|
اصول الفلسفة الماركسية ...الدرس الثاني والعشرون
جورج بوليتزر وجي بيس وموريس كافين
الحوار المتمدن-العدد: 2548 - 2009 / 2 / 5 - 10:13
المحور:
الارشيف الماركسي
الدولة 1 – الدولة و "المصلحة العامة" تقول عقيدة رجال السياسة البرجوازيين الدائمة عن الدولة بأن الدولة الجمهورية هي لخدمة المصلحة العامة. غير أن تجربة التاريخية تكذب هذه "النظرية"، إذ يكفي المواطنين أن يذكروا الحكومة بمتطلبات المصلحة العامة، كأن يعترضوا، مثلا، ضد إعادة تسليح النازيين، أو أن يحتفلوا بذكرى الاستيلاء على الباستيل، حتى يصطدموا بصفوف شرطة الدولة الجمهورية. وإذا أراد العمال الدفاع عن قوتهم، سواء كان في الصناعة الخاصة أم المصالح العامة وجدوا قمع الشرطة واستخدام الأسلحة على يد ممثلي الدولة الجمهورية. تستثني "المصلحة العامة" إذن في التطبيق العملية مصلحة البروليتاريا والطبقات الشعبية. إذ أن لهذه "المصلحة العامة" حدود طبقية! كما أن الدولة لم تعد قط المدافع عن "الشرعية". فلنفترض أن العمال قد أضربوا احتجاجا على خرق قانون العمل، ولكي يحافظوا على المبدأ الشرعي القائل: "لكل عمل أجرة"، وأنهم طالبوا بمساندة السلطات العمومية لهم، لحماية هذه الوسيلة الدستورية، التي هي الإضراب، ضد خرق الشرعية على يد صاحب العمل. لا حاجة إلى التساؤل عن موقف الشرطة منهم، مع أن السلطات العمومية هي، في المبدأ لخدمة القانون! كما أن عدم تطبيق قانون الموظفين يدل على أن الدولة تضع نفسها فوق القانون بعد إقراره بالإجماع! غير أن الدولة، في بعض الظروف التاريخية، تصبح في خدمة المصلحة العامة. وهذا شأن الاتحاد السوفياتي. وهكذا تكون الدولة تارة في خدمة وتارة لا تكون كذلك . يجب إذن أن نخلص على القول بأن المعيار الذي تقاس به المصلحة العامة ليس معيارا علميان فهناك البعض الذين يجدون من مصلحتهم أن يحددوا الدولة بصورة مناقضة للعلم. وهكذا مر زمن وقامت بلاد كانت فيهما الدولة شيئاً خارقاً للطبيعة: كضرب من القوة يمكن للإنسانية أن تعيش بدونها، تحمل إلى الناس شيئاً لا يصدر عن الإنسان، تلك كانت دولة الحق الإلهي، كما كان الحال أيضاً في البلاد اليابان، في عهد الميكادو المطلق. أما هتلر فكان يقول: ألله معنا". كما أننا نعلم، منذ عهد ترومان وايزنهاور، أن البيت الأبيض يمثل العناية الإلهية على الأرض، وهذا من شأنه أن يسيء إلى العناية الإلهية في نظر المؤمنين! كانت الدولة، لأمد طويل، كما ستظل بالنسبة لكثير من الناس، موضع "احترام خرافي". ومن هنا نشأ الضيق عند تحديدها. إذ أن مسألة الدولة تخلط في أغلب الأحيان بالمسألة الدينية. حتى أن أوجوست كومت، ذا النزعة الموضوعية نفسه، الذي كان يتبجح بأنه قد نفض يديه من كل ما هو خارق للعادة، قد ربط "السلطة الزمنية"، في المجتمع، "بالسلطة الروحية". إذ أنه حينما تعلم كنيسة من الكنائس أن السلطة هي حق الهي، فإن هذا يدل، عادة، على عبودية تامة أمام الدولة. مثال ذلك إسبانيا في عهد فرنكو. فلقد لقنت الكنائس تابعها احترام الدولة دينيا. ولهذا كانت الصعوبات، التي نلقاها، لنفهم جيداً مسألة الدولة، ترجع أصولها إلى بقايا النزعة المثالية الدينية. أفلست، في فرنسا مثلا، منذ زمن بعيد، نظرية الحق الإلهي. وهناك كثير من العلمانيين الذين يعتقدون بأنهم في منجى من كل عدوى فكرية من هذه الناحية، فالدولة، بالنسبة إليهم وبالنسبة للرسميين، تجلي المصلحة العامة. وهو تجل غريب! فالدولة فوق الطبقات، والمصالح الخاصة، والأحزاب، كما يقولون، غير أن الدولة إذا كانت فوق النضال الطبقي، أي إذا كانت مؤسسة للتوفيق بين الطبقات، يتضح من ذلك أن الدولة لا يمكن أن تتولد من المجتمع نفسه، بل هي تتولد من مصدر فوق المجتمع، فإذا لم يكن ذلك المصدر هو الله فأنه سيكون الروح! وهكذا ليست فرضية المصلحين سوى صبغ نظرية القرون الوسطى عن الحق الآلهي بصبغة علمانية، تلك هي النزعة المثالية الساذجة، التي هي صورة لبقة عن الديانة. يجد الاشتراكيون، هنا، وزعما الحركة الجمهورية الشعبية والرجعيون من كل نوع، مجالا للتفاهم: ألا وهي سيطرة "الروح"، والنزعة المثالية عن الدولة، التي ترتكب بأسمها الجرائم الدامية ضد الشعب، كما تنتهك العدالة فيطلق سراح مجرمي الحرب. فإذا كانت الدولة حقا تجسدا "للروح" فأنها تجسد للروح البرجوازية" والأفكار البرجوازية! أعلن وزير خارجية الدولة الأميركية فوستر دالس، في حديثه عن مخطط الولايات المتحدة الذري، بأنه يتمنى "أن تقوم النزعة المثالية بالأشراف على القوة الهامة الكامنة في المادة". غير أن موقعي نداء ستوكهولم قد زج بهم في السجون في الولايات المتحدة! كانت مسألة الدولة، خلال تاريخ الفلسفة، ومسألة استغلال الطبقات، من أكثر المسألة تعقيدا. ذلك لأنها كما يقول، لينين، تمس، أكثر من أية مسألة أخرى، مصالح الطبقات السائدة. والماركسية اللينينية هي الوحيدة التي تسمح لنفسها بالموضوعية فيما يتعلق بهذه المسالة. لهذه المسالة أهمية خاصة بالنسبة للبروليتاريا، في المرحلة التي تتحول فيها الرأسمالية الاحتكارية. إذ يصبح العمال، عندئذ، مضطهدين مباشرة على أنهم منتجون "وليس فقط كمواطنين" على يد الدول التي ترتبط أكثر فأكثر بالفئات الرأسمالية القوية، فتصبح البلاد الرأسمالية، في الاقتصاد الحربي - منذ وقت السلم – معسكرات حربية للعمال. فتواجه البروليتاريا في نضالها – الاقتصادي – من أجل الخبز، مسألة والمسألة السياسية. بينما تتعلل البرجوازي، على العكس، بالحرب للقضاء على منظمات البروليتاريا للنضال الاقتصادي ألا وهي النقابات كما حدث عام 1939 – 1940. كتب لينين يقول: يصبح لمسألة الدولة، في الوقت الذي تنتصر فيه الثورة في بعض البلاد، كما تزداد فيه حدة النضال ضد الرأسمال العالمي، أهمية كبرى وتصبح أشد المسائل خطورة، ومحط جميع المسائل وكل المناقشات السياسية المعاصرة .
2 – الدولة ثمرة تعارضات الطبقات المتنازعة دلتنا دراسة النزعة المادية، ولا سيما في الدرس الثاني عشر، على أن الدولة لا يمكن أن تأتي من خارج المجتمع، من "الروح" أو من "الله". كما يشير المنهج الجدلي، من ناحية ثانية، إلى أنه يجب دراسة الدولة، في نموها، بصورة تاريخية. غير أن كل هذا يظل كلاما عاما جدا. كما يدعي علماء الاجتماع الوضعيون البرجوازيون أنهم يعالجون، أيضاً، مسألة الدولة بصورة علمية: فهم يعتقدون أن تعقد الحياة الاجتماعية المستمر، وانتقال فئات صغيرة من الناس المنعزلين إلى مجتمعات أضخم، و "تنوع الوظائف الاجتماعية" مما يجعل الدولة ضرورية. وهكذا تكون الدولة نظام المجتمع العصبي. إذ كلما تعقد الجسم كلما ازداد دور الدماغ. فتؤدي الدولة "مهمة التنظيم" في المجتمع، وسنرى ماذا يجب أن نعتمد بهذا الصدد. ا-أصل الدولة أول ما يجب أن ننظر إليه هو أن الدولة لم توجد دائما. لم يكن يوجد، في عصر المجتمع البدائي، حين كان الناس يعيشون أحياء وقبائل وعائلات يسيطر فيها الأب أو الأم ، جهاز خاص لممارسة السلطة بصورة منظمة. ومثل هذا الجهاز هو ما يسمى بالدولة. لا شك أنه كانت توجد عادات وتقاليد مثل سلطة الرئيس واحترامه واحترام سلطانه، وكذلك احترام سلطة النساء، غير أنه لم يكن يوجد قط رجال همهم الوحيد حكم الآخرين، ولهذا يسيطرون على القوة المسلحة باستمرار. هل يجب أن نستنتج من ذلك أنه لم يكن يوجد نظام ولا تنظيم في العمل؟ كلا. لأن قوة العادة والتقاليد، وسلطة القدماء أو النساء، والاحترام الطبيعي كان يكفي. ومع ذلك وجدت الأسلحة. إذ ما كانت توجد الأدوات أي ما كاد الإنسان يظهر، حتى وجدت، طبعا، إمكانية استخدامها كأسلحة. لأن العمل هو "اعتداء" على الطبيعة يتضمن إمكانية الاعتداء على الإنسان. ولم تكن هذه الأسلحة مع ذلك، تمثل أي خطر على المجتمع. إذ أن رجال القبيلة المسلحين لم يكونوا يوجهون أسلحتهم هذه بعضهم ضد البعض. كانت الأفكار السائدة في المجتمع البدائي، الذي تحدثنا عنه بعض الشيء في الدرس السابع عشر، "المسالة"1"، تكفي لتنظيم الحياة الاجتماعية، حتى إذا ما فكر بعض الأفراد في الخروج على القاعدة المتبعة، كانوا يحملون على العودة لاحترام النظام بتأثير عمل الرجال المسلحين الجماعي. ولم يكن هناك أي شخص مختص بهذه المهمة لعدم وجود الدولة. فلماذا لا يمكن، اليوم، تأمين القيام "بوظيفة التنظيم" الغالية على نفوس علماء الاجتماع، كما حدث في الزمن الغابر، بواسطة تنظيم الشعب التلقائي، فيقوم بتأمين النظام في العمل وفي الحياة الاجتماعية، وبواسطة مركز لتخطيط النشاط الاقتصادي يشرف عليه هذا التنظيم؟ أم هل يكون العصر الذهبي الذي تحدثت عنه الخرافة القديمة قد ولى أثر الخطيئة الأصلية؟ نلاحظ أن الاحترام القديم، لم يعد في وقت من أوقات التاريخ، كافيا للمحافظة على نظام العمل. فأصبح من الضروري الاستعاضة عن قوة العادة والتقاليد وعن السلطة القائمة على التجربة بقوة خاصة طبيعية تمارس الجبر وتوحي بالخوف. ومست الضرورة لإنشاء احتكار للأسلحة واستخدامها لمصلحة فريق من الناس رفعوا إلى مركز خاص أو تميزوا عن سائر الناس. فلماذا فرضت هذه التغييرات نفسها؟ تلك هي المسألة الحقيقية التي يهمل علماء الاجتماع معالجتها. إذ أنه إذا كان الاحترام القديم للسلطة الطبيعية قد زال، وإذا كان تنظيم الشعب التلقائي المسلح قد أصبح خطراً فحرم استخدامه، فما ذلك ألا لأن التعاون في العمل قد انتهى، وحل محل علاقات الإنتاج القائمة على الملكية المشتركة علاقات جديدة للإنتاج قائمة على الملكية الخاصة واستغلال الإنسان للإنسان. فالنزعة المادية التاريخية هي الوحيدة، إذن، التي تستطيع الإجابة علميا على مسألة أصل الدولة. وهكذا ندرك تماما كيف أن السلطة القديمة القائمة على الاحترام الطبيعي قد انهارت يوم أن بدأ استغلال الإنسان للإنسان، وحلت محلها السلطة القائمة على الخوف. ومنذ ذلك اليوم توقف تنظيم جميع السكان التلقائي بالأسلحة، لأن أسرى الحرب قد جردوا من سلاحهم بعد أن أصبحوا أرقاء. ولم يعد يملك السلاح سوى الأسياد الذين يملكون وسائل الإنتاج. ولهذا نرى في هذه الأيام، في البلاد الخاضعة للاستعمار، في مدغشقر، وتونس، ومراكش، والجزائر الخ. المستعمرين يتسلحون بأنفسهم ضد الرقيق المستعمرين . ولم تقبل قط القبائل التي تقدس الأب أو الأم، من تلقائها، الرق. ولم يرض العبيد قط أن يساقوا إلى أسواق النخاسة. ولهذا وجب اكراه الرقيق للحصول على العمل المرجو منهم. يضاف إلى ذلك أنه إذا أراد الأسياد ضمان الاستقرار الضروري لكل إنتاج في النظام الاجتماعي، كان من المناسب إقناع الرقيق أن مثل هذا النظام عادل، وأنه يمثل الاستقرار، كما وجب وضع القواعد التي لا تنتهك لتحديد سلوك الناس في علاقاتهم الاجتماعية، مما يضفي الخلود على علاقات الإنتاج الجديدة. وهكذا تولدت الفكرة الميتافيزيقية عن حق الأسياد المطلق على رقيقهم، تلك الفكرة التي نشأت من حق المنتصر القديم على المقهورين. وأصبح من الضروري – لتمثيل مصلحة طبقة الأسياد كطبقة مستقلة عن إرادة الأفراد الذين يؤلفونها – إقامة القوانين التي تحدد واجبات المستغلين وحقوق المستغلين. وتكون هذه القوانين أساس الاضطهاد، كما تضمن له تحققا غير مشروط، بعيداً عن "أطوار" نضال الطبقات وعدم استقرار القوة المؤقت. وهكذا يمكن التعويض عن ضعف قوة الطبقة السائدة المادي لعابر بالخوف من القوانين. كما كان يجب أن تحترم هذه القوانين لذاتها. ولقد أشار مفكر قديم هو كريتياس (Critas) إلى أن الناس قد سنوا قوانين لنشر العدالة، لم تبلغ هدفها سوى جزئياً. وكانت هذه القوانين تمنع من ارتكاب الظلم علنا، ولكنها لم تمنع ارتكاب بالخفية. وهنا فكر حكيم مجرب بأن يوحي إلى الناس خشية الآلهة التي تعلم كل شيء. حتى إذا ما أقنعهم أنه حتى أسوأ المشاريع التي تحاك في السر تعلمها الآلهة أيضاً، كف خرق هذه القوانين . يعكس قول كريتياس حقيقة عميقة: أصبح للآلهة التي كانت المخيلة الإنسانية تفسر بها قوى الطبيعة وتقلب المصير، وظيفة جديدة بظهور الطبقات: إذ أصبحت هذه الآلهة قائمة على حفظ النظام الاجتماعي، والضامنة للفروق الطبقية، والقضاء الذين يحاكمون المضطهدين في الآخرة، وأن كان هؤلاء القضاء شركاء الظالمين المضطهدين. ويقوم هؤلاء المضطهدين بتلقين الشعب الخوف من الآلهة، ويؤكدون الخرافة القائلة بأنهم على اتصال غريب بهذه الآلهة. وهكذا يتم الحق – القوة ويكرسها، كما أن الذين يتم الحق ويكرسه. فإذا ما نمت طريقة الإنتاج الذي يعتمد على الرقيق وقام مجتمع الرقيق، وحملت الخرافات والأوهام الرقيق على الطاعة فأصبحت لهم بفضل اعتيادهم على العبودية، كما يقول روسو، عقلية الرقيق، قامت شراذم خاصة من رجال المسلحين، فكان منها رجال الشرطة المكلفون بمعاقبة الأرقاء الفارين، وحل هؤلاء الرجال المسلحون محل تسلح الملاك الدائم. ومع ذلك لم يتخل قط الملاك عن حقه في أن يكون له حرسه الخاص المسلح. وهكذا نرى، اليوم، كبار الرأسماليين الأميركان لهم شرطتهم الخاصة في أماكن الاستغلال القطنية والزراعية. ينتج، إذن، من استعراض الوقائع التاريخية، أن الدولة، في جميع المجتمعات الطبقية المتناحرة، تصبح جهازاً لحكم المستغلين، خرج من المجتمع الإنساني ثم تميز عنه تدريجيا. وهو يفترض وجود فئة خاصة من الناس، وهم رجال السياسة، همهم الوحيد الحكم، ولهذا يستخدمون جهازا وضع "لإخضاع أرادة الآخرين للقوة .". ويحتوي هذا الجهاز على الشرطة والجيش الدائم، والسجون والمحاكم، يضاف إلى ذلك أجهزة الضغط الفكري: وهي التعليم والصحافة والإذاعة، الخ.. ومجمل القول: 1 - لم توجد الدولة دائماً. 2– لا يظهر جهاز الدولة إلا في المكان والزمان اللذين يظهر فيهما، في المجتمع، تقسيم المجتمع إلى طبقات متناحرة، كما يظهر الاستغلال الطبقي. كتب انجلز يقول: ليست الدولة، إذن، سلطة فرضت من الخارج على المجتمع، وليست هي "حقيقة الفكرة الأخلاقية"، أو "صورة حقيقة العقل"، كما يدعي هيجل. بل هي ثمرة المجتمع في مرحلة معينة من نموه، وهي الدليل على أن هذا المجتمع يتخبط في تناقض مع نفسه يستعصي على الحل، بعد أن أنقسم إلى أضداد لا يمكن التوفيق بينما ويعجز عن السيطرة عليها، ولهذا مست الحاجة، كي لا تفني الأضداد، وهي الطبقات ذات المصالح الاقتصادية المتعارضة، والتي هي في نضال مجدب مع المجتمع، إلى سلطة، تنمو في الظاهر على المجتمع، لتغطية النزاع وحصره ضمن حدود "النظام"، وهذه السلطة التي ولدت من المجتمع، ولكنها تسمو عليه وتصبح غريبة عنه، هي الدولة . وقد اختصر لينين في صيغة موجزة النظرة العلمية لأصل الدولة، قال: الدولة هي ثمرة التعارضات الطبقية المتناحرة ومظهره ا يجب إذن، كي ندرك أصل الدولة، أن ننظر في قوانين الإنتاج الموضوعية، التي تولد، في مرحلة من مراحل نمو قوى الإنتاج، الملكية الخاصة واستغلال الإنسان للإنسان، وبالتالي ضرورة توطيد دعائم هذه الملكية الخاصة. الدول، إذن هي نتيجة تاريخية ضرورية لنمو المجتمع الاقتصادي، وهي لا تفسر قط "بالخطيئة الأصلية" و "الأرادة الآلهية" والفكرة الأخلاقية" و "ووظيفة التنظيم". وهذا ما لا يفهمه الفوضويون، أسرى النزعة المثالية على المستوى النظري. وكما أن أنصار الدولة البرجوازية يدعون بأن الدولة ضرورية لحصر رداءة الإنسان وخبثه الأصليين، وكذلك يرى الفوضويون في الدولة ثمرة قوة شريرة، وغريزة السيطرة". فهم يفصلون الدولة عن أساسها الطبقي، ويعتبرونها قوة مستقلة تعمل لمصلحة الذين يتوصلون إلى السيطرة والاستيلاء عليها. فهم ينكرون أصل الدولة التاريخي وضرورة ظهورها الموضوعية في فترة معينة. يؤدي ذلك إلى نتيجة مهمة على المستوى العملي: إذ يفصل الفوضويون النضال ضد الدولة البرجوازية عن النضال الطبقي والنضال الشعبي. فهم يقيمون في وجه الدولة – في – ذاتها الفرد، ويدعون إلى طريقة في النضال تقوم الأعمال الفردية. فتكون النتيجة السياسية لذلك أن تصبح الفوضوية سريعاً تعلة سهلة لعملاء البرجوازية المشاغبين في الحركة العمالية. كما تؤدي، من جهة ثانية، المعارضة الفوضوية للدولة – في – ذاتها، أي معارضة الفرد والجماهير، إلى معاداة السلطة الاشتراكية وهي سلطة العمال والفلاحين. فتكون النتيجة السياسية لذلك أن تستخدم الفوضوية كتعلة للإرهاب المناهض للسوفيات. وهكذا تلتقي، بالرغم من الظواهر، "نظريات" المؤرخين البرجوازيين الذين يرون، في حرب 1914، مثلا، نتيجة "لإرادة القوة في الدولة"، والتغني" بالثورة من أجل الثورة في كتاب "كامو" "الإنسان الثائر" المناهض للسوفيات. ولنشر مع ذلك، إلى أن هذا التقديس الذي يجعل من الدولة قوة قائمة بنفسها، وتجسيدا "للفكرة"، كما تقول الفكرة الخاطئة المثالية، يعتمد على ميزة خاصة أشار إليها انجلز في النص المذكور أعلاه. ولنذكر أن قوة الدولة المادية، لوحدها، لا تكفي. وهذا ما برهنت عليه جميع الثورات الكبرى. فقد أثارت، في وضح النهار، مشكلة العلاقات بين "شراذم الرجال المسلحين الخاصة" وبين تنظيم الشعب بالسلاح من تلقاء نفسه". فدلت على أن نهاية النضال -، في مثل تلك الحال، سريعة وليست في صالح الطبقة المستغلة. إما إذا كانت قوة الدولة، على العكس، يساندها قسم من الشعب، فإن التاريخ يدلنا على الحروب الأهلية التي يحوم الشك حول نهايتها. وهذا يعني أنه إذا اعتبر المستغلون الدولة كما هي، أي أداة لاستبعادهم، فإن هذا يزعزع سيطرة المستغلين بصورة خطيرة. لا يحتاج هؤلاء المستغلون، إذن، لسلطان جهاز الدولة فقط بل إلى أظهار هذا الجهاز على أنه جهاز الدولة الأسمى، وإلى إثارة الخوف منه. يجب أن تضع الدولة نفسها، في الظاهر، فوق المجتمع، وفوق ألوان النضال الاجتماعي. كما يجب أن تبتعد أكثر فأكثر عن المجتمع، وأن تحيط نفسها بهالة من الأسرار، فتبدو كأنها قوة سماوية تحلق فوق جبل من الغيوم والبروق، يركع أمامها كل الناس. وفي كل مرة يحدث فيها مثل ذلك، تقوم الطبقات السائدة بتأييد رئيس الدولة. حتى إذا لم يعد ذلك ممكنا تعللت "بالمصلحة العامة" الغريبة التي لا يدركها عقل عامة الناس! ذلك هو عماد النظريات المثالية عن الدولة. ويدل الحاح الطبقات السائدة على تصوير الدولة كأنها تجسيد قوة عليا، على أن هذه الطبقات تعلم جيداً أن قوة الدولة الحقيقية إنما تقوم على دعم الرأي العام لها وعلى ما لها من رصيد أمام الجماهير وما تتمتع به من ثقة، أي أن قوة الدولة تقوم على أفكار. ولنستمع إلى "لانييل" الرأسمالي ورئيس الحكومة، كيف خاطب المضربين في آب سنة 1953: "علي أن أخاطبكم الآن بلغة الدولة، لأن الدولة، والدولة وحدها، هي التي يجب أن تحكم في الخصومات بين المصالح الخاصة، في الديمقراطية". وهكذا تصبح مصالح الرأسمالي "لانييل" الخاصة هي التي تدافع عنها الدولة. وهو يعترف بذلك في دعوته إلى "تحكم" الدولة. أولا تعبر مطالب ملايين العمال المشروعة إلا عن مصالح خاصة، كما لو أن مصلحة الذين يعملون ليست أصدق تعبير عن المصلحة العامة. يبحث "لانييل" في قلبه لعناصر المشكلة، عن مساندة الجماهير له أو قسم منها، لأنه بدون هذه المساندة لا يمكن أن يستمر حكم الطبقة السائدة. ولهذا كان من ضروري أن تدافع الدولة الرأسمالية عن مصالح الرأسماليين الخاصة باسم المصلحة العامة، ولكي تكف الجماهير عن مساندة الدولة البرجوازية يجب شيئان: 1 – أن تدرك هذه الجماهير أن "المصالحة العامة" المزعومة التي تدافع عنها الدولة ليست ألا مصلحة الرأسماليين. 