حيدر هبر
الحوار المتمدن-العدد: 2571 - 2009 / 2 / 28 - 09:06
المحور:
الادب والفن
"شيفرة دافنشي " DAVINCI CODE
ربما لو وجدت اسم مؤلف هذه الرواية (ليفي شيتراوس) لما استغربت الامر لما فيها من الانثروبولوجيا والاعتماد الهائل على الميثولوجيا،والإبيجرافياEpigraphia. وهو علم دراسة الآثار من خلال المباني والعملة والتماثيل والأواني والأدوات التي خلفها الأولون كما واستعان بـ Archaeology . او ما يسمى بعلم السجلات الصامتة . وهو دراسة مسيرة الإ نسان من خلال الوثائق في المواقع القديمة حيث يقوم علماء الآ ثار من خلال أساليبهم الفنية بالتعرف علي عادات ومعيشة وانجازات الشعوب في الماضي .
ليس من الضروري ذكر ما احدثته روايته من ضجة في العالم عموماً علماً ان (براون) نفسه كان مفاجأة للجميع فليس له تاريخ روائي أدبي كبير.فلقد ولد عام 1965 وعمل مدرسا للغة الإنجليزية في المدارس الأمريكية حتى عام 1996، ثم ترك التدريس متفرغا للعمل الأدبي وكتب 3 روايات قبل "شفرة دافنشي" لم تحقق ذات الشهرة لكنها اتسمت أيضا بالطابع البوليسي والرموز او المؤامرات فقد نستطيع القول بان معظم رواياته السابقة كانت تدور في نفس المحور فرواية (حقيقة الخديعة) وهي رواية علمية تتحدث عن احد اعظم اكتشافات وكالة الفضاء الدولية (ناسا) والذي ياتي الكشف عنه قبل انتخابات الرئاسة الامريكية التي يدخلها الرئيس الامريكي المفترض ويواجهه احد المناهضين لناسا والرواية تجري احداثها في القطب المنجمد وربما يمكننا ان نعتبرها مقررات دراسية للمواد العلمية ,ولكنها رواية جيدة ومشوقة أما رواية( ملائكة وشياطين) وهي على نسق رواية (شيفرة دافنشي) ولكن بطريقة مختلفة حيث ان هذه الرواية تمثل الجانب السيء لاحد المنتمين (اومن المفترض انه ينتمي لتيار مناصري العلم) ويكون الفاتيكان والدين يمثلان الخير , الرواية ممتازة جدا لمن يرغب بمعرفة العلماء والمبدعين القدماء المنتمين للتيار العلمي وكيف كانوا يبثون معتقداتهم وابحاثهم عن طريق الفاتيكان وهو المسيطر على العالم في ذلك الوقت ومن يحارب العلم!!.اما رواية (الحصن الرقمي) فهي تختلف عن سابقاتها بحيث لانها تدور حول احد اجهزة الحاسوب العملاقة وقضايا التنصت التي تقوم بها الحكومة الامريكية حول العالم , وكيف ان جنون العظمة وحب النجاح المنقطع النظير وحب الذات من الممكن ان يضحي بارواح عدد من البشر وملايين الملايين من الدولارات، ونستطيع القول بان هناك الكثير من الافلام (الهوليوودية) تناولت مثل هذه القصص.