|
رواية - وجبة من طحالب الكتابة- الجزء السادس
ابن جرير الرحماني
الحوار المتمدن-العدد: 2568 - 2009 / 2 / 25 - 08:53
المحور:
الادب والفن
إن الذين اتخذوا من الأرض مستقرا لهم ، لم يتركوا مكانا طاهرا عليه أضع ما جمعت في حدائق الخريف من زهرة الروح ، فاتخذت من كفي لها حقلا به أحرث بذور لونها البني ، فرشقتني غيمة بما لفظت من مطر ، فصعدت شرفة الصدى أقرع طبلا جلده من فروي قد اهترى ، فهيأ إلي الذي أعد لحضوري وليمة أطباقها مختلف طعم عقابها ، ولقد تسنن طعامها في حوصلة زاغب ، فتفحم وجه الأرض مما تقتات نار محرقته من جسدي ، وصرت من السخام خيالا مطرودا من وطن الإنسان، أفتش معابد الوجود عن لعبة الموت ،وعلى جدار قبري علقت أسماءها ، إلى أن تكبر حماقتي وتلهو بها على قارعة الزقاق وقتا أعددته لها مما سقط من وقتي ، فتسوقني خارجا عن طاعة ما هو مألوف من سواقط أمنت من صمت أئمة ينكحون غلمانا على نعش الفقر ، فيهاجمني الذي عنده سوط من نار ، ضرب به الأرض فانشطر منها إنسان مختلف ألوانه ، منه لم يجدني فيما أعد له من معابد ، فلقد برحت من تلك الصورة التي عليها سوى وجودي ، فما القبر إلا عدم و يحسبني أني به نزيل ، ومن اشفاقي على بئيس منحته مسكنا لمن لا مأوى له ، وبالكرى نزلت طيفا طليقا مما بلغت من سمو جمال اللهو بدمية الموت ، فعندما يؤثث بيته الإنسان بعقيدة ما ، ويعتنقها دينا عليه يكون قد قتل حريته ، وبحرية حدثني رجل سعى من الجنوب ، سمرته من العسل قطف لونها ، وبسط لي واحة تحت ظلالها تمددت ، ونخلة باسقة ثمارها دانية تحمل ما عدمنا من حقائق في حاضر لا يفتى إلا ضلالا عن ماض دفائنه مخروسة الألسنة ، فإن كان قد لقي لحدا ما ارتوى قرطاسي من قول صدق به تفوه ، وكان آنذاك في المهد صبيا ، تحمل تقاسيم عهد كان فيه العيش شقيا ، وإيمان الأجداد والآباء بتقاليد من إرث الجهالة قد لبسوا للطفولة جلبابها ، والآونة التي نقتعد بساطها ماهي إلا امتداد لما انصرم من حقب نحن فيها للموتى نظير ، من قيد الدهر معصمي ، وما حوى الناس من أعراف من القدم جلبوا إرثها ، فأيقنت أن في عودتها مذلة في ما تعيش فيه من عهد ، فإني الآن المصباح الذي يضيء كهف ماض وما به من دسائس عن حاضر تم نكرانها ، فكنت الطفل الذي في ولائم الكلام يحشر نفسه ، وبناب كشوكة عقرب يلدغ عاقل القوم ، فينزعج وعنه ينفض ما حوله كان لحديثه منصتا. في تلك الفترة نزلت بالمدينة رفقة العشيرة ضيفا ، وتآلفت والمكان نخيله عني أقصى غربة في خاطري ، كنت أخشي منها أن يجثث النخيل من ذاكرتي ، فكان الرحيل إليها مشيا على الأقدام ، نحصي في العبور الأيام والشهور ، والهلال في سمائه كلما هل ساعة نحصي به الزمان ، والخطو بطيء والمسافة تبدو لا متناهية ، والمشي أضنى الأقدام خلف أثان هزيلة ، والسقم بها دب حتى صارت ضامرة ، ومن ثقل أمتعة عليها تحمل يسمع شهيق أنفاسها. وبدار بالحي العتيق كان النزل ، والشروخ بجدار بيوتها ترعب النفس ، والخوف من انقضاضها يذهب النوم عن جفن على حضنه يحط الأرق في الظلماء ناعقا ، وعند قضائه مآرب البيت كان يخترق زقاقها الضيق جريا ، وفي المساء يلهو لبعض الوقت تحت مصابيح خافتة الضوء ، إلى أن يقدم الحراس على طرده من الوقت ، فاصطحب الجد ذات عيد إلى حيث يشتغل إماما بدار القائد ، أجيرا والثمن زهيد ، به يعول تركة من الأحفاد ، والدهر قاس والفقر مستفحل ، والناس على لقمة العيش تتقاتل ، وقال إنه كان يسمع صوت الجد الرخيم ينادي بهمس محتشم مواقيت الآذان ، والقائد لا يجيئه في المواعيد ، وإذا أتى وقف من خلفه متكبرا متعجرفا على سجادة من حرير ، وكأنه على المصلين يجود بحضوره ، غير مدرك أن الموت سيقتلعه يوما من الجنة التي ينعم بلذائذ العيش فيها ، حسناوات مختلفة مشاربهن لفراشه زينة ، وجوار حقيرات قدمن هدايا في أعياد المواسم ، عوانس بالمطابخ يقمن خادمات ، والشغل شاق والأعمار متفاوتة ، ومنهن قاصرات والسوط يلسع ظهورهن إن أخطأن ، وليس لهن باحة قيلولة إلا قبرا فيه تغمض الأجساد ، وعبيد نواذل للإقامة فرض عليهم بثر الخصيتين. الرحاب مقوسة والأعمدة يكسو الرخام سمقها ، والشرفات بالقرميد الأخضر وضع لها زينة ، ورياض لدار الضيافة يتوسط ، وبه من كل شجرة مثمرة زوجان ، فاكهة ممنوع على الأيادي قطفها ، ومن نافذة كل فصل تلوح ثمار مختلف ألوانها ، و الأفنان و العروش بها مثقلة ، وعندما تبلغ نضجها وتتزبب نظارتها لا تجلب شهية الرب للقطف ، لأنه من شهوات الحياة متخم ، فتقلي الشجرة من أفنانها ما بها من ثمر ، لما ترى عين فقير بالدمع تغازلها ، ولابد من نفس اشتهت لمسها ، فتلقي الثمرة بنفسها ميتة من شرفة الغصن ، فيتلقى لها قن في الحضيض ، وبها يرمي في برميل القمامة ، وقبالة الأريكة التي عليها الرجل يجلس ، أقيمت سقاية قوائمها من زليج ألوانه وزخاريفه باهيه في الجمال ، وماؤها المعين رقراق يصب في جدول خريره يغازل سكون المكان ، ومن خمرته تحتسي الأشجار شرابها ، مكانه المفضل والأريكة فراشه ومن كوب بلور يستشف شرابه على نغم عصافير فوق عروش خياله تزقزق ، والشمس جانحة إلى المغيب ، والغسق عتمته تظلل الرياض ، والمصابيح المعلقة على الجدار أرخت على وجنتها وميضا صفرته خافتة ، لوحة من الجمال تنفذ إلى النفس فيولد الإغراء بها شاعرا بعذريتها يتغزل ، و من شرفة تطل على الرياض لاح ظل سيدة تتخطى عقدها الرابع ، تروح عن نفسها فيطول بها المقام شاردة ، فكأنها راحت رفقة المغيب إلى أمكنة