2 – أن تفهم أن مصلحة الرأسماليين لم تعد، منذ أمد طويل، تتفق مع مصلحة الأمة. ب – مهمة الدولة التاريخية تحدثنا عن مهمة الدولة في حديثنا عن أصلها. هذا ما تطلبه الجدلية لأن الدولة ولدت، على التحقيق، لمواجهة مشكلة ظهرت في المجتمع، ولكي تقوي سيطرة المستغلين الاجتماعية، ونظام الملكية الذي يضمن لهم امتيازاتهم. الدولة هي انعكاس الأساس الاقتصادي، ولكنه ليس انعكاساً سلبياً، بل هو انعكاس فعال. ولهذا كان من المفيد، كما هو الحال في دراسة الأفكار في الحياة الاجتماعية، أن لا نخلط مهمة الدولة وأصلها دون أن نفصل بينهما. ذلك لأن الدولة، فيما يتعلق بالأصل، مشتقة بالنسبة للاقتصاد، ولكنها فيما بالمهمة، فإن هناك حالات تصبح فيها أهمية الدولة أساسية، لها أثر فعال. ولهذا لا يجب أن يؤدي القول بأن الدولة هي انعكاس للاقتصاد.إلى التقليل من قيمة تأثيره على الإقتصاد. يقول انجلز أن مهمة الدولة هي "تخفيف النزاع بين الطبقات" وأن تحصر هذا النزاع ضمن "حدود النظام" ولا يعني هذا، كما دلل لينين، أن الدولة هي منظمة للتوفيق بين الطبقات بل هذا العكس! فلو أن "التوفيق بين الطبقات" كان ممكنا، لم تمسس الحاجة قط إلى الدولة. ويعني القول: "تخفيف النزاع بين الطبقات" تخفيف حدة هذا النزاع، أي حرمان الطبقات المستغلة من وسائل النضال التي تسمح لها بالتخلص من مستغليها. نحن هنا، إذن، أمام كتم نضال الطبقات المستغلة. وكيف يكون ذلك؟ بترك الميدان أمام عمل المستغلين، وبتوسيع الاضطهاد وتنميته وتقويته، ولا سيما عندما لم تعد علاقات الإنتاج تتفق وحال قو الإنتاج. ذلك هو مأزق الطبقات الرجعية: ملء السجون "لترتاح" ونزيد من ملء السجون أيضاً حتى تقضي على الخوف الذي نثيره فيها السجون الملأى! ذلك هو "النظام" و "السلام"في نظرها، هو نظام يجعل الاضطهاد شرعياً، وقد أقيم هذا "النظام" لتوطيد الاضطهاد فإذا به يزعزعه. فيؤدي تخفيف النزاع إلى زيادة خطورته . والخلاصة أن الدولة، حسب رأي ماركس، هي منظمة للسيطرة الطبقية، ولاضطهاد طبقة على يد طبقة أخرى . تمثل الدولة القوة القائمة المنظمة الشرعية. وهي أداةلا للتوفيق بل للنضال الطبقي. وهنا يخطر لنا سؤال وهو: من هي الطبقة التي تستطيع في كل مرحلة من مراحل النمو التاريخي، إيجاد هذه الأداة وتغذيتها واستخدامها؟ كل طبقة مستغلة بحاجة للدولة ولكنها لا تستطيع تغذيتها دائماً. يجيب انجلز على ذلك بقوله أنه لما كانت الدولة قد ولدت من الحاجة إلى لجم تعارضات الطبقات، وكما أنها ولدت وسط نزاع الطبقات، فهي دولة الطبقة الأقوى، تلك التي تسيطر من ناحية الاقتصادية والتي تصبح بفضل هذه السيطرة الاقتصادية الطبقة المسيطرة سياسياً، فتحصل بذلك على وسائل جديد لكبت الطبقة المضطهدة واستغلالها . على العلم التاريخي، إذن، في كل مرحلة، أن يجيب بجواب محسوس. مثال: الدولة الحديثة بحاجة إلى مصروفات تنفق على الجيش والشرطة والموظفين. ولا تستطيع الطبقة السائدة أن تحتفظ بهذه الأداة واستخدمها إلا بقدر ما تسمح علاقات الإنتاج التي تمثلها، والتي تريد إنقاذها، بالصرف عليها، ولهذا كانت الطبقة المسيطرة سياسيا هي الطبقة المسيطرة اقتصاديا. ومن هنا كانت بعض النتائج: 1 – حين تبلغ طبقتان متناحرتان شيئاً من الاتزان من الناحية الاقتصادية، يمكن للدولة أن تتمتع، بعض الوقت، بشبه من الاستقلال نحو هاتين الطبقتين. كانت تبدو ملكية لويس الرابع عشر المطلقة أنها تستطيع أن تكون الحكم بين الإقطاعيين المستغلين للرقيق وبين البرجوازيين، فكان الملك يمكنه القول: "الدولة أنا". وكان هذا يعني، في الواقع، أنه قد أصبح للبرجوازيين بعض التأثير في الدولة الإقطاعية لأنهم كانوا يصرفون عليها، ولأنهم كانوا يقرضون الملك المال، ولكنهم، مقابل ذلك، لم يكونوا يستطيعون، بدون حماية الدولة الإقطاعية، تنمية التجارة والصناعة اليدوية، و هكذا حصل البرجوازيون, مقابل دعمهم المالي للنظام الإقطاعي، على امتيازات تجارية حملت في أحشائها بذرة نهاية النظام الإقطاعي!و قد اتخذ النضال بين الطبقتين المستغلين، في ذلك الوقت، طابع حاجة كل منهما للأخرى، وكان الحال في سنة 1789، بعد مضي قرن يختلف عن ذلك.فقد أصبحت البرجوازية مسيطرة اقتصاديا فقطعت الأرزاق عن الدولة الاقطاعية، وعملت على إسقاطها. ولا يجب أن ننسى، مع ذلك، أن التفاهم الموقت بين النبلاء والبرجوازيين كان دائما يتم على ظهر الفلاحين وهم الطبقة المستغلة. 2 – الدولة، بين يدي الطبقة المستغلة، هي وسيلة إضافية لاستغلال الطبقات المضطهدة. ولهذا كانت الضرائب، والجزاوات، ومصاريف العدالة، الخ... وسائل لحمل المضطهدين على دفع مصاريف اضطهادهم، في صورة مشاركة في مصاريف المجتمع العامة. ويتضح هذا أكثر في أيامنا حيث نرى ميزانية فرنسا الحربية الضخمة تعني أن الأمة تدفع مصاريف حرب (حرب الفيتنام ) وتسلح (ضمن نطاق ميثاق الأطلنطي الإعتدائي) كل ذلك لمصلحة البرجوازية المستعمرة وحدها. كما أن الشعب هو الذي يدفع أجور الشرطة التي تنهال عليه بالعصي باسم المصلحة العامة. وهكذا تضرب الدولة العمال "لمصلحتهم".... وعلى نفقتهم! ومع ذلك لا يمكن لهذا الاستغلال الإضافي أن يكون ألا في دولة الطبقات المستغلة وينتج عن الاستغلال نفسه. ليس الاستغلال، على عكس ما كان يعتقد بلنكي الضريبة بل هو الاستملاك الخاص للعمل غير المدفوع أجره. 3 – تبدأ الطبقة الحاكمة بالخوف على سيطرتها السياسية متى ما أصبت علاقات الإنتاج التي تمثلها، والتي أصبحت بفضلها مسيطرة اقتصاديا، قديمة، أي حين يظهر الخلاف بين علاقات الإنتاج وطابع قوى الإنتاج. حتى إذا ما تفاقم هذا الخلاف نشأت مشكلة الدولة بصورة حادة. وتظهر عندئذ الإمكانية المادية على سلطة الدولة قد أفلتت من أيدي الطبقة المسيطرة. ولهذا فنحن حين نتحدث عن الطبقة الأقوى اقتصادياً فلا يجب أن يفهم هذا القول بصورة تخطيطية. فالطبقة "الأقوى" هي الطبقة التي تستطيع أن تدفع بنمو قوى الإنتاج إلى الأمام، والتي تمثل علاقات الإنتاج الجديدة. حتى إذا لم تعد البرجوازية تستطيع تنمية قوى الإنتاج لم يعد بالإمكان القول بأنها "قوية" اقتصادياً، كما لم يعد بالإمكان القول أن اقتصاد الرأسمالي، الذي يسيطر على المجتمع، سليم. بل هو، على العكس، اقتصاد منحط، وهذا يعني أن سيطرة البرجوازية الاقتصادية أو السياسية تقارب نهايتها. غير أنه يظهر عندئذ، في وضح النهار، تأثير الدولة على الاقتصاد. إذ لا تقف الدولة موقفا سلبيا أمام المصير الذي تردى فيه أساسها بل هي تقف موقفا فعالا فتدافع عنه بشدة. حين تكون علاقات الإنتاج متفقة مع طابع قوى الإنتاج تسعى سياسة الطبقة الحاكمة، التي تمثل هذه العلاقات، إلى نمو الإنتاج وتوسيع الصناعة، مثال ذلك نضال البروليتاريا من أجل التبادل الحر. حتى إذا لم تعد علاقات الإنتاج تتفق وطابع قوى الإنتاج، فإن سياسة الطبقات المستغلة الاقتصادية تسعى إلى تعطيل عمل قانون الترابط الضروري، وذلك باتخاذ إجراءات تعيق نمو قوى الإنتاج. وهكذا حاول رأس المال، في مرحلة انحطاط الرأسمالية، وهو المشرف على الدولة التي لم تكن سوى أداة بين يديه، أن يحل مشكلة الرأسمالية الاقتصادية بصورة تتفق ومصالحة، مضحياً من أجل ذلك بمصالح الأمة. فإذا بالدولة، وهي التابعة للاحتكارات، تحاول أن تسيطر على الحياة الاقتصادية، وليس ذلك لإمكانية تخطيط "الرأسمالية" بل من أجل حماية مصالح الأوليجاوشية المالية، وقد استولت هذه على فوائد ضخمة. فالدولة التي تشرف عليها تضمن لها احتكار إصدار عملة الدولة، كما أن الدولة تكلفها بإعداد التسلح وتقديم العدد الحربية كما تعفيها من الضرائب، وتحدد لمصلحتها أسعار الجملة والمفرق، وتبيعها بثمن بخس منتوجات الصناعة المأممة (الكهرباء والفحم)، وتتخذ الإجراءات