أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آسيا علي موسى - ما يشبه الابتسامة















المزيد.....

ما يشبه الابتسامة


آسيا علي موسى

الحوار المتمدن-العدد: 791 - 2004 / 4 / 1 - 09:13
المحور: الادب والفن
    


أتـــوارى عـــن الأصـــوات الـعالـيــــة و الـمتـــداخـلـــة بـحـدّة ، أخـتـفـــي وراء الـبـاب الـذي أصـبـــح يـحدّد مـســـاحــــة قـاتـمــــة لا يـــلازمـنـــي فـيـهـــا إلاّ إحـســـاس وحـيـــد ، شيء شـبـيـــه بـالقـــرف مــــن جـســـدٍ و كـيـــــان كـلّــــه أشـتّـــــم فـيـــه رائـحــــة أقـــرب ما تكــــون إلـــى رائـحـــة الـقـــذارة ، أدفــــع الـبـاب بـرفـــقٍ ، كــســـيـّدة مـهـــذّبــــة لا تتـــــعـــــــدى حــــدود اللّـــبــــاقـــة مـهــــمـــا حـصـــل ، عـيـنــاي المـنخـفـضـتـــان جـفــــونـهـــمــــا و الـمـرتـكـزتـــان عـلـــى الأرض تـثـبـتـــان ذلك ، لـكـــنّ ما يخفيه الـوجـــه الـخـاضــع ، قـلـب مـتـنـامــــي الـدّقـــات ، مـتـــزاحـــم النّبـــض، مـتــدفــق الدّمـــاء ، ثــــائــر ، يـغـلــي غـيـضــــا و نـقـمـــة ، و صــــوت يـتـكـركـــر بـأعـمـاقـــي لـو اخـتـــرق صـــدري لأصـبـــح صـرخـــة تـزلـزل الـبيـت و الـشـارع . . . و الـقـريــة كلّـهـــا ، لـكـنّــــه لا يـفـعـــل ، لـكنـنـي لـــن أتـركـــه يـفـعـــل ، كـلّ مـا أفــعـلـــه ابتسامة شـاحـبـــة بــاردة صـفـــراء تـبـرز لـوحـدهـــا عـلـى شـفـتـــي و تـسـتسـلــم لـهـــا أسـاريــري آلـيـا كـمــا تـعـــوّدت دائـمـــا أن أفـعـــل فـــي حـــالات الـقـهـــر الـمشــابهـــة . .
لـسـت أعـلـم مـــن أيــن ابـتــدعـــت عـادة الـتـبــسّــــم هــــذه ، و لا مـتـــى ؟
لعـلّـهـا شيء طـبـعـنــي مـنـــذ الـصّـغـــر ، و أنـــا أرى أمـــي تـهـــزّ رأسـهـــا كـلّـمــا تـحـدّث أبـــي و أسـنـانـهـا الـمخـــرومـــة الـسـوداء لا تـنـحـجـب حـتـى يـنصــرف . كـثـيـــرا مـا كـنـت أتساءل : كـيـف تـضـحـك أمـي و أبـي يـشـتــم أبـاهـا و أمّـهــا ، و كـلّ سـلالـتـهــــا ؟
لـكنـنـي لـم أكـن أســألهــــا أبـــدا ، لأنّهــــا بـعــــد خــروج أبـــي ، لـــم تـكـــن تـنـبـس بـبـنـت شـفــــة ، تـنـصـــرف إلــى الأعـمــال الـتـي لا تـنتـهــــي و رأسـهــا مـطـرقـــة إلــى الأسـفـــل . . . دائـمـــا . . .

لـكـــنّ الـمـفـارقـــة الـكبـرى ، أن تتـوقّـــف أمّـــي عـــن التـبـسّـــم ، و أغـــدو أنـــا مـــن يـمــارس هـــذه الـعـادة نـيـابــة عـنـهـا ربّمـــا ، أو . . عـلـــى الأصّـــــــح ، تـعـبيـــرا عـــن وضــــع شـبـــيـــه إلــى حـــدّ مـــا بــوضـعـهـــا .
