|
قمة تونس تنوء بثقل احباطات الماضي وجسامة الحاضر
أحمد الناجي
الحوار المتمدن-العدد: 783 - 2004 / 3 / 24 - 07:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يعد يعني انعقاد القمة العربية أمراً ذا شأن بالنسبة للشارع العربي لأن انعقادها في الماضي درج على انتهاج الانتقائية، ولم يتعدى في معظم الأوقات كونه إسقاط فرض، يعقد في وقت الملمات، إبراء للذمم، وتسويق إعلامي محض لاستهلاك نقمة الجماهير وغضبها من استفحال واقعنا المتردي، بما فيها القمم الثلاثة الأخيرة التي تميزت عن سابقاتها بانتظام انعقادها بشكل دوري كل عام، ولكنها تفوقت عليها بالعجز والروتينية والرتابة بشكل عام، وبشكل خاص فشل اللحظات الأخيرة في عمان 2001 ، ومراء العناق والقبلات في بيروت 2002، والتلاسن حد توجيه الاتهامات بالعملنة في شرم الشيخ 2003. لم تستطع الجامعة العربية منذ إنشائها النهوض بأعباء ميثاقها في بلورة كل الرؤى الرسمية داخل كيانها كمؤسسة يفترض أن تتقدم مواقفها بخطوات عن مدى مواقف كل قطر من أعضائها، لتنهض بمهام تستوعب هموم الأمة مجتمعة، وتأخذ دورها في تحديد أولويات الأهداف وبالتالي توحيد آليات العمل العربي المشترك على مختلف الصعد لتحقيقها، لكنها بقت رهينة متاهات تلك المدايات الفوقية في كل ما تمثله من فكر واستبداد وتناقضات واختلافات بعيدة عن تطلعات وأمال الشارع العربي. عقدت أول قمة عربية في مصر (قمة انشاص) بالإسكندرية للفترة من 28 - 29 مايو/ أيار 1946، ضمت الدول السبع المؤسسة للجامعة العربية وهي مصر والسعودية واليمن والعراق والأردن وسوريا ولبنان، وقد توالى ألتام عقدها بعد ذلك التاريخ، إلا أن انتظامها كمؤسسة سياسية كان في عام 1964، تمخضت عنها بحدود(22) قمة بين عادية وطارئة، وأنهت أخر قمة في شرم الشيخ أعمالها في الأول من مارس/ أذار 2003، الذي جاء بيانها الختامي قاصرأ لا يلبي طموحات الشارع العربي، ولم تنصت لمطالب التظاهرات الواسعة المتزامنة مع فترة انعقادها متغاضية بسبب العجز عن إقرار بند، خامر الأحلام لا يجيز للدول العربية تقديم تسهيلات للعدوان على العراق. تمثل الجامعة العربية بكل كيانها انعكاس حقيقي للواقع العربي، فهي تعيش أزماته المختلفة، تتفاعل مع توازنات القوى المحلية والإقليمية والدولية، تستجيب لمتغيراتها، تنوء بكل ضغوطها، تتأثر بعوامل عديدة تفرضها الظروف الموضوعية تلك، وتشكل عللها الذاتية أيضا معوقات كبيرة في طريق عملها فهي تعاني من هيكلية تنظيمية محددة بقوالب معينة تكاد تكون جامدة، تحكم مجمل عملها بالروتينية النمطية في الأداء، ذلك ما يفرض عليها قيود قسرية تحد من آلياتها التنفيذية، وربما تنعدم في وقت ما، تتكأ مرغمة على مبدأ التسوية والتوافق في معالجة المستجدات، وكل القضايا والأمور التي تواجهها من خلال السعي في تقريب وجهات النظر لتسوية الخلافات أو النزاعات، وإذا تعذر ذلك ينحو الأمر باتجاه إصدار قرار سوف يحكمه توافق المصالح الضيقة التي يتمحور حولها ترتيب المواقف لاحقاً، دون الركون الى إقرار الحلول الناجعة التي تغني الأمة وشعوبها المقهورة خوض غمار ما يترتب عن المعالجة القاصرة من إفرازات، ستكون تراكماتها مع تقادم الزمن وبالا ينخر في جسد كيان الجامعة نفسها مثل ما نرى الآن في تقديم العديد من المشاريع المقترحة لإصلاحها، ويستحيل أيضا في جسد الأمة الى مواجهات جديدة تشكل بعد حين واقعاً مفروضاً أمام الجميع يصير بشكل تلقائي معضلات أخرى تضيف الى واقعنا العربي تحديات جديدة لم نستطع التخلص من قديمها الذي تشرذمت الأمة حوله وأمست ثوابتها قابلة للنقاش والطعن بسببه، فما بالك بجديدها الذي يحمل معه قيود العولمة، ومستجدات اقتصاديات السوق وآلياته، والتقدم المتسارع في علم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. لست بحاجة لسرد الكثير من الأمثلة حتى يتم ضبط الإيقاع مع مقدمتي الوجيزة التي أسلفت، ولكن مثال واحدا يغني عن بقية الأمثلة، وسأبتعد عن قضية فلسطين فهي مثال صارخ عن العجز وهزيمة متجددة لا يمكن تجاوزها، ولكنها صراع وخلاف مع غير العرب له خصوصيته وجذوره. لقد كانت معالجة الجامعة العربية لخلاف بين العرب أنفسهم هي الطامة الكبرى التي انسحبت بظلالها على موضوع فلسطين، تلك