خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 2576 - 2009 / 3 / 5 - 07:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الى جانب القراءة التقليدية , قراءة الربج والخسارة , التي عادة ما يمارسها البعض , لحدث ما , نجد ان قراءات اخرى يجب الانتباه لها عادة في قراءة الاحداث . والمؤتمر العالمي الذي عرف اعلاميا بمؤتمر اعادة اعمار غزة , هو احد هذه الاحداث التي يجب ان قرا فيها ومنها , ما هو اكثر من ارقام الربح والخسارة , ولا نستهدف من هذه القراءات الا اخذها بعين الاعتبار في قراءتنا للحركة السياسية للمنخرطين في الصراع بصورة مباشرة او غير مباشرة .
واذا بدانا من التسمية الرسمية للمؤتمر , والتي تحمل معان اكثر واكبر من التسمية الاعلامية له , فاننا نجد في التسمية ( المؤتمر العالمي لدعم اقتصاد السلطة الوطنية الفلسطينية واعادة اعمار غزة ) , فانه لا بد من ملاحظة ان هذه التسمية , في ظل الموافقة العالمية على المشاركة في المؤتمر تحت عنوانها , انما تعيد تثبيت القبول العالمي بالمستوى المتحقق من الانجاز الوطني الفلسطيني الذي حققته الشرعية الفلسطينية , وهنا لانقصد شرعية منظمة التحرير الفلسطينية , او السلطة الوطنية الفلسطينية , او المقاومة المسلحة , بل نقصد الشرعية _ العامة القومية _ الفلسطينية , وهو الامر الذي يعيد تاكيد القبول العالمي بحقيقة وجود واستقلالية القومية الفلسطينية والاقرار بحقها الثابت في تقرير المصير بصورة مستقلة , الامر الذي يوضح حقيقة موقف والاتجاه العام العالمي في حركته السياسية من الصراع الفلسطيني الصهيوني , دون اسقاط حقيقة ان هذا الموقف والاتجاه العام العالمي من هذا الصراع , لا يعني بالضرورة اهماله حقيقة قبوله وحفاظه على وجود وشرعية وامن الكيان الصهيوني , غير ان المقياس الذي يجب الاستناد اليه هنا هو مستوى المتحقق قياسا بمستوى الافتقاد الذي كان قبل سنين .
ان الحقيقة السابقة تحمل ايضا وان لم يرتقي بعد الى مستوى الاعلان السياسي المباشر , مؤشر القبول بحق القومية الفلسطينية بممارسة المقاومة المسلحة باعتبارها حقا شرعيا للقوميات في محاولتها التحرر من حالات الاحتلال والتحرر الوطني , فبغض النظر عن الموقف العالمي الراهن من ممارسة العمل العسكري ضد الكيان الصهيوني من قبل الفلسطينيين , والذي يجري سياسيا الاعلان عن رفضه , نظرا لوجود محاولة لحل الصراع تبعا لنهج المفاوضات والتفاوض , غير ان المحاولة العالمية تعويض القومية الفلسطينية عن الخسائر التي لحقت بها جراء اختلال ميزان القوى بين الطرفين الفلسطيني والصهيوني اثناء تصاعد الاشتباك العسكري بينهما الى حالة ومستوى العدوان على غزة , فان هذا الاستعداد العالمي لتجاوز موقفه من الممارسة الفلسطينية للعمل المسلح , وتعويضه عن الخسائر التي لحقت به امر له دلالته الايجابية , وبصورة خاصة انه يغضب الكيان الصهيوني ,
لكن الامر الذي يجب ايضا الانتباه لقراءته في المؤتمر وتسميته الرسمية , هو في كونه محاولة عالمية لحث الفلسطينيين على الوحدة والاتحاد ليشكلوا عنوانا واحدا يمكن العالم من التخاطب معه , بصورة غير قابلة للتشكيك من قبل الكيان الصهيوني , حيث نلحظ تصاعد النغمة الصهيونية حول , من هو الطرف الفلسطيني الذي يجب التفاوض معه؟ , ومن الصحيح ان الامر مرتبط بحث عالمي للفلسطينيين على الحركة الواحدة باتجاه محدد هو اتجاه التفاوض بعيدا عن تفاوض السلاح , مما يعني _ سحب الذرائع الصهيونية في التملص من حالة التفاوض _ لكنه بالتاكيد لا يعني تجريد الفلسطينيين من احتمال ممارسة العمل العسكري وتحريم هذا الحق القومي عليهم , لكن الاخطر من كل ذلك هو في ان هذا العالم يدرك ان حركة السلاح الفلسطينية الراهنة منخرطة ومنحازة اقليميا ضد حركة القوى العالمية تجاه المنطقة ولا تعبر بصورة مستقلة , تماما , عن المصالح الفلسطينية في التحرر , انها في نظر العالم معيق اساسي لحركة مسار التسوية , لا عامل ضغط على الكيان الصهيوني لمزيد من الاخضاع لمتطلبات التسوية والقبول بالدولة الفلسطينية المستقلة ,
