فلاح علي
الحوار المتمدن-العدد: 2573 - 2009 / 3 / 2 - 09:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد تم الكشف علناَ عن البرنامج النووي الأيراني في أواسط عام 2002 وقد قادت الولايات المتحدة الأمريكية بعد إحتلالها العراق حملة لأقناع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتحويل الملف النووي الأيراني إلى مجلس الأمن وذلك في أيلول 2003. ولتفادي إيران تحويل ملفها إلى مجلس الأمن فقد توصلت بوقت سريع إلى عقد إتفاقية مع دول الترويكا الأوربية وذلك في تشرين أول 2003 تم بموجبها قبول إيران مزيد من عمليات التفتيش الفجائية التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية , وأعلنت تعليق كل أنشطة تخصيب اليورانيوم .وتم حسم إنتهاكات إيران السابقة , تهدف إيران من الأتفاقية غاية واحدة وهي من أجل أن يقف الأوربيون بوجه أمريكا التي تستهدف تحويل ملفها النووي إلى مجلس الأمن وقد سمعنا جميعاَ كيف أن إيران تمالكتها الجرأة في أوائل عام 2004 على ضوء تقديراتها بتفاقم المأزق الأمريكي في العراق وقامت بنقض الأتفاقية المعقوده في عام 2003 .وجاء نقض الأتفاقية على ضوء الأنتخابات البرلمانية في شباط 2004 والتي عززت نتائجها من هيمنة المحافظين .
إيران تخشى مجلس الأمن :
وكان موقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية حاسماَ , فقد أصدروا قرار يهدد إيران بأعادة تعليق العمل ببرنامج تخصيب اليورانيوم تعليقاَ تاماَ وإلا ترفع تقرير إلى مجلس الأمن فقد وافقت إيران على قرار مجلس الوكالة , وقد تم التوصل إلى إتفاق في باريس مع مسؤولين إيرانيين ووفد الترويكا الأوربية في نفس عام 2004 . وقد عاد التصعيد ثانية بعد إنتخابات الرئاسة الأيرانية في عام 2005 وفوز المحافظ أحمدي نجاة .
لماذا تخشى إيران من تحويل ملفها إلى مجلس الأمن ؟
لأنها تخشى من عقوبات إضافية إقتصادية وسياسية ودبلوماسية وهذا مما يعرضها لعزلة دولية وتتحول إلى دولة منبوذه وغير حضارية وإلى عزلة داخلية وقد يعرض نظامها للخطر , أو مواجهة قرارات صارمه من مجلس الأمن وقد ينشأ تحالف دولي لمواجهة إيران , أو قيام الولايات المتحدة الأمريكية بأسم الشرعية الدولية بضربات صاروخية من قواعد في البحار تبعد مئات الكيلومترات وغيرها من الأحتمالات لهذا تخشى إيران المواجهه مع مجلس الأمن .
خارطة الطريق الأيرانية لتطبيع العلاقات مع أمريكا:
إيران تسعى جاهده للبحث بشكل مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية حول تسوية برنامجها النووي , كما فعلت كورية الشمالية وحصلت على سلة من المزايا الأقتصادية والسياسية وكان بوساطة الصين , إلا أن إيران لا تستطيع أن تجد دولة تقوم بدور الوسيط مع الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على المزايا الأقتصادية والسياسية والأمنية مقابل إبقاف نشاطاتها النووية , فهي تجري مباحثات مع دول الترويكا التي لاتثق بأيران ووعودها , ولكن طموح إيران هو إشراك الولايات المتحدة الأمريكية في المباحثات لغرض تحميلها مسؤولية ولغرض الحصول على المزايا . بعد أن فشلت سويسرا في إقناع الولايات المتحدة للحوار المباشر مع إيران علماَ أن سويسرا تمثل المصالح الأمريكية في إيران وقد تحركت للوساطة بطلب من إيران . لقد إختارت إيران ثانية دولة أخرى وهي العراق ليقوم بدور الوساطة وعقدت عدت جلسات في بغداد لهذا الغرض بحجة مناقشة الوضع في العراق والمنطقة .إلا أن المباحثات فشلت لأن لكلا الطرفين أهداف ومصالح استراتيجية خارج حدودهما كما أن أمريكا تعتقد إنها تدافع عن الشرعية الدولية حول ( منع إنتشار الأسلحة النووية والبايولوجية والكيمياوية ) . وفق معاهدة منع إنتشار الأسلحة النووية .
