أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - بنات بحري بين محمود سعيد ووليد عوني















المزيد.....

بنات بحري بين محمود سعيد ووليد عوني


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 2589 - 2009 / 3 / 18 - 09:52
المحور: الادب والفن
    



إشكالية النسبة والتناسب بين لوحة (بنات بحري) على المسرح واللوحة الأصلية
تشكل النسبة والتناسب في العمل الإبداعي الأهمية الكبرى في خلق حالة الاكتمال الفني، وهي الغاية التي ينشدها الفنان أو الأديب صاحب النهج الذي يعادل أو يسعى جاهداً إلى خلق نوع من أنواع التعادل بين الحقيقة الموضوعية (التاريخية – الواقعية المعيشة) والحقيقة الفنية خاصة إذا نهج في أحد أعماله الإبداعية نهجاً طبيعياً أو واقعياً.
ومحمود سعيد الفنان التشكيلي الذي تمتزج في أعماله التصويرية سمات الواقعية مع سمات الطبيعية وسمات التعبيرية ، حيث يصور الشريحة الاجتماعية الشعبية ويشخص شخوصها تشخيصاً هو أقرب إلى التشريح الذي ينطبع على الوجوه ليعبر عن مزيج من الرضا والقناعة والمسحة الحزينة المهمومة في خطوط تكشف عن حدة كامنة ومتربصة في الوجوه وألوان تشي بالقدم ، إذ تشعر الناظر إليها بأن هذا العالم الذي ينظر إليه هو عالم قديم أو عالم منقرض ؛ بعثته للتو فرشاة الفنان النابضة بعشق الماضي وكل ما هو شعبي وتراثي أصيل ، فالملامح النوبية التي تنطق بها وجوه الشخصيات ، هي التي تحيل الناظر إلى ذاكرته البصرية ليسترجع – وهو يناظر تلك الوجوه – الوجه النوبي المبتسم المهموم في آن واحد ، وتحيل النظرة إليه إلى الذاكرة البصرية عند من وقف أمام لوحة (الموناليزا) لدافينشي ؛ ذلك الوجه المشع بالبسمة الحزينة والنظرة التي تتجه إلى كل الجهات ؛ فالناظر إلى (الموناليزا) من أية زاوية من زوايا الرؤية يجد تلك البسمة الحزينة والنظرة الحزينة نفسها ، مرتسمة في وجه الشخصية المصورة ؛ والناظر إلى أي وجه من وجوه لوحة (بنات بحري) يكاد يرى نفس الملامح والخطوط والسمات مكررة بشكل أو آخر على وجوه شخصيات اللوحة ، وهذا ما يبعدها – إلى حد ما – عن النهج الطبيعي في الوقت الذي يقربها منه أيضاً ، فتكرار السمات نفسها والملامح على كل الوجوه يبعدها عن تشخيص حالة التفرد ما بين وجه وآخر ؛ غير أن الاكتمال الفني في تشخيص ملامح الشخصية منفردة – كل على حدة – يجسد المنحى الطبيعي الناقل للصفة الوراثية والبيئية بكل ما يتفاعل فيها من عناصر. وبذلك تطل شخصية الفنان محمود سعيد معلنة من وراء وجوه شخصيات لوحته الفريدة عن ذاته الساكنة في اللوحة مما يؤطرها بإطار التعبيرية التي تتجلى فيها مشاعر الفنان نفسه وهنا يؤكد النقد الفني الحقيقي على أن الأدب والفن لا تنفصل في أي منهما ملامح عدد من الأساليب الفنية حتى لو طغى أسلوب منها في العمل الإبداعي على ملامح الأساليب التي شاركت في نسج خيوطه الإبداعية وشهر العمل به ؛ فكل إبداع أدبي أو فني حقيقي تتداخل فيه الأسلايب فتعمقه وتثريه وتضعه على طريق الخلود وهذا هو شأن هذه اللوحة ، لذا أغرت الفنان وليد عوني ليعيد إنتاجها إبداعاً نابضاً بالحركة والحياة عبر وسيط إبداعي مغاير ، فعندما نقف أمام اللوحة الجمالية الراقصة التي جسد فيها الفنان (وليد عوني) (بنات بحري) على المسرح تجسيداً حياً عندما أعاد قراءتها قراءة بصرية ؛ ودعانا لنقرأ اللوحة معه قراءة جديدة وحداثية عن طريق فك شفرة حروفها وجملتها الحركية غير الكلامية متوحدة مع الجمل النغمية الموسيقية المصورة لجماليات التعبير الاستعراضي الدرامي الراقص ، المتوسل بالمونولوج الراقص الذي يحاور فيه جسد كل راقصة من (بنات بحري