|
اللّيبرالية - الجزء الأول
محمد الحداد
الحوار المتمدن-العدد: 2555 - 2009 / 2 / 12 - 06:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المقدمة: كما أني مقل كثيرا بكتاباتي، وكما أني لا أكتب إلا عندما أثار بموضوع ما، ولكني وجدت نفسي مضطراً لإعادة كتابة مقال سابق لي الآن حول موضوع اللّيبرالية كمفهوم عام وكحركة اقتصادية وكمفهوم سياسي، وذلك أني وجدت أنه لم يعطى المجال الكافي لمناقشة الأفكار قبل الطعن والاتهام ، كما وجدت أن أكثر ما كتب عنها كان ضدها ، مع أن لليبرالية أشكال متعددة ، ففي مجتمعاتنا المحافظة يمكن أن نجد ليبرالية خاصة بنا ، نضمن حقوق الفرد الأساسية ، ونحافظ على المجتمع بنفس الوقت ، كما يمكن أن نزيل الكثير من تقاليده البالية والتي لا تمت إلى أساس صحيح من دين أو علم أو منطق . وبسبب الأزمة المالية الحالية والتي حٌملت الليبرالية أوزارها ، مع أنها كمفهوم قد تتحمل الجزء اليسير ، ولكن كتطبيق ، فالأمر يعود لكيفية التطبيق والمطبقين ، والحالة هذه هي كحالة اتهام الإسلام مثلا بأفعال بن لادن ، فكما هو مسلم ويرفع شعار الإسلام ، ولكن الإسلام كفكر وكدين غير مسئول عن التطبيق الخاطئ له أو عن ممارسات وأفعال بن لا دن و أمثاله ، ولكن هذا الخطأ ألإسقاطي قد وقع به الغرب الليبرالي أيضاً . ثم نجد أن هناك ليبراليات تطبيقية كثيرة ، مختلفة على أرض الواقع باختلاف البلدان والنظم السياسية . كذلك هناك خلط ولبس بين الليبرالية والرأسمالية مع أنهما يلتقيان بمناحي كثيرة ويفترقان بأخرى. ووجدت أنه عند البحث عن كلمة ليبرالي بمحركات البحث العديدة، لا تجد الضالة المنشودة، وان وجدت، فتراها مشوهة بكلام مضاد لها و تهجم كبير عليها وبالأخص بالمواقع العربية الإسلامية دون إعطاء مساحة كافية لشرحها ، قبل بدأ الهجوم الكاسح عليها. كما أني لا أسمي ما يكتب ضد اللّيبرالية نقداً ، لأن للنقد أصوله وقواعده النقدية بتشريح المادة وأعادتها إلى أصولها، ومقارنتها بقواعد نقدية متفق عليها مسبقاً، وليست طارئة أو آنية ومتغيرة . سأحاول ببحثي البسيط هذا أن أعرج على فكرة الليبرالية من بداياتها ، ثم على أهم الفلاسفة الذين كتبوا عنها ولكن بشكل مبسط غير موسع ، ثم على أهم الحقوق الفردية التي تنادي بها والتي أدت للهجوم عليها بعالمنا العربي . كما سأحاول أن أعطي وجهة نظري الشخصية بها ، وكيفية مطاوعتها لظروفنا . كما سأقسم الموضوع على أجزاء حتى لا يمل القارئ ، وأني لأرجوا التوفيق بعملي المتواضع هذا . مفهوم اللّيبرالية: اللّيبرالية، كموقف وكفلسفة وكحركة تعتمد على الحرية الشخصية، والتقدم المجتمعي كأساس لها ولنموها، فاللّيبرالية تركز على تلبية حاجات الإنسان الأساسية ، وتحرره من القيود المفروضة عليه ، أيا كانت هذه القيود ، فهي تحاول تحريره من القيود الدينية ، أو القيود المجتمعية المتمثلة بالعادات والتقاليد ، كما تحرره من القيود الاقتصادية ، وما الحرية الدينية ، وحرية تغيير العقيدة دون أن تترتب عليها أي نتائج ، وحقوق الإنسان إلا إحدى التطبيقات العملية للّيبرالية ، كذلك حرية التجارة العالمية ، ومثالها منظمة التجارة العالمية ، إلا كناتج اقتصادي لتطبيق اللّيبرالية الاقتصادية. تعريف اللّيبرالية: حركة وعي اجتماعي سياسي