|
ما يشبه الابتسامة
آسيا علي موسى
الحوار المتمدن-العدد: 791 - 2004 / 4 / 1 - 09:13
المحور:
الادب والفن
أتـــوارى عـــن الأصـــوات الـعالـيــــة و الـمتـــداخـلـــة بـحـدّة ، أخـتـفـــي وراء الـبـاب الـذي أصـبـــح يـحدّد مـســـاحــــة قـاتـمــــة لا يـــلازمـنـــي فـيـهـــا إلاّ إحـســـاس وحـيـــد ، شيء شـبـيـــه بـالقـــرف مــــن جـســـدٍ و كـيـــــان كـلّــــه أشـتّـــــم فـيـــه رائـحــــة أقـــرب ما تكــــون إلـــى رائـحـــة الـقـــذارة ، أدفــــع الـبـاب بـرفـــقٍ ، كــســـيـّدة مـهـــذّبــــة لا تتـــــعـــــــدى حــــدود اللّـــبــــاقـــة مـهــــمـــا حـصـــل ، عـيـنــاي المـنخـفـضـتـــان جـفــــونـهـــمــــا و الـمـرتـكـزتـــان عـلـــى الأرض تـثـبـتـــان ذلك ، لـكـــنّ ما يخفيه الـوجـــه الـخـاضــع ، قـلـب مـتـنـامــــي الـدّقـــات ، مـتـــزاحـــم النّبـــض، مـتــدفــق الدّمـــاء ، ثــــائــر ، يـغـلــي غـيـضــــا و نـقـمـــة ، و صــــوت يـتـكـركـــر بـأعـمـاقـــي لـو اخـتـــرق صـــدري لأصـبـــح صـرخـــة تـزلـزل الـبيـت و الـشـارع . . . و الـقـريــة كلّـهـــا ، لـكـنّــــه لا يـفـعـــل ، لـكنـنـي لـــن أتـركـــه يـفـعـــل ، كـلّ مـا أفــعـلـــه ابتسامة شـاحـبـــة بــاردة صـفـــراء تـبـرز لـوحـدهـــا عـلـى شـفـتـــي و تـسـتسـلــم لـهـــا أسـاريــري آلـيـا كـمــا تـعـــوّدت دائـمـــا أن أفـعـــل فـــي حـــالات الـقـهـــر الـمشــابهـــة . . لـسـت أعـلـم مـــن أيــن ابـتــدعـــت عـادة الـتـبــسّــــم هــــذه ، و لا مـتـــى ؟ لعـلّـهـا شيء طـبـعـنــي مـنـــذ الـصّـغـــر ، و أنـــا أرى أمـــي تـهـــزّ رأسـهـــا كـلّـمــا تـحـدّث أبـــي و أسـنـانـهـا الـمخـــرومـــة الـسـوداء لا تـنـحـجـب حـتـى يـنصــرف . كـثـيـــرا مـا كـنـت أتساءل : كـيـف تـضـحـك أمـي و أبـي يـشـتــم أبـاهـا و أمّـهــا ، و كـلّ سـلالـتـهــــا ؟ لـكنـنـي لـم أكـن أســألهــــا أبـــدا ، لأنّهــــا بـعــــد خــروج أبـــي ، لـــم تـكـــن تـنـبـس بـبـنـت شـفــــة ، تـنـصـــرف إلــى الأعـمــال الـتـي لا تـنتـهــــي و رأسـهــا مـطـرقـــة إلــى الأسـفـــل . . . دائـمـــا . . .
