أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سهيل أحمد بهجت - المجتمعات الحرة و مجتمعات التخلف














المزيد.....

المجتمعات الحرة و مجتمعات التخلف


سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر

(Sohel Bahjat)


الحوار المتمدن-العدد: 2544 - 2009 / 2 / 1 - 10:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ قرن من الآن و العراق "الحديث" لم تقم له قائمة، و طبيعي أن أي بلد يسوده العقل العشائري القبلي الذي يعتبر "الدولة" عدوا و إلى جانبه عقل يتمسك بأهداب الدين التقليدي ـ بمعنى أن الدين العقلاني الفلسفي يتطابق مع الديمقراطية ـ طبيعي أن هذه العقلية تنتج على الدوام تجارب سياسية فاشلة، بدءا بالتمسك بأهداب القومية العنصرية و انتهاءا بالتطرف الديني الذي لا يقبل أي منطق أو حوار، أو يقبل منطقا و حوارا "شكليا" دون أي مضمون حقيقي، و بالتالي سنبقى كعراقيين ندور في فلك التجارب الفشل السابقة، لكن إن حصل العكس و بدأ الناس يشكّون و يطرحون الأسئلة حول عقائدهم التقليدية و ثقافتهم التي توارثوها عن الآباء و الأجداد، فإن ذلك سيوفر فعلا فرصة للتغيير الحقيقي.
و المشكلة الأخرى التي تعانيها المجتمعات الإسلامية ـ و العراق من ضمنها بالتأكيد ـ أنها لا توفر للفرد جوا من الحرية الأخلاقية و الاجتماعية و الغالب على هذه المجتمعات هو التجسس و التدخل بشكل متواصل في شؤون الناس الخاصة و هو ما نستطيع أن نصفه بنوع من "الصفاقة" حيث يتعامل الناس مع بعضهم البعض و كأنهم موظفوا مخابرات، و لو حدث أن أحدهم أخطأ في تصرف شخصي هنا أو هناك فإن المجتمع كفيل بفضحه و هتك عرضه و تسويد سمعته، من هنا نجد أن ثقافة "العار" لا تتيح للفرد أي نوع من التعبير عن الفردية أو الاختلاف مع ما يسود المجتمع من قيم.
و المصيبة أن الدين ـ التقليدي ـ اختلط بالعرف القبلي و العشائري و بالتالي أضفى الناس نوعا من القداسة و الهيبة الدينية على أعراف اخترعوها و أضفوا عليها القداسة بفعل تراكم الوقت و الزمن، و لو لا أن العالم تغير و دخل الساتلايت و الإنترنت و الهاتف و الفاكس إلى حياتنا لكان لهذه العادات و التقاليد و الأعراف البالية أكبر الضرر في حياتنا، و إذا كانت هذه الأعراف و العادات مفيدة ذات يوم، فقد أصبحت الآن نقيضا لـ"دولة القانون" التي تعامل المواطنين بالمساواة المطلقة، ففي الماضي كان النظام القضائي و الحكم يراعي شكليات العدالة و التغني بالعدل و الرحمة بينما كانت الوساطة و الطبقية و الرشوة هي التي تحكم، و يكفي أن تقرأ كتاب المرحوم الدكتور علي الوردي (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) لتجد كيف أن العراقيين و المصريين و السوريين واجهوا مدّ التطور و العدالة و المساواة بين المواطنين و عدم التفرقة بينهم لأسباب دينية أو قومية، و اتخذت تلك المقاومة صبغة المقدس، فمثلا كان العثمانيون يعتبرون "الشيعة" مواطنين من الدرجات الواطئة و الدنيا و لكن ما أن جاء البريطانيون إلى العراق بالنظم الحديثة حتى قاموا بمواجهة هذه النظم تحت ستار "العلمانية الكافرة" و "الغزو الثقافي" و ما إلى ذلك، و المضحك أن أحمدي نجدي الرئيس الإيراني مدح "العثمانيين" الذين كانوا يذبحون آلاف الشيعة ـ الإيرانيين و العراقيين ـ لأنهم "روافض"!! و مع ملاحظة أن العثمانيين لم يكن يهمهم لا مذهب أو دين و إنما استغلوا الدين للسلطة و الهيمنة.
الأمر ذاته ـ كراهية الحداثة و شعارات الجهاد و المقاومة الفارغة ـ تكرر مع المصريين و الفرنسيين الذين أخرجوا المماليك و أحلوا محلهم العدل و المساواة و النظم الحديثة و النظافة و البيئة السليمة، حتى أنك تجد الجبرتي و هو المؤرخ المصري الذي أرخ لتلك الأحداث ينظر نظرة المرتاب إلى المعاملة الحسنة التي تعامل بها الفرنسيون مع المصريين فيقول ـ كما نقله الدكتور علي الوردي:
ثم أن عساكرهم صارت تدخل إلى المدينة شيئا فشيئا حتى امتلأت منهم الطرقات و سكنوا البيوت و جافت منهم الحارات، و لكن لم يشوشوا على أحد، و يأخذون المشتروات بزيادة عن ثمنها، و هذه من أعظم المكايد لأجل إضلال عقول العامة، و انهمكوا على أنواع المأكولات..." ثم يصف الجبرتي التطور الاقتصادي و الأمن و الأمان الذي حلا بمصر و لكن شاب هذا التغيير فتن و ثورات حصدت الأرواح و دمرت البلاد، فعقلية المؤامرة و كراهية الحداثة في عالمنا الإسلامي ليست وليدة اليوم، يقول الدكتور الوردي:
و ذكر الجبرتي أن الجنود العثمانيين ـ بعد الجلاء الفرنسي ـ عادوا إلى عاداتهم القديمة في معاملة أهل الأسواق، فقد أخذوا يتحكمون في الباعة و يفرضون على أصحاب الحوانيت دراهم يأخذونها كل يوم، كما صاروا يتناولون طعامهم في الأسواق بلا ثمن، و لم يكفهم هذا بل تعرضوا للناس في مساكنهم فكان أفراد منهم يأتون إلى البيت و يأمرون صاحبه بالخروج منه ليسكنوه. و أسرف بعض الجنود في التعدي على الناس، فكان أحدهم يذهب إلى السوق و معه دنانير مزيفة و يستبدل بها دراهم فضة. أو يستأجر حمارا من المكارين فيذهب به إلى غير رجعة و إذا سار المكاري معه ليمشي وراء حماره قتله. و عندما اشتكى الناس ذلك إلى الرؤساء قال هؤلاء لهم: إن الجنود هم إخوانكم في الجهاد حاربوا أعداءكم و أخرجوهم من بلادكم و هم الآن ضيوفكم لأمد قصير فلم يسع الناس إلا السكوت.." ـ لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ج 2 ص 304 ـ 305
و هكذا تبقى هذه المجتمعات المتخلفة دون أن تعرف مصلحتها و مستقبلها لأنها ببساطة لم تمحص ثقافتها و دينها و لم تفكر في حرية أبناءها، بل بقيت تركض وراء الشعارات الفارغة.



