|
ورقة مقدمة لمنتدى حوار الثقافات بالهيئة الإنجيلية »1-2«
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 2564 - 2009 / 2 / 21 - 09:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يقول الشاعر أدونيس: > تاريخ المجتمع هو تاريخ الجهر بأفكاره، وتاريخ الجهر بتعدديته > دون هذا الجهر لا يكون المجتمع إلا ركام أشياء.. نباتا أو جمادا أو هياكل لها شكل إنسان > لا تاريخ لمجتمع صامت أو لمجتمع أحادي النظر والفكر > المعني مرتبط بالفكر المتعدد جهرا > الفكر المتعدد جهرا هو ما يؤسس لتاريخ المعني > المجتمع الذي لا يفكر متعددا، وجهرا، لا يمكن أن يخلق معني إنسانيا عظيما انه يعيش خارج المعني > بالفكر المتعدد.. جهرا يصير للإنسان تاريخ > الأحادية صحراء > زوال التعددية في المجتمع زوال لتاريخه المجتمع نفسه يفقد اجتماعية ويتحول إلي قطيع > الوجود هو أن يقال بأفكار وطرائق متعددة ذلك أن الوجود - تحديدا - متعدد > لا أحادية إلا أحادية الخالق > الآخر الحر شر لوجودي الحر »ليست هذه شطحات شاعر.. وإنما تشخيص دقيق للتعددية عموما التي بدونها تصبح الحياة »صحراء« جرداء ومخيفة«. ورغم أن التعدية حقيقة واضحة في أي تجمع إنساني فإن البشرية عانت - للأسف الشديد - من محاولات لا حصر لها استهدفت تصفية أي اختلاف والقضاء علي أي تميز والاطاحة بأي أفكار تغرد خارج السرب أو تسبح ضد التيار الرئيسي. (وتاريخ البشرية - للأسف الشديد - حافل بمآس رهيبة كان محركها الأساسي الرغبة في الهيمنة وإخضاع الكل في واحد). وهذا التراث المخضب بالدماء والدموع والآلام هو الذي الهم هيئة دولية مثل اليونسكو وحفزها لإصدار »إعلان مبادئ بشأن التسامح« الذي اعتمده المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثامنة والعشرين بالعاصمة الفرنسية باريس في 16 نوفمبر 1995. وهذا الاعلان مهم لأن الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة »اليونسكو« تذكرت في ديباجة هذا الاعلان ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص علي اننا نحن شعوب الأمم المتحدة وقد ألينا علي أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره.. وفي سبيل هذه الغايات اعتزمنا أن نأخذ انفسنا بالتسامح وأن نعيش في سلام وحسن جوار. و»تذكرت« ايضا الميثاق التأسيسي لليونسكو المعتمد في 16 نوفمبر 1945 الذي ينص في ديباجته علي أن من المحتم أن يقوم السلم علي أساس من التضامن الفكري والمعنوي بين بني البشر. و»تذكرت« كذلك الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي يؤكد أن لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين وحرية الرأي والتعبير وأن الترية يجب أن تهدف إلي تنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العرقية والدينية. ولكنها عندما »تذكرت« ذلك وغيره الكثير من الوثائق الدولية ذات الصلة ثم نظرت إلي الواقع آثار مظاهر تزايد مطامع عدم التسامح، وأعمال العنف، والارهاب، وكراهية الأجانب، والنزاعات القومية العدوانية، والعنصرية، والاستبعاد والتهميش والتمييز ضد الأقليات الوطنية والاثنية والدينية واللغوية واللاجئين والعمال المهاجرين والفئات الضعيفة في المجتمعات، وتزايد أعمال العنف والترهيب التي ترتكب ضد أشخاص يمارسون حقهم في حرية الرأي والتعبير، وهي أعمال تهدد كلها عمليات توطيد دعائم السلام والديمقراطية علي الصعيدين الوطني والدولي وتشكل كلها عقبات في طريق التنمية. وعلي خلفية هذا »الجزع« نشأت الحاجة إلي اعلان مبادئ بشأن التسامح ينطلق من تعريف معني التسامح باعتبار انه يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الانسانية لدينا. ويعزز هذا التسامح بالمعرفة والانفتاح والاتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد وانه الوئام في سياق الاختلاف وهو ليس واجبا اخلاقيا فحسب وإنما هو واجب سياسي وقانوني ايضا. اضف إلي ذلك أن التسامح »لا يعني« التنازل أو التساهل بل هو