من طهارتها تتبسم ، وتستنشق من زهرة قرنفل أريجا يذكرها بذكر فض بكارتها ، ثم منها ضاع ، ومن مضجعها هجر إلى نسوة بالدار لا يقرب منهن إلا من بها تزببت بكارتها ، وبينما هي تسعى في شرودها لافظة عنها ما تبقى بها عالقا من أنوثتها ، حتى رشقها الغلام بحبة من زيتونة ، وتوارى عنها خلف جدع الشجرة ، فغطست بنظرات سوداوية تبحث عن منادي بالإشارة تكلم ، فهل كالهلال في عيونها الغلام ضحوكا ، ونشيش البسمة يلاطم خواطر كاد أن يصيبها الهلاك فصب الغلام كأس الطفولة في وجدانها ، همسه الرقراق نفذ إلى جنانها ، فاخرج من المقل دمعا على الخد لم يجد مصبا لمجراه ، ونسجت باحة حلم فيها يكون لها الأنيس السامر في حضنها ، ولما برز أمام عيونها بجلبابه الرث ، أغمض جفن الطفولة عابتا فكأنه يشير لها بطرف العين مغازلا ، وخبر نفسها هاجس أن الغلام حاذق ويحمل من الجمال طعما به إلى القلوب ينفذ ، فبسطت له من القلب يد الهوى ، والحضن خيمة بنت ليكون له مقر لهو ، ثم جنت عن بصره لحظة ، فخال أن غيمة مرت بينهما وأرخت حجابا ، ثم ظهرت تنزل الدرج مسرعة والنقاب لباس على وجهها ، والشال لفاف على الهامة والجيد ، ووشاح الفرح من نظراتها يلوح توهجه ، ودون استئذان الجلواز ، همت عليه دخولا ، وأمامه نصبت جسدها جتوا ، تستعطف والعين من حزن كادت تصب دمعا ، وقالت إن زهرتي لم تعد تعطر مقامك لما تأوي إلى الحضن ، وليس لي من قمر يضيئ بيتي الحالك من العقم ، ولقد أحرقت من الشموع به ما أضاء نشوة الإفتضاض ، ورحمي منك لم يرزق بجنين أتباهى به بين نسوة الدار ، واليوم إني طالبة منك حفيد الإمام ، به أرضي نفسي مربية ، وانقضت بجسدها في حضنه ، فرفع ناصيتها بيده والدمع من مقلها يذرف ، وطأطأت أمامه رأسها ، وهو يدلك شفته بقواطعه ، ثم قطب حاجبا ورمى أصابعه يفرك جبينه ، ثم أشار لها بظهر كفه إن أمرها مقبول . رفرفت مسرورة والخطو جناح به تطير ، والغلام إلى غرفتها تسوق ، ونادت على خادمة وأمرتها أن تأخذ الصغير إلى الحمام ، وأن تكسوه بهندام يليق بأهل الدار ، وتعطر تيابه حتى يفوح منها الطيب ، ويشم أريجه المصاب بالزكام ، ومقام اللهو الرفيع له يمنح ، لقد حضا الغلام برعاية السيدة ، وفي عيونها استقر مقامه ، وعنها أجلى حزنا كان بنفسها حطام مزمن، ومرقدها صار حقلا به أزهار القرنفل والأقحوان وشقائق النعمان تموج ألوانها بهبات من نسيم أنفاسها ، والمضجع تحول إلى مهد تلهو به بلعب الطفولة ، ومن ذراعها المكشوف اتخذت منه مخدة لضيفها ، فراشها بذكر ازداد زينه ، وأسدلت في نومها ستائر الحلم ، ومن خيالاتها طردت طيف فحل كانت في وحدتها تفضي صنيعها ، فكلما جنحت إلى النوم أرخت عنان اللهو مع الغلام ، وبالهمس الرخيم تداعبه وعيونها بندى الرغبة في التضاجع تغور نظراتها في براءة الصبي ، تبسمت في عيونه ، والأنامل تختلس اللمس على وجنتيه ، ثم اتخذته رضيعا وله الثدي منح ، فحاكى رضيعا جائعا يمص الحلمة ويستشف مضغها ، وتجر منه يدا خجولة وتمررها لمسا على الجيد ، وأنفاسها تتوجع برعشة اللذة من جسده إلى صدرها تصر ، وعندما يغالبه النعاس ، وفي قصر السبات يرقد ، منه تشبع كبت أنوثتها بجني ألذ القبلات من ثغره ، ويدها تقبض على قضيبه وتمعسه بنعومة الأنامل حتى يتمدد ، وفي بعض الأوقات من النهار ، و في الغرفة كانت تروضه على لمح أطرافها المحرمة ، ثم تتظاهر بالحشمة ، إلى أن صار كعود الرند تعطر مضجعها فحولته ، وبه تستأنس وتتلذذ بنكهة بعل في حضنها غير راشد. وفي أحد الأيام ، غطت المدينة سحابة كبيرة ورمادها نزل على سقف الأزقة رذاذا وانتشر بين العوام نبأ اعتقال بسطاء كانوا للعدو وأعداء ، ولقد أعدوا لهم في المعتقلات عذابا أليما ، إن فظاعة الإنسان تكشفها الجرائم التي يرتكبها ضد الإنسان ، وساد في المدينة بين الناس رعب وهلع ، وكل نفس صارت بما تعلم ضامرة ، وتناثر السكان من عقد الصداقة أشتاتا ، ولم تعد تسمع بينهم في الطرقات تحية ولا سلاما ، والكل من شقائه عائد بالخطو يرمي مسرعا ، وعن قفة قوته يتجنب التأبط ، والسلطة في استنفار ونهيقها للقلوب يفزع ، حتى صار الناس في الازقة يمشون فرادى . فبكى الإمام العجوز سرا في المسجد ، والحفيد لحبات الدمع يلقط ، وبأنامله ينفض ما حوت مقل الجد من عبرات أبت منها انزلاقا ، وبخواطر مضطربة بما أصاب دوحته من فاجعة ، ضم إليه فلذة كبده والأطراف ترتجف ، واللسان أثقله النواح والشكوى ، وما من آلام بالصدر حوى ، كادت أن تكسر ضلوعه ، وعلى حطامها أسند رأس طفله ، وأرخى غطاء الحزن على مهده ، وهمس في أذنه وهو يجهش للبكاء بكل صدق ، ينعي له في السر اعتقال العم في سجون الباشا ، تم النزيل مفقود ، وأبواب الفرج به موصودة ، والموت مروض على نزع الأرواح ولا يذر أحد في البكاء ، فإن الله يغمض جفنه مستنكرا وقلبه يجهش للبكاء عندما يرى عباده من الفقراء داخل سجن الإنسان تحرق جلودهم بنار موقدة في فرن المخزن ، ولا أحد يستطيع إلقاء صرخة أو أن يبلغ صورة من أبشع المشاهد التي لها الإنسان يمارسها في حق الإنسان . أمام الإمام مغلقة كل الأبواب والنوافذ ، يتخبط في ظلمة لا منفذ للنور إليها ولا هي عنه متجلية ، فأوقد مصباح بأحشائه ، نوره طهارة يضيء بها سجادة عليها يقيم أوقات عليه مكتوبة ، عسى أن تبطل العبادة بطش الطغاة في حق الإنسان وكرامته ، فتأججت بداخله ثورة وسلاحه الصدى ، استيقظ مما كان فيه من غفلة ، وانتعل السجادة ومسك الحفيد من قفاه مثقلا كتفه بالسبحة ، وأدخله