هي موضوعة الغزو العراقي للكويت، فقد أفصحت الأيام بكون تلك المعالجة قاصرة ومتسرعة، أسيرة للضغوط الأمريكية، لم تستطع مواجهة صلفها بغير الانبطاح لها، بل برعت في ذلك ببضع سويعات دون عناء في قمة القاهرة الطارئة المنعقدة بعد الغزو بأيام معدودة في أغسطس/ آب 1990، وهي بذلك شاركت، صاحب الخطوة الرعناء المسؤولية في تقديم شعب العراق قربانا لحصار دام أكثر من ثلاثة عشر سنة، وآلاف الأطنان من القنابل تجرعها العراقيون على مدنهم ورؤوسهم كل هذه المدة الطويلة، دمار وشهداء، كل ذلك نتيجة خطأ لا يتحملون جريرة ارتكابه، سعت الجامعة التليدة لتدويل الأمر بسبب عجزها والانجرار وراء الضغوط الأمريكية في عسكرة الحل، وهي بذالك لن تستطع التنصل مهما أرادت، شاءت أم أبت من شراكتها المسؤولية تلك، وكل ما آل اليه الوضع العربي من انقسام وتردي لم ينتهي بعد، بل تداعياته آخذه بالاتساع. سيذهب العرب بعد أيام معدودة الى تونس، من أجل عقد قمة جديدة تزيد من عدد القمم السابقة رقماً، مجلجلين بمراسيم التوديع والاستقبال المصحوبة بأنغام الموسيقى الرسمية، محملين بكل احباطاتهم وعلى رأسها فشل اجتماع وزراء خارجيتهم بالقاهرة على مدى أربعة أيام في الخروج بنتائج ملموسة للتحضير لأعمال هذه القمة، ليفترشوا أروقتها بملفاتهم العالقة منذ أمد، فلسطين الجرح الغائر، ستراتيجية السلام المتعثر مع إسرائيل، شجون العراق المحتل وتعقيداته، مصالحة السودانيين بعيداً عنهم بالقسر، واختلافاتهم في تعدد مبادرات إصلاح الجامعة العربية وتطويرها. تساؤلات عديدة ستفرضها الملفات المستجدة أيضا، ولا أظن نظارة خضار تونس الزاهي سيغطي يباس وهزالة معالجة القمة التي ستستضيفها لمعضلات هذه الأيام ما جادت به قريحة ستراتيجيات الإدارة الأمريكية الحالية، ومنها موضوعة الإصلاحات الديمقراطية داخل البلدان العربية، هذه النفثة التي جعلت البعض منهم يتنقل مسرعاً يستجدي مقترحات أقرانه من المهوسين بها، الكل سارح على هواه يلملم خططه المستقبلية لاستنباط المزيد من أدوات القمع المتحضر لشعبه المغلوب على أمره، ومواجهة مصدر الدعوة الذي يهابه بجد عن طيب خاطر، يلوك تصريحاته بالمتمته والتلكوء عاجزاً عن الاسترسال كالعادة، يتعذر بخصوصيته أحيانا وبأهوال المرحلة، ينوء بالبلاء القادم الجديد أيضا موضوعة الشرق الأوسط الكبير، هذا الحصان الجامح الذي أنفلت للتو من إدارة المحافظين الجدد الذي سيفرد لهم أفقاً متسعاً لتحقيق ما يبغون من مخططات في الأيام القادمة، والعرب المجتمعون في الربيع بين مروج تونس الخضراء وهواءها النقي سيجترون من أوراقهم السابقة، بيان ختامي، يصلح أن يكون مانشيت يتصدر الصفحات الأولى لجرائدهم الرسمية لا غير، يوجز المخاطر التي يرون، وتعقيد ظروف قمة تونس التي تنوء بثقل احباطات الماضي وجسامة الحاضر،لا ينسى أن يدغدغ المشاعر، يستنهض العواطف، يحسبونه تواصلاً ضمن أطر مسيرة النضال التي يقودونها، وهو بحق استمرار في مهازل التعمية والتمويه عن هزائمنا السابقة واللاحقة، ذلك هو هاجسي في استشراف حدث قادم لا ريب وأن لناظره قريب. أحمد الناجي العراق
#أحمد_الناجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التاسع من نيسان يوم أمريكي محض وقدرنا أنه حدث في العراق
-
صدام محطة مريرة لفظها العراقيون من ذاكرتهم ودفعوا ثمنها غالي
...
-
بغداد .. أي ذاكرة هذه التي تتوقد بعد كل هذه السنين
-
الدم ينتصر على السيف
المزيد.....
-
-45 ساعة من الفوضى-: مصادر تكشف لـCNN كواليس إلغاء قرار ترام
...
-
مستشار ترامب: يجب على مصر والأردن أن تقترحا حلا بديلا لنقل س
...
-
-الطريق سيكون طويلا جدا- لإعادة بناء غزة من الصفر
-
إدارة ترمب تسحب 50 مليون دولار استخدمت لـ-الواقي الذكري- في
...
-
أميركا نقلت صواريخ -باتريوت- من إسرائيل إلى أوكرانيا
-
-الشيوخ- الأميركي يعرقل مشروع قانون يعاقب -الجنائية الدولية-
...
-
مقتل العشرات بتدافع في مهرجان هندوسي ضخم بالهند
-
ترمب يأمر بتقييد إجراءات عمليات التحول الجنسي للقاصرين
-
دفع أميركي باتجاه وقف هجوم حركة -أم 23- على شرق الكونغو
-
توقيف رجل يشتبه في تخطيطه لقتل مسؤولين في إدارة ترمب
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|