نـعــم فـــأمّــي لـم تـبـتـسـم مـنـــذ ذلك الـيــــوم . .
أخـبــرهــا أبـــي آمـــرا طـبـعـــا :
- الـبـنت سـتتـزوج بـعـــد أسـبـــوعـيــن ، هـيّئـــوا كــلّ شيء لـذلك ، فـالشـيــخ " الـعــربـــي" لا يـمـكـنــه أن يــنتـظـــر أكـثـــــر ، و أنـــا أيـضـــــا لا يـمـــكنـنــي أن أنتـــــظـــر أكـثـــــر عـلـى "بـنــــــــاتـــــك" . . . . . . . .
اخـتـفــــت أسـنــــان أمّـي فـجــأة خـلـــف الـشـفتـيــــن الـمـطبـقـتـيـــن بـشـــدّة ، أحـسسـتـهـــا تـعـــضّ عـلـــى شـفـتـهـا السـفـلـــى حـتـــى كــــدت أسـمـــع أنـيـنـهـــا . لـعـلّــــه أنـيـنـــي أنــا ، لـكـــن مـا كـان بـــاديـــا بـجـــلاء أنّ ابتسامتها الـصـفـــراء امـحّـــت كظل قــاتـــم تـقـصـيـــه الظّلـمــة . .
و رفـعــت أمّــــي لأوّل مـــرّة رأسـهــا إلــــى أبـــي ، كـانـت تـنـظـــر إلـيـه مـبـاشـــرة كـادت نـظـراتـهـــــا تـخـتـــرق صــــدره ، خـلـتـهـــا تـفـتّــش عـــن قـلـبـــه . . فـهـــل كـــان لأبــي فـعـــلا قـلب ؟
لـــم تـقــل أمّـي شـيـئــا ، لــم تـعـلّـــق ، لـــم تـسـتـفـســر ، لـــم تـهـــزّ رأسـهـــــا نـفـيـــا و لا إيـجـــابـــا لـــم تـــرفـض ، و لـــم تــوافـق . . . سـكـتـــت ، و لــم تـبـتـســم بـعـدهـــا إلـــى الـيـــوم .
أمّـــا أنـــا ، تــلازمـنــي الابتسامة الـمـــرّة الـصـفــراء مـــن يــومـهـــا . . هـــي فـي اصـطــلاح الـبشـــر قــد تـكـــون ابـتـســامـــة و إن كـانـت صـفـــــراء، لـكنّـهـــا بـالنسـبـــة لــي ، حـســــــرتـــي و مــرارتــــي ، شـفــرتـــي الـخّـاصـــة الـتـي أدسّ وراءهــــا قـهـــري و ألـجّـــم بـهـــا فـــي رضـــوخ و ذلّـــة ريـــاح الـثـــورة الـمـهـسـهـســــة فـي جـنـبـــاتـي ، الـرافـضـــة قـطـعـــا لـحـيـاة تــدوسـنـــي تـحــت أقـــدامـهـــا كـمـــا تـــداس الـحـشـــرات الـضّـــارة .
تتـنـــاوشـنـــي خـــواطــري ، و الأصـــوات الـمـرتـفـعـــة فـــي الرّواق تتـنـــاوش بـغـيـــر انـقـــطـــاع . .
يـنـطـلـق الـصّـــوت الـمبلّـل مــتــعـبــا مـــن رأســـي :
- لا تـســألـــي اللّــه أن يـخـفف حـمـلك ، اســألـيـــه أن يـقــوّي ظـهـــرك . .
أتلـمّـــس ظـهـــري بـســـذاجـــة فـلا أحـسّ لـــه وجـــود،،،،!
كـــلّ مـــا أحـــسّ بـــه خــواء و فـــراغ ، أســـنـــد كـيــانــي عـلـى الـبـاب و عـنـــدهــا يـغـشـــانـي هـمّ خـانــق يــربـض عـلـى روحـــي ، يـمـحـقـهــا ، حـتّــــى يـخـــال إلي أنّـــي أسـمـــع طـقـطـقـــة بــداخـلـــي و صـــوت انـكـســـار . . . .