أن أهداف ومصالح إيران كثيره ويمكن الأشاره إلى أهمها والتي تدخل ضمن خارطة الطريق التي تعمل لأنجازها وهي :
1- تطمح إيران إلى تنسيق سياسي بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية حول الأوضاع في العراق حاضراَ ومستقبلاَ وكأنها تطمح إلى أن يكون العراق رهينه مقابل حسم موضوع برنامجها النووي , لهذا فهي واحدة من دول المنطقة التي لاتكف عن التدخل في الشأن العراقي ( إرسال أسلحة وإحتضان إرهابيين وتدريبهم وإرسال أموال لمؤيديها من أحزاب الأسلام السياسي وتقوية نفوذهم في المجتمع والدولة .... إلخ) . كما إنها تسعى لمغادرة القوات الأمريكية العراق بأسرع وقت .
2- تريد حسم الصراع الفلسطيني والأسرائيلي حسب رؤيتها الخاصة . وهي بهذا تحتفظ بدعمها لحركة حماس ولكن في النتيجية تعتبرها ورقه رابحة بيدها في المفاوضات .
3- نفس الشيئ بالنسبة لحزب الله . فهي أي إيران إذ تنطلق من استراتيجية تصدير الثورة الأسلامية بنفس الوقت هي تهدف إلى أن يكون لها دور ونفوذ في المنطقة من خلال ما تحتفظ به من أوراق وتوظفها في صراعاتها وترى الحل أن يكون لصالحها لا لصالح شعوب المنطقة .
4- تطمح إلى أن يكون لها دور في منطقة الخليج العربي وأن يكون هذا الدور بموافقة أمريكية إرتباطاَ بوجود مصادر الطاقة ووجود ممر لها هو مضيق هرمز .
5- ضمن مشروع أمريكا الشرق الأوسط الجديد الذي تعارضة شعوب المنطقة كما تعارضه روسيا والصين لأنه يصل إلى حدودهما . فأن إيران تسعى بأن تكون المركز الأقليمي المهم في الخريطة الجديدة بدلاَ من تركيا لأنها تدرك تماماَ بأن اسرائيل مرفوضه من دول المنطقة بأن تكون مركزاَ إقليمياَ رغم إنها أي إسرائيل قد دخلت في شراكة إقتصادية وتجارية مع مصر والأردن وقطر .
6- تريد إيران ضمانات أمريكية برفع العقوبات الأقتصادية عنها وأخذ تعهد بعدم سعي الولايات المتحدة للتدخل في شؤونها الداخلية والتخلي عن إسقاط نظامها .
7- ترغب في علاقات دبلوماسية مع أمريكا والحصول على مزايا إقتصادية وتجارية وسياسية وأمنية .
8- ربطت إيران الأستمرار في نشاطاتها النووية مقابل إزالة أسلحة الدمار الشامل في المنطقة ومنها إسرائيل والتي تمتلك سلاح نووي , وهي بهذا يؤيدها أغلب دول المنطقة التي تسعى للسلام وإزالة أسلحة الدمار الشامل بما فيها بلدان عربية . وقد تطرح قضايا أمنية مثلاَ تأسيس منطقة خالية من الأسلحة النووية أي في منطقة الشرق الأوسط ورفع حظر الأسلحة الذي يفرضه الغرب عليها , ومنحها ضمانات أمنية تمنع تعرضها لهجمات نووية ...... إلخ . لأن هكذا مطاليب يساعدها في حشد تأييد دول المنطقة إلى موقفها إضافة لتأييد دولي .
9- وأن أمريكا والمجتمع الدولي يدركان تماماَ أن السماح لأيران بأمتلاك سلاح نووي سوف يشجع دول أخرى في المنطقة على إمتلاك السلاح النووي مثل تركيا ومصر والسعودية وسورية وهذا مما يعرض المنطقة للخطر .
