وفي السفينة التقى بشاب حبيس غرفة شبيهة بالسجن ، فأخبره بنية القبطان ، فهربا من السفينة بقارب نجاة حتى وصلا جزيرة أقزام سكانها يقتتلون ،" فانضما الى الفريق الأكبر وهزما الفريق الآخر ، وأصبح سلمان ملك الأقزام والسجين الآخر وزيراً عنده " في حين وصل الابن الثالث " سويلم " الى غابة كثيفة ، فرأى عربيداً أسود يطارد أفعى ، فقتل العربيد ، وكافأته الأفعى بأن " أعطته ناياً ، اذا عزف عليه وصل الى ما يتمناه " ومشى في طريقه حتى وصل مدينة فيها قصر من جماجم البشر ، وسبب ذلك أن للسلطان بنتاً لا تضحك ، ومن لا يستطيع اضحاكها يقطع رأسه ويضيف جمجمته الى جماجم الآخرين ، واستطاع " سويلم " أن يضحكها عندما استحضر بواسطة الناي السحرية طفلة بثلاثة أنوف " وعلى الفور أمر السلطان بإقامة حفل زواج كبير ، ومنح زوج ابنته مالاً وقصراً فخماً " أما الابن الرابع " مُسلّم " ويعتقد أنه ابن الشريرة ، فقد وصل الى سلطنة أخيه سالم الذي زوجه أجمل فتيات سلطنته . وبعد شهر التقى الأخوة عند شجرة الخروب التي تفرقوا من عندها ، وعادوا الى بلادهم ، فوجدوا " أن الزوجة الشريرة قد استولت على العرش بعد وفاة أبيهم وتزوجت من وزيره ، جلسوا معاً وتذاكروا في الأمر ، قال سالم مخاطباً أخاه الصغير : يا أخي انها أمّك وأمّنا جميعاً ولا سبيل الى عمل شيء الآن ، سندعو الناس الى حضور انتخاب الملك الجديد ، وسنقبل بأي شخص يحط على رأسه طير السعادة " وفي اليوم التالي حطّ طير السعادة على رأس " سالم " فرضي به الجميع ملكاً وعاش الجميع في هناء وسرور " ويلاحظ في هذه الحكاية أن الزوجة الشريرة لم تنجح في مرادها فوراثة العرش هي من حق الابن البكر للملك ، كما هو متعارف في الأنظمة الوراثية ، ولو حصل عكس ذلك فإن الأمر سيؤدي الى خلافات ستعكر صفو الجميع ، وهكذا فإن الأحداث سارت في الحكاية بهذا الاتجاه السلمي ، وأعادت الحق الى نصابه ليعيش جميع الأخوة في هناء وسعادة . ويلاحظ أن الحكاية الخرافية فيها دعوة للمحبة وخصوصاً بين الأخوة ، فجميع أحداثها دارت بسلاسة لخدمة الهدف الرئيسي دون استعمال للعنف ، حتى زوجة السلطان الشريرة التي استأثرت بالحكم بعد وفاة زوجها في غياب أبنائه ، وتزوجت الوزير فإنه لم يتم ايذائها من ابنها أو من أبناء زوجها ، فسالم الذي أصبح سلطان اعتبرها أمّه مثلما هي أمّ أخيه ابنها .
#جميل_السلحوت (هاشتاغ)
Jamil_Salhut#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القدس من قبل ومن بعد
-
رواية -التبر- لابراهيم الكوني والأصالة
-
ليس دفاعا عن البشير
-
الاستيطان حرب مفتوحة
-
الإشاعة - حكاية شعبية
-
ليبرمان يفهم العربية
-
الثرثرة - حكاية شعبية
-
الجحيم...
-
مدينة الصمت والتميز في الابداع
-
الأمنية - حكاية شعبية
-
شرعنة الاحتلال
-
السمك لمن يعمل
-
يوميات الحزن الدامي -6--أسرة-
-
المصالح العربية وما بعدها
-
يوميات الحزن الدامي -5- -أميرة-
-
يوميات الحزن الدامي -4- رياض
-
يوميات الحزن الدامي-3- ماهر
-
يوميات الحزن الدامي-2- اسماعيل
-
يوميات الحزن الدامي - -جميلة-
-
غرفة في تل أبيب والتحايل بالجنس على السياسة
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|