. . . . . . . . . . . . .
يـتـعـالــى الـشّـجـــار ، تـتـداخـــل الـكلـمـات ، تتـلاقـــى ، تتـنـــافـــر ، يـتـنـاهــى إلــيّ دويّ اصـطـــدامـهــا ، و ارتـطـامـهـا . .
- " الـدنـيـا مـقـلـوبـــة بـسـببـك ، و أنـت كـعـــادتـك عـنــدمــا يـتـعـلّـــق الأمـــر بـك تـــدفـعـــين الـبــاب بــرفـق، و تـخـفـضـيــن بـصـــرك ، و تـســألـيــن اللّــــه مـــزيـــدا
مــزيـــدا مـــن الـصّــبـــر . . .
تـنـاهـــى إلــيّ رنـيـن صـــوتـهـا ( نـفـســـي ) ، و خـلـت للـحـظــــة أنّـــي لـمـحــت طـيـفـهـا يـنـفـصـــل و يـصـفـق البـــاب وراءه . .
كـانـت نـفـســي ثــائـــرة و كـان كـــلّ شيء فــي يــدفعـنــــي إلـــى الـهـــدوء، إلـــى الاستسلام ، كـانـت نـفـسـي تـسـتـحثّنـــي عـلــى . . الـعصـيـــان . . و الـتّـمـــرد . . عـلـــى تـخـطّـــي أســـــوار الـقـهـــــر و الـظـلــم و الإقـصـــاء، عـلـــى قـهـــر الـخـــوف الـمنـصـهـــر بـــداخـلــي ممـزوجـــا بـمـرارة سـنيـنــي كـلّـهـــا ، و كــانت عـلى صـغـــر سـنـــي قــرونــا طـــويـلـــة ثـقـيــلة . . لـكـنّـنـــي كـعـادتـــي دائـــمـــا ، شيء مــا بـــداخـلــي ، لازمـنــي مـنـــذ وعـيـت الـوجـــود ، لـســت أدري إن كـان مـولـودا مـعــي، أم أنّــــي اكـتـسـبـتـه ، يــدفـعـنـي إلــى الاستكانة و الاستسلام ، إحـســــاس بـالضــآلـــة و الـضـعـــف ، و إحـســـاس بــأنّ الأشيــاء، لا يـمـكـنـهـــا أن تكــــون عـلـــى غـيـــر مـــا هـــي عـلـيـــه ،،
نـظـــرت حـــولــي فـــإذا الـدّنـيـــا خـــواء ، فـعـــلام الـثــــورة ، مـــادامـت وحـــدهـــا "الـحقـيـقـــة ثــوريـــة " . . و مــادام مـا أعـــرفـــه كـلّــــه زيــــف .
مـــا دام الـثـائـــرون يـحـلـمـــون دومـــا بـتـغييـــر إيـجـــابـــي ، و أنـــا ، لـــم أعـــرف فـي حـيـــاتــي آفــــاق الـحـلـــم ، فـكيـــف و لِـــم أثـــور ؟
تـبـعــث فــي " الـثـــورة " رغـمـــا عـــن إدراكـــي ، دفـقــــة حـــرارة قـــويــــة ، و أنـــا أصـــرف نـظـــري عــــن الـسـريـــر ، و الـرأس تـسـكـنـــه تــداعـيــات مــرعبـــة ولّـدتــهـــا فــي أشـيـــاء هـــذه الـغـــرفـة ، الـتـي يـقـــال لــي أنّــهـــا غـرفـتــي و الـــذي أعـتـبـــره زنـزانـــة تـعـذيـب . . .
فــي بـيـتٍ ، ســـجـــنُُ آخــــر يـخـتـلـف كـثـيـــرا عـــن سـجـــن بيـتـنــا و سـجّـــان يـشـبــه أبــي إلـى حـدٍّ بـعـيـــد ، كـلاهـمـا يـسـتـحــثّ بـــداخـلـــي نـيـرانـا مـهــولـــة تـشـتعـــــــل لـتـــحـييـنـي و تـنـطـفـئ لأمـــــوت ثــانيـــة . . !
. . . . . . . . . .
أنـتـبـه إلــى الأصـــوات الـتي انـخـفـضـــت ثـــم تـلاشـــــت تـدريـجـيـــا ، أرفـــع نـظـــري الـمنكّس إلـــى ســاعــة الـحـائـط ، مـنتصـف الـنّـهــار ، تـجـتـــازنــي مـقـــولـــة : " تتـوقـــف الـكلاب عـــن الـنبـاح عـنــدمـــا تـنحـنـي . . لـتـأكـــل "
يـسـتـرخـي تنـفـسـي ، ألـقــــي الـهـــواء الـمحـبــوس فـــي داخـلـي ، أهــمّ بالارتماء عـلى الـسريـــر . . لـكنـنـي أتـمـالـك نـفـســـي بـغـتـــــة و كــأنّ أشــــواكـــه تتـــرصّــــد بـــي مـدبّبـة مـكـشّـــرة لاختراقي ، أنـفــر مـنـه كــمـا تـنـفـــر الـقـــذارة ، أنــحّــي راحـتـي بـسـرعة و أرتمي بـنـزقٍ عـلـى البـــلاط .
لــذّة نـــديـــة عـبـرت جـســـدي الـملتـهـب، فـتنـــامـت مـعـهـــا احساسات مـريــحــة أسـلـمـت لـهـا وجـهـي و أطــرافـي كـأنّنــي جـمـرة تتـضــرّم ، تتـآكـــل جـــزيئــاتـهـا فـتـطفئـهــا عـذوبـــة الـميـــاه .
تـنـازلـت وتـيــرة خــوفــي وارتـعــاشـــي ، و تـبـدّدت مـشـــاعـــر الـتـوجــس و الـقـلــق مــؤقـتـــا .
. . . . . . . . . .
أحــدهــم يـقـتـــرب مـــن الـبـاب، يـتـحـسّس أنـفـــاســـي ، يـتـأكـــد مـــن وجـــودي ، لـعـلّـــه أحـــد ربـائـبــي أو إحـــدى زوجـــاتهـــم ، أكـــاد أجـــزم أنّ الـجـمـيـــع يسـتـثـقــــل بــرودة دمــي ، و قــــدرتـــي الـعـجـيـــبــــة عـلــــى تـحـمّـــل رفـضــهـــم وجـــودي فـي هـــذا البـيـت،
و مـن قـــال أنّـــي لا أرفـضـــه أنــا أيـضـــا ، و إن لـــم أقـلـهـــا إلاّ اللّــحـظـــة . . . .
ســـألـنــي أبـــي كـعـــادتـــه غـــاضـبــــا آمـــرا و عـيــونـــه الـشـــزراء تتــربّـص بـمـلامـحــي ، (كـــي لا يـثـقـــل ضـمـيــــره بــي )
- هـــل أنـت مـــوافـقـــة ؟
عـلـــى الـفـــور أجـبـــت فــي امـتـعـــاض .
- مــوافـقــــة ...
ردّ أبــي ســـاخـــرا
- لا بـــدّ أن تـــوافـقـــي، ثـــم أردف ، أربــع بـنــــات بـلا زواج عـــار كـبـيـــر .
أجـــل مـــوافـقــة . . . لـكـــن عـلــى أن أكـــون كـبــش الـفــداء . . فــأربـــع بـنـــات بـغـيـر زواج كـما يـقـــول أبـــي عـــار و عـبء ثـقـيـــل .
