|
فلسفة الفوضي الخلاقة في عرض مسرحي بالجزويت
أبو الحسن سلام
الحوار المتمدن-العدد: 2558 - 2009 / 2 / 15 - 03:01
المحور:
الادب والفن
" مسرحة " برنامج كولن باول في " الجزويت " حلم باول أم حلم شكسبير : في منتصف ليلة صيف شكسبيرية سكندرية جزويتية سويدية ترجمت المخرجة السويدية " إيفا برجمان " حلم كولن باول في تفكيك البنية الثقافية والسياسية والاجتماعية والتعليمية في عرض مسرحي أعده المصري ( سيد رجب ) المتزوج بالأمريكية التي تشرف على إنتاج ذلك العرض ( حلم منتصف ليلة صيف ) عن شكسبير ولكن في لهجة عامية خليطة (مصرية - لبنانية - مغربية - فلسطينية ) فما الذي يقوله العرض غير الذي قاله النص الشكسبيري وكيف جسد مقولته البديلة ومن أين جاء تمويله الذي بلغ نصف مليون جنيه مصري . أولاً : حول جهات تمويل العرض : مؤسسة ( سيدا ) السويدية - الاتحاد الأوروبي الصندوق الثقافي الأوروبي - السفارة الهولندية الملكية بالقاهرة - المعهد السويدي بالإسكندرية - المعهد السويدي بالسويد - صندوق بزينس كلاروس للثقافة والتنمية - مؤسسة فورد بالقاهرة - مسرح المدينة جوتنبرج - مسرح ياكا - معهد الدراما والجمعية الثقافية بالسويد ومصر (CASE) مركز الجزويت الثقافي بالإسكندرية . هذا إلى جانب معاونات أخرى من الجامعة الأمريكية بالقاهرة - تاون هاوس جاليري القاهرة - معهد جوته بالإسكندرية - مكتبة الإسكندرية - بيت زيكو بيروت - مسرح الدراما بالسويد ) ثانياً : الفن : لاشك أن هذا العرض فيه من الفرجة الكثير من تمثيل وتعبير جسدي ورقص وموسيقى الجاز بالإضافة إلى روح الكوميديا والأداء التمثيلي المهجن المتداخل اللهجات ما بين ( المصرية - المغربية - اللبنانية - الأردنية ) والمعزوفات الموسيقية ذات الإيقاعات الصاخبة والنغمات الغربية التي تغطي مع آلات النفخ على نغمات آلة العود التائهة بين ذلك الصخب النغمي والإيقاعي بما يعكس الأداء الموسيقي المهجن المتداخل النغمات والإيقاعات . ولابد من التنويه هنا إلى حسن أداء غالبيه الممثلين المصريين المشاركين في ذلك العرض مثل الفنان (خالد الصاوي - سيد رجب - رمضان خاطر - صلاح السايح - حسين جابر - سارة زغلول - آية سليمان - محمد عبد الواحد ) أخلص مما سبق إلى أن التمويل مهجن والأداء التمثيلي مهجن والموسيقى والغناء مهجن والصورة المسرحية بكاملها مهجنة من الأداء التمثلي والموسيقى والأزياء والرقصات بما يمكن أن يطلق عليه (العرض الشامل ) وهذا يحسب للعرض حيث يخلق حالة فرجة فيها من الجاذبية والمتعة الكثير . لكن ماذا عن الفكر ؟ هل هو فكر شكسبير كما كتبه في مسرحيته (حلم ليلة منتصف ليلة صيف ) ؟ بالتأكيد : لا . ليس لأن نص العرض معد بقلم ( سيد رجب ) عن النص الأصلي في الترجمة العربية الخلابة بشعر د. محمد عناني والتي نشرت من قبل في مجلة المسرح المصرية وكن بسبب فكر المخرجة السويدية (إيفا برجمان) الإنتاجي .