معه في صلاة دخيرتها دعاء ، به النفس تقاوم ما أصابها من ضعف ، وتلقي مقاليد النصر للرب عسى أن يتدخل ويعيد الحق لأصحابه ، وأن يرزق السجين صبرا جميلا به يهزم قساوة الجلاد ، فنط الغلام من فوق سور العبادة ، تاركا الجد في وحل السراب ، والقارب به خرق والمجداف به منعدم ، والأمكنة التي يريد إليها الوصل معابرها بالحراس مثقلة ، والليل قد بسط لحافه غطاء يستر به جثث مدن تناسلت من الطين ولباس حاضرها من تقاليد النخيل ، والأمة أتقلوا جيدها بالتمائم ، كي تشفى العلل التي بها أعدموا حاضرها ، والأحزاب مطيتها جحش ، وإذا مروا على أزقة بها فقراء زرعوا بينهم رغيفا فتنة ومنهم قطفوا وردة كانوا في الكرى قد زرعوها وبالدمع سقوا بذرتها ، فإن رجل السياسة فض وماكر ، له قلب غليظ أشد من قساوة الحجر ، لا تتفجر منه ذرة رحمة على العباد الذين استضعفهم دستور ليس لهم منه إلا استفتاء مزيف، ركض الغلام كالمهر إلى أمكنة أنثاه ، يحتمي بعرض سلطتها ، كي يشتري منها سجون ومعتقلين وجماجم قد توارت في مقابر مجهولة ، والخطو يطوي مسافات لم يدلي بها عقرب الزمان لأحفاده ، وفي الركض خال أن التي يقصد مكانها عنه قصيا ، وكأنه يجري في بيداء يسابق الشمس الى غروبها ، وارتمى من شرفة الحزن في حضنها ، والجراح به لا تندمل إلا إذا كانت لنفسه ضمادا ، التوى على جيدها والدمع من مقله منهمر ، وعلى حبل جيدها صب البكاء بركته ، وعلى ضفافها نما من الزهور ما يرعى من رحيق أكاليله النحل ، بكى كالجد فكان البكاء صادقا ، ومكان البكاء مختلف والتفاوت في الزمان قائم ، فلقد جففت دمعه ، ونبع عبراته لم ينضب مجراه ، حتى ارتوى منديل من الخز بين أناملها ، منديل لم يسبق له أن ذاق ملح الدمع ، فتمسست في دواخلها قلب غلامها و آلام بالنفس حارقة ، فأرخى الفؤاد ظلال عواصف ، وهوت بصدره تشفي غلله فبدت بالقرب منه كشمس على مسطبة الغروب من مقلها نبع لون الغسق ، ومزجت روحه بروحها وحواهما نقصان كانت تشان به، في غرفة الحلم يحترقان كعود الرند ، والليل غطاء يضمرهما عن عين كل سامر ، ونوافذ على جدارها قد تحطمت بنسيم شوق هباته نفح بها طائر قد غار من قزح ألوان ريشه ، وعلى فروع ليل تسلمت بأغاريد منه وقد راقها اللحن . فاستبقت الشمس في غروبها ، وعندما انفض من حوله المجلس ، دخلت عليه والوجه خماره كآبة ، فأخبرته بما في صدرها من نبأ ، فشب في خلوتهما حريق لهب نهاره من كلام عصي ، والسقف ليست به مدخنة ، فنام في عشه يطعمه أحلامه من نهد ناضب منه ينتظر قطرة لبان يحتسي طعمها نبيذا ، فأفصح لها والتجهم باد على سماه ، إن سعت صدري قد ضاقت بما منحتك من لعب لحماقاتك ، فإني معرض عما ألقيت على كاهلي من أمر لا يليق بمقامي ، فوجهي كالبدر ناصع في سماء الباشا ، ولا يمكن لي أن أقذره ولو بذرة من سخام ، إن ما تأمري به ما هو إلا هزوا يتخذه الذين يكنون لي في قلوبهم سوءا ، لما أساق أسيرا كالقن ، ويصير الوجه كقدر من فخار عليها السخام تلبد ، وكأني بأمرك هذا أشق بابا على صخرة ، والصخرة صلب لا ينقر منها الفأس شظية إلا صدى طنينا من قوة ضرب يزعج الذي في صلاته يستلقي قيلولة ، كذلك يريد بي أمرك لما ألقي بين يديه قولا يدنس سمعه ،عندما أتجاوز حدودي بطلب العفو منه عمن ارتد وبكفر أراد إرهاب المستعمر. فطوت في فستان يحمل ذكرى خرق بكارتها تحاورهما ، ودخلت غرفة الصمت بكسوة الحداد ، ومن رحمها يتدلى ذكر ومنها قد سرقت طينته ، وبروعة ما نحت على جسدها من جمال به كفر، فلذة جمال هذا الكون بدعتها الإناث بقطرات لبان من محبرة الثدي ، فلولاهن ما ولد الإله في عقيدة الإنسان . لبست الغرفة عتمة الحزن ، والأسى يثقل خواطر لا مجيب لشكواها إلا عباب يم هائج ، بزبده يلهو الغلام ومن بذور ملحه يغرس في مطرحها ما سقط من الدمع من مقله ، وبقبلات حزن مسحت على وجنتيه ما علق بهما من وسخ الكآبة ، وارتدت زي أهل الدار المرسوم لتقاليد المواسم الكبار ، وبحلي من الفضة والذهب رسمت لوحة لمقامها تبجل وجمالها تزيد زينة ، ومن خلف خمار شفاف عيون جاحظة تلقي بنظرات تخاطب البحر حين يستضيف لحظة الغروب ، تم ركبت عربة تجرها الخيول ، وغلامها تحت جناحها يرتعد قلبه من خوف مجهول ، ولما نقرت الخيول بقوائمها بوابة القصر ، فتح لها الحراس المداخل ، وبلغ جلواز سيده أن سيدة من حريم خدام المقام نزلت في حضرته ضيفا ، فأدخلت إلى قاعة وبها تم الترحيب ، قاعة مفروشة بالأرائك ، وموائد عليها ألذ وأشتهى الأطعمة مختلف ألوانها وأشكالها ، ومن كل طير بر والأنعام زينت صحون أكلها على الفقراء ممنوع ، وخادمات وهن من زنوج الجنوب يقمن بطهارة أيدي الضيوف ، وإذا سمع لاغ في نومه فإن القبر له مسكن ، فالحرية في أحذية البؤساء راقدة ، ولقد أعددت لها من الشمس جرسا أحباله من أسمالي تنتظر رسولا لها يقوم بالجذب. وبعد وقت من الإنتظار في الإنتظار ، أذن لها الجلواز بالدخول ، فباركت الدعوة و ولجت فارتجفت دواخل الغلام من نهيق الباشا ، السفيه المخادع للناس في صفاء الأعياد ، وعندما يخرج إليهم بلباسه التقليدي الناصع البياض وكأنه ليوم جمعة مصل ، وإن له في الحاضر نظير من نائب عليه حضور مكتوب لميعاده طاهر نقي وباطنه خبيث ولبه جاهل ، فنادى ، والنداء كان بنقر جرس من نحاس ، والأمر له مطاع ، واللعاب كالحمم من ثغره تثناثر شظايا الغضب ، والعينان تتأجج فيهما نار وكأنهما فرن به جمر موقد ، والوجه فناؤه متجهم منه الفزع يصفع الماثل أمامه ، وبأنكر الأصوات يرعد