قبل كل شئ موقف إيجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الانسان وحرياته الأساسية المعترف بها عالميا. وبهذا المعني فإن التسامح يشكل »عماد حقوق الانسان والتعددية - بما فيها التعددية الثقافية والديمقراطية وحكم القانون، وهو ينطوي علي نبذ الدوجمائية والاستبداد ويثبت المعايير التي تنص عليها المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان. كما ان التسامح يعني اخيرًا الاقرار بأن البشر المختلفين بطبيعتهم في مظهرهم ولغاتهم وسلوكهم وقيمهم لهم الحق في العيش بسلام وفي أن يطابق مظهرهم مخبرهم. ولم يترك الاعلان قيم التسامح معلقة في الهواء أو يتركها للمجهول بل وضعها كمسئولية في رقبة الدولة حيث نص في مادته الثانية علي أن التسامح علي مستوي الدولة يقتضي ضمان العدل وعدم التحيز في التشريعات وفي إنفاذ القوانين والاجراءات القضائية والإدارية وهو يقتضي ايضا إتاحة الفرص الاقتصادية والاجتماعية لكل شخص دون أي تمييز. كما أن من الجوهري لتحقيق الوئام علي المستوي الدولي أن يلقي التعدد الثقافي الذي يميز الأسرة البشرية قبولا واحتراما من جانب الأفراد والجماعات والأمم. ويضع الاعلان يده علي الخطورة الراهنة لهذه المسألة ويؤكد أن التسامح أمر جوهري في العالم الحديث أكثر منه أي وقت مضي فهذا العصر يتميز بعولمة الاقتصاد وبالسرعة المتزايدة في الحركة، والتنقل، والاتصال، والتكامل، والتكافل، وحركات الهجرة، وانتقال السكان علي نطاق واسع والتوسع الحضري وتغيير الأنماط الاجتماعية. ولما كان التنوع ماثلا في كل بقعة من بقاع العالم فإن تصاعد حدة عدم التسامح والنزاع بات خطرا يهدد كل منطقة ولا يقتصر هذا الخطر علي بلد بعينه بل يشمل العالم بأسره. هذا التحذير المبكر الذي اثبتت الأحداث جديته كان هو الخلفية التي انطلق منها إعلان آخر لا يقل أهمية بعد عشر سنوات من الاعلان الأول. هو إعلان اليونسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي الصادر في سبتمبر 2005 الذي أكد ان التنوع الثقافي بوصفه مصدرا للتبادل والتجديد والابداع ضرورة للجنس البشري ضرورة التنوع البيولوجي بالنسبة للكائنات الحية. وبهذا المعني فإن التنوع الثقافي هو التراث المشترك للإنسانية وينبغي الاعتراف به والتأكيد عليه لصالح أجيال الحاضر والمستقبل. ولاحظ الاعلان في مادته الثانية لابد في مجتمعاتنا التي تتزايد تنوعا يوما بعد يوم من ضمان التفاعل المنسجم والرغبة في العيش معا فيما بين أفراد ومجموعات ذات هويات ثقافية متعددة ومتنوعة ودينامية فالسياسات التي تشجع علي دمج ومشاركة كل المواطنين تضمن التلاحم الاجتماعي وحيوية المجتمع المدني والسلام وبهذا المعني فإن التعددية الثقافية هي الرد السياسي علي واقع ا لتنوع الثقافي. وحيث انها لا يمكن فصلها عن وجود إطار ديمقراطي فإنها تيسر المبادلات الثقافية وازدهار القدرات الابداعية التي تغذي الحياة العامة. وللحديث بقية
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف يتعامل الإعلام المصري مع تحديات العولمة؟
-
كلنا اشتراكيون الآن!
-
خطبة الوزيرة!
-
إعصار دولى .. وزلزال إقليمى .. وبينهما طاقة نور
-
من النعجة دوللى إلى الريان الجديد : الاستنساخ الممل!
-
قمة الكويت (6)
-
قمة الكويت (7)
-
الصحفى الذى لم يفقد عفته
-
بعد أفولها فى دافوس: الشمس تشرق على مدينة المانجو
-
قمة الكويت (1) .. الاقتصاد فى بئر النسيان
-
قمة الكويت (2) .. المدخل الإنتاجي بديلا عن المدخل التجاري ..
...
-
قمة الكويت(3) .. حقوق الإنسان .. والاقتصاد
-
جرس انذار .. صحافة الميكروباص .. وميكروباص الصحافة!
-
أخيراً .. بصيص من الأمل
-
إسرائيل تريد إلقاء مسئولية أمن غزة على »الناتو«.. وعبء الاقت
...
-
التحرر من الأوهام
-
التوافق الوطنى المفقود.. فى مواجهة زلزال غزة
-
مفارقات دبلوماسية!
-
إزالة آثار عدوان غزة
-
يا رجال الإعلام العرب.. اتحدوا
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|