مـــوافـقـــة عـلـى التّـــخلـــص مـــن إحساسي، خـلـف حــاجـــز الـطــاعـــة، بـالـنـفـــور مــنْ مَـــنْ كـــان يـفـتــرض أن يـكـــون أبـــي ،،
كـنـت أصـبـــو فـقـــط إلــى الـتّـخلــص مـــن الـعـــذاب الـمـريـــــر ، الـذي سـمـمّ حـيــاتــي ، فـلا هـــو قـتـلـني و لا هـــو مـنحـنـي فـسـحــة جـــديــرة فــي مـا تسـمـــى عـنـــد بــاقـي البـشـــر ،، " حـــيـــــاة "
فـــوافـقـــت عـلـــى مـــوتٍ قـــاضٍ ، بـــدل الـمـــوت البـطيء .
وافـقـت عـلـى سـجـــن يـسـهـــل عـليّ ، هـــذا مـــا اعـتقـدتـــه ، أن أتقبل قـســـاوة سجّـــانـــه و لا يـشــقّ عـلـي الـبتّــة أن أمـقـتـه و أتـمـنى مـوتـــه ، أو أحـتـقــره . . دون تـأنـيـب الـضـمـيـر ، و دون خــــوفٍ مـــن عــــقـــاب اللّـــــه ،،
نـعـــم ، فـهـــو اخـتـــارنـي ، اخـتـــار الشـبــاب الـذي يـعـتـصــر رحـيـقـــه حـتّــى الـيـبـوس ، و أنـا قـلـت مـوافـقـــة و لـم يـكـن لـديّ خـيــار آخـــر .

و زفّ الـشـبــــاب، بـلـبـــاس ابيــض و قـلـــب قـــاتــم أســــود .
زعـــق الـقـــرف بـــداخـلـــي و أنـــا أتـقـــاســـم أنـفـــاس شـيــخ سـنــه يـــربـــو عـــن الـثـمـانـيـن ، يـرتـفـــع شـخـيـــره لـيـطـمــر أنـفــاســي الـبـاهـتـــة الـخـائـفـــة . . و يـــرهـــق روحـــي بـــدنـــس فـــروض الـطـاعــة . .
يـحـشـر جــســـده الـبـارز الـنـتـــوءات مــن كـــلّ جـهـــة فـــي عـبــاءة فـضـفـاضـة يـــرتـعــش و هو مـنـهـمـك أو شـبـــه مـنـهـمـك ، فــي عـبــادات ، و يـلــوي لـســـــانــه بـتـــراتيـــل و تـســابيـــح ، و أصـــابـعـــه الـضــامـــرة الـجـافـــة تتـلـمــس حـبّـــات مـسـبـحـتــه ، أمّــا عـيـنـــاه فـتتـلـصّـصـــان بـــي ، عـنـدهـــا يــرســل بـصـــوت مـسـمـــوع جـــدّا تـعــــويـــذات ، يومئ لـــي بـهـــا أن أتـنـحّـــى عـــن طـــريـقــه ، و يـــرمــي بـــي بـنـزقٍ إلـــى مـمـلـكـــة الـشـيـــاطـيـــن .
عـنـــدهـــا أتـــذكـّــــر ذلك الـذي يـمـكـــن للـجـمـيـــع أن يــجـــزم بـمــا لا يـــدع مــجـــالا للـشـك ، انّــــه أبــي ، فـــدمـــي و جـيـنـــاتــي الـوراثـيـة ، جـمـيـعـهــا تـثـبـت ذلك أكـيـــد . .
لـكـنّنـــي أسـتـطـيــــع الآن أكـثـــر مـــن أيّ وقـــت مـضــــى ، و بـغـــضّ الـنـظـــر عـــن كـــلّ عـــذابـاتـــي الـسّــــابقــــة . . أن أراجــــع حـقـيـقـتـــه
. . . . . . . . . . . .
بـــدأت البـرودة الـــنـدّيـــة ، الـتـي تـعـبـــر جـســـدي مـــن الـبـلاط ، تتـحــــول إلـــى بـــرد . . ثــم تـــدريـجـيـــا ســـرت فـــي مـــوجـــات قـشـعــــريـرة اصـطــكّـــت لـهـــا أسـنـانــي ، و ارتـعشــت لـهــا أوصــالـي كـلّهــا . .