10- أعتقد أن إيران قد وصلت إلى قناعات بأن روسيا سوف لاتتخذ الفيتو عند طرح ملفها النووي على مجلس الأمن رغم أن روسيا هي ضد إتخاذ إجراء عسكري ضد إيران إلا أن روسيا تتجه للقبول بالموقف الأمريكي والأوربي ونفس الشيئ بالنسبة للصين , فأنها سوف لا تتحذ الفيتو إن لم تكن هي أي الصين تشجع إيران بقبول إتفاقية التعليق مع الترويكا الأوربية لكي تتجنب إحالة ملفها إلى مجلس الأمن .
وكل المؤشرات تؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية ودول الترويكا الأوربية الثلاث متفقان على وضع نهاية للبرنامج النووي الأيراني للأغراض العسكرية .
11- يشغلها أيضاَ تواجد القوات الأمريكية في افغانستان وبنفس الوقت إنها أي ايران تريد ضمانات برفعها من قائمة الدول الحامية للأرهاب .
التوقعات القادمة :
1- بعد مجيئ رئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية السيد باراك أوباما وإدارة جديدة , يتوقع أن تكون هناك إستراتيجية جديدة للولايات المتحدة الأمريكية تقوم على ممارسة الضغوط الدبلوماسية لأقناع إيران أولاَ على عقد إتفاقية طويلة الأمد . وقد تقوم إيران بذلك لغرض أن تعطي لها وقت لمتابعة تطورات الأحداث في المنطقة .وإذا لاحظت إنه لا توجد ضغوط عليها وأن الأوضاع في تسير في صالحها فستعود لمزاولة نشاطاتها النووية وتتعامل بأزدراء مع الأعتراضات الدولية .
2- أن الأدارة الأمريكية الجديدة إذا طلب منها تقديم ضمانات لأنهاء إيران لبرنامجها النووي , فأعتقد إنها ستتعامل بمرونه أكثر عن الأدارة السابقة في ظل الرئيس السابق بوش . رغم إنه سيكون خيار صعب بالنسبه لها , فقد تقدم ضمانات وتطمينات وحوافز التي تضمن الأتفاقية مع الترويكا , ولكن لا تعطي لأيران كل ماتريد وما تطمح له من دور أو مركز إقليمي في المنطقة , وقد تلجأ أمريكا لبعض الحوافز منها مثلاَ إلغاء العقوبات الأقتصادية الأمريكية المفروضه على إيران وإعطاء ضمانات أمنية بعدم التدخل في شؤونها الداخلية وعدم تقويض نظامها السياسي , وقد تلجأ إلى التبادل الدبلوماسي مع طهران وإلى التبادل التجاري معها . ولكن هذا يتوقف على تعامل الأدارة الأمريكية الجديدة وعلى الأنتخابات الأيرانية القادمه في حالة فوز الأصلاحيين ستتوفر إمكانيات أكثر للتوصل لأتفاقيات حول إنهاء البرنامج النووي الأيراني وتجنب إيران تحالف دولي ضدها ويمكنها من الحصول على حوافز إقتصادية .
هل يتوقف التدخل الأيراني في الشأن العراقي :
أخيراَ ما يشغلنا هو التدخل الأيراني في الشأن العراقي سواء حل برنامجها النووي وقدمت الولايات المتحدة ضمانات لها أو لم يحل أو إكتفت بتوقيع إتفاق جديد مع الترويكا الأوربية .هل يتوقف التدخل الأيراني في الشأن العراقي ؟ كل المعطيات تؤكد عكس ذلك وأن إيران سواء توصلت إلى إتفاقية حول برنامجها النووي أو لم تتوصل سوف تستمر في تدخلها في الشأن العراقي ويهمها حاضر العراق ومستقبله بأن يكون لها دور فيه . وهذا هو مصدر القلق على مستقبل العراق وعلى بناء نظامه الديمقراطي التعددي بلا شك أن لأيران دور نافذ ومؤثر في العراق وذلك من خلال أدواتها وركائزها في المجتمع والدولة . سأتناول في مقاله قادمه هذه الموضوعه وأدعوا كافة الكتاب من مختلف التوجهات وكل المعنيين في الشأن العراقي من كتاب ومحلليين استراتيجيين تسليط الأضواء على التدخل الأيراني في الشأن الداخلي العراقي وخطورته على مستقبل العراق الديمقراطي .
28-2-2009 .
#فلاح_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