و يديه من خلف ظهره يغلهما ، والجوارح على طريدة من السجناء تتربص ، ثم أشار بسبابته الى جرة من نحاس ، فأحضرها خادم بخفة ورشاقة ، وأخذ يصب له في فمه ما تحوي من نبيذ ، والنبيذ ينساب على لحيته، ولما ارتوى منه رفع كفه ، ونهق حتى سمع نهيقه من به الصمم ، وعلى حافة منضدة أسند المرفقين يتلحس باللسان شاربه ، فلا يهدأ له بال و لا نفسه تستقر آمنة إلا إذا تلذذ بقتل ما اختار من السجناء، وقال لصاحبه هيئوا أرضا بها أزرع قبورا ، نباتها من أوباش في حبل النضال تعلقوا ، ثم صاح كالمعتاد وأمر أن يأتوه بجناح من السجن ، وكل سجين مكبل بسلاسل وزنها أثقل منه كيلا ، والعيون تفقع بمشهب حام ، فرج قلب الغلام وخال أنه ظل السبيل إلى حياة الإنسان ، وجنح عن طريق الخطأ إلى كون غير الذي كان يقصد ، فأصابته غشاوة كاد من جرائها يفقد وعيه ، ورأى في حاشيته أن لهم قلب أشد قساوة من الصلب ، يخنقون جيل الأمة بحبال من الفقر ، وقد تفرعت جدورهم وإلتوت على رقبة التراب ، إنهم كالقردة ينطون على أغصان تتدلى من جدع المخزن ، فسمع الغلام : إن المستعمر لن يرحل من بلد إلا و وضع على عرشه ربيبا له . فجاءته أمة لا تخشى الله ، وإنما تخشى سيدها أن تصيبها منه لعنة ، إنها تبلغ من الكبر عتيا ، وهامتها لا زالت منتصبة ، وكأن الزمان عجز على النيل من قدها ، حول جيدها حبل مثقل بتمائم محفوظة في صفائح من نحاس ، والكعب يلفه عقد منه تتدلى أقراص من فضة بريق لمعانها ساطع ، انحنت مطيعة له وقلبت يديه تقبيلا ، وعلى كتفها تحمل جرابا من معدن نفيس به من العطر ما لم يتشممه على الأرض مسكين . فألمحت إليه بكفها ، وكأن الشارة منه لجدار الزمان تمزق ، ومن خرقه ترضع شهوته من ثدي به تجمد الوقت ، ومن حلمة بها اللبان تنحبس لم يمسسها من المهد رضيع ، وعندما اقتربت من غرفة الحمام أزالت ستارا ، همست بنداء ولطم على الكف خفيض الصوت ،فبزغت مرجانة ، ولم تبلغ من الصوم إلا بضعة أعوام ، يتدلى وشاح الجمال على محياها ، إنها فتاة مكتنزة تكاد تحجب ما خلف باب الغرفة ، ولباسها كاشف عن فاكهة أنوثتها ، والوجه من خديه ينساب ندى من بخار الحمام الساخن تكون قطرة ، فاختلت به وكأنه رضيع في حضنها خلعت عنه ثيابه ، فالأمر بينهما معتاد ومألوف ، فهم بها وقضى صنيعه ، وفرائض الوضوء كان لها في الاغتسال حضور، و بموسى قامت بإزالة كل الزوائد من منابتها ، وبماء مقطر من نوادر الورد عطرت جسده ، وأكست عورته بملابس لا يظهر بزينتها إلا في مطلع الأعياد ، قفطان أخضر لونه والجلباب قماشه ناصع شفاف ، والبرنس من حرير هبت من لف جناحيه ترفرف ، والخف أصفر فاقع من فرو وحوش البراري كان صنعه ، والعمامة من سندس والجوارب ناصعة البياض، وربطة سوداء بالخز مطرزة بها خنجر مرصع غمده بعقيق أحجار كريمة ، ومصحف في صدر محفوظ من جلد ناعم على اليمين حمله ، فأطل على الحاشية كبزوغ بدر في عسعسة الليل متبخنس الخطى من مدخل محرم الولوج منه على الخدم ، والأمة تخطو أمامه بعكازها لحضوره معلنة ، فتصنم المجلس قاطبة ، وارتجفت صدورهم منه خوفا ، وكأن الأرض تحت أقدامهم رجت ، فتهاوت الهامات حضيضا له ساجدة ، والمكان جثم عليه صمت فيه لا يسمع لنفس زفيرا ، و لا عن بعد يسمع في الصدى لغو لاغ ، ثم دمدم عليهم بكلمات : القتل ...، لكل من كفر بآياتي ، ولو يكن رضيعا أو عجوزا مسنا ، وحتى وإن كانت إمراة في خيمتها تضمد جراح عاص قد أصابته منا طعنة ، وعقيدتي يجب أن تكونوا بها معتصمين ، قتل واعتقال وتنكيل ومن يدعي أنه من أهل حق فكونوا له هالكين ، إني إلى فاكهة الإنسان لها أشتهي، حتى أسمع زمهرير احتراق الفقراء في الصلاة ، وبناب من معدني ومخلب ، مزقوا وجه الأرض حتى يغمر الدم حوافر جوادي ، ثم ألقوا بهم بين شق الألواح التي بها تبنى الأسوار ، أمواتا أو أحياء منهم يكون لها الطين ، وهجروا من صدورهم أرواحا لمقامنا تبين أو تخفي العداء ،إنكم الأقرب منهم ولا تشدكم عنهم غفلة ، وإذا زهقت الروح من بلعوم لباسها ، انقضوا عليها وبها آتوني في قفص من حديد ، فإني لها القاتل ولو تفر إلى الله تحتمي به ، وقال لصاحبه بصوت خشن : لا تسقوا عجينة الطين ماء ، أريدها طينا لازبا من دم أحمرة فاقع. و اعتلى رفقة أمته شرفة تطل على الورشة ، تربع على أريكة والمائدة عليها أباريق من نبيذ مختلف أحجامها وأشكالها ، من معادن مختلفة ألوانها ، بريقها في عين ناظر ينغمس ، وكأن الغسق الذري يحبو وشاحه من حضن المغيب ، ومن يد الأمة يستشف الخمرة ، ويحرق في السماء جنة للفقراء أعدت ، فيها يزرعون أمانيهم ، فانقض عليهم وهم في الكرى يحلمون ، ومنها أخرجهم ضعفاء بالأغلال يساقون ، فعصا نفسه وأقر بطغيانه أن ما في الكون من ثروات هي له ملك و في سجلاته مدونة ،و لا إله يصدر إلى البلد مصحفا يحمله رسول و يخرج إلى الطاغية منقلبا. فأوقد نارا في حجر عينيه الجاحظتين من ألسنة لهبهما يخطف طائرا من كبد السماء فيصيره رمادا ،محرقة أخذها عن السلف إرثا ،يحمل نفسا تتبهج بالمساجين الذين بنى بهم تاريخا من الصوامع و الأسوار يسلط عليهم رقيب من غلاظ القلوب حاله مستنفر ،و السوط في يده لا يترك لحظة استراحة لسجين يحمل على كتفه بردعة مثقلة بطين لازب تحدث أقراحا يمج منها قيح يشم حموزته المصاب بالزكام ،و الرقيب راكب ظهر بغله، ذراعه لا تنام قيلولة تدثر بالسوط ظهور منتفضين أعياهم التعب و أثقل ممشاهم و صدورهم بها ينحبس نفير الشهيق و الزفير ما دامت الرافعات و حبالها دواليب