لـكـــنّ الـمـفـارقـــة الـكبـرى ، أن تتـوقّـــف أمّـــي عـــن التـبـسّـــم ، و أغـــدو أنـــا مـــن يـمــارس هـــذه الـعـادة نـيـابــة عـنـهـا ربّمـــا ، أو . . عـلـــى الأصّـــــــح ، تـعـبيـــرا عـــن وضــــع شـبـــيـــه إلــى حـــدّ مـــا بــوضـعـهـــا . نـعــم فـــأمّــي لـم تـبـتـسـم مـنـــذ ذلك الـيــــوم . . أخـبــرهــا أبـــي آمـــرا طـبـعـــا : - الـبـنت سـتتـزوج بـعـــد أسـبـــوعـيــن ، هـيّئـــوا كــلّ شيء لـذلك ، فـالشـيــخ " الـعــربـــي" لا يـمـكـنــه أن يــنتـظـــر أكـثـــــر ، و أنـــا أيـضـــــا لا يـمـــكنـنــي أن أنتـــــظـــر أكـثـــــر عـلـى "بـنــــــــاتـــــك" . . . . . . . . اخـتـفــــت أسـنــــان أمّـي فـجــأة خـلـــف الـشـفتـيــــن الـمـطبـقـتـيـــن بـشـــدّة ، أحـسسـتـهـــا تـعـــضّ عـلـــى شـفـتـهـا السـفـلـــى حـتـــى كــــدت أسـمـــع أنـيـنـهـــا . لـعـلّــــه أنـيـنـــي أنــا ، لـكـــن مـا كـان بـــاديـــا بـجـــلاء أنّ ابتسامتها الـصـفـــراء امـحّـــت كظل قــاتـــم تـقـصـيـــه الظّلـمــة . . و رفـعــت أمّــــي لأوّل مـــرّة رأسـهــا إلــــى أبـــي ، كـانـت تـنـظـــر إلـيـه مـبـاشـــرة كـادت نـظـراتـهـــــا تـخـتـــرق صــــدره ، خـلـتـهـــا تـفـتّــش عـــن قـلـبـــه . . فـهـــل كـــان لأبــي فـعـــلا قـلب ؟ لـــم تـقــل أمّـي شـيـئــا ، لــم تـعـلّـــق ، لـــم تـسـتـفـســر ، لـــم تـهـــزّ رأسـهـــــا نـفـيـــا و لا إيـجـــابـــا لـــم تـــرفـض ، و لـــم تــوافـق . . . سـكـتـــت ، و لــم تـبـتـســم بـعـدهـــا إلـــى الـيـــوم . أمّـــا أنـــا ، تــلازمـنــي الابتسامة الـمـــرّة الـصـفــراء مـــن يــومـهـــا . . هـــي فـي اصـطــلاح الـبشـــر قــد تـكـــون ابـتـســامـــة و إن كـانـت صـفـــــراء، لـكنّـهـــا بـالنسـبـــة لــي ، حـســــــرتـــي و مــرارتــــي ، شـفــرتـــي الـخّـاصـــة الـتـي أدسّ وراءهــــا قـهـــري و ألـجّـــم بـهـــا فـــي رضـــوخ و ذلّـــة ريـــاح الـثـــورة الـمـهـسـهـســــة فـي جـنـبـــاتـي ، الـرافـضـــة قـطـعـــا لـحـيـاة تــدوسـنـــي تـحــت أقـــدامـهـــا كـمـــا تـــداس الـحـشـــرات الـضّـــارة . تتـنـــاوشـنـــي خـــواطــري ، و الأصـــوات الـمـرتـفـعـــة فـــي الرّواق تتـنـــاوش بـغـيـــر انـقـــطـــاع . . يـنـطـلـق الـصّـــوت الـمبلّـل مــتــعـبــا مـــن رأســـي : - لا تـســألـــي اللّــه أن يـخـفف حـمـلك ، اســألـيـــه أن يـقــوّي ظـهـــرك . . أتلـمّـــس ظـهـــري بـســـذاجـــة فـلا أحـسّ لـــه وجـــود،،،،! كـــلّ مـــا أحـــسّ بـــه خــواء و فـــراغ ، أســـنـــد كـيــانــي عـلـى الـبـاب و عـنـــدهــا يـغـشـــانـي هـمّ خـانــق يــربـض عـلـى روحـــي ، يـمـحـقـهــا ، حـتّــــى يـخـــال إلي أنّـــي أسـمـــع طـقـطـقـــة بــداخـلـــي و صـــوت انـكـســـار . . . . . . . . . . . . . . . . . يـتـعـالــى الـشّـجـــار ، تـتـداخـــل الـكلـمـات ، تتـلاقـــى ، تتـنـــافـــر ، يـتـنـاهــى إلــيّ دويّ اصـطـــدامـهــا ، و ارتـطـامـهـا . . - " الـدنـيـا مـقـلـوبـــة بـسـببـك ، و أنـت كـعـــادتـك عـنــدمــا يـتـعـلّـــق الأمـــر بـك تـــدفـعـــين الـبــاب بــرفـق، و تـخـفـضـيــن بـصـــرك ، و تـســألـيــن اللّــــه مـــزيـــدا مــزيـــدا مـــن الـصّــبـــر . . . تـنـاهـــى إلــيّ رنـيـن صـــوتـهـا ( نـفـســـي ) ، و خـلـت للـحـظــــة أنّـــي لـمـحــت طـيـفـهـا يـنـفـصـــل و يـصـفـق البـــاب وراءه . . كـانـت نـفـســي ثــائـــرة و كـان كـــلّ شيء فــي يــدفعـنــــي إلـــى الـهـــدوء، إلـــى الاستسلام ، كـانـت نـفـسـي تـسـتـحثّنـــي عـلــى . . الـعصـيـــان . . و الـتّـمـــرد . . عـلـــى تـخـطّـــي أســـــوار الـقـهـــــر و الـظـلــم و الإقـصـــاء، عـلـــى قـهـــر الـخـــوف الـمنـصـهـــر بـــداخـلــي ممـزوجـــا بـمـرارة سـنيـنــي كـلّـهـــا ، و كــانت عـلى صـغـــر سـنـــي قــرونــا طـــويـلـــة ثـقـيــلة . . لـكـنّـنـــي كـعـادتـــي دائـــمـــا ، شيء مــا بـــداخـلــي ، لازمـنــي مـنـــذ وعـيـت الـوجـــود ، لـســت أدري إن كـان مـولـودا مـعــي، أم أنّــــي اكـتـسـبـتـه ، يــدفـعـنـي إلــى الاستكانة و الاستسلام ، إحـســــاس بـالضــآلـــة و الـضـعـــف ، و إحـســـاس بــأنّ الأشيــاء، لا يـمـكـنـهـــا أن تكــــون عـلـــى غـيـــر مـــا هـــي عـلـيـــه ،، نـظـــرت حـــولــي فـــإذا الـدّنـيـــا خـــواء ، فـعـــلام الـثــــورة ، مـــادامـت وحـــدهـــا "الـحقـيـقـــة ثــوريـــة " . . و مــادام مـا أعـــرفـــه كـلّــــه زيــــف . مـــا دام الـثـائـــرون يـحـلـمـــون دومـــا بـتـغييـــر إيـجـــابـــي ، و أنـــا ، لـــم أعـــرف فـي حـيـــاتــي آفــــاق الـحـلـــم ، فـكيـــف و لِـــم أثـــور ؟ تـبـعــث فــي " الـثـــورة " رغـمـــا عـــن إدراكـــي ، دفـقــــة حـــرارة قـــويــــة ، و أنـــا أصـــرف نـظـــري عــــن الـسـريـــر ، و الـرأس تـسـكـنـــه تــداعـيــات مــرعبـــة ولّـدتــهـــا فــي أشـيـــاء هـــذه الـغـــرفـة ، الـتـي يـقـــال لــي أنّــهـــا غـرفـتــي و الـــذي أعـتـبـــره زنـزانـــة تـعـذيـب . . . فــي بـيـتٍ ، ســـجـــنُُ آخــــر يـخـتـلـف كـثـيـــرا عـــن سـجـــن بيـتـنــا و سـجّـــان يـشـبــه أبــي إلـى حـدٍّ بـعـيـــد ، كـلاهـمـا يـسـتـحــثّ بـــداخـلـــي نـيـرانـا مـهــولـــة تـشـتعـــــــل لـتـــحـييـنـي و تـنـطـفـئ لأمـــــوت ثــانيـــة . . ! . . . . . . . . . . أنـتـبـه إلــى الأصـــوات الـتي انـخـفـضـــت ثـــم تـلاشـــــت تـدريـجـيـــا ، أرفـــع نـظـــري الـمنكّس إلـــى ســاعــة الـحـائـط ، مـنتصـف الـنّـهــار ، تـجـتـــازنــي مـقـــولـــة : " تتـوقـــف الـكلاب عـــن الـنبـاح