|
الشعب المزعوم والامة الموهومة
ماجد الشيخ
الحوار المتمدن-العدد: 2562 - 2009 / 2 / 19 - 08:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رغم كل محاولات الصهيونيّة وأعوانها إسكات التاريخ الفلسطيني، فإنّ زمن هذا التّاريخ ما فتئ يعمل على إبراز عمق النّكبات والمآسي التي تعرّض لها عبر التاريخ – الزّمن – من الماضي إلى الحاضر، مرورا الآن بحاضر التّديين السّلطوي للسّياسة، وما نراه يجري في غزّة المحاصرة والمصلوبة على جدار الأعداء، كما على جدران الأهل والأشقّاء.
إنّ محاولات محو تاريخ هذه البلاد (فلسطين) ما تني تواصل تدحرجها، عبر ما نراه بأم العين وعلى الشّاشات من استخدام لإجرام فاشي أسود، تنثره آلات الدّمار والقتل السّريع، بل وحتى استخدام ما لم يكتمل إنتاجه أو إجراء الأبحاث عليه، في مصانع الصّهاينة الأول - الأميركيين – حماة الصهاينة الجدد من إسرائيليين وأشباههم من ذوي الدّماء الزّرق. ففي كلّ حرب، أو في كلّ مرحلة من مراحل الحروب المتواصلة، تنتشر جرثومة القتل الحربيّة الأميركيّة – الإسرائيليّة، لتطلع علينا المختبرات بأصناف جديدة من أدوات القتل الجماعيّة، على صيغة أسلحة دمار شامل "مخفّفة"، هي جزء من ترسانة السّلاح النّووي المنضّب الّذي يجري تخفيفه حسب الحاجة والطّلب، كي لا يستيقظ "المجتمع الدّولي" من سباته؛ إزاء استخدام الأسلحة التّقليدّية أو ما يشابهها من تلك غير التّقليديّة التي تم ويتمّ استخدامها في غزة، وكان قد تم استخدام أشباهها في حرب لبنان الثانية عام 2006.
على هذا لا يبدو أنّ عمليّة اختراع شعب أو قوميّة أو أمّة يهوديّة، رغم كلّ ما جرى ويجري لشعب الأرض الفلسطينيّة، التي افترض أنّها ستكون خاصّة ذاك الشّعب أو الأمّة المزعومة التي جرى "تشكّلها تاريخيا" حسب بعض الأدبيّات المتمركسة زمن الإتّحاد السّوفييتي السابق؛ إنّ عمليّة اختراع كهذه على طريقة اختراع الأمّة الأميركيّة، لن يكتب لها النّجاح مطلقا، ولن يكون ذلك ممكنا بعد الآن، فأولئك القلّة أو الكثرة فيما بعد من اليهود ومن آمنوا إيمانهم التوراتي، والّذين ذهبوا ذات وهم أو يوم إلى محاولة صنع تاريخ من لحم الكلام؛ ها هم يفشلون الآن، حتّى وهم يحاولون صنع تاريخ لهم من لحم العدو الفلسطيني، لحم الأبرياء من شعب آخر، صدف أنّه مالك تلك الأرض التي يجري الصّراع عليها، من أجل الانزراع فيها مرّة وإلى الأبد، وإذا كان شعب تلك الأرض (الفلسطيني) وعبر نكباته المتّصلة والمتواصلة منذ ما قبل العام 1948 قد أثبت أنّه الأكفأ والأولى بالانزراع، بل والتّماهي مع الأرض، ومنحها اسمها الخالد، فإنّ تجارة الكلمات التّوراتيّة، واللاهوتيّة بشكل عام، لم ولن تفلح في قلع شعب لم يخضع أو لم يعتد الخضوع للكولونياليّة الصهيونيّة التي استطاعت أن تهيمن على التاريخ الفلسطيني ولو مؤقّتا، لكنّها لن تستطيع الاستمرار أكثر بترسيخ تلك الهيمنة، رغم الإخفاقات والتّراجعات والنّكوصات الذّاتيّة التي اكتنفت حركة هذا الشّعب الوطنيّة؛ منذ بدء الصّراع مع الحركة الصّهيونيّة أواخر القرن الثّامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، على الأرض وعلى التّاريخ.
ومهما مارست من مسلكيّاتها الفاشية التي تذكّر بالمحارق النّازيّة، فإن الحركة الصهيونيّة وتجسيدها المادي "دولة إسرائيل" التي نجحت في إقامة كيان كولونيالي استيطاني، ومهما قدّم لها أولئك الّذين أيّدوا ويؤيّدون هيمنتها على تاريخنا؛ ومهما أخطأت قيادات الشّعب الفلسطيني، العابرة منها والتّاريخيّة، فلن يكون ممكنا التّنازل عن التّطلّعات الوطنيّة لشعب سلبت منه ورغما عنه وعن إرادته ووعيه الوطني حقوقه المشروعة والثّابتة.
بين المدعو أفيغدور ليبرمان رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" ودعوته إلى إلقاء قنبلة نوويّة على قطاع غزّة وتدميره بالكامل، للتّخلّص من وصف العالم لإسرائيل بأنّها "دولة احتلال"، وبين البروفيسور آفي شلايم أستاذ العلاقات الدّولية في جامعة أكسفورد البريطانية بون من وعي شاسع، فهذا الأخير وبعد مراجعة لسجل إسرائيل خلال العقود الأربعة الماضية، يخلص إلى أنّه "من الصّعب مقاومة الاستنتاج بأنّها أصبحت (دولة مارقة) ذات مجموعة من القادة ليس لديهم أيّ وازع أخلاقي إطلاقا".