للقضاء على منافسها، وتمدها بالإعانات،و تتلاعب بالعملة، وتفاوض لحسابها مع البلدان الأخرى، وأخيراً تحدد الأجور كما تريد، حتى أن كل بروليتاري يصطدم بالدولة في طريقة خلال نضاله من أجل العيش. تهتدي الدول، في عصر الاستعمار، في عملها، بضرورة انقاذ الرأسمالية ولا سيما تأخير ساعة الأزمة الاقتصادية. الدولة هي الأداة الرئيسية لخراب غالبية سكان البلاد وإفقارهم واستبعاد البلاد المستعمرة ونهبها بصورة منظمة، ونضال الرأسماليين المحتكرين ضد الرأسماليين غير المحتكرين، وهي أخيرا أداة النضال بين المستعمرين الألداء، ووسيلة للحروب وإخضاع الاقتصاد القومي للتسلح. ولكي تستطيع الدولة القيام بكل هذه الأعباء تظل لاضطهاد البروليتاريا والطبقات العاملة. وهكذا تصبح الدولة سداً يحمي الطبقة المستغلة، وهي تقوم بدور فعال للدفاع عن طريق الإنتاج البالية. كما تصبح الدولة. التي كانت أداة لسيطرة الطبقة الأقوى اقتصادياً، وسيلة للمحافظة على هذه القوة الاقتصادية. بينما تقوضت هذه القوة في الأساس بتناقضات طريقة الإنتاج. وإذا كانت شروط تغير طريقة الإنتاج متوفرة، فإن عمل الطبقة المستغلة. التي تعارض في تطبيق قانون الترابط الضروري، وعمل الدولة البرجوازية، يصبحان العائق الأساسي للتغيرات الضرورية. ولهذا وجب القضاء على هذا العائق، غير أنه يجب، من أجل ذلك، توفر شروط ذاتية، وهي نضال الطبقة العاملة السياسي لتنظيم سياسياً في حزب طبقي وتنظيم الجماهير الشعبية، وتدافع عن الحريات الديمقراطية وتوسع من نطاقها، وأخيراً كي توجد سلطتها الخاصة كدولة. ولا تملك هذه الدولة في أول عهدها، أي أساس اقتصادي خاص بها اشتراكية، ولهذا يجب عليها أن توجد أساسها الخاص بها. يضاف إلى ذلك، أنها لا تستطيع أن تقوم إلا بتأييد الجماهير العاملة الواعي. ولهذا يجب على الأفكار السياسية الجديدة، التي تتقدم بها الطبقة العاملة، أن تكون قد سيطرت على غالبية الشعب، أي أن غالبية الأمة لم تعد تؤيد السياسة البرجوازية أو تثق بها. ولهذا تجعل الماركسية، بحق، مسألة الدولة من ضمن الشروط الذاتية لتغير طريقة الإنتاج. هذا ما تعلمنا لياه الجدلية، وهو أن الدولة، ومع أنها دائما انعكاس لأساس اقتصادي معين، فإن حل مشكلة الدولة والمشكلة السياسية يجب، في حالات معينة، أن يسبق تاريخيا بناء الأساس الاقتصادي الذي سيكون خاصاً بالدولة الجديدة. وهذا ما لا يمكن أن تدركه النزعة المادية الساذجة: فهي إذ تعتمد على الفكرة القائلة بأن الدولة ثمرة نمو المجتمع الاقتصادي، فأنها تستنتج من ذلك أن التناقضات الاقتصادية يجب أن تكون ميكانيكية، وأن تؤدي، حتما، إلى تغيير طريقة الإنتاج وأن الاشتراكية ستولد تلقائية من "تحلل الرأسمالية". وهي بهذا تنسى أن عمل الناس يمكنه أن يعيق تطبيق القوانين الاقتصادية، وأن البرجوازية يمكن أن تمدد، بتأثيرها السياسي وبما تملكه من وسائل ضخمة تضعها الدولة الحديثة بين يديها، فترة زوال الأساس الاقتصادي، ولهذا فهي بهذا تخدم البرجوازية. ويؤدي التيار الاقتصادي، في الحركة العمالية، إلى نفس النتيجة بإنكاره ضرورة نضال البروليتاريا السياسي ضد الدولة البرجوازية، وهو بهذا يغذي النزعة الانتهازية، ويجعل الطبقة العمالية تبعاً للبرجوازية، كما أنه، في نفس الوقت، يقف في وجه سلطة الطبقة العاملة السياسية ويتردى في النزعة المناهضة للسوفيات. ولهذا يشجع هذا التيار صنائع البرجوازية في الحركة العمالية، وزعماء الاشتراكية الديمقراطية المصلحين. والخلاصة من كل ذلك هي ضرورة النضال السياسي الماسة. غير أنه لا ننسى، من ناحية ثانية، ما رأيناه سابقاً: وهو أن الدولة لا يمكنها أن تقوم بدورها إلا إذا قبلت الجماهير (وخدام الدولة) الفترة القائلة بأن الدولة فوق الطبقات، وآمنوا بهذا الوهم. تعتمد قوة الدولة المادية في النهاية على عنصر فكري، ألا وهو تقليل الجماهير من شأن قوتها. وقد اعترف نابوليون بأنه يمكننا أن نفعل ما نشاء بالحرب شريطة أن يكون الرأي العام من جانبنا، ومهما كانت وسائل الضغط التي تملكها الدولة البرجوازية، كالرشوة مثلا، فإن التجربة التاريخية قد دلت على أن هذه الوسائل تعجز أمام صمود الجماهير المسلحين فكريا، والشيء الذي يعتد به، أخيرا، هو أن تعي الجماهير بوضوح ألاعيب أعدائها، وأن لا ينجح هؤلاء في خداعها. ولهذا تجعل الماركسية المؤسسات السياسية من بين ظواهر حياة المجتمع الروحية: وليست قوة هذه المؤسسات سوى قوة الأفكار. ويمكن لهذه القوة أن تصبح مادية شريطة أن تتملك هذه الأفكار الجماهير وتسيطر عليها. وبالنتيجة فأن النضال السياسي يتضمن بالضرورة النضال الفكري، وهو النضال ضد الأفكار التي تؤيد سياسة العدو الطبقي، والنضال من أجل إزالة العراقيل الفكرية التي تمنع الجماهير من الاتحاد في النضال السياسي ضد الدولة البرجوازية. يبرهن هذا التحليل، مرة ثانية، على أنه يجب أن يقود نضال البروليتاريا الطبقي طليعة واعية منظمة في شكل قوة سياسية مستقلة، هي الحزب السياسي الذي يعتمد على نظرية فكرية طبقية، للنضال الثوري، الذي يعكس بصورة علمية، مصالح الطبقة العاملة الحيوية المباشرة ومصالح المجتمع بأكمله. 3 – محتوى الدولة وصورتها من بين الوسائل الرئيسية، التي يستخدمها مفكرو الطبقات المسيطرة والمستغلة لتشويش مسألة الدولة، الخلط بين صورة الدولة ومحتواها. فهم، حين يعرفون مختلف نماذج الدولة، يعتمدون دائما على عدد الناس الذين يمارسون امتيازات السلطة: فيميزون بين الدولة الملكية، والدولة الأرستقراطية، والدولة الديمقراطية. فهم يحصرون النقاش بمسائل الصورة، وبطبيعة المنظمات التي تمارس السلطة، كوجود مجلس نواب، مثلا، و "فصل السلطات" و "استقلال القضاء" الخ... فيظهرون بذلك أنه يحرم التعرض لمحتوى الدولة. أما بالنسبة للماركسية فأن المسألة التي تعلو على كل المسائل الأخرى هي المسألة الثانية: لمصلحة من وضد من تمارس هذه السلطة؟ تمييز الماركسية بين محتوى الدولة الاجتماعية وبين صورتها. ا – محتوى الدولة الاجتماعي تكتسب الدولة طابعها بفضل محتواها الاجتماعي الحقيقي، أي محتواها الطبقي. فالدولة أما أن تكون دولة رقيق أو دولة اقطاعية أو برجوازية أو رأسمالية، أو بروليتارية أو اشتراكية – وكل دولة هي دكتاتورية طبقية: ينتج ذلك أصلها ومهمتها. ويمثل المحتوى جوهر الدولة، وهو يسبق صورتها ويحددها. وتختار كل طبقة مسيطرة الصورة التي تناسب دكتاتويتها الطبقية.و لنذكر هنا بعض الأمثلة التاريخية: هل كانت الدولة القديمة دولة رقيق؟ أجل. مهما كانت صورتها لأن الرقيق لم يكن فيها قط مواطنا. هل كانت الدولة في القرون الوسطى دولة إقطاعية؟ أجل. ومهما كانت صورتها لأن الرقيق فيها لم يكن له أي حق سياسي. أما البرجوازيون فقد فازوا بحريتهم بنضالهم. هل الدولة الفرنسية، منذ عام 1789، هي دولة البرجوازية الرأسمالية؟ أجل. ومهما كانت صورتها لأن البروليتاريا فيها لم تتمتع بأي حقوق سياسية سوى الحقوق التي انتزعتها من البرجوازية بالنضال، وهي تفرض احترام هذه الحقوق بنضالها المستمر. هل الدولة السوفياتية هي دولة العمال والفلاحين؟ أجل. لأن أساس الاتحاد السوفياتي السياسي يتكون من سوفيات نواب العمال الذين ازداد عددهم وتوطدت أركانهم بعد قلب سلطة كبار الملاكين والرأسماليين، وبفضل الاستيلاء على دكتاتورية البروليتاريا (المادة 2 من دستور الاتحاد السوفياتي) كل السلطة في الاتحاد السوفياتي بين يدي عمال المدين والقرية الممثلين في شخص سوفيات نواب العمال (المادة 3 من دستور الاتحاد السوفياتي). ولهذا فالسؤال الأول الذي يجب طرحه لتقدير طابع دولة من الدول في أيامنا هو هذا السؤال: هل نحن أمام دولة برجوازية رأسمالية أم أمام دولة اشتراكية للعمال والفلاحين؟ ولا يمكن أن يطرح السؤال بصورة أخرى، إذ لا يمكن للدولة أن تكون دولة رجل، أو حزب. بل هي دائماً دولة طبقة.ولقد رأينا أن الدولة لا يمكن أن تستقر بدون أساس اقتصادي ونعلم أن الأساس الاقتصادي يمتاز بملكية وسائل الإنتاج.والقوة الاجتماعية التي تمثل الملكية وتمتلكها وتستخدمها ليست رجلا أو حزبا بل هي دائما، وفي كل مكان، طبقة، فهي هنا طبقة البرجوازيين الرأسماليين وهناك طبقة العمال المتحالفين مع طبقة الفلاحين العمال. نعرف إذن محتوى الدولة الاجتماعي بالجواب على هذا السؤال التالي: هذه الدولة في خدمة أية علاقات إنتاج، وأية صورة للملكية (خاصة أو اجتماعية) وأية طبقة؟ يجب طرح هذا السؤال بصدد كل الأفكار السياسية. سطر لينين بسرعة، مثلا، بصدد الحرية، الملاحظات التالية "الحرية" حرية مالك السلع. حرية العمال المأجورين الحقيقية – حرية الفلاحين: حرية المستغلين. الحرية من أجل من؟ الحرية بالنسبة لمن وبالنسبة لماذا؟ الحرية في أي شيء؟ كما سطر بصدد المساواة: "المساواة". انجلز في "ضد دورنج" (وهم إذا أردنا بذلك أكثر من إزالة الطبقات). مساواة مالكي السلع. مساواة المستغل والمستغل. مساواة الجائع والشبعان. مساواة العامل والفلاح. مساواة من؟ ومع من؟ وبأي شيء. .