لقد لعب الانقسام الفلسطيني جسما ونهجا دور ادوات وظفها الكيان الصهيوني في اعاقة التسوية وفرض من خلال توظيفها مهمات جسيمة على القومى العالمية اثناء تعاملها مع القوى الاقليمية , لا شك انه كان لها دورا في قرار الحرب على العراق , وسيكون له قرار حرب ان ضد ايران او سوريا ,
ان الخلل هنا في نهج البعض في القراءة هو اسقاط حقيقة وجود برنامج صهيوني مستقل عن البرامج القومية للقوى العالمية الرئيسية , وان هذا البرنامج الصهيوني هو في حالة صراع مع هذه البرامج العالمية لا حالة تحالف فحسب , بل انهم لا يقراون ان هذه الحقيقة هي جوهر الصراع الداخلي في الكيان الصهيوني , كما هو الاختلاف الراهن بين نتنياهو وليفني حول الموقف من التسوية وقراءته الاخرى هي العلاقة بمراكز الاستعمار العالمي , لذلك كانت التسمية الرسمية للمؤتمر تعبيرا عن حقيقة الوحدة والاستقلالية القومية الفلسطينية التي للاسف لا يعترف بها الفلسطينيون ويعملون عكس متطلباتها
ان قراءة اخرى يجب الانتباه لها في المؤتمر , هو في المعنى الذي يحمله حيال ممارسة الكيان الصهيوني لعدوانه على الشعب الفلسطيني , وتحديدا بعد العدوان على غزة , فان كثافة الحضور العالمي , وكم المبالغ التي رصدت لصالح الشعب الفلسطيني ( بحسب تصريحات وزير الخارجية المصري فاقت التوقع المحلي للارقام المتوقعة) , وهو يعني بل ويحدد حدا ادنى لموقف عالمي مشترك في الموقف الرافض للسياسات العدوانية الصهيونية , والاصرار العالمي على حل الدولتين وحسم مسالة اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة , فالارقام غير المتوقعة , كما قد يكون فهم البعض لا تعني بالضرورة التوقعات الفلسطينية والعربية , بل ايضا التوقعات الاقليمية بما فيها الصهيونية والايرانية والتركية , وهو امر يعيد تاكيد حقيقة الاهمية الحاسمة للصفة اللوجستية للموقع ىالقومي الفلسطيني في المنطقة جغرافيا وانسانيا , والذي نرجو ان تدركه القيادة الفلسطينية ....حيث ادركه تاريخيا العالم من قبل , وتضعه بعين الاعتبار في حركتها اثناء الصراع والتحالف مع الجميع , لا ان يبقى نقطة ضعف في حركتنا بدل ان يكون عامل قوة , ان _ تنافس _ مراكز القوة العالمية على دعم واسناد الفلسطينيين في هذا المؤتمر العالمي يحمل رسالة الى باقي الاطراف الاقليمية الاخرى مفادها ان الدولة الفلسطينية قادمة , وان على الجميع القبول بهذه الحقيقة , وان عامل الزمن في تحقق هذا الامر ليس هو المقياس الوحيد الذي يجب اخذه بعين الاعتبار, وان الحقائق المتموضعة على الارض قابلة _ دائما _ للتغيير ,ولا خلاف هنا بين حقيقة الالغاء السابق لوجود واستقلالية ووحدة القومية الفلسطينية , او استعادة هذه الحقيقة مستقبلا في الواقع الاقليمي , فالقضية الفلسطينية تاريخيا هي وليدة الصراع العالمي وهي مستمرة كذلك , طالما ان المجتمع الفلسطيني لم يخرجها من حالة الخضوع لهذه الحقيقة , وهذا الامر اصبح في الحقيقة احد الاهداف الرئيسة لحركة التحرر الوطني الفلسطينية .