من نواعير بها ترفع جثث القتلى ، وبين فك الألواح التي بها السور يقام تلقى ، فيعطي أمرا للأمة أن تنقر الجرس ، وما كان أن يسكت النقر من الصدى حتى حضر بين يديه جلوازه وقال له والصوت زئير : أبلغ رقيبنا أن يطعم معدة السور بالمزيد من رغيف الإنسان ، فلدينا من السجناء حشودا، وأدل بهم أمام عيني أحياء ، حتى يكتمل بناء السور من طينهم. تجهمت السماء مما شاهدت من فتن يدير رحاها الإنسان، وفصلت نفسها عنه بحجاب من غيوم قاتمة ، وارتجت رجات سخط ولسانها نطق بفرقعة رعد ، وبرق ضرب صواعق كادت تحرق ما تلبس الروح من تراب لا يثير إلا سوءا على الأرض ، وعداء من امرأة كان عليها مكتوب ورحى الزمان تمر مسرعة من محطة الانتظار ، وانساقت السيدة إلى العربة تفكك حزمة من أشياء غامضة التصقت بمخيلتها من المكان، وقبعت كالجلمود في مقعد العربة ترسم على أحزانها وشما من دموع العبور إلى زمن محروس داخل الزمان، وما أصابها من خيبة أمل في انتشال ما قدمت على إنقاذه ، فمكثت في قعر الصمت ولم تنبش لرفيقها بأي همس ، والخيول تدب في العودة إلى مقرها ، والأسى على نواصيها جلي ، والعيون تكاد أن تغمض جفونها ، وفيها قطرة دمع قد تجمعت ، ومنها تمسست أن بنفسها حزنا ، والجهيش للبكاء من نفير أنوفها يسمع ، والقوائم مثقلة في المشي وكأن بها كبلا للركض مانع ، والحوافر لا يسمع لها وقع ، ولا هي للنقع من خلفها تثير ، خرساء تمضي ونواصيها نحو الحضيض خفيض ، وكأن لغة الصهيل من لسانها قد فقدت ، والغلام إزاء مرافقته جثة هامدة تتصفح صقيعا ، منها تأكل غربان جائعة ما تبقى فيها من تراب في وكر الحلم قد تعفن ، كان بالأمس كجدول ينساب ضحوكا ، يخاطب المراعي خريره ، ويسقي زهرة دب إليها الذبول ، والصبابة على وجنتيه تلهو بلعبها ، فأتى الخريف عليها جاثما يحفر على الوجه من كآبة خيوطا حتى صار من حزنها مغضنا ، فانثنى عن المسير ماؤه ، واقتاد العطش تيجان الزهور إلى الموت ، فسقطت على منكبيه طريحة ، وتناثرت ألوان بذورها على وجه الأرض ، وأبت أن تكون في يد زارع من غير الرياح ، خوفا من أن تنبت لونا يشابه لونه لون الإنسان . والكآبة أرخت على صدر الغلام سدولها ، وبأحشائه العباب هائج ، على صخرة من الصمت تكسر لطمه ، والريح تثير نقعا من رميم الأجساد ، عمى به تصاب العيون ، فضل الطريق إلى مأتم والى الغروب قد طال الوصول ، وبابه أخرس لم يلمسه ناقر ، فحسب أن العربة نعشا تحمل عليه أطلالا قد تبلل بالبكاء أنقاض جدرانها ، ونسي ما كان إليه يصبو ، والسراب موجه متلاطم في خيالا ته ، وفيضه هائج التدفق على بساط من سواحله اللامتناهية ، فحسب نفسه على جدع نخلة متيبسة يصلب ، وحول جيده ربطة حبالها من مسد ، بها كاد أن يتم شنقه ، فعمرت نفسه بغضب عارم ، وفقع المغيب شمسه فحول آونته ليلا منها يفتقد البدر ، وشظايا من نجوم أخفق كناس في جمعها ، ونط من فوق العربة فارا ، يخترق حقول النخيل جريا ، والركض جواده ، والنفس لنفير كان بها محبوسا يطلق العنان ، فتابعت آثاره وبذيل خطوه ماسكة ، ومن صومعة تطلق النداء حتى جف بلعومها وبح صوتها ، والنخيل من حولها يجهش للبكاء ، ومن ثموره يذرف دمعا قد تزبب بأعراشه ، والخف من قدمها قد ارتمى ، والقلب أدمته شوكة الرثاء ، وفي خلاء قفر مضت تطارد خياله حبوا إلى أن جن عن بصرها ، والغرفة كان لون الحداد لباسها ، وبها مر البكاء بكت لفقدانه ، حتى أصاب مقلها الضرر ، ومنها ما سقط في الكف من الدمع كاللؤلؤ ، فأرادت به نظم عقد فانصهر بين أناملها واندثر ، والليل على قلبها جثم مسرعا ، وبه الأسى سكن ، والمرقد عتمة فراشه ، وفيه الجسد عار يسبح ، ونار الشهوات تحرق مضجعها وتتأجج إلى أن دنا منها الصبح ، والأرق أنبت بجفونها شيخوخة ، تحت عروشها تسنن طعام بأنوثتها ومنه تصاعدت روائح التحمز ، طعام تفر منه الجردان ولا تقرب صحنه ، وحلمة ناضب منها سيل اللبان لا ترضع ظامئا ، وإن مدته بشراب تكون قد نبذت ما جاء في التقاليد ، فإن من النساء من منهن مطلقات وأرامل وعوانس وما إلى ذلك ، ففي أنفسهن خلقت شهوات حارقة ، بهن إلى البغاء تتربص ، منها يحرمن في الكتاب ، فتشحن أرحامهن كبتا ، وإن يرجون نكاحا وبه النفس ترضى لهن يعد العقاب ، ولا من أئمة لما يلحقهن من ضرر يستنكر ، وكأنهن في محراب أئمة أحزاب ، حبات سبحة قد تراص نظمها في عقد ، والعقد في يد جاهل يسبح ، فألقى إلي الذي منه ولد مقاليد النهى ، والإصباح مني لبس نورا ، طريقا وضعت منه يعبر الإنسان إلى الطهارة ، وفي الكون هناك بعض من الإنسان ليس من طينتي ، فإنه دوما إلى السوء جانح ، فإن تقم له جنة فإنه بها يعمه ويحدث خرابا ، مانح الزمان نعلي والأرض من رميم جسدي كساؤها ، ولا توهمت في الكرى أن من يوم لشمسه الصنيع منه مفتقد ، إني جامع شتات أرواح منكوبة ملقى بها كالقمامة في مزبلة ما اعدوا لها من كون ، منها أنسج نهارا يكون نعشا عليه أحمل جثث هذه العواصم التي تناسلت من الطين بالوراثة ، وطلت وجهي بسخام أعيادها ومهد الذي من بعدي قادم ، فإن النقصان آت ولا ريب فيه ومقدار بقائه لا يتعدى بضعة أحفاد ، فلقد جادت علي الطبيعة ببؤس حتى ساورني اليقين أن ذراعها عصا أجلد بها أهل النعيم في مرابض السياسة على الرعية يرفلون . إنه يدمر في شقق الكون منابع الجمال التي تنساب جداولها رقراقة إلى ما أصنع للإنسان ، ولما وقب شره هر من بسطاء ، وأقبل على أزقة بها فقراء يرجون للأرض كرامة ، فاندلع كالحريق المهول يأتي على كل من وضع