انا لست ممن يفضلون منع الكتب مهما كانت بل يجب ان ننفتح على المجتمعات ونعلم ما يحملون من افكار، بل ويجب ان نطرح تلك الافكار ونناقشها بمضوعية قدر الامكان حيث اني ساحاول ان اتناول (شيفرة دافنشي) من الناحية الحِرَفية بعيداً عن الغاية المراد بها من ورائها حيث ان الروائيين الامريكيين وبصورة عامة بدأوا بكتابة الروايات التي تكون جاهزة لتتحول الى فيلم فور نشرها –اذا اثبتت وجودا طبعا- وهذا الاسلوب استُعمل من قبل الكاتبة (دانيال) في رواية (الوعد) كما وان هذا الاسلوب السردي التصويري يعد قديماً لان أول من قام بمثل هذا النمط هو الروائي الفرنسي(الان روب غريه) والذي اثر عليه عمله ككاتب سيناريو ليحول رواياته كلها الى كتابات اشبه بالسيناريو الجاهز ونحن في هذا المقام لا نحاول الوقوف مع أو ضد نمط او اسلوب وانما نطرح تساؤلا ملحا عما اذا كانت (شيفرة دافنشي) تستحق كل هذا الضجيج كعمل روائي أم لا ، وهذا السؤال طُرح سابقا بخصوص رواية (وليمة على اعشاب البحر) لـ(حيدر حيدر) فرواية براون ليست فريدة من نوعها بالقدر الذي استطاع من خلالها استفزاز اكبر عدد ممكن من القراء فلا اظن بان هناك مراهقاً لم يستمتع بالغاز (اجاثا كريستي) البوليسية والتي كانت تحتوي على مؤامرات لمنظمات دولية خصوصا في روايتها (موعد في بغداد) ولكن الفرق بالطبع جلي وواضح فلقد ترك (براون ) اسئلة كثيرة تحفز القارئ على البحث اكثر في المواضيع التي طرحها أي انه ترك تساؤلات كثيرة ترك اجابتها على عاتق القارئ نفسه ولكننا لا نستطيع ان نعطيه السبق في هذا الامر ايضا حيث .سبقه في ذلك " امبرتو ايكو " بروايتين لكنها تكشف الكثير من الأسرار وتطرح الكثير من الأسئلة وأشهرها " اسم الوردة" وقد كرر براون امرا يعد أسطوريا شائعاً في الغرب يشدد على الطبيعة الإنسانية للمسيح، إلى حد الخلط بين تصرفات إنسانية غير مثبتة عن المسيح، والتاريخ غير الواضح لجمعيات غامضة مثل جمعية "سيون" Sion Priory الغامضة والتي تُقرأ ايضاً "جمعية صهيون",مستندا الى تأويلات خاصة للخلاف على طبيعة السيد المسيح في مجمع نيقيا (تركيا, سنة 325م), وللأناجيل التي لا تعترف بها الكنيسة (مثل الانجيل الغنوصي), ولـ"جمعية سيون" وتاريخ رؤسائها المفترضين مثل اسحاق نيوتن وليوناردو دافنشي وجان كوكتو, ولـ"مخطوطات البحر الميت", ولبروتوكولات حكماء صهيون, وللماسونية. ولعل النقطة الاكثر "استفزازاً", من وجهة نظر الكنيسة, ما يرد عن وجود نسل سري ينتمي الى السيد المسيح, بناء على زعم زواجه السري من مريم المجدلية,والتي دأبت جمعية "فرسان الهيكل" على صيانة اسراره. ويوحي الروائي بأن ملوك فرنسا من سلالة "ميروفينجين" الذين زعموا تحدرهم من المسيح نفسه, وان لوحة "العشاء الاخير" لليوناردو دافنشي, تحمل اشارات سرية عن "الزواج" المفترض وما الى ذلك. واستطيع القول بان ما يفاجأ به القارئ عندما يقرأ في بداية الرواية معلومات ادرجت تحت عنوان (حقائق) ليس من حق الكاتب او الناشر ان يقوم بوضع كهذا وان اعتمدت المعلومات الرئيسية على حقائق فعلاً فلقد اتهم الكثيرون براون بانه اعتمد في استقاء معلوماته على كتاب غير موثق عنوانه "دم مقدس، كأس مقدسة". بالتأكيد لا يستطيع احد ان ينكر تأثر الديانات بعضها بالبعض الاخر فالمتتبع لعلم الاديان المقارن سيجد بأن البولوثيزم(تعدد الالهة)او مفهوم (الثالوث) أو الثالوث المقدس يعود الى عصور سبقت السيد المسيح بكثير وهو يدعى باتحادالآلهة ثيوكراشيا( Theocrasia. )حيث ان الاغريق كانوا يمارسون في مصر عبادة الثالوث(الآلهة المتحدة في إله واحد) في معبد السرابيوم ابان عصر البطالمة منذ عهد بطليموس الأول وكانت الآلهة الثلاثة الرسمية آمون – رع , و رع-حارا . وكانت هذه العبادة عقيدة اغريقية في الأصل. كما ان الهندوس تستند عبادتهم على ثالوث مقدس ايضا يكون (البراهما) رأسه وهناك الكثير من المعلومات التأريخية – بغض النظر عن دقتها- بامكان أي كاتب ان يستغلها لاستفزاز القراء او- قراء معينين- كما ويمكن ان يخلق اي كاتب ماهر انواع الشيفرات من خلال التأريخ البشري المليء بالحقائق والاساطير والغريب ان البعض يعتبر بان براون اثار الموضوع القديم- الجديد والذي يدل على كيفية تحريف الدين حيث جعلوه وثنيا - كالذي كذب الكذبة ولم يعرف كيف يحافظ عليها. بينما نجد براون قد تخبط بين التوحيد والوثنية فالطقوس التي كان يمارسها سونيير تدل على تقديس الانثى والتي يرمز لها بالنجمة الخماسية وهي رمز وثني للالهة فينوس بينما يفترض ان تكون اخوية سيون أو صهيون الجمعية الوحيدة التي تؤمن بالله الواحد بل وتعتبر السيد المسيح بشرا كما ان الاضطراب يبدو جليا في كثرة ذكر (نظرية المؤامرة ) أو المؤمنون بنظرية المؤامرة على لسان بطل الرواية(لانغدون) حيث يذكرها وكأنه ليس من المؤمنين بها وهو الذي ألف كتباً عن منظمات سرية سبقت عصر المسيح !ولكن نستطيع القول بان براون حاول ان يأخذ القارئ في دوامة من الرموز ليصل بها في نهاية الامر الى نتيجة مفادها(تقديس الانثى) أو تقديس الجنس نفسه وذلك ما يؤكده طقس(ييروس غاموس) والذي لا اظنه يعود الى دين يحترم قدر الانسان من حيث الطريقة التي تمارس بها وان كانت هذه الطريقة او الطقس يمارس كل 2000 سنة هذا بالاضافة الى طرحه لطريقة اتحاد الانثى بالرجل والتي مثلها بالسيف والقدح ليكوّن في نهاية الامر مثلثين يتحدان ليكونان نجمة داود ! من الممكن ان نقول بان الكاتب اراد من (الغريل) هو استمرار نسل السيد المسيح – اذا كان ثمة نسل - والذي يحرسه السيف والكأس المتمثل باتحاد الانثى والرجل عن طريق العملية الجنسية ومن ثم استمرار النسل وبقاء (الغريل) ولكن الشكل المنطقي للاتحاد المزعوم يجب ان يكون بمثلثين متداخلين وليس متدابرين فنجمة داود عبارة عن مثلثين متدابرين أما المثلثان المتداخلان أو (المتجانسان) سيكون احدهما في وسط الاخر اي مثلث يدخل به مثلث،