انـتـقـلـت بـــعـدهـــا إلـــى داخـلـــي، إلــى أعـمــاق أعـمــاقــي ، فـأحـسســت أحـشــائــي تـهـتــزّ و تـــرتـعــد . . نـظــرت حــولــي ، فــإذا الـفراش اللّـعـيـــن يـقـابـلـنـي بـأغـطـيـتـــه الـصـوفـيــة الـوثـيـــرة و وســــائـــده الـحــريـــريــــة . .
حـــولـــي و داخـلــــي و عـلـى رأسـي و فـي قـلـبـي . . و فـي روحـي بـــرودة مـهـــولـــة ، قـــطــعُُ ثـلجـيــة تـحطّ عـليّ . . و الفـــراش الــوثـيـــر يـقـابـلـنــي بـلعـنـــتـــه . .
قـابلـنـي ضـوء حـــادّ يـخـتــرق ســتـائـــر النّـــافـــذة ، عـبــر شـقـــوق ألــواحـهـــا هـببـت واقفـة ، أزحـــت الـسّـــتـائـــر بـقـوّة ، دفـعـــت دفّتــــي الـنافـــذة الـخـشـبيـــة . . . بـغــيـــر رفـــــقٍ . . . فـالبـــرد كـــان بـــداخـلـــي شـــديـــد . . و . . . الـشـمـــس خـــارج البـيـت كـــانـت تـشّـــع الأرض بـنــورهـــا ، و تدفئ الـشـــوارع الـرّطـبـــة . . كـــانت الـشّـمـــس لـحظـتـهـــا أو هــكــذا خـلـتـهـا ، تـبـحــث عـنّـــي . تـقـتـــرب مـنّـــي رويـــدا رويـــدا . . أحسست وهـجـهــا يحـوطـنـي و نـــورهـا يـبـدّد الـوحـشـــة بــداخـلـي . . فـمـددت يــدي بـعـــد أن بــدأت تـسـري فـي سـخــنــة و راحــــة . .
احـتضـنـت الـشّمـــس ، كــأمٍ رؤوم ، فـعـانـقـتـنـي ، انـبـعـث الــدّفء عـــذبـــا مــن مـكــان مـــا فــي قـلـبـي . . عـنـــدهــا فـقـــط خـــرجــت مـــن . . روحـــي . . لا يـمكـنـنــي أن أحــدّد كـيـــف ، خـــرجــت ابـتـسـامـــة . . او تـعبـيــر يـشـبــه الابتسامة الـعـميـقــــة . . تــفاعـــل مـعـهـا كـيـــانـي كـلّـــه ، أســتــلــذّ حــلاوتـهــا . غرق حـتّى الـهـامـة فـيـهـــا . . انـتـشى و أسـلــم لـهــا مـقــاليــده . . . .
فــوجــدتنــي أدفـــع الأبـــواب ، بـغـيـــر رفـقٍ . . . و أتّـجــــه إلـــى حـيــث ســتبيـت الـشّـمــس، و إلــــى حـيــث تــركتـنــي نـفـســي و غـــادرت ، لألـحـــق بــــما ضـــاع مـنّــي . . بـكــلّ الـذي ضــــاع مـنّـــي . . لأنّــــنـــــي لـــــــم أعـــــــد أحــــــسّ بـالنّــدم عـــلى مـــا فـعـلــــت . . . بـــل عـــلـــى مــــا لـــم أفـعـل . .



#آسيا_علي_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الحكم بسجن الفنان الشعبي سعد الصغير 3 سنوات في قضية مخدرات
- فيلم ’ملفات بيبي’ يشعل الشارع الاسرائيلي والإعلام
- صرخات إنسانية ضد الحرب والعنف.. إبداعات الفنان اللبناني رودي ...
- التراث الأندلسي بين درويش ولوركا.. حوار مع المستعرب والأكادي ...
- الجزيرة 360 تعرض فيلم -عيون غزة- في مهرجان إدفا
- من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم ...
- الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
- ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي ...
- حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آسيا علي موسى - ما يشبه الابتسامة