وسائل حكم الدولة هي وسائل الطبقة التي تسير الدولة، وبهذا تكون هذه الوسائل ذات مغزى لأنها تدل على محتوى الدولة. هذه الوسائل رأسمالية بالنسبة للدولة الرأسمالية وأولى هذه الوسائل المال. كتب انجلز بهذا الصدد يقول: لم تعد الجمهورية الديمقراطية تعترف، رسمياً، بفوارق الثروة. إذ أن الغني يؤثر فيها بصورة غير مباشرة ولكنها أكيدة. وذلك بصورة رشوة الموظفين مباشرة، من جهة، ونجد في أميركا مثالا كلاسيكيا على ذلك، وبصورة تحالف بين الحكومة والبورصة من جهة ثانية، ويتم هذا التحالف بسهولة لأن ديون الدولة تزداد باستمرار، كما أن الشركات المساهمة لا تحصر بين يديها وسائل النقل فقط بل الإنتاج نفسه، كما تلتقي هذه الشركات في البورصة . وليست سيطرة الثورة جميعها، في الجمهورية البرجوازية، في أيامنا هذه، باقل ظهوراً. وبالرغم من أنه لا يوجد أي تشريع قانون يحفظ لأعضاء الأوليغارشية المالية مراكز القيادة في الدولة فان "تبعية جهاز الدولة للاحتكارات " حقيقة واقعة. فمن جهة، تستطيع المئتا عائلة أن تعين بعض أعضائها في جهاز الدولة كموظفين كبار: ومهما كانت القواعد لتعيين هؤلاء الموظفين، فأننا نعلم أن عامل المودة" هو الذي يقرر القبول في دوائر "الدولة الكبرى" كمراقبة الاقتصاد وغيرها. ومن جهة ثانية تنظم الأوليغارشية المالية هجرة منظمة لكبار الموظفين نحو القطاع الخاص مما يسمح لها أن تؤمن تعبئة مستمرة لملاكاتها، وهي تسعى بواسطة الطموح والتلهف على الربح، والرشوة لمراقبة كل نواحي الإدارة. تتضح هذه الرشوة في فضائح الدولة الرأسمالية بين حين واآخر. كما أنها تتخذ طابع توزيع المراكز المباشر في مجالس إدارة الشركات على النواب والممثلين السياسيين واللواءات الخ..... ولقد رأينا فيما سبق دور الدولة التاريخي في خدمة رأس المال. وهكذا وجدت الدولة الفرنسية نفسها، بواسطة قروض مشروع مارشال، تابعة للاحتكارات الأميركية، وأصبحت بعض دوائرها كوزارة الخارجية مثلا تحت مراقبة عملائها. كما تملك البرجوازية الكبرى أيضاً "الأزمة الاقتصادية" كوسيلة للتأثير على المجلس النيابي. إذ أن ازدياد ديون الدولة عملية سياسية رابحة لها. لأن التهويل المالي، الذي كان وسيلة للضغط على الملوك، يظل نافعاً للتأثير على دولة البرجوازية والدولة الأجنبية التي تتخبط في الصعوبات. ويبدو دور الثروة السياسي، في الدولة البرجوازية أيضاً، في سلسة من وسائل وهي: ليس محتوى حرية الصحافة سوى أن الرأسماليين الذي يمكنهم ماديا تأسيس جريدة وتمويلها لديهم المجال لخلق هذا المحتوى؟ - ليس محتوى حق الجميع في التعلم سوى أن إمكانية التعلم الحقيقية لا توجد ألا للطبقات الاجتماعية التي تستطيع دفع مصاريف التعليم._ وما تحتوي حرية الرأي والطرق السياسية سوى أن الإمكانية الحقيقية لتقديم مرشحين لا توجد إلا للفئات الرأسمالية التي يمكنها أن تمول معركة انتخابية. ولا ننس أن وجود حزب مستقبل للطبقة العاملة ليس ثمرة النزعة المتحررة البرجوازية بل هو ثمرة تضامن الجماهير الفعال. وتبدو معالم الدولة الطبقية بوضوح في مسألة العدالة. ولنشر أولا إلى أن العدالة لا تؤدي بل هي تباع على يد البرجوازية: وإذا كانت العدالة نظرياً بالمجان فأن هذه العدالة لا تؤدي ألا لمن يستطيع دفع مصاريف الدعوى، فكيف يمكن لعامل أن ينال التعويض عن حادث وقع له أثناء العمل؟ كيف يمكنه أن يستأنف أمام مجلس الدولة ضد لا شرعية الإدارة؟ وتؤدي العدالة بلغة لا تفهمها الجماهير الشعبية، وهي ترجع إلى مطلع البرجوازية. وأخيراً فأن المباديء التي تهتدي هذه العدالة بهديها هي مباديء الحق البرجوازي الذي يقوم على الدفاع عن الملكية، والدفاع عن رأس المال، وما قمع لصوص الممتلكات الشخصية سوى تعلة لقمع العمال في نضالهم ضد المستغلين، وتتعدد وسائل ضغط الدولة البرجوازية، في القضايا السياسية، على القضاء من التلويح بالترقية حتى للتهديد، الذي يكاد لا يخفى، بواسطة عملاء للاستفزاز، حتى أن النظرية الفكرية البرجوازية تخلتف في تقديرها الجرائم إذا ارتكب هذه الجرائم فقير معدم أو إبن عائلة "محترمة" وأخيراً يجعل فساد البرجوازية المنحطة العدالة عاجزة عملياً أمام المهربين ورجال العصابات التي تلوذ بدوائر المجتمع "العالية". ينتج محتوى الحق عن وظيفته في تخليد نظام الملكية القائم، والحق ليس تجسيداً لمباديء خالدة ولا "لقوانين طبيعية" أو إرادة "الوعي"، بل هو عنصر مكون للبناء الفوقي، انعكاس لصورة الملكية المسيطرة التي يحاول تخليدها ليجعلها مطلقة، كما يبررها "بمبدأ" مزعوم أبدي، ولهذا كان التفكير التشريعي البرجوازي أفضل مثال على تطبيق المنهج الميتافيزيقي. ومثال واحد يدلل على محتوى الحق الطبقي. يجبر القانون الأولاد على القيام بأود والديهم، عند الضرورة، كما يجبر الوالدين بتربية أولادهما. أو ليس من الواضح أن هذه القاعدة تعمم في المجتمع واجبا لا معنى له ألا ضمن نطاق العائلة البرجوازية المالكة، وأن هذا التعميم الجائر يعفي المستغلين، أي البرجوازية، من واجبهم نحو عناصر البروليتاريا العاجزة عن العمل: وهم كهول العمال، والمقعدون، والمرضى، وأولاد البروليتاريا؟ وتمتاز الدولة البرجوازية "الديمقراطية" أيضاً بالميزات التالية: - البيروقراطية: يشرف على الإدارة من عل تعاليم البرجوازية الكبيرة الخفية، وهكذا كانت الإدارة العليا غير مسؤولة، عملياً، تراقبها مباشرة الأوليغارشية المالية ويكون كبار الموظفين "جماعات" متخصصة مغلقة، تحتكر "الكفاءات" أي تجربة طبقة البرجوازية القديمة، ولا تخضع هذه الإدارة لمراقبة الجان البرلمانية عن طريق "السر المهني" وتشرف إدارة المحافظة على المجالس المحلية وتجعل قراراتها تابعة لمصالح طبقة البرجوازية الكبيرة . - النزعة العسكرية: تهدف مدة الخدمة العسكرية الطويلة، وهي ثمرة الاستعمار الذي لا يرى في السلم سوى هدنة بين اعتدائين، إلى تنشئة الشباب على خدمة الدولة البرجوازية خدمة عمياء، وقد وضع النظام كطاعة سلبية لا تقبل النقاش، مفروض من عل، لأن البرجوازية لا تستطيع الاعتراف صراحة بأهدافها الطبقية إلى جنودها. - النزعة البرلمانية: نظمت الانتخابات بشكل يجعلها تقرر فقط كل أربع أو خمس سنوات من هو الرجل الذي تثق به البرجوازية سيمثل الشعب في البرلمان ويضطهده، وممثلو الشعب لا يمكن الناخبون تنحيتهم، كما أنهم لا يملكون السلطة التنفيذية والإدارية بفضل المبدأ البرجوازي عن "فصل السلطات"، وتعرف النزعة البرلمانية هي أن المجالس المنتخبة لا تشرف بنفسها على تنفيذ قراراتها وتطبيقها: فهي ليست مجالس فعالة. - وأخيراً نأتي لظاهرة أحدث في فرنسا وهي أن رجال السياسة يختارون مباشرة من بين الرأسماليين أمثال "بيني" و "ماير" و "لانييل"، الذين لا يكتفون بالإشراف على السياسيين، بل يقومون هم أنفسهم بإدارة الحكومة. وهذه الظاهرة أقدم في الولايات المتحدة وأشد اتساعاً. إذ نرى اللواءات والممثلين السياسيين والقضاء، من بين الرأسماليين، يقومون بأنفسهم بهذه الوظائف. - نرى الآن ما معنى أن كل دولة هي دكتاتورية طبقة من الطبقات، ويعني هذا أن حقيقة السلطة في يد طبقة تمارسها لخدمة مصالحها,مستخدمة في ذلك وسائلها الخاصة.يمكن للدولة البرجوازية أن تكون ديمقراطية بالنسبة للرأسماليين، ولكنها دكتاتورية بالنسبة للطبقة العاملة، بينما الدولة الاشتراكية، على العكس، هي ديمقراطية بالنسبة للعمال ولكنها دكتاتورية بالنسبة للطبقات القديمة المستغلة الزائلة. وكان لينين يقول: الدكتاتورية، التي هي نفي للديمقراطية، من أجل من؟ . - من الخطأ، إذن تعريف الفاشية بأنها "دكتاتورية حزب. لأن الفاشية هي "دكتاتورية أشد العناصر الرجعية إرهابا واستعمارا في رأس المال" (ديمتروف). وما الحزب الواحد إلا أداة هذه الدكتاتورية الطبقية. - أما ثرثرة الاشتراكيين الديمقراطيين عن "تسرب العناصر البروليتارية" في الدولة الحديثة,التي تجعل لهذه الدولة شبه طابع "وسط" لأنها "ليست بروليتارية تماماً" ولا "برجوازية تماما" فأنها لا يمكنها أن تخفي ما يلي: وهو أنه إذا وجب على البروليتاريا أن تهدم، بمشقة، بعض قلاع الدولة الرأسمالية الأمامية، فهل يمنع ذلك من أن تظل هذه الدولة رأسمالية أو لا يبرهن، على العكس، أنها رأسمالية؟ ب – صورة الدولة صورة الدولة هي التعبير عن محتواها الاجتماعي الحقيقي، وهي تتحدد بنمو نضال الطبقات. يميز لينين بين عدة صور للدولة ظهرت منذ القدم: - الجمهورية كدولة ليس فيها سلطة غير منتخبة. - الملكية كسلطة فرد واحد. - الأرستقراطية كسلطة أقلية محدودة نسبيا. - الديمقراطية كسلطة الشعب. وتمتزج هذه الصور بعضها مع بعض، فيمكن للجمهورية، مثلا، أن تكون أرستقراطية أو ديمقراطية، تضم في نفس الوقت بقايا الملكية. ولا تستقر صورة الدولة، غالبا، على حال، فهي تتأخر غالبا، عن المحتوى، وتعبر بطريقتها عن تناقضات المجتمع الداخلية. كانت جميع صور الدولة، في القدم، لها محتوى يعتمد على الرقيق. ومع ذلك فإن الانتقال من صورة الجمهورية الأرستقراطية إلى الجمهورية الديمقراطية، في روما، مثلا كان يعكس، بالضرورة، مرحلة جديدة من نضال الطبقات بين الملاكين والتجارة. وقد تنوعت صور الدولة، في عهد الإقطاع. فوجدت جمهوريات أرستقراطية كان الإقطاعيون فيها ينتخبون رئيس الدولة، وهو الإمبراطور، وقد تحول بعضها إلى ملكيات وراثية.