الثلاثة) نفسه مع أول إطلالة تخرج منها كل منهن من أحد جوانب المسرح (الكالوس) بصحبة المبدع الثاني للوحة المخرج (وليد عوني) نفسه الذي أعاد قراءة اللوحة المستنسخة من لوحة محمود سعيد على ضوء (فانوس) شعبي شحيح الضوء ، قراءة تأمل انفرادية ليميل نحو (كواليس) المسرح مرة يميناً وأخرى شمالاً فيصحب في كل مرة احدى البنات متدثرة بملاءتها السوداء التي تؤطر بها من الخلف جزءاً من عُجزها، ثم تطوي طرفيها على ذراعيها وتقبض عليهما بطرفيها كما لو كانت تقبض على لجام طاقة شباب فتيات بحري كلهن لتشكم جماح أنوثتهن المراهقة التي أطلقها المخرج عندما أطلق البنات من إطار اللوحة ليملأن الفضاء المسرحي تبختراً وتغندراً وتمايلاً وانثناءً تخرج له عيون المشاهدين إعجاباً وترحابا وهن كما هن ممشوقات كما رسمهن محمود سعيد في لوحته الأصلية ، على الرغم من الانثناءات والاستدارات . وما أن تستقر كل بنت منهن في بقعة الضوء التي تتركز عليها وتؤطرها ، ويتشكل من ثلاثتهن تكويناً منفصلاً ، قائماً على الانفرادية ومن ثم الإحساس الأنثوي بالتفرد الهلنستي ؛ كما لو كانت كل منهن تشعر من داخلها بأنها (هيلين) فاتنة الأمير (باريس الطروادي) بعثت في فضاء خشبة المسرح بأوبرا سيد درويش بالإسكندرية .
المتفرج السكندري الذي رأى نفسه وجهاً لوجه أمام (هيلينيات ثلاث) تقنعت كل منهن خلف ملاءة (بنت بحري) فتوهم كل متفرج نفسه باريس الإسكندراني ففز من مقعده لتدفعه زوجته التي قيدته إلى جوارها بلكزة رجولية تلصقه بظهر الكرسي.
ولأنني ذهبت إلى العرض دون نصفي الآخر (الحلو بالطبع) ، لذلك فقد تلبّسني الوهم فظننت من شدة إعجابي (ببنات وليد عوني) أنني (أبو اسكندر باريس).
ولكن طبع الناقد وتطبعه عاودني بعد مرور أيام على مشاهدتي لبنات بحري بريشة وليد عوني استنساخاً من اللوحة الأصلية لمحمود سعيد بعد أن زالت عني نشوتي الموسيقية والتشكيلية وتلبستني جنية النقد أدرت شريط الفيديو الذي أهداني إياه المخرج الفنان وليد عوني وعاودت مشاهدة ( بنات بحري) بعين ثالثة هي عين الناقد ؛ فلاحظت خللاً في تناسب الراقصات الثلاث مع مقاييس اللوحة المستنسخة خلفهن عن أصل لوحة (بنات بحري) للفنان محمود سعيد ، فالشخصيات المرسومة في اللوحة المفترض خروج البنات منها ليجسدن حوارية رقص شعبي بديع يستعرض فيها مفاتنهن من وراء (الملاءة اللف) وبدونها في تمردهن الجماعي على سجن اللوحة أو في تعبير كل منهن المنفرد على هيئة مونولوج راقص يعبر فيه الجسد عن جوهر ما يشعر به وما يعانيه منن جراء قيود اللوحة وجوهر ما يريده من انطلاق وتحرر تعبيراً عن الطاقة الشعورية والانفعالية الكامنة بداخلها مع استعراض ما تنفرد به عن زميلتيها من إغراء وجمال وسحر وقدرة على جذب الأنظار إلى بوح الجسد النسوي الفتي المتمرد. إلى جانب تآزرهن في أداء جماعي راقص يستعرض فيه هوية بنت بحري ، التي يعكسها زجل بيرم التونسي – ابن بحري والسيالة – في رسمه لشخصية الإسكندر، فهن في رقصهن الجماعي مشاكسات فحركات الأجساد في جماعية التعبير الحركي الدرامي الراقص تشف عن تصدٍ جماعي لمعاكسات شباب متخيل يضايقهن ويتقاطع مع سيرهن الترويحي الاستعراضي على الكورنيش وذلك لا يحول دون قصدية كل واحدة من البنات الثلاثة في أن تتبدى متفردة في فتنتها وقدرتها على اجتذاب الشباب والإيقاع بهم ثم نفورها ممن ينجذب إليها منهم.
