|
إعصار دولى .. وزلزال إقليمى .. وبينهما طاقة نور
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 2556 - 2009 / 2 / 13 - 08:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"الكلام" عن الأزمة المالية، والاقتصادية، العالمية.. لا ينقطع، سواء فى المحافل الرسمية، أو المنتديات "الأهلية"، أو حتى فى المجالس الخاصة. وهذه مسألة منطقية ومبررة لأن هذه الأزمة لن تترك شيئاً على حاله، وإنما هى تؤثر على كل المجتمعات وكافة البلدان بدرجات متفاوتة، ويدفع المواطن الغلبان فاتورتها من قوته وقوت أولاده. وقد كان لى حظ المشاركة فى حوارات ومناظرات وسجالات عديدة حول هذه الأزمة، فى برامج تليفزيونية وإذاعية وندوات صحفية وورش عمل نظمتها مراكز بحثية متنوعة المشارب والاتجاهات. كما كان بعض الوزراء وكبار المسئولين أطرافاً فى جانب من هذه الحوارات التى انتقدت فيها الحكومة على عدم تحسبها لهذه الأزمة، رغم أن بوادرها ومقدماتها كانت واضحة وتنبأ كثير من الخبراء والمحللين المرموقين بأنها واقعة لا محالة. وبعد أن وقعت الفأس فى الرأس واندلعت الأزمة وظهرت على السطح فى سبتمبر الماضى ظلت حكومتنا نائمة فى العسل، وكأنه لا شىء قد حدث فى العالم من الأساس. وعندما بدأت متأخراً جداً فى الاعتراف بوجود أزمة عالمية – رغم أنها ليست مسئولة عنها بطبيعة الحال ولم يحملها أحد مسئوليتها – فإنها حرصت على التأكيد بأن الاقتصاد المصرى لن يتأثر بها من قريب أو بعيد، وكأنه فى جزيرة معزولة! بينما كانت تحذيراتنا من أن الأزمة ستؤثر فى الاقتصاد المصرى لا محالة، وبأنها ستنتقل من الاقتصاد الرمزى إلى الاقتصاد العينى، وأنها ستصيب السياحة والصادرات وتحويلات المصريين العاملين فى الخارج ودخل قناة السويس كما ستقذف بآلاف مؤلفة من المصريين إلى جيش البطالة، .، كانت هذه التحذيرات محل استنكار بعض كبار المسئولين! والآن فقط.. عاد نفس هؤلاء ليقولوا على الملأ إن الصورة مخيفة وإن الأسوأ قادم. وعندما نذكر هذا التسلسل – لما حدث بالفعل – فإن ذلك ليس من باب تسجيل المواقف أو التنابذ أو "مناكفة" الحكومة بأى طريقة وفى أى مناسبة، وإنما نذكره من باب التحذير من أن تعاملنا مع هذه الأزمة الخطيرة ليس على المستوى المطلوب، وأنه كان من اللازم أن تهرع الحكومة إلى تشكيل خلية لإدارة هذه الأزمة، وأن تكون هذه الخلية " ما فوق حزبية"، أى أن تضم خبراء من الحكومة ومن المعارضة، ومن الرسميين وأيضا من القطاع الخاص والمجتمع المدنى، لأن "تسونامى" هذه الأزمة العالمية أكبر من أن تتم مواجهة تداعياته بأساليب بيروقراطية تقليدية لا تصلح فى أوقات الأزمات الكبرى. فما بالك وأن "إعصار" الأزمة المالية والاقتصادية العالمية تزامن مع "زلزال" غزة، الذى شاء الكثيرون اختزاله بصورة تبسيطية مخلة فى معبر رفح وما شابه ذلك من تفاصيل صغيرة، فى حين أن الرؤية الأشمل لهذه المجزرة البربرية تقودنا إلى صورة مخيفة لإعادة رسم خريطة المنطقة بأسرها ووضعها تحت وصاية حلف شمال الأطلنطى فى عملية أشبه ما تكون بإحياء حلف بغداد الذى ناضلنا ضده فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى. ومع "الاعصار" الدولى والزالزل الاقليمى كان من الضرورى التفكير بصورة خلاقة تستنهض الامكانيات الهائلة الكامنة للمصريين وتحفزهم على "المشاركة" فى مواجهة هذه الأخطار المحدقة بالبلاد والعباد. وكانت – ومازالت – الظروف مهيأة لإعطاء قوة دافعة لهذه المشاركة المطلوبة من الجماعة الوطنية على اختلاف توجهاتها ومشاربها، بعد سنوات وعقود من الانسحاب الجماعى من الاهتمام بالشأن العام والاستقالة الجماعية من أى مبادرة أهلية للإسهام فى تقرير مصير الوطن. وربما كان هذا هو السبب الموضوعى فى ترحيبى الشديد بمبادرة تبدو لأول