اقتصادي داخل المجتمع ضمن اطر القانون ، تهدف لتحرير الإنسان كفرد وكجماعة وكمجتمع من التسلط الواقع عليه من مجموعة من السلطات التعسفية ، وهي سلطة الدولة ( الدولة الديكتاتورية )، وسلطة الدين وممارساته ( رجال الدين أو الكهنوت )، والسلطة الاقتصادية ( الجوع والفقر والعوز الاقتصادي )، والسلطة الثقافية ( الجهل والأمية ). أصل الكلمة واستخداماتها: بالبحث وجدنا أن كلمة الليبرالية أتت من كلمة ليبر Liber والتي هي أسم لأحد الآلهة في الميثولوجيا الرومانية القديمة، وهو يمثل إله الخصب الأرضي، وقد كان يحتفل به في 17 آذار من كل عام باحتفال يسمى ليبرا ليس Liberalis حيث يتم الاحتفال ببلوغ المراهقين الذكور لسن الرجولة، حيث يخلع المراهقون ملابسهم ويرتدون رداء رجالي فضفاض يسمى توجا Toga ومعنى الكلمة والاحتفال هو تحرر المراهق من الفترة السابقة، مرحلة وصاية الأب والأسرة عليه، ودخوله مرحلة الرجولة الكاملة، مرحلة الحرية الكاملة باتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية الكاملة عنها. ثم استعملت الكلمة للتفريق بين الرجال الأحرار الملاك في روما وبين العبيد . فأصبحت كأنها وسام يحمله الرجل ، فمن يقال له ليبرالي كأن يقال الآن سيد أو سير عند الانكليز. معنى كلمة الليبرالية: Liberalism كلمة ليست عربية كما رأينا، وترجمتها الحرية. وهناك تعريفات وترجمات لمعناها كثير، منها أنها مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في الميدانين الاقتصادي والسياسي. كما تعرف بأنها الاستقلالية والتي تعني التحرر التام من كل أنواع الإكراه الخارجي ، كأن يكون دولة أو جماعة أو فرد أو فكر أو دين، ثم التصرف وفق ما يمليه قانون النفس ورغباتها، والانطلاق والانفلات نحو الحريات الكاملة بكل صورها وألوانها. نشأة اللّيبرالية: اللّيبرالية فكرة إنسانية أوربية المنشأ والتطور، سميت إنسانية لأن الإنسان محورها وهدفها، فمن أجل الإنسان وجدت وقررت وأسست ونمت، ولأجل الإنسان ومنافعه وكرامته ورفع معاناته من ذوي السلطة الدينية والدنيوية تناضل. فرسالة اللّيبرالية هي حماية الإنسان كفرد والدفاع عن سيادته وصيانة كرامته، فإن ضاعت حقوق الإنسان وضاعت كرامته تكون قد انتهت اللّيبرالية وضاعت. منشأ اللّيبرالية الأوربي له أسبابه وظروفه ، فهي نشأت كردة فعل على انتهاك الإنسان وقيمه وحقوقه باسم الدين والإقطاع والملكية ، هذا الذي حطم كرامة الإنسان الغربي في العصور الوسطى، حتى انه لم يبقي أي مساحة لأي حرية تذكر. ولكن كانت هناك تباشير للفكر اللّيبرالي عند القدماء وفي عصور سبقت عصور الانحطاط الأوربي فهي مثلا موجودة عند: • ديمقراطي أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد. • ففي خطبة بركليس لتأبين قتلى أثينا الذين سقطوا بالحرب ضد إسبارطة، نجد مبدأ مساواة جميع المواطنين أمام القانون، كما فيها تعبير واضح عن أهمية الفرد ومسؤولياته. • جعل فيثاغورس الفرد مقياس كل شيء . • اقتنع ديموقريطس أن القوانين والمؤسسات هي من صنع الإنسان وهو بالتالي المسؤول عنها. • وعند سقراط أهمية كبرى للعقل ولضرورة إخضاع معتقداتنا للنقد والتدقيق. • وعند الرواقيين. • وفي المراحل الأولى لدخول المسيحية أوربا. • وفي حركة الإصلاح البروتستانتية.