على ناصيته فحمة قاتمة مما أنزل من فساد به يضرب الناس انحطاطا ، وأنزل جنده بقعر بيوت كادت أن تنقض من بؤس أهلها ، وأسماؤهم مدونة والسجيل في يده مكنون ، وعندما شاهدهم الأطفال ألقوا بلعبهم وفروا مرهبين ، يتساقطون في حضن الأمهات احتماء من بطشهم ، والأزقة من المارة خلت ، وعليها جثم بطش الغزاة جلي ، صاعقة حلت من غير منذر ، ومن الليل اتخذوا لهم سترة ، في جنحه أو عند اقتراب انجلائه ، ثم خطف أرواح كانت تفدي التراب بترابها ، مذبحة تصدر أشكال القتل وأمام أعين صبية ، وروا الأرض وما بأنفسهم من فجور ، من طيب أرواح في الفقر تسكن ، ولا تبتغي الخبيث وفي وحله تغوص ، إنها إلى الصالحات تصعد ولا ترجو مما تقوم به أجرا ، ولما ذبحوا في سررهم وقضي الأمر ، كان فريق من الجناة والتاريخ لهم عصمة ، يربطون بأرجل الجثث حبالا ، وعلى الأرض يقومون بجرها هرولة ، مخترقين أزقة ضيقة ، حيث في انتظارهم عربات مسطحة يجرها من الدواب بغال ، عليها ترمى كما تلقى القمامة في مطرح الأزبال ، وتمضي الناقلة في اختراق شطر من المدينة حيث على أطرافها محرقة أعدت لهم ، وفي نارها يدفنون. إن من الحاضر أجيال تخرج من رحمه ، لا يسألونك عن ذاكرة بها نفض مؤرخ ، ومن التعتيم لها اتخذ نخاسة ، وأبقي عليها في مطرح النسيان منسية ، يحرس مقبرة فيها وارى حكاية رجال كانوا يشيدون على أنقاض جثثهم نصبا على هيئة شمعدان عليه أرادوا وضع شمس لبلد تكون له سراجا ، فانقض من مدينة عتيقة جامعها فقتل الناس جميعا، فلا تولي وجهك شطر فاس ، وانظر إلى تقلب وجهها ، فإن ما تكن من حقد لأهل الجبال وهضاب الجنوب ، إنه لبخس ورخيص ، وعنه كشفنا غشاءه وانفضح الأمر ، لما بدلت أقلامهم على الألواح الأسماء بأسمائهم ، وعلى جبين الشوارع تم إلصاقها ، إنهم اللقطاء من هزيمة بهم حلت بأرض البساتين ، في يوم كان عليهم موعودا ، خبث وفسق وخدال به أنفسهم عامرة ، ومن رغيف طهاه الفقراء على فرن المعارك منها يأكلون إطنابا وإسرافا ، وهم في الأرحام جبناء إلى الوغى لا يستطعون خروجا ، كالحريم في البيوت يمكثون قبعا ، لفناجين القهوة محتسون ، وما ترى أعينهم من نوافذ أسوار وضعوها من حولهم حصنا ، فقيرا يستهزؤون به ، ولا تروق لهم مواسم المطر ، يريدون من الأرض أن تحض على كلأ زرع الفقراء أكله، فضل عندهم لما يكون الحول عاجفا والناس تتهاوى حتى يكاد من بالمهد إن يذوق موتا ، فتنفتح قلوبهم سرورا ، ويتخذوهم أقنانا ليوم اقتراع ، وبأزهد قوت في سوق النخاسة يتم شراء الذمم ، إن المدن بضائع والناس فيها منهم سلبت أمتعة الحياة ، فأنجب من رحم الطبيعة أفكارا ، بها تفك ما عقلت أحزاب به الإنسان في مآثر من الأديان . إن المدن متشابهات ، ولا تغيير في النفس يقع ، وإذا دخلتها والأطفال بها اكتظاظا ومنهم أفرغت لذة اللعب ، والشوارع والصوامع تحمل الأسماء نفسها ، ووجوه لا تدري أين تقودها الأقدام وسخام الكآبة على محياها مطلي ، والصدور بها ضيق جاثم مما ترى العين من مشاهد بؤس فظيع ، على الرصيف يشحذ نابه عند الفتك بطرائده ، المدن كالأرياف بها يضرب العوز أهلها ، ومدينة إليها لجأ القريشي عائلا ، يقطف من أترابه لقمة قوته ، يشحت طوال النهار وطرفا من الليل ، وكفه لثمن رغيف لا تكسب ، هبات ريح هوجاء تكاد تجثث جسده المعكوف من معطفه البالي اللقيط ، وحبال من الريح تتجاذب ساقيه المتكلستين إلى أن يوشك وقعا على الحضيض ، وعلى حافة الرصيف يسند صدره على عكازه والكحة تكاد تخنق أنفاسه ، وكفه المبسوط بها رجة خجل مما يبزق عليها متصدق ، وقلبه من عفة غيلانه لا يعلمه إلا الله ، ومبيته مخدع هاتف معطل ، وذات ليلة من الشتاء الممطرة ، والرعد دويه للأذان ممزق ، والبرق يكاد لهبه أن يفقع العيون ، والصقيع تنفذ لسعاته إلى أحشائه فيقشعر بدنه برعشة ، وبينما هو يغرف من مشهد الطبيعة جمالية لا يدرك لمسها نائم ، حتى داهم مرقده بضع فتية أنهكهم التشرد ، ومنه تم إخراجه إلى العراء قذفا ، فلم يضره ما به فعلوا ، وإنما الضرر الذي قذف به في صدره ، إن منهم جنة اغتصبت وهم عنها في غفلة ، وكان لها الرجل طرف في التشييد ، فأوحى إليه من لذة ما ذاق من قهر وشقاء ، أن لا يغل النفس ببأس يهوي به في الحفر راسبا ، وأن الزمان عنانه كلما رث ، استبد له جيل من الإنسان بآخر ، والليل مهما طال حجابه للشمس فإن الصبح نافدة منها يبزغ ضياؤها ، وعندما تشد وتر القوس فالسهم لابد أن ينطلق إلى صدر العدو وبالطعنة يصيب ، وأحنى ذراعه إلى الأرض وبالكف لها يلاطم ، فأخرجت له من رحمها حفنة رميم ، أدرك أن مثقال كيلها كاف في بناء كون جميل وطاهر من ذناسة الإنسان القدر بالحروب ، إنه يزحف مقتربا من أفظع دمار لم يألف مثيله الأحياء من قبل في الوجود . فانكمشت جوارحه ولازم موضعه طويلا ، ثارة يرتجف ، وثارة يشق في الوقت كوة ويرحل شاردا إلى عوالم فاضلة في خيالاته ، فيحسب الذي يراه على أنه جلمود جامد ، إنه لو أراد أن يستبق إلى الخيرات ، لقذف في نفسه علة ، وخان أرضه وبسط عليها يدا غاصبة ، كما أهل تلك الدار فعلوا ، لكنه أبي النفس والأمين لما ألقى إليه النهى من أمانة ، ومن العفة لا يأكل إلا معاشا له الكاسب بعرق الجبين ، لما تراه على قارعة الحاضر ، ناضب الوجه من ملامح الحياة ، مصفرا وسقيما بما ألقى عليه الخريف من وسخ قذر ، والجراب الذي كان يحمل على الكتف وبه ترابا ، منه اختلسه الذي كان لسانه في الصدى أخرس ، والأرض تسكت عن ما منها اغتصب ، والأزقة من جروحها