وهلة قليلة الأهمية، وهى تلك المبادرة التى تحمل اسم برنامج "شارك"، تقوم فى إطاره جمعية شباب المصريين التى أسستها وتقودها نيرمين نور – بالتعاون والتنسيق مع جمعيات أهلية للشباب وشباب الجامعات، بتنظيم سلسلة من الندوات لتفعيل دور الشباب والإسهام فى نشر ثقافة المشاركة فى التنمية، والايجابية فى طرح قضايا المجتمع المصرى، وخاصة فى سياسة الاصلاح الاقتصادى والتنمية، وتنمية ثقافة الحل، والعمل لدى الشباب ومد جسور الحوار والتعاون بين صانعى القرار مع الشباب المعنى والمستهدف بالتنمية- حسبما جاء فى أدبيات هذا البرنامج. وقد قامت الشابة المتحمسة نيرمين نور بترجمة هذه الأهداف إلى سلسلة من الندوات والحوارات، كان لى شرف الاشتراك فى قليل منها. ولاحظت أنها تحرص على ألا تكون "حوارات طرشان"، بل أن تكون حوارات حقيقية، بين الرأى والرأى الآخر، بصورة ديموقراطية ومتحضرة بعيدة عن الغوغائية والاتهامات المتبادلة، ناهيك عن تلك الرذيلة الشائعة، أقصد لعنة "التخوين" و"التكفير". وكان آخر تلك الحوارات المحترمة ذلك الذى شارك فيه الدكتور حازم الببلاوى والدكتور جودة عبدالخالق، والاثنان لا يحتاجان إلى تعريف لأنهما من كبار علماء وأساتذة الاقتصاد، وأولهما معروف بنزعته الليبرالية والثانى اشتراكى التوجه.. ورغم اختلاف المشارب والمنطلقات الفكرية شهدت الجلسة التى أدارتها نيرمين نور – باقتدار وتلقائية – تقاربا فى التحليل العلمى لجذور الأزمة العالمية، واتفاقا على أنه ليس كافيا تدبيج المراثى والبكائيات لنظام اقتصادى عالمى انتهى عمره الافتراضى وانتهى تاريخ صلاحيتهن بل أصبح واجباً علينا أن نجيب عن السؤال الأهم وهو: ما العمل؟ واتفق مفكر اليمين مع مفكر اليسار على نقد سياسة الحكومة وطريقة تعاملها البيروقراطية القاصرة مع الأزمة. ولعل هذه الانتقادات الموضوعية تصل إلى مسامع الحكومة، وألا تعتبرها مجرد "هجاء" لها وطعن فى جدارتها، بل أن تستفيد منها وأن تتواضع قليلاً وأن تتوقف عن ادعاء احتكارها للحكومة، وأن تدرك أن الأزمة بشقيها – الاعصار الدولى والزلزال الاقليمى – أكبر من أى حزب بمفرده، وأن الأمر يحتاج إلى تضافر جهود الجماعة الوطنية على اختلاف منطلقاتها وتوجهاتها، ويحتاج إلى استنهاض الامكانيات الهائلة الكامنة – والمهدرة – للمصريين العازفين عن المشاركة. ولعل مبادرات متواضعة وصغيرة مثل تلك التى جسدها برنامج "شارك" تنتشر وتتسع دوائر تأثيرها لتعيد الحياة إلى الاهتمام بالشأن العام الذى أصيبت شرايينه بالتصلب والانسداد سنوات وعقودا. فإذا لم يتحرك الجزء الناطق من الأمة الآن فى مواجهة هذا الاعصار الدولى وذاك الزلزال الاقليمى .. فمتى يتحرك إذن؟!
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من النعجة دوللى إلى الريان الجديد : الاستنساخ الممل!
-
قمة الكويت (6)
-
قمة الكويت (7)
-
الصحفى الذى لم يفقد عفته
-
بعد أفولها فى دافوس: الشمس تشرق على مدينة المانجو
-
قمة الكويت (1) .. الاقتصاد فى بئر النسيان
-
قمة الكويت (2) .. المدخل الإنتاجي بديلا عن المدخل التجاري ..
...
-
قمة الكويت(3) .. حقوق الإنسان .. والاقتصاد
-
جرس انذار .. صحافة الميكروباص .. وميكروباص الصحافة!
-
أخيراً .. بصيص من الأمل
-
إسرائيل تريد إلقاء مسئولية أمن غزة على »الناتو«.. وعبء الاقت
...
-
التحرر من الأوهام
-
التوافق الوطنى المفقود.. فى مواجهة زلزال غزة
-
مفارقات دبلوماسية!
-
إزالة آثار عدوان غزة
-
يا رجال الإعلام العرب.. اتحدوا
-
إعادة النظر فى كعكة «السلطة» المسمومة
-
نحن أفضل من أمريكا وأحسن من الغرب .. ولو كره الكافرون!
-
فقه الأولويات: إسرائيل هى العدو الآن .. يا عرب
-
فضيحة تغريم جابر عصفور
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|