فكان شارلمان يجمع,كل سنة برلمانا من البلاد الكارولنجيين, وهو بقايا للعادات "الجمهورية" عند الفرانك. كما كان الكابيتيون الأوائل منتخبين، كما انتخب الإمبراطور في نعض مراحل الإمبراطورية المقدسة على يد كبار الإقطاعيين. ولكن محتوى الدولة، كان في جميع هذه الأحوال، إقطاعيا. وكانت "المجالس العامة" في عهد القديم مؤسسة ذات طابع "جمهوري" لأنها كانت تتكون من مندوبين منتخبين وهم في نفس الوقت أرستقراطيون لأن الإقطاعيين كانوا يتمتعون فيها بأكثر الثلثين : كما أنها كانت بذلك مؤسسة إقطاعية تخدم مصالح الإقطاعيين! حتى إذا ما أصبح للبرجوازية تأثير على الدولة الملكية الإقطاعية بواسطة وسائلها المالية وقفت في وجه هذه المؤسسة الإقطاعية، ألا هي مؤسسة المجالس العامة حيث كانت أقلية فيها. ولهذا لم تجتمع المجالس العامة في عهد الملكية "المطلقة" أيام لويس الرابع عشر وكولبير – البرجوازي. غير أن نزعة الملكية المطلقة، التي كانت، اثر الفروند (Fronde) موجهة ضد الإقطاعيين، قد انقلبت على البرجوازية، في القرن الثامن عشر، بسبب تقدم البرجوازية الذي أخذ يهدد النظام الإقطاعي. ففكرت البرجوازية، عندئذ، في استخدام المجالس العامة، إذ أن الوضع كان تغير، ويمكن لهذه المجالس، بعد شيء من الإصلاحات، أن تخدم البرجوازية! كانت طبقة النبلاء معزولة في البلاد، وكان الكهنوت منقسما بالنضال الطبقي بين طبقة الكهنوت المنحدر من الشعب، وكانت البرجوازية الطبقة التي تعتمد عليها ثروة الاقتصاد القومي: فقامت بحملة بين الجماهير لمضاعفة عدد نواب الطبقة الثالثة (وكان هذا العدد عادة مساويا لعدد نواب كل من الطبقتين الأخريين)، كما دعت لانتخاب يجري داخل المجالس، على أساس الفرد و ليس على أساس الجماعة. وهكذا تضمن البرجوازية، بمساعدة نواب الكهنوت الشعبي، الأكثرية المطلقة في المجالس العامة! حتى إذا ما اجتمع نواب الطبقة الثالثة، دعوا نواب الكهنوت إلى الانضمام إليهم وأعلنوا أنفسهم مجلسا قوميا. وهكذا نرى أن البرجوازية عرفت كيف تستخدم، حسب تطورات النضال الطبقي، المؤسسات الملكية في الدولة الإقطاعية، (الملك) تارة، والمؤسسات "الجمهورية" (المجالس العامة) تارة أخرى. وقد أتاح نمو النضال الطبقي لهذه المؤسسة الإقطاعية محتوى جديدا برجوازيا، ارتدى المحتوى الجديد، لمدة من الزمن، صورة قديمة وحدد تحولاتها. ولنشر أخيرا إلى أن التطور النوعي، وهو ازدياد قوة البرجوازية، في البلاد، قد أفضى جدليا إلى تغير نوعي في صورة المؤسسات، ألا وهو تحول المجالس العامة إلى مجلس قومي، وإلى قلب تام للوضع السياسي العام، إلى الثورة السياسية. كل ذلك حدث على أساس نمو النضال الطبقي. وقد استخدمت البرجوازية، بدورها، بعد أن أصبحت طبقة مسيطرة، مختلف صور الدولة. - الملكية الدستورية التي لم تخرج عن نطاق جمهورية غير ديمقراطية، لا ينتخب فيها سوى "المواطنين العاملين" الأغنياء الذين يمكنهم دفع ضريبة معينة. - الجمهورية المقصورة على دافعي الضرائب. - الجمهورية الديمقراطية التي تقوم على الانتخاب العام "الشامل". وتكون الصورة الأولى للدولة حلا وسطا مع النظام القديم في الأوقات التي كان ذلك فيها ضروريا. ولقد حظيت الصورة الثانية بتفصيل البرجوازية لأنها كانت تتفق تماماً مع الأساس الاقتصادي للعهد فكانت جمهورية الملاك. وقد أصبحت الصورة الثالثة ضرورية حين نما نضال البروليتاريا الطبقي، ووجب تغطية الدكتاتورية الطبقية "للتخفيف من حدة النضال الطبقي" وتهدئه اندفاع البروليتاريا الثوري. وكان يهم البرجوازية أن تغرس في العقول الفكرة القائلة بأن الجمهورية الديمقراطية هي صورة الدولة المثالية النهائية، وهي أسمى ما وصل إليه "تقدم الوعي"، والمدينة والنزعة الإنسانية، وأنها تجسيد "الحق الطبيعي" ونهاية التاريخ بمعنى ما. وهكذا كانت تأمل تخليد حكم رأس المال. غير أن تناقضات الرأسمالية، وتأزم النضال الطبقي، والأزمات الاقتصادية، والاستعداد للقيام بالفتوحات الاستعمارية، وبدء أزمة الرأسمالية العامة، كل ذلك لم يمكنها من ذلك. فاضطرت البرجوازية إلى أن تلقي قناع الديمقراطية، وأن تعتدي على شرعيتها، لتبقى سيطرتها الطبقية. وهي تتأرجح على أساسها الاقتصادي الفاسد، وأن تستعد للحرب، فكشفت عندئذ عن وجه الفاشية الكريه، وعن دكتاتورية رأس المال في وحشيتها المفترسة. ودلت بذلك على أن محتوى الدولة الطبقي أهم من صورة، وأن الجمهورية الديمقراطية كانت صورة تاريخية للدولة، وهي صورة وقتية تابعة لمصالحها الطبقية، وهي ليست مقدسة ولا خالدة. كما برهنت بنفسها على كذب تصريحاتها عن حبها المجرد للحرية والمدينة!
4 – نضال الطبقات والحرية ا – البرجوازية و "الحرية" كان لنضال البرجوازية التاريخي من أجل "الحرية" محتوى طبقي. فإذا كانت البرجوازية، في زمن الثورة البرجوازية قد جعلت من نفسها نصيراً للحرية فذلك: أ) لأنها كانت بحاجة إلى أن تجد في السوق يداً عاملة حرة قد تحررت من قيود الإقطاع، لا تتعلق بسيد، يمكنها أن تضمها إلى صناعتها أو تنبذها في البطالة حسب حاجات الإنتاج الرأسمالي. ب) لأن نمو قوى الإنتاج الجديدة يتطلب حرية التجارة وحرية الأعمال، وإزالة قيود الاقتصاد الإقطاعي. ج) لأن "الحرية الفردية" هي الصورة القانونية السياسية التي تعبر أفضل تعبير عن صورة الملكية الخاصة، التي هي أساس البرجوازية، وهي الثروة قد تمثلت بالمال الذي يزيل كل علاقة شخصية بين أعضاء المجتمع. وأساس فكرة الحرية الفردية هي الملكية الخاصة البرجوازية، وأن كانت البرجوازية تريد أن توهم الناس، على العكس، بأن فكرة الفرد المطلقة هي التي تبرر الملكية الخاصة! د) لأن البرجوازية بنصرتها للحرية، توجد أساساً فكريا للتحالف السياسي مع طبقات الشعب الأخرى التي تناضل ضد الإقطاعية: كالفلاحين وفئات متعددة من البرجوازية الصغرى، فكانت الثورة الديمقراطية البرجوازية هي الطريقة الوحيدة للنجاح في نضال ضد الإقطاعية. ولنلاحظ أن هذه البرجوازية التي تعلن عن نفسها بأنها "متحررة" هي نفسها التي ترفض حق الانتخاب "للمواطنين السلبيين"، كما ترفض حق الشراكة للعمال عام 1791! وهكذا تكون حدود نزعتها المتحررة هي حدود مصالحها الطبقية تماماً. توجد البرجوازية، المنقسمة على نفسها، بسبب خواص الرأسمالية والمضاربة إلى فئات تختلف مصالحها، صوراً لتنظيم السياسي خاصة: وهي تعدد الأحزاب البرجوازية، والنزعة البرلمانية. ولما كانت المصالح الخاصة بفئة من البرجوازية يجب أن تظل تابع لمصالح الطبقة العامة الدائمة، فإن البرجوازية تحدد حقوق البرلمان، وتفصل السلطة التنفيذية عن السلطة التشريعية، وتحول دون إشراف البرلمان على إدارة الدولة. وإذا كانت البرجوازية اتجهت فيما بعد نحو الانتخاب العام الشامل "في أواسط القرن التاسع عشر" ونحو النزعة البرلمانية الديمقراطية، فلهذا أسباب واضحة. نما النضال الطبقي، وأخذت البروليتاريا تطالب بحقوقها السياسية، وأخذت أهمية الرأي العام تزداد لأنها امتدت إلى طبقات جديدة نشيطة قد نمت بتأثير الصناعة الكبرى، فإذا بالجمهورية الديمقراطية تخفي حينئذ سيطرتها الطبقية، كما أن الأجر المدفوع في نهاية اليوم يخفي الاستغلال الطبقي.يضاف إلى ذلك أن الجمهورية الديمقراطية لم تصبح بعد خطراً على البرجوازية، لأن البروليتاريا لم تكن في هذه الفترة، مستقلة فكريا. فمن السهل إذن الحصول على أصواتها بواسطة دعاة البرجوازية، فتزول نتيجة الانتخاب العام الشامل بطريقة خاص للانتخاب. وهكذا ألا يلزم قدر من الثقافة حتى يصبح المرء نائبا، ولهذا تمتنع البرجوازية "الديمقراطية" عن أن تأتي بأي عمل لتثقيف الجماهير، سياسيا، بصورة ديمقراطية! كما أن مهمة المدرسة الابتدائية الإجبارية هي تنشئة هذه الجماهير على الاحترام البرجوازية. كما أن السياسيين البرجوازيين يجرون على قاعدة وهي التناقض بين وعودهم وأعمالهم في البرلمان، ويعكس هذا التناقض تعارض المصالح بين الشعب والبرجوازية. وعلى كل حال فقد كانت فوائد الانتخاب العام، في هذه الفترة، بالنسبة للبرجوازية أكثر من مضاره. فإذا منحته وثقت علاقاتها بالجماهير وأصبحت شعبية عندها فزادت بذلك قوتها السياسية. ألم يعتد كافور، البرجوازي الكبير المتحرر، على القول: أسوأ المجالس أفضل من أسمى المجتمعات خارج هذه المجالس" – La pire des Chambres" "vaut mieux la meilleuredes anti-chambres مشيراً بذلك إلى مصلحة البرجوازية في أقامة واجهة برلمانية لتأييد الرأي العام. كما كان يؤكد قائلا: "لم اشعر قط بضعفي كما كنت أشعر أثناء عطل المجالس ولقد كتب لينين يقول: تزداد ثقة الثروة في الجمهورية الديمقراطية كلما كانت لا تتعلق بغطاء سياسي سيء للرأسمالية، وهكذا بعد أن يستولي رأس المال على هذا الغطاء، وهو الأفضل، يقيم سلطته بشكل متين فلا يستطيع أي تغيير للأشخاص، أو المؤسسات أو الأحزاب، في الجمهورية الديمقراطية البرجوازية، أن يزعزع هذه السلطة . ويعني هذا أن الانتخاب العام في الدولة البرجوازية، يعجز عن أن يعبر تماماً عن إرادة أغلبية العمال، وأن يضمن تحقيق هذه الأرادة. حتى لو أنه أصبح قادراً على ذلك فأن البرجوازية تسرع في القضاء على تأثيره، فتلغي، مثلا، التمثيل النسبي، وتأتي بالانتخاب القائم على الأكثرية أو القائم على"الولاء" وكل هذه أساليب للتزوير برع فيها دي جسبيري في ايطاليا وأيدناور في ألمانيا. إذ كل شيء حسن لمنع الانتخاب العام من التعبير عن إرادة الشعب. يظهر، في أكثر الدول الرأسمالية ديمقراطية، التناقض باستمرار، بين الشرعية التي تعترف بها القوانين، والشرعية التي تلغيها الوقائع، بين الدساتير، التي تمنح الشعب الحريات الديمقراطية، وبين الفقر الذي يمنعه من استخدمها كاملة، بين الحرية الصورية والتبعية الفعلية . ولا يعني هذا قط، كما سنرى، أن على البروليتاريا أن لاتأبة لطالع الدولة البرجوازية الديمقراطي، كما أدعى زعماء الاشتراكية الديمقراطية الانتهازيون، صنائع الفاشية. ب – البروليتاريا والحريات يشتد اهتمام البرجوازية للقيام بحروب الاعتداء، في فترة أزمة الرأسمالية العامة، حين تزداد تناقضات الاستعمار عمقاً. يضاف إلى الاستعداد للحرب، بين الدول الرأسمالية، تهيئة الحرب ضد الاتحاد السوفياتي، وضد البلاد التي قامت فيها سلطة الطبقة العاملة. ولا يمكن للرأسماليين ألا أن يريدوا الحرب، على أن لا تتعرض فيها الرأسمالية إلا لأقل الأخطار طبعاً، وذلك كوسيلة لإنقاذ الرأسمالية، وكحل للأزمة وتناقضات النظام الرأسمالي. ولكن إذا كان صحيحاً أن الاستعمار هو السبب الموضوعي للحروب، فأن القيام باعتداء يتطلب شروطاً ذاتية. ولهذا كان على البرجوازية أن تهيء جنود المستقبل للاعتداء، وأن تستميل، إلى جانب قضية الاستعمار، أغلبية الأمة. فكان من الضروري أن تسكت القسم الواعي، في الطبقة العاملة، التي تناضل من أجل السلم، وتقف في وجه الاستعمار، وتدافع عن بلد الاشتراكية. ولا