|
المضحك المبكي في حكاية المراكز التموينية
كاظم شناتي
الحوار المتمدن-العدد: 2560 - 2009 / 2 / 17 - 02:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أوراق كثيرة تركها نظام صدام على الرصيف .. بعضها مشوه .. وبعضها زائف .. وأخرى تخلط السم بالعسل .. ومنها البطاقة التموينية التي قيّد حياتنا بها حد الإدمان .. فأصبحنا ننوء بحملها بدلا من أن نعبر عليها . حينما ولدنا لم تكن هناك بطاقة تموينية ولكن الحياة كانت تسير بانسيابية هادئة وبدون هذه (العكازة) التي أصبحنا نخاف ان نرميها فنقع أرضا مع ان أقدامنا سليمة والحمد لله . الصدفة وحدها قادتني لزيارة المركز التمويني الرئيسي في محافظة ذي قار بعد ان فقدت بطاقتي التموينية .. وفقدان البطاقة التموينية يعني الكثير لدى العراقيين .. بعض ما يعنية عدم الحصول على الكيروسين (النفط ) الذي يستعمل في التدفئة والذي له أهميته في الشتاء وكذلك الغاز الذي يوزع بالبطاقة أحيانا ، اضافة إلى ما تجود به وزارة التجارة وغيرها من الدوائر الخدمية . ومن الأمور المهمة الأخرى التي يعنيها فقدان تلك الورقة السحرية عدم تمكن المواطن من انجاز أي معاملة رسمية في أي دائرة من دوائر الدولة .. لان البطاقة التموينية هي كلمة السر التي تفتح باب الطلّسم . ولا أريد ان أسهب في توصيف استعمالات تلك البطاقة العجيبة او ان أتغزل بأوصافها فهي كالأوكسجين الذي لا تستطيع الحياة بدونه .. (والذي يبدو أنة بدا ينفذ) ..ولكن هذه الزيارة الى حرم البطاقة التموينية المقدس جعلتني اكتشف حقيقة غريبة بعض الشئ وأمرا شاذا كما سترون . لقد تبين لي ان هذه ( الدائرة ) الحكومية هي ليست( دائرة) ولا حتى ( مربع) وإنما هي كيان عجيب ومولود غريب لا يمتلك شهادة ميلاد وليس له أساس في القوانين العراقية او ملاكات الدولة وهيكلها التنظيمي الوظيفي .. اذ أنها جاءت ( بولادة قيصرية) و شكلت في سنة 1991 بصورة مؤقتة ومستعجلة بعد فرض الحصار المزدوج آنذاك من قبل الامم المتحدة والنظام الصدامي البائد . تم اشائها في ذلك الوقت كاستجابة لظرف طارئ ولكن هذا الظرف (الطارئ) استمر لمدة سبعة عشر عاما ولا زال مستمرا الى ما يشاء اللة . وكنتيجة لهذا الوضع فان كافة الموظفين العاملين في هذا المركز بما في ذلك المدير قد تم (تنسيبهم ) من دوائر اخرى .. فلا يوجد اي موظف ينتسب الى هذة الدائرة بصورة دائمية . وحسب معلوماتي المتواضعة فان هذا لا يجوز في القوانين الوظيفية العراقية التي لا تسمح بتنسيب الموظف كل هذة المدة خارج دائرتة. دخلت الى غرفة السيد المدير حاملا حزمة من الاسئلة التي اردت من خلالها تسليط الضوء على معاناة الموظفين والمراجعين في هذة الدائرة.. بعد التعريف وايضاح مهمتي سالت اولا فيما اذا كان للدائرة فروع في الاقضية والنواحي التابعة للمحافظة ؛ فاجاب بالنفي واكد ان السبب الرئيس في الزخم الحاصل على هذة الدائرة هو عدم وجود أي فرع لها مما يضطر المواطن للسفر من محل سكناة في القضاء او الناحية الىمركز المحافظة لانجاز معاملتة مهما كانت بسيطة ؛ فيتكبد عناء السفر والمصاريف وضياع الوقت . وفي اجابة عن تساؤلي حول المشاكل التي يعاني منها الموظفين العاملين في المركز لخص معاناتهم في : الحرمان من الكثير من الحقوق والمكاسب التي يحصل عليها زملائهم في دوائرهم الاصلية كالاشتراك في الدورات التدريبية وورش العمل وتاخر العلاوات والترقيات التي يستحقونها .. ولدى الاستفسار من المدير : هل يستطيع الموظف ان ينهي تنسيبة ويعود الى دائرتة الاصلية بسهولة .. قال ان ذلك يتطلب موافقة المديرية العامة في بغداد التي غالبا ما تخاطب الوزارة لاستحصال الموافقة مع ما تتطلبة هذة المكاتبات الطويلة من الانتظار والمراجعات. علما انني لاحظت ان العمل في المركز عمل مرهق وفي ظروف سيئة من ناحية التجهيزات الفنية والاثاث الذي اكل الدهر علية وشرب ..