فكر المخرجة (الإنتاجي) : يقوم الفكر الإنتاجي لهذا العرض وربما الفكر الإنتاجي لكل عروض تنتجها هذه المؤسسات المهجنة الهوية على فكرة التهجين ( اللاهوية الثقافية واللاهوية الإنتاجية ) ولعل أبرز مظاهر انسياح الهوية الثقافية في هذا العرض غير تلك المقابلات الفنية بين عناصر العرض - التي أشرت إليها - هي بدايته ونهايته ، يبدأ العرض في مساحة خالية ( مكان العرض ) المعد بجراج مركز الجزويت بالإسكندرية وعلى الأرضية جهة وسط يسار المساحة الفضاء توجد دكة (بواب) وفي أسفل الوسط ترابيزة وكرسي خشبيين يدخل بطرس (المؤلف) مصري الملامح شعبي الهيئة وبيده خمس وريقات يجلس خلف المنضدة الصغيرة والفقيرة ويبدأ في التأليف . يدخل الممثل صلاح السايح في دور (عباس) في جلباب صعيدي وهيئة بواب عمارة يرقد على الدكه وهو يدندن بفمه نغمة (ادلع يا عريس يابو لاسه نايلون ) بدون الكلمات ، ويتتابع دخول مجموعة الممثلين المصريين : خالد الصاوي في دور (متولي القعر ) ومحمد عبد الواحد في دور بائع ورد ورمضان خاطر في دور (منفاخ) ويجلس كل منهم على دكة البواب إلى جوار عباس ويدندن كل منهم نفس النغمة مع عباس. غير أن أحدهم يتلصص على ذلك المؤلف الذي يكتب لهم نص مسرحية يستعدون لتقديمها في حفل زفاف (الباشا) وهو هنا يقابل (الدوق) في مسرحية شكسبير غير أن إلهام المؤلف يقطع بسبب محاولاتهم التلصص على ما يكتب وكذلك تدخلاتهم في الإيحاء له بجملة أو بفكرة وفجأة يقطع أو يوقف تعسفياً بدخول الباشا ( إدريس الرخ - مغربي فرنسي ) الذي سيؤدي دور ملك الجان (أوبرون) وفق مسرحية شكسبير - فيما بعد - متأبطاً ذراع الأميرة (برناديت حديب - لبنانية) والتي ستؤدي دور تيتانيا ملكة الجان في حالة انتشاء وسعادة ، لا يقطعها سوى صياح حسين جابر (الأب) مؤنباً ابنته (دنيا) - سارة زغلول - وخلفهما أحمد السيد في دور (عادل) ووليد مرزوق في دور(هشام) وآية سليمان في دور (ليلى) ، حيث يشكو الأب عناد ابنته التي تريد الزواج من عادل الذي تحبه في حين يريد والدها أن يزوجها بهشام فيحذرها الباشا من عدم إطاعة أبيها ثم يقطع الحدث ليصبح في الغابة (المتخيلة) عبر ذهن المتفرجين حيث هروب الحبيبين وهناك في منتصف ليلة صيفية تمرح ملكة الجان وملك الجان ويدور بينهما صراع حول طفل متبنى ترفض تسليمه إليه فيأمر جني يخدمه بإلقاء عبير زهرة معينة عليها في نومها حيث تصحو فتقع في غرام أول من تراه عيناها ويأمره بأن يفعل ذلك أيضاً مع الشاب (هشام) الذي تطارده (ليلى) التي تهتم به دون أن يلفت إلى توسلاتها حتى يصحو فيقع في حبها . غير أن المفارقة الدرامية تجعل ملكة الجان تقع في حب حمار كان أول شيء رأته عيناها فور يقظتها وهكذا تعمل المفارقة على تفجير كوميديا الموقف . وعندما تصحح الأوضاع ويعود الوفاق للأحباء ملك الجان وملكة الجان والعشاق لبعضهم بعضاً يقطع الحدث قطعاً تعسفياً ليظهر الباشا وعروسه الأميرة وكل شاب لحبيبته في حفل زفاف جماعي ، يلح مؤلف فرقة (النهضة والنور) بطرس المر وزملاؤه (القعر - عباس - منفاخ - جمال) على الباشا لتحيي الفرقة ذلك الحفل بتقديم (تراجيدية مأساوية) وأخيراً يوافق الباشا فترتجل الفرقة قصة حب مفتعلة يؤدي فيها عباس دور الحائط الذي يفصل بين عاشقين (القعر) و(منفاخ) الذي يقوم بدور الفتاة المعشوقة ويدور الغزل بين العاشقين عبر شق في الحائط إلى أن يتواعدا على اللقاء المباشر في الغابة وهنا يهجم ممثل