عـنــدمـــا تـنحـنـي . . لـتـأكـــل " يـسـتـرخـي تنـفـسـي ، ألـقــــي الـهـــواء الـمحـبــوس فـــي داخـلـي ، أهــمّ بالارتماء عـلى الـسريـــر . . لـكنـنـي أتـمـالـك نـفـســـي بـغـتـــــة و كــأنّ أشــــواكـــه تتـــرصّــــد بـــي مـدبّبـة مـكـشّـــرة لاختراقي ، أنـفــر مـنـه كــمـا تـنـفـــر الـقـــذارة ، أنــحّــي راحـتـي بـسـرعة و أرتمي بـنـزقٍ عـلـى البـــلاط . لــذّة نـــديـــة عـبـرت جـســـدي الـملتـهـب، فـتنـــامـت مـعـهـــا احساسات مـريــحــة أسـلـمـت لـهـا وجـهـي و أطــرافـي كـأنّنــي جـمـرة تتـضــرّم ، تتـآكـــل جـــزيئــاتـهـا فـتـطفئـهــا عـذوبـــة الـميـــاه . تـنـازلـت وتـيــرة خــوفــي وارتـعــاشـــي ، و تـبـدّدت مـشـــاعـــر الـتـوجــس و الـقـلــق مــؤقـتـــا . . . . . . . . . . . أحــدهــم يـقـتـــرب مـــن الـبـاب، يـتـحـسّس أنـفـــاســـي ، يـتـأكـــد مـــن وجـــودي ، لـعـلّـــه أحـــد ربـائـبــي أو إحـــدى زوجـــاتهـــم ، أكـــاد أجـــزم أنّ الـجـمـيـــع يسـتـثـقــــل بــرودة دمــي ، و قــــدرتـــي الـعـجـيـــبــــة عـلــــى تـحـمّـــل رفـضــهـــم وجـــودي فـي هـــذا البـيـت، و مـن قـــال أنّـــي لا أرفـضـــه أنــا أيـضـــا ، و إن لـــم أقـلـهـــا إلاّ اللّــحـظـــة . . . . ســـألـنــي أبـــي كـعـــادتـــه غـــاضـبــــا آمـــرا و عـيــونـــه الـشـــزراء تتــربّـص بـمـلامـحــي ، (كـــي لا يـثـقـــل ضـمـيــــره بــي ) - هـــل أنـت مـــوافـقـــة ؟ عـلـــى الـفـــور أجـبـــت فــي امـتـعـــاض . - مــوافـقــــة ... ردّ أبــي ســـاخـــرا - لا بـــدّ أن تـــوافـقـــي، ثـــم أردف ، أربــع بـنــــات بـلا زواج عـــار كـبـيـــر . أجـــل مـــوافـقــة . . . لـكـــن عـلــى أن أكـــون كـبــش الـفــداء . . فــأربـــع بـنـــات بـغـيـر زواج كـما يـقـــول أبـــي عـــار و عـبء ثـقـيـــل . مـــوافـقـــة عـلـى التّـــخلـــص مـــن إحساسي، خـلـف حــاجـــز الـطــاعـــة، بـالـنـفـــور مــنْ مَـــنْ كـــان يـفـتــرض أن يـكـــون أبـــي ،، كـنـت أصـبـــو فـقـــط إلــى الـتّـخلــص مـــن الـعـــذاب الـمـريـــــر ، الـذي سـمـمّ حـيــاتــي ، فـلا هـــو قـتـلـني و لا هـــو مـنحـنـي فـسـحــة جـــديــرة فــي مـا تسـمـــى عـنـــد بــاقـي البـشـــر ،، " حـــيـــــاة " فـــوافـقـــت عـلـــى مـــوتٍ قـــاضٍ ، بـــدل الـمـــوت البـطيء . وافـقـت عـلـى سـجـــن يـسـهـــل عـليّ ، هـــذا مـــا اعـتقـدتـــه ، أن أتقبل قـســـاوة سجّـــانـــه و لا يـشــقّ عـلـي الـبتّــة أن أمـقـتـه و أتـمـنى مـوتـــه ، أو أحـتـقــره . . دون تـأنـيـب الـضـمـيـر ، و دون خــــوفٍ مـــن عــــقـــاب اللّـــــه ،، نـعـــم ، فـهـــو اخـتـــارنـي ، اخـتـــار الشـبــاب الـذي يـعـتـصــر رحـيـقـــه حـتّــى الـيـبـوس ، و أنـا قـلـت مـوافـقـــة و لـم يـكـن لـديّ خـيــار آخـــر .