#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)       Sohel_Bahjat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانتخابات بين الإخلاص و المتاجرين بالدين
- جلادوا آل سعود و صمت الحكومة العراقية
- إقليم الجنوب و -مجلس بني أمية-!!
- أحب بلدك و عارض حكومتك
- المالكي و الطالباني... و غزة و مزة!!
- -نصر الله- عروبي... و العراق لن يكون فلسطين
- مجتمعنا العراقي... و المسكوت عنه!!
- هيئة الإعلام العراقي و -ثقافة الحذاء-!!
- المواطن العراقي و الانتخابات القادمة
- شتان بين حذاء أبو تحسين و حذاء البعثي
- قناة الحرة ... من خان الأمانة؟
- العراق... من هيمنة الفرد (الدكتاتور) إلى حقوق الفرد (المواطن ...
- أحداث مومباي الإرهابية... تداعيات الزلزال العراقي
- الشعب العراقي – رهينة الماضي و الحاضر
- الإمام علي و العلم الأمريكي
- صناعة العراق الجديد... المشاكل و الحلول (4)
- صناعة العراق الجديد... المشاكل و الحلول (3)
- صناعة العراق الجديد... المشاكل و الحلول (2)
- مثل آل سعود.. كمثل .....يحمل -قرآنا-!!
- صناعة العراق الجديد... المشاكل و الحلول (1)


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سهيل أحمد بهجت - المجتمعات الحرة و مجتمعات التخلف