إذن اللّيبرالية تعني الحرية والتحرر، وهي لا تعني الإباحية كما يتهمها البعض ، فالإباحية تعني الخروج على القيم المجتمعية ومنظومة القيم ، بينما اللّيبرالية تعني تحرر الإنسان من سلطات جبروتية واقعة عليه ، وشتان بين المعنيين . نجد أن الليبرالية ملازمة دائما للديمقراطية ، فلا يمكن أن تكون هناك ليبرالية حقيقية تمارس على ارض الواقع دون أن تكون هناك ديمقراطية حقيقية ممارسة ولها قواعدها وأصولها ، فالليبرالية بمعناها المبسط تعني التحرر والحرية ، ولا يمكن أن تجد الحرية مع الدكتاتورية ، وكذلك لا يمكن أن تجدها مع العوز الاقتصادي أو العجز الثقافي والفكري. ولكن قديما كان يرى الكثير من الليبراليين الأوائل أن الديمقراطية غير صحية ، وهي عائق بوجه الليبرالية ، وكان عذرهم أن الديمقراطية تدعم حكم الأكثرية الذي يؤدي بالضرورة إلى تحجيم وتقليل حرية حركة الأقلية . ولكن حديثا يعتبر جميع الليبراليين الجدد أن الليبرالية تسير ملاصقة للديمقراطية ، لأن الليبرالية تعنى بالبناءات الاجتماعية على مستوى الفرد والجماعة ، وممكن تحقيق هذه البناءات عن طريق الديمقراطية ، وبالنتيجة تحقيق الحرية الفردية والجماعية التي تبتغيها الليبرالية . وهذا ما نراه لدى الليبراليين الجدد ، حيث أن حركتهم تربط دائما الليبرالية بالديمقراطية ، وغير ممكن تحقيق الحلم الليبرالي دون وجود ديمقراطية ، وكذلك العكس صحيح ، فلا يمكن تحقيق ديمقراطية صحية دون وجود ليبرالية مرافقة لها ، وهذا ما نسميه بالليبرالية الديمقراطية . أشكال الليبرالية: الليبرالية كتطبيق تختلف من بلد لآخر ، وهي تعتمد على شكل الحكم الموجود بالبلد والقيود المتواجدة هناك لتشكل اهتماماتها الآنية ، فمثلا في البلدان التي يطبق فيها الفصل بين السلطة الدينية وسلطة الدولة ، نرى اهتمام الليبرالية بالعموم حول السياسة العامة للدولة ، الاقتصاد ، وإعادة صياغة المجتمع ، أما في البلدان التي تحوي سلطة دينية قوية تؤثر بالقرار السياسي أو هي تمثل القرار السياسي ، فان نضال الليبرالية الرئيسي يكون من اجل إبعاد السلطة الدينية عن السلطة السياسية . حقب الليبرالية: يمكننا تمييز حقبتين رئيسيتين مرت بهما الليبرالية العالمية وهما: • الحقبة الأولى تمتد بين منتصف القرن السابع عشر والى منتصف القرن التاسع عشر ، امتازت بأن صراع الليبرالية كان ضد الظلم ، الاضطهاد ، الاستبداد ، سوء استخدام السلطة ، والتأكيد على الحرية الشخصية كحاجة إنسانية . • الحقبة الثانية بدأت من منتصف القرن التاسع عشر وهي مستمرة لحد الآن ، تمتاز باعتماد الكثير من الليبراليين برامج أكثر ايجابية بالتأكيد على البناءات الاجتماعية ، ودعم وتوجيه الدولة نحو إشباع الحاجات الفردية لأبناء المجتمع ككل. الليبراليون الجدد يجدون انه ليست فقط السلطة الدينية وسلطة الدولة هما العائقان الوحيدان أمام الحرية الفردية ، بل كذلك الفقر والعوز والفاقة ، أي الجانب الاقتصادي يقف عائقا أمام تحرير الإنسان ، وإعطائه الحرية الكاملة باتخاذ قراراته دون مؤثرات تعيقه. الفلسفة الإنسانية: في مجتمعات وسط أوربا وفي القرن الخامس عشر ، كانت الليبرالية جزءا من الفلسفة الإنسانية التي بدأت بالظهور حينها ، وسميت بالإنسانية لأنها تعنى بالإنسان ككائن لذاته دون تمييز ، وتحاول إعلاء شأنه عموما . بدأت الفلسفة الإنسانية مع انتشار الطباعة التي أدت لزيادة المطلعين من عامة الشعب على ثقافات وكتابات ونتاج عصور سابقة ، كما تم حينها ترجمة الإنجيل من اللاتينية إلى اللغات الدارجة حينها بتلك البلدان ، مما أدى لرؤية الأمور والنواهي والمحاذير بمنظور يختلف عما يقوله القساوسة ورجال الدين ، فأدى ذلك لنشوء مدارس جديدة في الفنون والعلوم والفلسفة تعتمد أسس جديدة في مباحثها وأسسها الفكرية .
#محمد_الحداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الليبرالية – الجزء الرابع
-
الليبرالية ...الجزء الثالث فصل الدين عن الدولة
-
الشعب في غزة بين كماشتي مٌجرِمَي الحرب ... إسرائيل وحماس
-
غزة ... الضفة ... وصراع السلطة
-
الماسونية
-
نموذج جديد من أجل بناء الدولة لمواطني العراق
-
الإستبداد الشرقي الضعيف
المزيد.....
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|