|
الديمقراطيه استيرادها - واد غير ذى زرع-
عبد العزيز الخاطر
الحوار المتمدن-العدد: 2559 - 2009 / 2 / 16 - 06:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عبر التجربة التاريخية التي أنتجت ما يسمى بالديمقراطية الغربيه يرى البعض ثمة ارتباط بين هذا المفهوم ومفهوم آخر هو العلمانية أو على الأقل أحد مضامينها أو تفسيراتها . والملاحظ اليوم أن محاولات أقلمة هذا المفهوم وهو الديمقراطية عربياً وإسلامياً باءت بالفشــــل أو في طريقها الى ذلك ، الأمر الذى أدى ويؤدى الى ازدياد تناول واستخدام المفهوم الثاني وهو العلمانية كشرط لابد منه كما يرى هذا البعض ايضا لتمكين المفهوم الأول وهو الديمقراطية من الاستيطان في البيئة العربية والإسلامية . لعل أحد تفسيرات العلمانية هو ما يعد الاقرب لربطه بقيام الديمقراطية هو المتضمن حيادية الدولة أمام الأديان في المجتمع . لان التفسيرات الأخرى التي تصفها بمعاداة الدين أو توصمها بالإلحاد لا يمكن بحال من الأحوال استيعابها ضمنياً داخل مجتمعات هي متدينة بالفطرة كما إن التفسير القائل بحيادية الدولة أمام الأديان يعني من ناحية أخرى قيام المواطنة الحقة لأفراد المجتمع دون تمييز . حتى مع هذا التفسير المتعلق بمفهوم العلمانية تبرز تحديات لا يمكن معها وبسهولة استيعابه في عالمنا العربي والإسلامي أول هذه التحديات هي مع الأكثرية ذات الدين الواحد وهو الإسلام في عالمنا العربي والإسلامي حول الصياغة الدستورية لمحتوى حيادية الدولة والتحدي الأخرى هو مع النخب الحاكمة التي لن تقبل مبدأ المواطنة الحقة بين جميع أفراد المجتمع وأن صرحت بذلك علناً إلا أنها تعني في الأساس ما دونها كطبقة متعالية لا يمكن المساس بها فهي فوقية ذات أرث تاريخي إلهي مكتسب . من هنا تأتي صعوبة التأصيل لمفهوم الديمقراطية الغربى في عالمنا العربي والإسلامي رغم ما قيل وما يقال وما يكتب ليلاً ونهاراً عنه ، ما يخيف الغرب اليوم ليس هو غياب الديمقراطية حيث يمكن اعتبار ذلك مدخلاً لكثير من التدخلات وفرض الحلول وتغيير الديمغرافيا والجغرافيا في هذه المنطقة أو تلك من هذا العالم العربي الإسلامي ، ولكن الذى يخيفه فعلاً هو تطبيق الديمقراطية الإجرائية دون وجود أو تطبيق لقيمها ومبادئها التي قامت عليها هناك فى الغرب والتى ارتكزت عليها تلك الإجراءات فتفوز التكتلات والمرجعيات الاوليه السابقه حتى لتشكل الدوله وهى فى الغالب اذا لم يكن فى الشمول دينيه التصور بدرجه او باخرى خاصة وان المرجعيه الاولى والاقوى تتمثل فى الدين الاسلامى هنا يكمن خطا اعتبار حتمية المماثله وضرورتها لقيام نفس النموذج فى بيئه تختلف كليا عن بيئة النموذج الاصلى ، فما الذى يمكن أن يحمله تطبيق الديمقراطية الإجرائية من انتخابات وصناديق اقتراع مع وجود ارضيه مختلفه في هذا العالم ولعل ما حصل في الجزائر في أول التسعينيات مثالاً واضحاً لما سيكون عليه الأمر في حالة عدم توافق أساسي أولي بين مفهوم العلمانية والديمقراطية كما فهمها وطبقها الغرب . سيكون الاكتساح كبير للقوى الإسلامية وللمد الإسلامي الجارف بعد فشل المشاريع السياسية الأخرى . والغرب على أدراك كامل بهذا ، لذلك يشرع اليوم لتوطين مفهوم أو مصطلح الديمقراطية من خلال ربطه بمفهوم العلمانية الملازم لـه والضروري لإنباته صحياً طبقاً للمواصفات الغربية التاريخية . في ظل هذا الوضع يجد العالم العربي والإسلامي نفسه عاجزاً من إيجاد البديل الخاص به بالرغم من طرح مفهوم الشورى إلا أنه لم يتفق على آلية واضحة عصرية تأخذ بامتزاج الثقافات المعاصرة بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ بعد سقوط الأسوار وتحطم الجدران وتآكل الحدود . فالأمة اليوم تتخبط بشكل هستيرى بين مفاهيم مستورده وتتبنى اشكالها وزينتها الخارجيه بينما المضمون ينحو فى الماضويه الى اولى درجات الاستبداد فلا الديمقراطيه الغربية بتربتها الغربيه قابله للنمو وحروب بوش من اجل ذلك اكبر شاهد على عدم قابليتهاللنمو, ولا العلمانيه يمكن ان تكون ثمره لهذه الارض المزروعه بالحس الدينى والمحمله بالايديولوجيا الدينيه حتى النخاع. فالاشكال الديمقراطيه التى نراها فى بعض الدول الغير غربيه جاءت نتيجة انصهار حقيقى وتقدم فاعل داخل مجتماعتها وضمن تربتها وبشروطها الذاتيه جعلها تتجدد وتنساب مع حركة التاريخ . علينا ان نتنبه ان قيام الديقراطيه فى منطقتنا العربيه والاسلاميه مرتبط بشروط هذه المنطقه الذاتيه والوعاء الثقافى والفكرى لها وليس بالضروره ان يكون مشابها لغيره من التجارب والامثله فوضع المساله بشكل مشروط لايساعد على ذلك لان المهم هو النتيجه التى يرضاها الناس وتتفق وتطلعاتهم وروآهم بشكل طوعى دون خوف او اجبار . أما من جانبنا فالإكثار من الحديث عن الديمقراطية وكأنها طوق النجاة دونما التنبه لجذور نشأتها وتاريخ تطورها وشروطها القبليه خاصة المتعلق منها ببنية المجتمع التحتيه وطبيعة هذه البنيه واختلاف التجربيه الغربيه بالذات فى هذا الخصوص نتيجه التحقيب التاريخى التى مرت بها تلك التجربه خاصة فيما يتعلق بالدين يجعل منا نقاتل فى المكان الخطأ فى الوقت الخطأ . ومن المعروف أن صور الديمقراطية في العالم الراهن تختلف من مجتمع الى آخر ولكنها جميعاً تتفق وما انتجته تجربتها التاريخيه بدرجه او باخرى . إن عدم إيجاد صورة عصرية للتعامل مع تراث الامه مما يجعله مرنا ومنسابا ومستوعبا لروح العصر من مواطنة ومساواة جعل الأمة في وضع لا تحسد عليه بين الاستيراد الناقص لمستلزمات العصر الفكرية بعد أن أوغلت في استيرادها لمستلزماته مادياً وبين ضياع تراث كان الممكن أن يغنيها لو أحسنت استغلاله فكل مانراه فى الامم الاخرى من تقدم وديمقراطيه وانسانيه هو فى الحقيقه تصالح بين التراث ونظرة اهله اليه كباعث ومخزون متحرك لاينضب ولايتجمد على صورة واحده بشكل يغدو كجثه هامده يقتتل حولها الورثه ايهم احق بالاخذ بثأرها فى غير ادراك بان التراث يموت اذا لم يتطور وان كان يملك آناء الليل واطراف النهار الامر الذى يجعل من اصحابه امواتا ايضا ولكن لايشعرون.
#عبد_العزيز_الخاطر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-امه- فى العنايه المركزه
-
الماضى-المكتمل- والحاضر المنقوص دائما
-
-تم- ياطويل العمرالخصوصيه العربيه فى حل الخلاف الى متى هى فا
...
-
قمةغزه والعلاج بالصدمه
-
دين السلطه ام سلطة الدين
-
جلباب العروبه وعورة الانظمه العربيه
-
هل يستحى العرب
-
مصر والبحث عن الذات الدور العربى والآم الفقد
-
الى غزه - اشكو العروبة ام اشكى لك العربا-
-
الكيمياء القاتلة التطرف بين الذات الانسانيه والعقيده الدينيه
-
الكيمياء القاتله
-
-الحج- والبعد الانسانى
-
المجتمعات الجاهزه- ومأزق الحراك الاجتماعى
-
-المجتمعات الجاهزه- ومازق الحراك الاجتماعى
-
مهرجان -مزايين- الديمقراطيه
-
دول الخليج وسؤال الهويه
-
بناء الشخصيه الوطنيه كيف؟
-
مجتمع على صفيح ساخن- قطرى-مابعد الحداثه-
-
حتى لاتنام نواطير الامه عن ثعالبها
-
نحو مواطن اقل هذيانا
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|