و زفّ الـشـبــــاب، بـلـبـــاس ابيــض و قـلـــب قـــاتــم أســــود . زعـــق الـقـــرف بـــداخـلـــي و أنـــا أتـقـــاســـم أنـفـــاس شـيــخ سـنــه يـــربـــو عـــن الـثـمـانـيـن ، يـرتـفـــع شـخـيـــره لـيـطـمــر أنـفــاســي الـبـاهـتـــة الـخـائـفـــة . . و يـــرهـــق روحـــي بـــدنـــس فـــروض الـطـاعــة . . يـحـشـر جــســـده الـبـارز الـنـتـــوءات مــن كـــلّ جـهـــة فـــي عـبــاءة فـضـفـاضـة يـــرتـعــش و هو مـنـهـمـك أو شـبـــه مـنـهـمـك ، فــي عـبــادات ، و يـلــوي لـســـــانــه بـتـــراتيـــل و تـســابيـــح ، و أصـــابـعـــه الـضــامـــرة الـجـافـــة تتـلـمــس حـبّـــات مـسـبـحـتــه ، أمّــا عـيـنـــاه فـتتـلـصّـصـــان بـــي ، عـنـدهـــا يــرســل بـصـــوت مـسـمـــوع جـــدّا تـعــــويـــذات ، يومئ لـــي بـهـــا أن أتـنـحّـــى عـــن طـــريـقــه ، و يـــرمــي بـــي بـنـزقٍ إلـــى مـمـلـكـــة الـشـيـــاطـيـــن . عـنـــدهـــا أتـــذكـّــــر ذلك الـذي يـمـكـــن للـجـمـيـــع أن يــجـــزم بـمــا لا يـــدع مــجـــالا للـشـك ، انّــــه أبــي ، فـــدمـــي و جـيـنـــاتــي الـوراثـيـة ، جـمـيـعـهــا تـثـبـت ذلك أكـيـــد . . لـكـنّنـــي أسـتـطـيــــع الآن أكـثـــر مـــن أيّ وقـــت مـضــــى ، و بـغـــضّ الـنـظـــر عـــن كـــلّ عـــذابـاتـــي الـسّــــابقــــة . . أن أراجــــع حـقـيـقـتـــه . . . . . . . . . . . . بـــدأت البـرودة الـــنـدّيـــة ، الـتـي تـعـبـــر جـســـدي مـــن الـبـلاط ، تتـحــــول إلـــى بـــرد . . ثــم تـــدريـجـيـــا ســـرت فـــي مـــوجـــات قـشـعــــريـرة اصـطــكّـــت لـهـــا أسـنـانــي ، و ارتـعشــت لـهــا أوصــالـي كـلّهــا . . انـتـقـلـت بـــعـدهـــا إلـــى داخـلـــي، إلــى أعـمــاق أعـمــاقــي ، فـأحـسســت أحـشــائــي تـهـتــزّ و تـــرتـعــد . . نـظــرت حــولــي ، فــإذا الـفراش اللّـعـيـــن يـقـابـلـنـي بـأغـطـيـتـــه الـصـوفـيــة الـوثـيـــرة و وســــائـــده الـحــريـــريــــة . . حـــولـــي و داخـلــــي و عـلـى رأسـي و فـي قـلـبـي . . و فـي روحـي بـــرودة مـهـــولـــة ، قـــطــعُُ ثـلجـيــة تـحطّ عـليّ . . و الفـــراش الــوثـيـــر يـقـابـلـنــي بـلعـنـــتـــه . . قـابلـنـي ضـوء حـــادّ يـخـتــرق ســتـائـــر النّـــافـــذة ، عـبــر شـقـــوق ألــواحـهـــا هـببـت واقفـة ، أزحـــت الـسّـــتـائـــر بـقـوّة ، دفـعـــت