فان اكثر هذا الاثاث وحتى الحاسبات التي يعملون عليها قد استلمت منذ تاسيس المركز في سنة 1991 ومعضمها مستهلكة. البناية التي يشغلها المركز تابعه الى الأسواق المركزية . وهي بناية من طابقين يعمل فيها 45 موظف موزعين على غرف تبدو كغرف الدرس وقد علق في باب كل غرفة لوحة تعريفية صغيرة ولكن بدلا من (شعبة ب) او( شعبة ج ) فقد كتب (الفجر-القلعة-الرفاعي) وغرفة اخرى (سومر-الصالحية-الشهداء) أي ان هناك اكثر من شعبة في الصف الواحد اذا اصررنا على اعتبارة صفا دراسيا .. وعند دخولك لاحدى الغرف لاتكاد تميز بين الموظف والمراجع لكثرة الازدحام والحركة الدؤوبة للموظفين . كان المدير يعمل على الحاسوب الموضوع الى جانبة لاستخراج الاجوبة المناسبة على اسئلة المواطنين الذين يدخلون غرفتة زرافات ووحدانا.. يستفسرون عن : شطر عوائل - وفقدان بطاقات - ونقل من وكيل الى آخر .. ولكن يبدو ان قاعدة البيانات المخزنة على الحاسوب كانت تساعده كثيرا في اعطاء الجواب الشافي وحينما استفسرت منة حول إمكانية إيجاد موظف اخر غير المدير لهذا العمل المكتبي اخبرني بقلة الكادر واضطراره لتحمل بعض أعباء العمل للتخفيف عن كاهل موظفيه فسالتة عن عدد الموظفين الذين يديرون المراكز لكل منطقة من مناطق المدينة او الاقضية والنواحي فاجاب: هناك بعض المراكز يديرها موظف واحد فقط وفي احسن الحالات هناك ثلاث موظفين للمراكز المزدحمة واكد انة اجرى تقييما موضوعيا للعمل وتبين لة الحاجة الى 15 موظف آخر لكي يجري العمل بانسيابية مقبولة .. ترفع عن المراجعين معاناة الانتظار الطويل وتقلل الأخطاء التي يرتكبها الموظفين نتيجة الزخم الحاصل في العمل . ولدى الاستفسار عن مدى تعاون المواطنين والعلاقة بين الدائرة والمراجعين ذكر لي ان هناك مشكلة رئيسية هي عدم التزام المواطنين بالمواعيد التي يحددها لهم الموظف وعدم قناعتهم بالاجوبة التي تعطيها الدائرة حول معاملاتهم مما يسبب ارباكا في العمل ، واخيرا فقد علمت بان كادر المركز تمكن منة كشف وتنزيل الحصص التموينية ل(40000) أربعون ألف متوفى ومهاجر خارج البلد لم يتم الاخبار عن موقفهم ويتم استلام حصصهم من قبل آخرين بصورة غير شرعية مما وفر الكثير من الاموال التي تصرفها الخزينة بغير وجه حق . . وطالما ان البطاقة التموينية (سبت بركبة يهود) كما يقول المثل العراقي .. وليس في النية استبدالها بشئ افضل على المدى القصير.. نتمنى ان يلتفت المسئولين الى هذة الدائرة المهمه في حياة المواطن العراقي ويصححون وضعها الشاذ بطلب تشريع قانون خاص بتشكيل الدائرة بصورة رسمية مما يستوجب اعطائها الملاكات الوظيفية وتخصيص التمويل اللازم لعملها وتجهيزها بالاليات والسيارات اللازمة حيث لا يتوفر لديها حاليا سوى سيارة واحدة هي سيارة المدير . كما ان الضرورة تدعو الى افتتاح فرع لهذة الدائرة في كل قضاء وناحية ضمن حدودة الادارية لكي نخفف العبء الملقى على عاتق المواطنين في تلك النواحي والاقضية والريف التابع لها نتيجة بعد المسافة عن المركز . نتمنى ان تكون البطاقة التموينية طوق نجاة نتمسك بة وسط بحر الاحتياجات ولا تكون كتلة من الحجر ربطت حول اعناقنا لتغرقنا وسط لجة هذا البحر
#كاظم_شناتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وزارة الاوقاف الامريكية فرع ذي قار
-
حنفية ام شاكر
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|