أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - أبحث عن المدينة التي أعرفها














المزيد.....

أبحث عن المدينة التي أعرفها


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 2556 - 2009 / 2 / 13 - 09:34
المحور: الادب والفن
    


عندما كنت في الخامسة، كان لي بيت في مخيم الشابورة في رفح، أذكر رقمه وشكله وموقعه، أذكر مساحة الرمل في وسطه حيث كانت أختي تعلمني كيف أزرع الذرة، وغرفة جدي والحائط القصير الذي يفصلنا عن بيت عمي، جاء شارون بجرافاته عام 1971 وهدم مئات البيوت وصنع شارعاً عرضه 55 مترا وطوله 450 مترا، هذه المساحة كانت مليئة بالبيوت ولم يبق منها شيء، وبالتالي تفرق سكان الحارة بأولادهم الذين كنت قد بدأت بتكوين صداقاتي الصغيرة معهم.
مع الوقت بدأت معالم طفولتي بالاختفاء، محطة السكة الحديدية، شجرة الكينا الضخمة وأشياء من هذا القبيل، وظننت أن لا شيء يمكن أن يحدث في عمري الباقي سيحطم جزءاً من ذاكرتي كما فعل هدم بيتي وأنا في الخامسة.. حسناً، لقد كنت مخطئاً..
في عام 2004، وبعد العملية التي أسمتها إسرائيل قوس قزح، تغيرت معالم مدينة رفح مرة أخرى، فلم أعد أعرف الأمكنة والشوارع، كان حجم الدمار هائلا إلى درجة أنني وقد عملت مراقبا للأبنية في بلدية رفح لسبع سنوات، كنت أحفظ المدينة عن ظهر قلب، ورغم ذلك لم أستطع التعرف إلى المدينة التي أصبحت في أجزاء كبيرة منها عبارة عن آثار للدبابات والجرافات بعد أن زالت البيوت والمنشآت عن وجه الأرض بما فيها من ذكريات.
انتقلت للسكن في مدينة غزة عام 1997، وبدأت من جديد في التعرف على المدينة محاولا خلق صلة مع الجغرافيا، أحببت المدينة، كانت لي علاقة خاصة مع أماكن معينة فيها، وقد بدأت بالاعتياد على شوارعها وزواياها وأشجارها ومنشآتها ومقاهيها وباعة الفلافل والكباب في أسواقها القديمة وباعة التحف القديمة، وهنا ضربت إسرائيل الذاكرة مرة أخرى.
بعد "وقف إطلاق النار" خرجت لأمشي في الشوارع باحثاً عن المدينة التي أعرفها، وبمعنى آخر باحثاً عن جزء من ذاكرتي، لكني لم أجد غزة.
ربما لأن الشعر يركز دائما على الداخل أكثر مما يركز على الخارج، وجدت نفسي مدفوعاً لأن أكتب عن هذا النوع من الفقد الذي لم ينتبه إليه أحد وسط هذا الدم والدمار الهائلين.. فقد الذاكرة الجغرافية للمدن..
رأيت أشجار زيتون ميتة على الأرض، نخيل مقصوف، مآذن مكسورة، وبيوت لا يمكن استيضاح معالمها، أوراق من دفاتر أطفال، صور قديمة محترقة، أجزاء من ملابس كانت يوما لطفل أو لفتاة بألوان زاهية، رأيت سيارات بسُمك ورق اللعب بعد أن داست دبابة إسرائيلية عليها، رأيت نوافذ محترقة وشبابيك تطل على فراغ، رأيت عيوناً فارغة إلا من السؤال.. من سيعيد لنا ذكرياتنا؟
جميعنا لديه ذكريات مع الأمكنة، المدرسة الأولى، المكان الأول الذي قابلنا فيه فتاتنا الأولى، والشارع الذي حفرته أقدامنا مشياً لسبب ما، فماذا يحدث حين تختفي هذه الأماكن؟ ماذا يحدث لنا، وإذا أردت صياغة السؤال بشكل آخر: هل يختلف فقداننا لجزء من ذاكرتنا عن بتر عضو من أعضائنا؟
في المحصلة النهائية، يجب على الحياة أن تستمر، ولكن، بأي شكل يمكن للحياة أن تستمر بعد ما حدث في غزة؟
ربما أن هذه الحرب الوحيدة في التاريخ التي كان فيها شعب يذبح على مرأى من وسائل الإعلام، وبالنسبة للكثيرين ـ دون التطرق للأرقام ـ لم يعد مهما ما انتهت إليه الحرب بعد أن ماتوا، أو بعد أن فقدوا أطرافهم أو أصيبوا إصابات بالغة في أجسادهم أو في مشاعرهم بعد أن فقدوا أحبتهم جملة وتفصيلاً، ولا أعتقد أن فقد الأحبة يزيد عن فقد الأماكن التي كانت تجمعهم بأولئك الأحبة، وبالتالي فإن ما فقده الناس هنا في غزة يتعدى بكثير ما تناقلته شاشات الفضائيات لثلاثة أسابيع.
فهل ستشمل خطة إعادة إعمار غزة إعادة إعمار الذاكرة؟

website: http://www.khaledjuma.com



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وجوه أليفة
- معلمة الكمنجة
- فضة المكان
- ذاكرة قصيرة
- أبعد مما يحق لك
- المساء مساء
- كبرت وحدها
- الليل
- الريح في جنازة
- نصف قصيدة
- مرآة على الحائط المقابل
- عن اللغة
- الحواجز
- عن موت الإله الصغير
- فيلم قبل المونتاج
- الأعمى
- الكابوس
- إلا قليلا
- كما تتغير الخيول
- عن سيجارة في منفضة


المزيد.....




- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - أبحث عن المدينة التي أعرفها