ويتبدى الخلل أيضاً في المساحة الخالية في مركز اللوحة المستنسخة من اللوحة الأصلية لمحمود سعيد ، وهي المساحة التي تركها الفنان الناسخ للوحة الأصلية تعبيراً عن كونها المساحة التي تقف فيها (بنات بحري) الثلاث ، فالناظر إلى اللوحة في الخلفية يشعر بعدم توازن اللوحة فمن ناحية يمين اللوحة – من جهة نظر المتفرج – يرى بائع شراب العرقسوس الشعبي ، ومن ناحية يسارها يرى طفلاً يجلس على ظهر حمارجلسة غير متمكنة – جانبية بما يغاير الحقيقة الواقعية لأنه يصبح معرضاً للسقوط – إلاّ إذا كانت طفلة ويخشى عليها من خطر فض غشاء بكارتها إذا أجلست على ظهر الحمار جلسة تمكن تسقط فيها ساقيها على جانبي الحمار الذي سمح لها بركوبه . وعلى الجانب المختفي للحمار يقف والدها متجهاً بكل كيانه نحو الفراغ الذي خصص لتكوين (بنات بحري) في الصورة ، كما لو كن متواجدات.
إن هذا الفراغ يشكل تشويهاً ملحوظاً للوحة ، قبل خروج الراقصات الثلاث من كواليس المسرح وهو تشويه قريب من أسلوب المدرسة الشكلانية ، لو أن الفنان المخرج كان متعمداً أو متقصداً ذلك الانحراف في الصورة ، بغرض صنع جمالية التشويه أو ما يطلق عليه برتولت بريشت : ( الرائع في المشوه والمشوّه في الرائع)
غير أنه من الحق أن نقول إن تلك المساحة الخالية في اللوحة المصورة والمستنسخة عن لوحة (بنات بحري) لمحمود سعيد لا تكاد تلفت نظر المشاهد في تصدّي الراقصات الثلاث لأمامية الصورة في حركتهن الرشيقة البديعة وتكويناتها الجمالية.
ومع ذلك يبقى الخلل قائماً في نسبة أجسام الراقصات الثلاثة إلى نسبة أجسام شخصيات اللوحة التي تتصدر الصورة المستنسخة عن الأصل ، خاصة وأن الراقصات الثلاثة (بنات بحري) يتصدرن اللوحة في كل تكوين لهن أمام المساحة الخالية في اللوحة الخلفية المصوّرة . فلا نسبة ولا تناسب.
وللانصاف أقول ماذا كان بوسع وليد عوني أن يفعل ؟ هو واقع بين إشكالية وضوح تفصيلات اللوحة الخلفية المستنسخة للجمهور ، وإشكالية صغر أحجام الراقصات المجسدات للبنات الثلاثة بالنسبة لأحجام الشخصيات المرسومة فمن أين يأتي براقصات ذوات أجسام تتوافق مع أجسام الشخصيات المرسومة في اللوحة الخلفية. وهي إشكالية لا حل لها. وهنا نصبح وجهاً لوجه أمام ما طرحناه في مقدمة هذا المقال حول إشكالية الحقيقة التاريخية والاجتماعية والحقيقة الفنية. ولاشك أن الأدب والفن يغلب الحقيقة الفنية على الحقيقة التاريخية أو الحقيقة الاجتماعية وهذا معناه أن على طرف المعادلة في العرض المسرحي أن يرضخ لشرط التعاقد الضمني الذي تم بينه وبين العرض المسرحي والذي يقضي بأن العرض المسرحي يقدم نفسه في رداء الإيهام والجمهور المتلقي لذلك العرض عليه أن يتقبل الإيهام عبر أساليبه الممتعة ومضامينه المقنعة وبذلك يتحقق التفاعل عبر معادلة العناصر الفنية في نسجية العرض المسرحي مع التعبير الشعوري المعروض في تلاحمه وتفاعله مع التعبير الشعوري الجماهيري المستقبل له.



#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فنون السرد بين الرواية والمسرحية
- الإنتاج المسرحي بين التنمية والأمراض الثقافية
- حتمية التحول بين نهار اليقظة وعمى البصيرة
- المسرح الشعري ولا عزاء للنقاد
- أحلام سيريالية
- ثقافة الفالوظ
- لويس عوض والبصيرة الحداثية
- المسرح ومفهوم الإيقاع
- (البلطة والسنبلة) .. المهدي غير المنتظر
- طالما .. وطال ما
- عنكب يا عنكب وصبيان البحث المسرحي
- مفكر وكاتب مسرحي من قنا
- البحث المسرحي والنقطة العمياء
- فلسفة الفوضي الخلاقة في عرض مسرحي بالجزويت
- ليلة من ليالي على علوللا
- بوسيدون يستبدل إكليل الغر بالغتره
- سارتر وليزي وبوش
- جماليات الأصوات اللعويةفي الأدوار المسرحية
- سلم لي على -بافلوف-
- جماليات التعبير بالأصوات اللغوية في الأدوار المسرحية


المزيد.....




- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - بنات بحري بين محمود سعيد ووليد عوني