نضبت الدماء وصبيبها لم يعد يسمع خريره في الأكواب ، فبسط المسكين بصره على خفه فبدا له وقد شاب وجهه بؤس وكسا أدمته اهتراء ، وصار كوجهه العجوز يملأه التغضن ، ومن ثقوب به أظافر مسخمة تطل وكأن أصابعها للفرار من الخف تتربص ، ثم نقر الأرض بعكاز له كان الرفيق لزمان طويلا ، ثم تصنم في موضعه قليلا ، وكأنه يسدل الحجاب عن تلك اللوحة التي دخل في غدها متأملا ، فهرع من مكانه هلوعا يسكن الفزع جنانه ، ودلع في وقت ولوجوده فاقد ، وكان الزمان من ساعته كشط ، وبنظرة غائرة لامس المدينة ، ورفع عنها غشاوة من غيوم أصابت عيونها رمد ، وامتطى مدرجته في البحت عن طعام مذموم ، كورقة كرمة متيبسة بها تتقاذف في الأجواء عواصف الخريف ، فنزل بحارة خيالي وعنه خلع ثوب التراب ، وبحث في المدن القذرة عن زنزانة بما لذي من أفكار أكتريها ، وبها أمكث عاكفا ما تبقى من الحياة أنظف الكون من رفات هؤلاء الأوغاد ، فيحفني على مقربة من قبر به تناثرت أشلاء الحاضر والرائحة الحامزة منه تزكم الأنوف ، فيلق من المصليين على كتفهم يحملون نعشا من الفخار ، فيه يصنعون مقبرة مجهولة ، لا تبقى جيلا ولا تدر له في الكرى حلما ، فتنمو في كل الأمكنة التي لا يلبسها الطين ولادتي طفلا في مزهرية المهد ، بداخله يحملني روحا ماردة في كل إنسان ، له أبلع أن الحياة لا تقسو على الإنسان ، وإنما الذي تقسو عليه هي السياسة ، ومن لم يدل بصرخة في حارة المجتمع من جمال البؤساء ، فإنه ليس بإنساني ، ووجوده لا يرغب فيه الله ،فتراه ينقلب عليه إلى متاع التفاهة مذنبا وخائنا ، مولي عقله عندما أغدق عليه من النهى . إنك لا تبصره وإذا تحسسته يبدو لك يسعى في زقاق مصحفي ، إنه من نهر أخلاقي أغترف ما ألقيت في نبعه من خصال الشهامة والمكارم ، صورة منه أتلوها ونظيرها بالحاضر ظاهر ،ولا ضباب يحجبها عن الأعين ، والرصيف مركب يغص بالضعفاء ، وخطى المجداف، نفيره في أدن الصدى يقرع سمعه ، والشمس جانحة للمغيب وبينهم وبينها بحرا ، والأيدي إليها ممدودة وبها المطارق ، صولجان تحسب إلى قرعه تبتغي ، إن الوجوه من فحمة اتخذت لونها ، وصارت كقدر تطعمه النار سخاما . انزوى في ركن من الساحة ، تظلله شجرة النارنج وتقيه مما تبزق عليه السماء من فتات الغيوم ، والزمان إلى قيلولة يشير، والساحة بها نافورة جراب ماؤها تدفق نبعه من أعين الأزقة ، يشربه الظمآن فيحسبه نبيذا على موائد ولائمه ، وقبالته يظهر برج على أركانه ساعة أصابعها تشير إلى مغتصب حاضر والذي عنه الكشف مسكوت ، ثم راح شاردا يدخن سيجارة ، وعلى مقله طفت دمعتان ساخنتان ، مما تأجج بداخله ، جمع له من الحطب ما اجتثه البؤس من حقل المهد أغراس أزهار كان الثدي من لبانه به تسقى ، فأضاء رحم ليل جثم على آونته بشمعة ، كاد أن يغمض ظلامه جفن سناءها ، والمداخن والصوامع عليه ترخي سخامها ، فجرع قما من لعابه به طهر بلعومه من صوم مزمن حرمه من شهوة الحياة ، وغاص ببصره من منفذ عليه ضربت العتمة عشها ، وكأنه عن صبابته في وحل الماضي ينقب ، فلم يجد مما منها اغتصب إلا فروا على وجهه عالق ،وحموزة تعفنه إليه جلبت من الذباب أسرابا ، فمسك بأكرة خياله وفتح ، فتراءت له لوحة من غسق ينذر بقدوم ظلام حالك ، في سباته تتوارى أجسام أنهكها عبء النهار ، فيلقي ببصره محدقا ، ثم يعيد الكرة يخترق عتمه المغيب والبصر ضعيف ، فينتشل منها زوجة صالحة والحفيد أودادس له تتأبط ، وهما عائدان من المزارع ، ومنذ النشأة قيد الإملاق قد صك على الجبين ، وفي كفها تحمل ما حصدت من رغيف زقوم تكون لها عشاء رخيصا ، فتنقر أقدامها طريقا بالمشي تجعد ، وجنحت إلى مقبرة على ربوة ، ونفضت عنها ما من تعب وكلل الحق بها المعول ، وتمشت متبخنسة بين قبور من الخرسانة شيدت ، والبسمة تفيض من ثغرها المتيبس ، تم جلست بكبرياء على حافة رمس عقيد ، ومسحت بكفيها المقرحتين على الوجه ،ورفعت عينين مثقلتين بحزن مرير ، ومنهما عرج ضحك إلى السماء ، فتبدد في المدى وتناثرت أشلاؤه ، فتأجج بنفسها كلام مخزون ، لا يفجر إلا من اللسان ، وضمت الحفيد إلى الصدر وقالت ، والفخر معيد لأنوثتها بكارة عذريتها ، والذراع مبسوطة والسبابة منه منتصبة والى القبور تشير، إن هذا قتله جدك ، وهذا..، وهذا..، فارتبك لسان الحفيد في الرد، لأن في وجهه فصل التاريخ مغلق، وتمتم بكلمات خال أنها صواب ، الجد ، كان لصا من قطاع الطرق..! فأصابتها غشاوة من جهل حاضر ، ومسكت بناصيتها وأرخت عيونها حضيضا ، تم نهضت من مكانها مهزومة تجر برعشة الصفعة أذيال مذلة بها ألصق أئمة من منابر منها يدخلون من شاءوا من أقاربهم فيما يقيمون في صلاتهم من وزيعة . فأيقظ فجأة عقب السيجارة الرجل من رأياه ، ونفض نارها من بين أصابعه ومسح على وجهه بساعده ، تم فرك عينيه وكأنه يحاول إزالة غيمة عليهما جثمت جعلت يخال أن نفسه عن الوجود راحت مفقودة ، لولا أن تحسس من الروح أطرافه ، و ساقت إليه أذنيه صوت مؤذن ، وعيناه رمقت تمثالا شامخا ، فاستهوته صورة الجواد وراكبه ، فتدحرج ، وخفقان بصدره يحرك فيه الشوق والحنين إلى الخيل ، فدفع بكل جوارحه يستبق إلى الجواد مداعبته ، فهم به وبالكف لاطم ناصيته وارتوى منها تقبيلا ، وإليه ضم وأرخى على جفن الكرى من غفوة رموشها وكلام بالنفس خفيض ، به همس في وجدان الفرس ، لو كان الأمر بيده لأتم ما شاب صومعة من نقصان ، وفي البناء أكمل سموقها ،ليتخذ مئذنتها له فيها يرفع صهيله مناديا في الناس ، ثم فك ربطة العناق والروح تجهش