دفّتــــي الـنافـــذة الـخـشـبيـــة . . . بـغــيـــر رفـــــقٍ . . . فـالبـــرد كـــان بـــداخـلـــي شـــديـــد . . و . . . الـشـمـــس خـــارج البـيـت كـــانـت تـشّـــع الأرض بـنــورهـــا ، و تدفئ الـشـــوارع الـرّطـبـــة . . كـــانت الـشّـمـــس لـحظـتـهـــا أو هــكــذا خـلـتـهـا ، تـبـحــث عـنّـــي . تـقـتـــرب مـنّـــي رويـــدا رويـــدا . . أحسست وهـجـهــا يحـوطـنـي و نـــورهـا يـبـدّد الـوحـشـــة بــداخـلـي . . فـمـددت يــدي بـعـــد أن بــدأت تـسـري فـي سـخــنــة و راحــــة . . احـتضـنـت الـشّمـــس ، كــأمٍ رؤوم ، فـعـانـقـتـنـي ، انـبـعـث الــدّفء عـــذبـــا مــن مـكــان مـــا فــي قـلـبـي . . عـنـــدهــا فـقـــط خـــرجــت مـــن . . روحـــي . . لا يـمكـنـنــي أن أحــدّد كـيـــف ، خـــرجــت ابـتـسـامـــة . . او تـعبـيــر يـشـبــه الابتسامة الـعـميـقــــة . . تــفاعـــل مـعـهـا كـيـــانـي كـلّـــه ، أســتــلــذّ حــلاوتـهــا . غرق حـتّى الـهـامـة فـيـهـــا . . انـتـشى و أسـلــم لـهــا مـقــاليــده . . . . فــوجــدتنــي أدفـــع الأبـــواب ، بـغـيـــر رفـقٍ . . . و أتّـجــــه إلـــى حـيــث ســتبيـت الـشّـمــس، و إلــــى حـيــث تــركتـنــي نـفـســي و غـــادرت ، لألـحـــق بــــما ضـــاع مـنّــي . . بـكــلّ الـذي ضــــاع مـنّـــي . . لأنّــــنـــــي لـــــــم أعـــــــد أحــــــسّ بـالنّــدم عـــلى مـــا فـعـلــــت . . . بـــل عـــلـــى مــــا لـــم أفـعـل . .
#آسيا_علي_موسى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رحيل الفنان والأكاديمي حميد صابر بعد مسيرة حافلة بالعلم والع
...
-
اتحاد الأدباء يحتفي بالتجربة الأدبية للقاص والروائي يوسف أبو
...
-
-ماسك وتسيلكوفسكي-.. عرض مسرحي روسي يتناول شخصيتين من عصرين
...
-
المسعف الذي وثّق لحظات مقتله: فيديو يفند الرواية الإسرائيلية
...
-
-فيلم ماينكرافت- يحقق إيرادات قياسية بلغت 301 مليون دولار
-
فيلم -ماينكرافت- يتصدر شباك التذاكر ويحقق أقوى انطلاقة سينما
...
-
بعد دفن 3000 رأس ماشية في المجر... تحلل جثث الحيوانات النافق
...
-
انتقادات تطال مقترح رفع شرط اللغة لطلاب معاهد إعداد المعلمين
...
-
-روحي راحت منّي-.. أخت الممثلة الراحلة إيناس النجار تعبّر عن
...
-
-عرافة هافانا- مجموعة قصصية ترسم خرائط الوجع والأمل
المزيد.....
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
المزيد.....
|