وبهذا يجعلنا براون نرتاب من نواياه بطريقته الملتوية للوصول الى نتيجة يرغبها البعض ويرفضها الكثيرون فمن يطالع التأريخ البشري سيجد العجائب مثل النسبة المقدسة التي افترضها براون (الفاي) حيث نجد ان أبراكسيسAbraxis . كلمة اغريقية حروفها عبارة عن قراءة للرقم 365. وكانت تكتب فوق الصخور . وكانت تستعمل كتعاويذ. وهذا العدد كان يشير الى أن السموات عددها 365. كما ان أبيس Apis . لقب العجول المقدسة التي كانت تدفن في مقابر السرابيوم بسقارة وكان عجل أبيس يرمز للخصوبة وكان يعبد في) منف) واعتبره قدماء المصريين روح الاله بتاح. لهذا كان يتوج بوضع قرص الشمس بين قرنيه.فهل يحق لنا بان تقديس العجول عند الهندوس قد أخذ من المصريين؟ وغير ذلك من ثقافات واديان الشعوب التي لا تعد ولا تحصى، أما بالنسبة لتهجمه على الكنيسة فهذا كان من الاسباب المهمة التي ادت الى انتشار الرواية بهذا الشكل العجيب فمن المؤكد بان اي كاتب عربي مبتدئ يستطيع ان يثير ضجة في العالم العربي بمجرد كتابة رواية مستقاة من حقائق تأريخية تدين بعض الصحابة أو بعض الدعاة في عصر معين من التأريخ الاسلامي المليء بالحوادث وهنا تجدر الاشارة الى ما ذكره (اسامة انور عكاشة) حيث قال (عمرو بن العاص من اسوأ الشخصيات التي ذكرها لنا التأريخ الاسلامي) بينما نجد الكثيرون يعتمدون روايته للحديث والسنة!!
يبدو ان بداية فكرة رواية "شفرة دافنشي" جاءت عند قيام دان براون بدراسة الفن في جامعة أشبيلية في أسبانيا حيث تعلم بعض ألغاز لوحات ليوناردو دافنشي.. ولعل تأثيرات (بلايث) زوجة الكاتب الرسامة ومؤرخة الفن واضحة في الرواية؛ حيث يمزج الكتاب بين تاريخ الفن والأساطير، ويقدم قراءات جمالية ممتعة لكنائس باريس وروما ولأعمال ليوناردو دافنشي.كما ومما يجدر الاشارة اليه ان هناك شركة سياحية استثمرت رواية براون(ملائكة وشياطين) للترويج عن الاماكن لتي جاء وصفها فيها بخصوص الاماكن الدينية في الفاتيكان وهذا يذكرنا بعقدة النجاح الامريكية أو التفكير (البراغماتي) الذي يسعى دائما الى المال والنجاح بغض النظر عن الطريقة.ولا ننسى بانه جعل (التروبادوريون) من ضمن الاخوية وهم الذين ذكر التأريخ بانهم نتاج تأثر الحضارة الاوربية بالاندلس وهذا دليل على قابلية أي كاتب على التلاعب بالمسميات فضلاً عن الرموز والارقام .
وعوداً الى الامور المريبة التي تصنع في الولايات المتحدة سواء على مستوى الروايات أو الافلام أو التنويه الى مقال لي لم يجد سبيله للنشر ابان حكم الطاغية كان عبارة عن نقد لفيلم (الميتركس) حيث اثارتني الاسماء التأريخية والغريبة التي اختارها كاتبا السيناريو وتساءلت ان كانت مجرد اختيارات عشوائية ولكن بعد االبحث وجدت بان (نيو)معناه جديد اومبتدئ.(ميتريكس) -فضلاً عن معنى مصفوفة-:معناه المنبت او المنشأاو الرحم.(مورفيوس):معناه اله الاحلام عند الاغريق (اوراكل):هو وسيط الوحي اي انه يعتقد بان الاله يجيب عن طريقه.و قد تكون نبوءة.(ترينيتي): الثالوث الاقدس"الاب..الابن..و الروح القدس"(سايفر): معناها صفر بالعربي،واهم نقطة على الاطلاق واكثرها اثارة للريبة هي تسمية (سيون) " Sion " في الرواية وتسمية "زيون" "Zion"- والتي تقرأ بالعربية صهيون-..و هي كما قال الفيلم بانها آخر ارض للبشر.
#حيدر_هبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