قراءة اخرى مما يجب الانتباه له هو في حركة وزيرة الخارجية الامريكية _ السيدة كلينتون _ والتي بدات زيارتها للمنطقة ليس عبر البوابة الاسرائيلية _ كما هي العادة الامريكية _ بل عبر بوابة مؤتمر دعم واسناد اقتصاد السلطة الوطنية الفلسطينية واعادة اعمار غزة , وربما لا ينتبه البعض الى هذه الحركة كمؤشر له دلالته , غير ان القيادة الصهيونية لا تهمل قراءة مثل هذا المؤشر ولابد ان تاخذ هذه المسالة بعين الاعتبار, بل الحقيقة ان الكيان الصهيوني منذ حسم نتيجة الانتخابات الامريكية ادرك ان شهر عسل الزواج الامريكي الصهيوني الذي مثلته فترة ادارة بوش , قد مر , ولا بد وان تبدا الصراعات الزوجية في الظهور ابان عهد ادارة اوباما , حيث ليس الفارق في النهج الحزبي بين الجمهوريين والديموقراطيين فحسب , بل ايضا الفارق في الكاريزما القيادية لباراك اوباما عن بوش ايضا , ولا نقصد هنا _ توقعات مدهشة وحاسمة _ بل الفارق الذي تلعبه مسالة الادراك النظري السياسي الذي ابره اوباما في شخصيته وقدرته الادارية عن واقع وحقيقة جهل وخواء بوش , والتي انتهت بالولايات المتحدة الى كوارث اقتصادية وسياسية
لقد لعبت نتيجة الانتخابات الامريكية دورا حاسما في نتائج الانتخابات الاسرائيلية بل وفي حسم مسالة تكليف تشكيل الحكومة في اسرائيل , فمن الواضح ان القيادة الصهيونية والمجتمع الصهيوني مصمم على وجود ادارة صهيونية تدير حالة _ صراع_ مع المراكز العالمية وعلى وجه الخصوص مع المركز الامريكي , اعلى في المستوى من حالات صراع سابقة مع هذه المراكز العالمية , لذلك لم يكن غريبا ان يتم تكليف الاكثر عنادا ووقاحة من الرموز الصهيونية بتشكيل الحكومة , لكن السؤال الذي يجب الاجابة عليه هنا هو , ما هي المجالات التي يمكن للوقاحة والعناد الصهيوني ان تتحرك خلالها لمواجهة ما يمكن ان تتعرض له من ضغوط عالمية ؟
في الحقيقة ان مجال هوامش الصراع العالمي هي اول المجالات التي لا بد وان تفكر بها الادارة الصهيونية , حيث يمكن ان تتحرك على تباين وتفاوت المصالح الامريكية الاوروبية والامريكية الروسية والامريكية الصينية , وهو امر يبدو ان الادارة الامريكية انتبهت مبكرا اليه , حيث نلاحظ حالة من تراخي التوترات مع هذه الاطراف منذ بدء تسلم اوباما للادارة الامريكية وانتهاءا بالزيارات التي انجزتها وزيرة الخارجية الامريكية كلينتون لهذه المواقع .
ايضا يمكن للادارة الصهيونية محاولة زيادة توتر مناطق العلاقات الساخنة , ايران سوريا كوريا الشمالية , غير انه من الواضح ان الادارة الامريكية , تسبق الادارة الصهيونية بخطوة على هذا الصعيد , حيث نلاحظ نهج الحوار الهادئ خلافا لنهج ادارة بوش ولغة العصا التي مارستها
كذلك يجب الانتباه الى حالة استقرار الوضع الاداري الامريكي في مقابل وضع تخبط تشكيل الحكومة الاسرائيلية وهو الامر الذي يشكل العامل الامريكي فيه احد العوامل الشارطة لتشكيل هذه الحكومة , فنجد ان _ مقولة الدولتين الامريكية _ هي في واقع الحال جوهر الخلاف الصهيوني الداخلي , حيث يحاول نتنياهو تصعيد الخلاف عبر طرح _ الحل الاقتصادي الفلسطيني _ وهو الامر الذي ينسف المشروع العالمي لاعادة صياغة المنطقة من اساسه , وقد يحمل خطر مجابهة ساخنة بين الكيان الصهيوني والمراكز العالمية , وتحديدا الادارة الامريكية وان ليس بمعنى سخونة السلاح
اما المجال الاكثر خطورة الذي قد تلجا اليه وحتما سوف تستفيد منه الادارة الصهيونية فهو رد الفعل الفلسطيني , والذي تعمل فعلا منذ فترة على تكييف حركته باتجاه محدد جوهر التاكتيك الصهيوني فيه هو زيادة هامش الانقسام بين نهج التطرف وممارسة العمل العسكري ورفض التفاوض , وبين نهج رفض العمل العسكري والاصرار على وحدانية نهج التفاوض , فالادارة الصهيونية على دراية بكيفية واتجاه رد الفعل الفلسطيني , وعلى وجه الخصوص انه تحت تاثير قوى اقليمية لها مصلحة تلتقي مع المصالح الصهيونية
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