لهذا.. ما كان ينبغي السّماح لأيّ كان، مهما كانت الذرائع – مقدّسة أو مدنّسة – بتقاسم الشّعب الفلسطيني، فضلا عن تقسيمه، كما فعلت وتفعل العديد من القوى الفئويّة المؤدلجة والمتمذهبة، التي سوّغت ذلك لذاتها، تحت مسمّيات وذرائع الدّعم والإسناد وتأييد أطروحات قوى فئويّة مذهبت وأدلجت أهدافا خاصّة بها، وبأجندات ترتبط بوضع إقليمي يخوض صراعا على النّفوذ والهيمنة مع قوى دوليّة مهيمنة، حيث يسعى "إقليميو" المشرق العربي الّذين زادتهم "صراعات القمم" مؤخّرا اصطفافا إلى جانب اصطفافاتهم القديمة، استوظاف واستخدام القوى الانقسامية الفلسطينية "المتحالفة" في إطار صراع إقليمي – دولي لا علاقة له بالقضيّة الفلسطينيّة إلاّ لجهة توظيفها لمصلحته، وهو لا يدعمها لمبدئيّته أو لمبدئيّتها، ولا لسواد عيونها وعيون الكفاح الوطني للشعب الفلسطيني. وفي سياق مثل هذا الصّراع هناك للأسف من درج على اعتبار ذاته "البديل التاريخي" لقوى الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة، ويسمح لنفسه بمطالبة العالم بالتعاطي معه كـ "وريث شرعي" و كـ "أمر واقع" تكوّن وانتهى!! بفعل الانقسام الوطني والجغرافي، بحيث يجري تكريسه على أنّه "الواقع الجديد" والمعطى الّذي ينبغي الانطلاق منه للبدء بتاريخ يتجدّد على وقع الانقسامات والتّفتيت والتّشظّي المجتمعي والفصائلي والفئوي، ذلك الّذي "تصادف" وصعود قوى إسلامويّة رأت وترى في ذاتها "الشّمول المكتمل" بطابعه الاستبدادي، أو أضحت ترى أنّها "الاختزال المعطى" لحركة الشعب الفلسطيني في زمن "الفوز الانتخابي" الّذي جرّ الكوارث والويلات والمزيد من نكبات تتجدّد ضدّ شعب فلسطين؛ ليس في الدّاخل، بل وفي الشّتات أيضا.
وحتّى لا نتماهى وأطروحات العدو، كأن نتحوّل إلى شعب مزعوم ينتمي إلى أمّة موهومة، فإنه ينبغي عدم السّماح باختطاف واستبدال مرجعيّة الصراع وإدارته مع كيان عدوّنا الغاصب، وإغراقه في لجج من "الأدلجة الإسلامويّة" وأطروحاتها التّفتيتيّة، الإنقسامية والتّقسيميّة، ومحاولتها الهيمنة بقوة المغامرات الانقلابيّة ونوازعها السّلطويّة والتّسلّطيّة على مسار ومسيرة الحركة الوطنية الفلسطينيّة؛ رائدة الدّفاع عن الحقوق الوطنية المشروعة والثّابتة، وصاحبة المصلحة الأكيدة في التّوحّد الوطني، والأكثر احتياجا اليوم قبل الغد لإعادة إنجاز الوحدة الوطنيّة الكفاحيّة، ولصياغة البرنامج الوطني الائتلافي الموحّد والمتماسك سياسيّا وعسكريّا، وذلك حتى لا يختلط الحابل الوطني بنابل قوى إسلامويّة معولمة، تسعى إلى حرف الصراع الوطني مع الاحتلال واستبداله بصراعات مجتمعية داخليّة، لها الأولويّة و"قداسة" القتال "الجهادي" حتّى ضدّ أبناء المجتمع الأهلي. وحتى لا يستمر العمل على إنطاق التاريخ الموهوم لشعب مزعوم ينتمي إلى أمّة موهومة، ينبغي الاستمرار وبشكل ملح العمل على إنطاق التاريخ الفلسطيني؛ لا تغييبه بمزاعم تاريخانيّة، واختلاق تاريخ من وهم "التّجاهد" السلطوي، يغطّي نكوصاته الذّاتيّة برفع نبراته الدّيماغوجيّة من الكلام الآيديولوجي، الذي أثبتت الوقائع، وها هي تثبت كم كان ذلك أدعى لإيقاع شعبنا في وهدة عميقة من الانكشاف الوطني، واختزال قضيّته واقتصارها على ما هو إنساني – على أهمّيته - على حساب الوطني. أمّا تسييس الدّين وتديين السيّاسة في أروقة وبين جنبات السّلطويين أولئك من "التّكليفيّين الجدد" فحدّث ولا حرج، لا يختلف في ذلك من في فلسطين أو من هم في "قواعد الرّباط الجهادي" المعولم عبر المنطقة والعالم.
#ماجد_الشيخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في شرط بناء دولة الحداثة والمواطنة
المزيد.....
-
العثور على قط منقرض محفوظ بصقيع روسيا منذ 35 ألف عام.. كيف ب
...
-
ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف -الناتو- في فلوريدا
...
-
الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ
...
-
صواريخ حزب الله تقلق إسرائيل.. -ألماس- الإيرانية المستنسخة م
...
-
كيف احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ولماذا انسحبت بعد نح
...
-
باكستان ـ عشرات القتلى في أحداث عنف قبلي طائفي بين الشيعة وا
...
-
شرطة لندن تفجّر جسما مشبوها عند محطة للقطارات
-
أوستين يؤكد لنظيره الإسرائيلي التزام واشنطن بالتوصل لحل دبلو
...
-
زاخاروفا: -بريطانيا بؤرة للعفن المعادي لروسيا-
-
مصر.. الكشف عن معبد بطلمي جديد جنوبي البلاد
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|