دور الأسد (محمد عبد الواحد) على العاشق ويقتله ويدور نواح ميلودرامي أقرب إلى التهريج الكوميدي منه إلى المأساة وهنا ينهي الباشا عرض الفرقة بشكل تعسفي وهو يبدي امتعاضه ويختم الموقف بتعليق مؤداه أن ما قدموه ليس شيئاً وأنهم يحتاجون إلى الكثير الكثير حتى يقدمون فناً حقيقياً . ولئن كانت هذه الفرقة المرتجلة هنا هي ترجمة لفرقة العمال في مسرحية شكسبير (حلم ليلة صيف) إلاّ أن توظيفها هنا لا يخرج من وعاء شكسبير ونصه ، وإنما يخرج من وعاء باول وخطابه الزاعم بمقرطة الدول العربية . فما هو وجه المقاربة بين خطاب النص المجسد لحلم شكسبير وخطاب العرض المترجم لحلم باول ؟ هناك فرقة مسرحية مرتجلة من مجموعة شباب مصري متخلف فهلوي ، جاهل ومستمتع بجهله ، كسول ، متلصص ، ضحل التعبير يظل طوال فترة العرض عاجزاً عن إنتاج العرض مع ملاحظة أن أعضاء فرقة (النهضة والنور) تلك يتحدثون بلهجة مصرية بتعبيرات شعبية تتخللها الأغنيات الشعبية (يا ورد على فل وياسمين الله عليك .. قرب هنا .. تا عندنا ) في مقابل فرقة مهجنة من مغربي ولبنانية وفلسطيني أردني ولبناني ومصري، يؤدي كل منهم دوره بلهجته المحلية عن قصد لخلق نوع من التلاقي المهجن النافي للهوية والعاكس لحالة الانفصام اللغوي والأدائي ، هذا إلى جانب وجود آلة العود بنغمها الحنون في مقابل أصوات آلات النفخ والإيقاع الجهورية وهنا نلاحظ أن مجموعة ممثلي أدوار الطبقة العليا والجان لديهم من اللياقة وتعدد المواهب في التمثيل والرقص والأكروبات والأزياء الأنيقة البراقة وتصاحبهم فرقة موسيقية منضبطة ومعزوفات ممتعة في مقابل بؤس فرقة ( النهضة والنور) الموحدة اللهجة والثقافة الشعبية ، فإذا لاحظنا لفظة (قرب هنا .. تعا عندنا) التي تتكرر غناء مرتجلاً بدون مصاحبة موسيقية في أفواه تلك الفرقة وزيها البسيط الفقير وتراخيهم وارتجالهم ثم سرهم في نهاية العرض خلف مجموعة الممثلين بلهجات (مغربية - شامية - مصرية متداخلة ) منكسرين مطأطئ الرؤوس . وهنا يسقط فكر المخرج القناع لنرى وجه باول الذي يزعم أنه سيمقرط العرب ويمدنهم ويشذب ثقافتهم عن طريق إلغاء هويتهم فالمجموعة المتفوقة في أدائها (الباشا،الأميرة،العشاق،الجان) المتفرنجون في فنهم قد تفوقوا لأنهم منفتحون (مغربياً ولبنانياً إلخ) في حين ظلت الفرقة المصرية التي تطلق على نفسها (فرقة النهضة والنور) متخلفة جاهلة فهلاوية مستمتعة بجهلها لها موقف من الجنس الآخر في فنها المسرحي ، لأنها لم تسلم نفسها للخطاب الأوربي أو الأمريكي لخطاب عولمة التبعية . لذلك قلت إن خطاب ذلك العرض هو ترجمة مسرحية لخطاب كولن باول .
#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليلة من ليالي على علوللا
-
بوسيدون يستبدل إكليل الغر بالغتره
-
سارتر وليزي وبوش
-
جماليات الأصوات اللعويةفي الأدوار المسرحية
-
سلم لي على -بافلوف-
-
جماليات التعبير بالأصوات اللغوية في الأدوار المسرحية
-
فلسطين بين ثقافة العنف والسلام- في حوارية قطع ووصل -
-
فلسطين بين ثقافة العنف والسلام
-
السكتة الكوميدية في الكتابة المسرحية
-
التباس الكتابة المسرحية بين المسرح السياسي ومسرح التسييس
-
أوركسترا عناكب الثقافة العنصرية ومعزوفة النشاز العصرية
-
معزوفة التواصل الحضاري
-
المتدفقون - عرض مسرحي -
-
هوية الصورة في فن فاروق حسني
-
سيميولوجيا الفرجة الشعبية في المسرح
-
المرأة في مسرح صلاح عبد الصبور
-
معزوفة التواصل الثقافي الحضاري
-
اتركوا النار لنا
-
المونودراما وفنون مابعد الحداثة
-
نظريات المسرح
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|