يمكن لأية برجوازية، في تلك المرحلة، أن تندفع في الحرب بدون أن تضمن مؤخرتها، وأن تلجم طبقتها العاملة والشعوب المستمرة التي تضطهدها وتعتمد عليها كمعين لها. وما الفاشية ألا نتيجة لهذا الضرورة. فهي، بالإضافة إلى ذلك توفر وسائل سياسة اقتصادية تقوم على محاولة أنقاذ الرأسمالية بالتعجيل في التجمع الرأسمالي، فتقع على كاهل البرجوازية المتوسطة نتائج الأزمة الاقتصادية وتمنعها بقسوة من استخدام أية وسيلة للتعبير السياسي ويغذي القضاء على البرجوازية المتوسطة دعاية اجتماعية غوغائية، إذ تدعى الفاشية، أمام الطبقة العاملة أنها ثورية تناهض الرأسمالية، ولكنها تقدم للطبقات المتوسطة التي هدمتها، تعويضاً، بواسطة الحرب، والتوسع الاستعماري و"المجال الحيوي"، كما تقدم الدعاية القومية الغوغائية. ولهذا تدعي الفاشية، في جميعها لهاتين الدعايتين، أنها قومية اشتراكية، وما النزعة المناهضة للسامية سوى رحيق هاتين الدعايتين، لأنها تمزج الدعاية الغوغائية المناهضة للرأسمالية بالكراهية القومية والعنصرية. تمثل الفاشية حكم الأولغارشية المالية غير المنازع. و "دكتاتورية أشد عناصرها رجعية وتعصباً واستعماراً، وهي دكتاتورية إرهابية واضحة". ولا يفرض هؤلاء أوامرهم على الطبقة العاملة فقط، بل على كل الاقتصاد الرأسمالي. والبرجوازية، حين تفتتح هذه الصورة للدولة أنما تسعى لتمديد أجل الرأسمالية في نزعها الأخير، وذلك بفضل تأثير الدولة على الاقتصاد. ويبدو هذا التأثير، بصورة أساسية في الحرب الوحشية التي تهدم قوى الإنتاج. الفاشية هي تهيئة الحرب، وهي الحرب ذاتها . الفاشية هي تصفية الديمقراطية البرجوازية منذ فترة الاستعداد للحرب. والدولة الفاشية هي الحاجز "الذي لا يقهر" الذي تود البرجوازية أقامته في وجه قوى المجتمع الصاعدة، حتى تفرض عليها قبول الحرب، أمام أمرين لا بد منهما في آخر مراحل الرأسمالية: أما الانتقال إلى الاشتراكية أو معناة الحرب الاستعمارية الدورية. ولقد قال موريس توريز: طأن الفاشية هي الإرهاب الدامي ضد الطبقة العاملة، والقضاء على المنظمات العمالية، وحل النقابات الطبقية، ومنع الأحزاب الشيوعية، وتوقيف المناضلين العمال الثوريين، وتعذيب أفضل أبناء الطبقة العاملة واغتيالهم. الفاشية هي اندفاع الحيوانية، والعودة مظاهرات القرون الوسطى المعادية لليهود, والقضاء على كل ثقافة، وسيطرة الجهل والهمجية،هي الحرب الكريهة . والاستعانة بالفاشية دليل على أن البرجوازية تشعر أنها ستفقد الأكثرية بين الجماهير، وهي شرط لا تستطيع بدونه إعلان الحرب. ولهذا كانت الاستعانة بالفاشية دليلاً على ضعف البرجوازية، وأنها بدلا من تعتمد على رصيد مغتصب، أصبحت لا تملك سوى الإرهاب. غير أن انتصار الفاشية يعني أن البرجوازية قد توصلت إلى عزل الطبقة العاملة، وأنها نجحت في مناورتها السياسية، وأنها نظمت إرهابها الطبقي، وأنها سوف تستطيع إعلان الحرب. وتأخير ساعة سقوطها سنوات طويلة. للدولة الديمقراطية البرجوازية والدولة الفاشية نفس المحتوى الطبقي، غير أنهما ترتبطان بمراحل مختلفة من نمو تناقضات الرأسمالية ونضال الطبقات. ولهذا تحاول الفاشية، كي تستميل إليها الجماهير، أن تتقنع بقناع الثورة القومية الاجتماعية. فكان موسوليني يقول: "الاشتراكية البروليتارية أسطورة قديمة، والفاشية أسطورة جديدة" وإذا كانت البرجوازية تلجأ إلى الفاشية، فلأنها في ضعفها تجد في الفاشية أفضل وسيلة لإنقاذ نظامها. ولهذا كان لدور الدولة الفاشية أهمية رئيسية بالنسبة لها. وكما كان على الطبقة العاملة أن لا تمكنها من اصطناع هذه الأداة لاستعبادها ولهذا لا يمكن للطبقة العاملة أن لا تهتم بصورة الدولة البرجوازية. "ويحاول زعماء الاشتراكية الديمقراطية معتمدين على نزعة مادية ساذجة، أن يذيعو الفكرة القائلة بأن صورة سيطرة الطبقة لا تهم الطبقة العاملة ألا قليلا، لأنها "على كل حال" مسيطر عليها. غير أن الطبقة العاملة يهمها أن تنتهي من هذه السيطرة في أسرع وقت. ويحاول وزعماء الاشتراكية الديمقراطية بحججهم الواهية، أن يضعفو الطبقة العاملة، أمام الفاشية المعتدية، فهم يعملون لحساب البرجوازية. كان موريس توريز هو الذي وقف، في فرنسا، في وجه التقليل من أهمية الصور التي ترتديها دكتاتورية البرجوازية فلقد أظهر، في الخطاب الذي ألقاه في المؤتمر السابع للعالمية الشيوعية، أهمية الديمقراطية البرجوازية، بالنسبة للطبقة العاملة، بالرغم من طابعها الضيق: الديمقراطية البرجوازية هي أقل ما يمكن من الحريات التي لا تنفك البرجوازية الحاكمة من تضييقها، ولكن هذه الحريات تمكن، مع ذلك، الطبقة العاملة والفئات الكادحة من أن تعبيء نفسها وتنظمها ضد الرأسمالية . ولعله من الخطأ الاعتقاد بأن النضال من أجل الديمقراطية يمكنه أ، يميل بالبروليتاريا عن رسالتها التاريخية. ولقد أشار لينين إلى أن الجمهورية الديمقراطية بالرغم من أنها لا تقضى قط على سيطرة الرأسمالي ولا على اضطهاد الجماهير ونضال الطبقات، فأنها تؤدي حتما إلى امتداد النضال واندفاعه ونموه وتازمه فتتضح عندئذ إمكانية تحقيق مصالح الطبقات المحرومة الأساسية، ولا بد من أن تتحقق هذه الإمكانية في دكتاتورية البروليتاريا حتما . وهذا مثال رائع على الجدلية، يدل على حالة "تتحول فيها الكمية إلى كيفية" وقد تحققت تماماً وبصورة منهجية فأصبحت الديمقراطية بروليتارية بعد أن كانت برجوازية . ولهذا كانت "الرسالة حول الوضع السياسي ومهمات الحزب الشيوعي الفرنسي" التي أقرها المؤتمر الثلث عشر للحزب تذكر في المسألة 15 تعاليم لينين: لا يمكن للبروليتاريا أن تستعد لقهر البرجوازية، دون أن تقوم بالنضال في جميع الميادين، نضال ثوري من أجل الديمقراطية . ويجب أن ننتبه، في أيامنا هذه، لجميع الصور التي ترتديها تصفية شرعية البرجوازية. ولما كانت البرجوازية مضطرة، بتأثير الجماهير، إلى الإبقاء على الصورة الديمقراطية فأنها تهتم بحرمانها من نتائجها. وهذا ما يسمى بصبغ الدولة بالفاشية. هذا السهم موجه ضد الطبقة العاملة ولما كانت البرجوازية ترغب في أن تتجنب حكم الرأي العام فأنها تتآمر. حتى إذا حلت الانتخابات قامت بتنظيم محكم لكبح الطبقة العاملة. وتتعدد صور هذا الكبح التاريخية من مثل: فرض الضريبة، أو اعتماد انتخاب الدورتين، أو انتخاب اللائحة بالأكثرية أو انتخاب الفرد بالأكثرية، أو البالوتاج، أو التنازل، أو الانتخاب بالولاء، أو تعديل المناطق الانتخابية، أو تزوير اللوائح الانتخابية، أو زيادة مصطنعة للأصوات، أو تدخل المحافظ، أو منع الجرائد الديمقراطية، أو اتهام المرشحين، الخ... ونحن لا نزال نذكر الحجج الواهية لتأجيل دعوة المجلس الوطني عام1954 حين طلب العمال المناضلون ذلك. وقد أصبحت دعوته واجبة دستوريا بعد طلب ثلثي نواب المجلس: أ – قرر رئيس المجلس، منذ تقلى طلب الفريق الشيوعي، بأن هذا الطلب لا قيمة له أنه يجب التقدم بطلبات فردية. ب _ قررت أغلبية مكتب المجلس، في 21 آب بعد أن وصلها 229 طلبا، الطلبات المرسلة باللاسلكي ملغاة (لم يكن المحافظون يعتبرون أوامر القمع المرسلة لاسلكيا من الوزارة ملغاة). ج – وصل في 24 آب 211 طلباً فرفضت أغلبية المكتب اعتبار أربعة امضاءات مما جعل عدد الطلبات أقل من 209 وهو العدد المطلوب. د – جمع في 5 أيلول 219 طلباً جديداً، فأكتشف المكتب عندئذ فجأة أن أعمال الترميم في المجلس تضطره إلى تأجيل دعوة المجلس شهراً، أي إلى صبيحة عودة المجلس العادية. وهناك أمثلة أخرى: منع الطلبة من التقدم لامتحان دخول مدرسة الإدارة الوطنية بسب ميولهم أو أصلهم الجزائري. بينما تقرر مقدمة الدستور قائلة: "لا يمكن لأي شخص أن يرزء في عمله أو خدمته بسبب أصله أو آرائه أو معتقداته"، وهذا ما يدلل على فكرة "التسرب" المشهورة في الدولة البرجوازية، تلك الفكرة العزيزة على قلب القادة الاشتراكيين الذين يدعون بأن الطبقة العاملة يمكنها أن "تتسرب"إلى الدولة البرجوازية. يضرب العمال مستخدمين حقا دستوريا لهم! فترسل الحكومة لهم في زمن السلم أوامر غير شرعية بمصادرتهم، بموجب قانون وضع لزمن الحرب، ولكن الشرع يختلف فيما يتعلق بمصادرة المساكن! فإذا كانت القوانين تمس مصالح البرجوازية أمتنعت حكومة البرجوازية عن تطبيقها، كما أنها تقف إلى جانب أصحاب العمل الذين لا يطبقونها: وكذلك شأن الأجور والمعاشات وقانون المصلحة العامة، وقوانين التأمين الاجتماعي تستخدم البرجوازية، في صبغها للدولة بالصبغة الفاشية جميع الوسائل فهي تنظم تزوير الانتخابات، كما تؤجل، لأجل غير محدود، المناقشات البرلمانية، وتحاول وضع جميع الموظفين تحت حماية محافظيها، وتقوم برشوة الشرطة، وتطالب بتعديل الدستور، بصورة رجعية، تحمى نشاط المغامرين، أنصار أعمال القمع العسكرية، وتفتتح نظام مراسيم القوانين. وأخيراً تنتقل للتآمر ضد الطبقة العاملة ومنظماتها، فتحاول أن تعميق عملها الشرعي، معتمدة على "المبدأ" القائل بأن الضمانات الشرعية لا تطبق على الطبقة العاملة، وهي تلغي تأمين أشخاص المواطنين، وتقوم بالتوقيف الاحتياطي، بدون اتهام، وبدون ملف للقضية، كما تقوم بالتفتيش في غياب من يعنيهم الأمر، كما تسرق أوراق الأشخاص الموقوفين، وتخترع التهم أثناء التحقيق! وفي نفس الوقت تحيط منتخبي الطبقة العاملة بجو من التهديد برفع الحصانة النيابية، وتدعى جر المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وتقوم بالتهويل على القضاء، وتحمي مرتكبي الاغتيالات ضد القضاء! كما كان باربوس يقول: "لقد سقطت من يديها وثيقة حقوق الإنسان منذ أمد طويل ". نرى إذن أن نضال الطبقة العاملة، في مثل هذه الظروف، ضد الدولة البرجوازية، ومحاولاتها الفاشية، يتفق مع النضال من أجل الدفاع عن الحريات الديمقراطية البرجوازية، تلك الحريات التي داستها البرجوازية بأقدامها، بينما تملك الطبقة العاملة القوة للعمل على احترامها إذا مااتحدت. مثال ذلك أنه كان يستحيل في 21 آب 1953، على مكتب المجلس أن يعارض في دعوة البرلمان لو أن القادة الاشتراكيين الديمقراطيين للنقابات المنشقة لم يوجهوا، قبل بضع ساعات ضربة قاضية للإضراب فأعلنوا استئناف العمل. حتى إذا ما اتحدت الطبقة العاملة أصبحت لديها القوة لتنمية نشاطها في جميع الميادين، بفضل الشرعية الديمقراطية البرجوازية. للطبقة العاملة أسباب طبقية مبدأية للدفاع عن الحريات الديمقراطية البرجوازية، ضد الدولة البرجوازية. كحرية إنشاء النقابات التي فازت بها والتي لها أهميتها الرئيسية في نضالها الاقتصادي، وحرية تنظيم نفسها في قوة سياسية مستقلة، تستطيع أن تستمر في سياسة تلائم رسالة البروليتاريا التاريخية. المشكلة التي تشغل، اليوم، ملايين العمال الذين يعيشون في ظروف الرأسمالية، هي تحديد موقفهم من الصور التي ترتديها سيطرة البرجوازية في مختلف البلدان: نحن لسنا فوضويين، كما أننا لسنا غير مبالين بمشكلة معرفة نوعية النظام السياسي القائم في بلد ما. هل هي دكتاتورية برجوازية في صورة ديمقراطية برجوازية ولو كانت تتمتع بأضيق الحقوق والحريات الديمقراطية، أم هي الدكتاتورية البرجوازية في صورتها الفاشية المفضوحة؟ ولما كنا أنصار الديمقراطية السوفياتية فأننا ندافع عن كل شبر من أرباحنا الديمقراطية التي انتزعتها الطبقة العاملة، خلال سنوات طويلة من النضال العنيد، كما أننا نناضل بعزم لتوسيع هذه الأرباح. كم من تضحيات تجشمتها الطبقة العاملة في انجلترا قبل أن تنال حق الإضراب، والاعتراف بوجود النقابات شرعياً، وحرية الاجتماع، وحرية الصحافة، وتوسيع حق الانتخاب الخ.. كم من عشرات آلاف العمال بذلوا أرواحهم في المعارك الثورية التي نشبت، في فرنسا في القرن التاسع عشر، لينالوا الحقوق الأولية وإمكانية تنظيم قواهم للنضال ضد المستغلين! لقد بذلت البروليتاريا، في جميع البلدان، الكثير من الدماء لتفوز بالحريات الديمقراطية البرجوازية. ولهذا ندرك عزمها على النضال بكل قواها للمحافظة عليها . لقد ضمنت البروليتاريا نموها السياسي بفوزها بالحريات الديمقراطية البرجوازية، مع أن البرجوازية قد تصورت هذه الحريات لاستعمالها الخاص. كتب لينين يقول: أحرزت الجمهورية الديمقراطية، كما أحرز الانتخاب العام تقدما ضخما بالنسبة للرق: فلقد مكنا البروليتاريا من الوصول إلى هذا الاتحاد، وهذا التكاتف اللذين تتمتع بهما الآن، وأن تكون صفوفها المنظمة التي تقوم بنضال منظم ضد رأس المال ولولا النزعة البرلمانية والانتخاب لاستحال نمو الطبقة العاملة بهذا الشكل لهذا كان قول الزعماء الاشتراكيين الديمقراطيين، بأن الماركسيين اللينينيين ينهجون سياسة الأسوأ، ويفضلون الفاشية على الجمهورية، غيبة ونميمة. لقد رأينا، عدة مرات الأهمية التي تعلقها الماركسية على دور الأفكار التي تتسرب إلى الجماهير، وتصبح قوة مادية، وتسمى عاملا فعالا في التغيرات السياسية الضرورية للتحول الاجتماعي، متى تحققت الظروف الموضوعية. ولكن هل يمكن إذاعة هذه الأفكار الماركسية بين الجماهيرإلا بواسطة الدعاية الصريحة لهذه الأفكار، تلك الدعاية التي تسمح بتعبئة الجماهير وتنظيمها من أجل العمل السياسي؟ أفضل الشروط إذن بالنسبة للبروليتاريين الثوريين هي، في المجتمع الرأسمالي، ظروف الجمهورية الديمقراطية، التي يستطيع بفضلها حزبهم أن يشرح صراحة للجماهير الفقيرة سياسته: والماديون الساذجون، الذين يجعلون الجدلية، ولا يعرفون دور الأفكار وأهميتها. يمكنهم أن لا يعبأوا، مع الفوضويين بصورة الدولة البرجوازية. كتب لينين يقول، معلقاً على ملاحظة لانجلز في نقده لمشروع البرنامج الاشتراكي الديمقراطي لعام 1891: يكرر انجلز هنا، مع توضيحها، الفكرة الآساسية التي تضع خطأ أحمر على جميع مؤلفات ماركس، وهي أن الجمهورية الديمقراطية هي أقصر الطرق المؤدية إلى دكتاتورية البروليتاريا . Dip not yok يلاحظ ديمتروف، في تتمة النص المذكور آنفاً، أن موقف الطبقة العاملة من الديمقراطية البرجوازية تفرضه أسباب طبقية، وأن هذا الموقف يحدده موقف القوى المناهضة للثورة من الديمقراطية البرجوازية. وهو يلاحظ أن الثورة الفاشية المناوئة هي التي تهاجم، اليوم، الديمقراطية البرجوازية، محاولة إخضاع العمال لنظام الاستغلال والإرهاق البربري.وعلى الجماهير العاملة أن تختار، اليوم، في عدد من البلاد الرأسمالية، ليس بين دكتاتورية البروليتاريا والديمقراطية البرجوازية، بل بين الديمقراطية البرجوازية والفاشية . ولقد أختصر موريس توريز تعاليم الجدلية الماركسية حول هذه المسألة في عام 1934 في المؤتمر القومي للحزب الشيوعي الفرنسي في الكلمات التالية: يناضل الشيوعيون ضد جميع صور الدكتاتورية البرجوازية حتى ولو ارتدت هذه الدكتاتورية صورة الديمقراطية البرجوازية. غير أن الشيوعيين لن يهملوا قط الصورة التي يرتديها النظام السياسي للبرجوازية. فهم يكشفون القناع عن عملية انحطاط الديمقراطية البرجوازية الرجعي، ممهدة الطريق أمام الفاشية. لقد دافعوا، ويدافعون، وسوف يدافعون، عن جميع الحريات الديمقراطية التي فازت بها الجماهير نفسها، وأولاها جميع حقوق الطبقة العاملة. توجد الطبقة العاملة، في نضالها ضد الفاشية للدفاع عن الحريات الديمقراطية البرجوازية، أساساً للتحالف مع الطبقات المتوسطة وطبقة الفلاحين العاملين، تلك الطبقات التي ترتبط بالحريات الديمقراطية وتذهب ضحية دكتاتورية رأس المال الكبير. فهي تعمل على فصل هذه الطبقات عن البرجوازية الكبرى، وعزل البرجوازية، وحرمانها من انصارها بين البرجوازية الصغرى. يدعم النضال ضد الفاشية، إذن، قوة تحالف البروليتاريا، والفلاحين والطبقات المتوسطة، تلك القوة التي بدونها لا يمكن الخلاص من ذلك السد الذي تقيمه القوى الرجعية في وجه التقدم الاجتماعي. ولا تنسى الطبقة العاملة، في نضالها من أجل الدفاع عن الحريات الديمقراطية، أنها تناضل أيضاً من أجل حرية أسمى، هي حرية العمال، وقد تحرروا من استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، أن يمارسوا سلطة دولة من نوع جديد، فهي التعبير عن أرادة غالبية الأمة العظمى، وأن يجعلوا الدولة تقوم بتطبيق واع لقوانين الطبيعة والمجتمع لمصلحة المجتمع. تناضل الطبقة العاملة من أجل الدفاع عن الحريات الديمقراطية والبرجوازية وتوسيعها. لهذا النضال، إذن، محتوى اجتماعي يختلف نوعياً عن نضال البرجوازية من أجل "الحرية". ولا يمكن إيجاد علاقات إنتاج جديدة اشتراكية، تعمي انتقال الإنسان إلى الحرية الفعلية، ألا بازدهار الديمقراطية بأوسع معناها. ندرك الآن الصلة بين المسألة السياسية لنضال طبقة العمال، من أجل الحرية الديمقراطية، وبين المسألة النظرية لتطبيق قانون الترابط الضروري بين علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج، كما ندرك الصلة بين آخر مؤلف نظري لستالين (مشاكل الاشتراكية الاقتصادية في الاتحاد السوفياتي) وبين هذا المقطع من خطابه، في المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي: كان للبرجوازية، في الماضي، أن تتظاهر بالنزعة المتحررة، فكانت تدافع عن الحريات الديمقراطية البرجوازية فتوجد هكذا شعبية لها. أما الآن فلم يبق أي أثر للنزعة المتحررة. ولم تعد توجد" الحريات الفردية" المزعومة، ولا يعترف اليوم بحقوق الفرد ألا لأولئك الذين يملكون رأس مال بينما سائر المواطنين يعتبرون مواد إنسانية خام صالحة فقط للاستغلال. لقد ديس بالأقدام مبدأ المساواة في الحقوق بين الناس والأمم، وحل محل المبدأ الذي يعطي كل الحقوق للأقلية المستغلة، وحرم غالبية المواطنين المستغلين من حقوقهم. لقد القي براية الحريات الديمقراطية البرجوازية.وأعتقد أن عليكم، يا ممثلي الأحزاب الشيوعية والديمقراطية، أن ترفعوا هذه الراية وتحملوها وتتقدموا بها إلى الأمام، إذا أردتم أن تجمعوا حولكم غالبية الشعب. وليس أحد غيركم يستطيع رفع هذه الراية . تعريب شعبان بركات المكتبة العصرية ... صيدا . بيروت
#جورج_بوليتزر_وجي_بيس_وموريس_كافين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اصول الفلسفة الماركسية ...الدرس الحادي والعشرون
-
اصول الفلسفة الماركسية ...الدرس العشرون
-
اصول الفلسفة الماركسية ...الدرس التاسع عشر
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثامن عشر
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السابع عشر
-
اصول الفلسفة الماركسية .. الدرس السادس عشر
-
اصول الفلسفة الماركسية .. الدرس الخامس عشر
-
اصول الفلسفة الماركسية..الدّرس الرابع عشر
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدّرس الثالث عشر
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثاني عشر
-
اصول الفلسفة الماركسية .. الدرس الحادي عشر
-
اصول الفلسفة الماركسية..الدرس العاشر
-
اصول الفلسفة الماركسية . الدرس التاسع
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثامن
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السابع
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السادس
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الخامس
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الرابع
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثالث
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثاني
المزيد.....
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
المزيد.....
-
مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس
/ حسين علوان حسين
-
العصبوية والوسطية والأممية الرابعة
/ ليون تروتسكي
-
تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)*
/ رشيد غويلب
-
مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق
...
/ علي أسعد وطفة
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين
/ عبدالرحيم قروي
-
علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري
...
/ علي أسعد وطفة
-
إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك
...
/ دلير زنكنة
-
عاشت غرّة ماي
/ جوزيف ستالين
-
ثلاثة مفاهيم للثورة
/ ليون تروتسكي
-
النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
/ محمد عادل زكى
المزيد.....
|