للبكاء ، وعين بها تقاسيم حزن جنح بهما حيث الفارس على الصهوة جاثما ، ومنهما قذف بنظرة فارغة من نصر كان له حليفا ، وغل الذراع بعد ما كاد بالعكازة أن يهم بوخزه ، لولا أن أدرك أن راكبه كان على ركوبه مرغما ، فهوى ببصره إلى التي منها نبت ، ونأى عن المكان معرضا عما كان فيه منهمكا ، متواريا في بيداء يخترقها عجوزا معوزا ، يقرع صخرة صماء بها أحاط السراب عبابه ، لعله منها ينزع اعتراف بما غرس في الأعياد من راية نصر ، فأعرضت عند النطق وبه دحت صواعقها إلى قبر يكون له لباسا . فتأبط كفنا رثا من شيخوخة دخلها مبكرا، ومما تفجر من السراب من أرض ليس له منها نصيب، جرابا بما فيه من ماء قذر به يغتسل من جنابة معارك خاضعا كي يجعل من محيا الأحفاد وجها جميلا ، فاحتضنه كرسي بالحديقة وقد دب عليه الإهتراء ، بعدما أدرك أن ساقيه عن رفعه قد عجزتا ، فاستوت كومة من عظام ولحم متكلس بجانب جسم أنثوي تفوح منه عطور الغرب التي لم يألفها أنفه ، أوقد فيه روح رجولة كانت بالأمس أينع ،وغاص يبحث في جيوب معطفه عن عقب سيجارة في قعورها قد تاه ، وقرع عود ثقاب وولع عقبه منتشيا بدخان رفض أن يغوص في أحشائه ، فانتابه سعال أزعج التي كانت بجانبه ، فقامت منتفضة متأففة ناظرة إليه نظرة ازدراء واحتقار، منصرفة تتعقبها نظرات من عينين غائرتين استعصى على جفنيهما الالتقاء ، مشدودتان إلى مؤخرتها ، فأدلى بيد مرتعشة نحو قضيب لم يتأكد منذ زمان من وجوده ،فاعترضت يده صرة من نقود استوقفت شروده ، وراح يتأمل وجودها ، وما جدواها في وقت لم يعد له بها وطر ، وما حسب أنها للإنسان ترفع مقاما ، فكسر خلوته صراخ صبية من بطش فتية تهرب ، فطلق ما كان في شرحه ، لما انقضوا عليها ، وافرغوا حمالتها من فطائر صنعتها أمها المكلومة بقسوة ما أذاقها القهر من حنضل الحياة ، لم يعد لبعلها فيها وجود ولولا دفع الجوع بالفتية لما فعلوا بها ذلك ، وهي كذلك قاصر ، أرغمت على الخروج إلى الشوارع تشتري بما تبيع من فطائر طعاما ، نحيفة الجسم والشعر أشعث مهلهل والنعل قضم منه المشي أطرافا ، والناجب عنها ذهب من الحياة مرغما ، عندما دنا العيد ببؤسه من فقراء تشق رؤوسهم بشاقور الحاجة ، بيت فيه شب سجال وخصام حول كسوة العيد ، وأقسمت الأم قسم الذي لا يعود عن قسمه بأن تستأجر جسدها حتى تكسب منه ثمن كسوة العيد ولا تبقي صغيرتها من دونها بين أقرانها في الزقاق ، فتلمس وهو دارك أن جيوبها لا فلس بها ، وأقسم معاندا وأسر في قسمه ألا يحضر مراسيم زف الكسوة لفتاته ، وضرب بعقبه الباب منصرفا نحو مئذنة تخيم عليهم بظلها كل مساء ، وكأنها منه كانت تنتظر ذاك اليوم المشؤوم . فهرع القريشي إلى الصبية يلملم أشلاءها ، ويضمد باحتضانه لها ما جروح أصابت ما بأحشائها من براءة ، ذارفا دمعة وكأن أباها قد استودعها إياه ، وكان بحق الأمين على دمع حواه في المقل أعواما ، ويبكيه من أجل الغير ، ولم يكن لحاله نصيبا ، وبيد مرتعشة أخرج من جنبه ما ورث من سنين تسول قد انصرمت ، صرة أخذت منه وقتا لفك عقدها ، ناول منها الصبية ما ظن أنه عنه راغب وكان فيه زاهدا ، فتأبطها عله يبلغها مقصدها ، فانساقا بخطى تكاد تكون عديمة ، لولا رياح دفعت بهما حتى استقرا على عتبة باب الزقاق الضيق ، فوجدا به رهطا من العجزة قذفت بهم المداخن قمامة ، يستندون فرقا تحث سور عتيق يشهد على مرور زمان كان فيه وأد الرجال حلالا ، وعلى صدر السور لوحة لاسم الزفاف تحمل ، رمقها بعين متجهمة لم يعجبه ما كتب عليها ، اسم استوقد بداخله سعيرا ، فتفجر لسانه عويلا وصرخة خالها الحضور لغة طلسمان لا تفهم ، فانفضوا من حوله أشتاتا من خوف مريع بهم يعصف ، تاركيه ينهال على اللوحة بالوخز والتدمير ، وما كاد يقضي وطره منها حتى حف به رجال بزي موحد أنعي إليهم ما يلحق مجنون باللوحة ، فانتشلوه وألقوا به بقسوة في صندوق من حديد على عجلات يتحرك ، وهو بداخله يرقب عصاه على الرصيف ترتعد وكأنها تحاول القيام لإتمام ما فيه قد شرع ، فانعرج به الصندوق إلى مقبرة مجهولة ، دون أن يدرك مصير عصاه ، وسأله سائل من داخله هل هم على أخذها شبل عن حاضر ينتفض أم بقيت على الرصيف منبوذة ؟؟؟ وهو في قبره يردد : كل كائن يا صغيرتي له قلب عامر بالرحمة إلا الساسة ، فالحياة لا تقسو على الإنسان وإنما الذي يقسو عليه هو السياسة..
#ابن_جرير_الرحماني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية - وجبة من طحالب الكتابة- الجزء الخامس
-
رواية وجبة من طحالب الكتابة الجزء الرابع
-
رواية الجزء الثالت - وجبة من طحالب الكتابة-
-
رواية - وجبة من طحالب الكتابة- الجزء الثاني
-
الرواية
المزيد.....
-
-أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة
...
-
الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
-
“من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج
...
-
المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ
...
-
بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف
...
-
عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
-
إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع
...
-
تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د
...
-
”أحـــداث شيقـــة وممتعـــة” متـــابعـــة مسلسل المؤسس عثمان
...
-
الشمبانزي يطور مثل البشر ثقافة تراكمية تنتقل عبر الأجيال
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|