|
العصافير تموت جوعا في البيادر ............................. قصص قصيرة
أحمد الجنديل
الحوار المتمدن-العدد: 2543 - 2009 / 1 / 31 - 07:42
المحور:
الادب والفن
العلاج القاتل :
عند اشتداد المرض بملك الغابة ، ومكوثه فترة طويلة في عرينه ، اجتمع حكماء الغابة للتشاور في أمر ملكهم المفدّى . وكان بينهم ثعلب ماكر ، لَعِبَ دوراً كبيراً في إقناعهم ، بأنّ قلع مخالب الأسد هو العلاج الوحيد لاسترداد عافيته وعودته إلى مركزه كملك للغابة . وفعلاً تمّ قلع مخالب ملك الغابة ، وبدأ يسترجع عافيته ، وأصبح زئيره أقوى من ذي قبل ، إلا أنّ ظهره أصبح ملعباً للقطط الصغيرة .
الاجتماع الطارئ :
عقدت مملكة الطيور اجتماعا طارئا لمناقشة التحديات المستقبلية التي قد تواجه المملكة . وافتتح الاجتماع النسر العجوز قائلا : تحية لكم من الأعالي متخمة بالشموخ والكبرياء ، تنقضّ عليكم كغيمة من الوّد تمزقّ سجف البغض والكراهية . ثمّ جاء دور مالك الحزين قائلا : أحييكم تحية مغسولة بلهاث الأحزان ، ومعطرّة بنسيم الأشجان . وتلاه الطاووس متحدثّا : ها أنذا بينكم ، أحمل غطرسة المستقبل ، وتبختر الغد المشرق السعيد ، حيث أنوفنا منابع للعز ، وهاماتنا مكللة بالمجد . ثمّ أقبلت البومة يقودها غراب أعرج ، وراحت تنشد : من أعماق الظلمة الدامسة ، حيث الكون متشح بالسكون ، أنثرُ فوقَ رؤوسكم باقات من الورد وقبل أن تنهي البومة خطابها ، أمسك البلبل بذراع عشيقته ، وطارا بعيداً عن المكان ، وبقيا يتناجيان ساعة ، وعند رجوعهما كان كلمات الثناء والترحيب تنهال من أفواه الجميع ، همست العشيقة في أذن عشيقها : لا أريد المشاركة في هذا الاجتماع . أجابها البلبل : ولا أنا يا صغيرتي العزيزة . وطارا بعيداً حيث شجرة الصنوبر تنتظرهما . وعند الصباح ، كان مكان الاجتماع موحشا ، وقد تناثرت على أرضه بقع من الدماء وبقايا ريش منتوف .
المخاض :
كان الظلام جاثماً على بيوت الغابة ، والسكون هو الحاكم فيها ، ومع الظلام والسكون ، شقّ النوم طريقه إلى الحيوانات التي آوت إلى بيوتها عندما رحلت الشمس عن أفق الغابة ، لتتركها فريسة لمواجهة الرياح التي زحفت حاملة معها لسعات البرد القاسية . في هذه الأجواء ، وبينما كان النعاس يداعب أجفان الثور العجوز ، سمع لغطاً وحركة قريبة منه ، جعلته يقفز من مكانه ليتجّه نحوها يتبعه الابن الأصغر ، وما أن خرج من بيته حتى عثر بجثة ولده الكبير ملقاة عند مدخل البيت . كانت مفاجأة كبيرة للابن الصغير الذي أخذته نوبة من الهذيان ، وتسمرّت عيناه في محجريهما ، وسرت رعشة لم يستطع مقاومتها ، فانهار إلى الأرض ، بينما بقي الأب متماسكاً رغم شعوره بالألم العميق والغضب الكبير الذي راح يعصف به ، إلا أنه استطاع أن يسحب جثة ولده إلى البيت ، وهو يتأمل آثار التعذيب عليها . رفع الصغير رأسه نحو أبيه ، وراح يصرخ والكلمات تخرج من فمه بصعوبة بالغة : من قتل أخي ؟ أجابه صمت ثقيل ، فحاول أن يعيد السؤال على أبيه : ــ من قتل أخي ؟ نظر الأب إلى ابنه ، وأجاب بحزن : ــ قتله حرّاس الغابة . ردّ الابن بفزع : وما الذي فعله حتى يقتله هؤلاء ؟ ــ لا أعلم .. ولكن ما فعله حرّاس الغابة كان هو الصواب . ــ كيف ؟ ــ الحرس الملكي في خدمة مولانا الملك ، ومليكنا المعظّم لا يظلم . ــ لماذا ؟ ــ لأن الملوك تخرج من أرحام الحكمة والصدق ، وعندما يولد الملك ، يولد معه الخير . ــ وما أدراك بذلك ؟ ــ هذا ما تعلمناه منذ صغرنا ، وسمعناه من حكماء الغابة . ــ لكن ليس من الحكمة أن يقتل أخي دون أن يقترف ذنباً !! ــ ليس لك الحق فيما تقول ، فكلّ ما يفعله جناب الملك هو عين العقل ، وله الحق في كلّ ما يفعل . ــ ومن منحه هذا الحق ؟ ــ أنه يولد معه من أجل أن تبقى غابتنا ترفل بالأمن والاستقرار ــ وأيّ استقرار هذا !! وأخي أمامي صريع ؟ وأيّ ازدهار ونحن منذ قرون غارقون في بحر الخوف والجوع والحرمان !! ؟ عند ذاك صرخ الأب بوجه ابنه الصغير : ــ الذي قتل أخاك ، هو هذا الذي يدور في رأسك ، ولا أريد أن أفقدكما معا . ثمّ انتابته موجة من البكاء المتواصل ، وقضى ليلته بجوار ابنه القتيل يبكي بمرارة ، ممّا جعل الابن يربت على كتف أبيه محاولا إطفاء حريق الحزن الذي يواجهه ، إلا أنّ الأب رفع رأسه ، وبصوت خافت قال : ــ لم أبـكِ على أخيكَ ، فـقـد قتـل وانتهى الأمر ، أمّا بكائي فعلـيك ، لانّ من قـتل أخاك سيقتـلك غدا . تفجّر سيل من العاطفة في نفس الابن ، بعد أن أدركَ ما يعنيه أبوه ، فطمأنه بصوت متهدج : ــ أعدك أن لا أسأل بعد اليوم ، ولا أريد أن الإجابة من أحد . أطرق العجوز إلى الأرض هنيهة ، ثمّ أجاب بلغة الواثق : ــ لا تستطيع ذلك يا ولدي ، فالأفكار كالجنين ، ليس بمقدور الأنثى أن تحتفظ به حين يكتمل نموّه ولابدّ لها من مخاض لتخرجه من بطنها ، والأفكار لا يستطيع أحد منّا أن يحتفظ بها عند تنضج فلابدّ لها من مخاض لتخرج من رأس صاحبها ، وعند خروجها إلى النور فسيكون من حملها ، أمّا معارض من طراز ممتاز ، أو منافق من طراز ممتاز ، والأول يقاد إلى الموت ، والثاني يقفز إلى عرش السلطة .
الفهم المعاكس :
مظاهر الزينة والأعلام الملوّنة والشعارات التي تدعو إلى العدالة والسلام قد انتشرت في كلّ مكان من أرجاء الغابة ، والأشجار قد تدلـّت من فروعها البالونات والمصابيح ، وتزينت الأرض بكلّ ما هو جميل من المفروشات ، وارتسم الفرح على وجوه الكبار والصغار من حيوانات الغابة ، وهم مستبشرون بميلاد عهد جديد ينعم فيه الجميع بالرخاء والازدهار . انه يوم تتويج ملكهم الذي قطع على نفسه عهداً أمام شعبه أن يكون الراعي الأمين ، والساهر الوفي على مصلحة الغابة وسعادة سكانها . في الساعات الأولى من يوم التتويج ، وصلت الفرق الموسيقية ومجاميع الإنشاد ، وخرج القادة تزيّن صدورهم الأوسمة والنياشين ، وبدأ السكان يتوافدون إلى المخصص لسماع الخطاب الذي يلقيه الملك بهذه المناسبة العظيمة . لم يبق أحد في الغابة إلا وشارك في هذا الاحتفال المهيب الذي تمّ افتتاحه بمعزوفة النصر ، بعدها رفع علم الغابة وسط الهتاف والتصفيق ، بعد هذه المراسيم وقف الملك وألقى خطابا حماسيا ، وكان كلمّا يلوّح بإحدى يديه ، وتكسو وجهه سيماء الانفعال ، يواجَه بموجة من التصفيق الشديد والهتاف المدوّي : ( تحيا الحرية ويحيا العدل )) . ولكي يبرهن الملك على صدق نواياه وتطبيق شعاراته التي تضمنها خطابه المثير ، فقد أعلن للجميع عن الإجراءات التي سيتخذها في فترة حكمه التي تستمر طالما بقي حيّاً بينهم ، وما أن أنهى خطابه حتى نزل بين صفوف شعبه وهو يلوّح لهم بيديه ، ورأسه يتحرك في كلّ الاتجاهات ، وأمرهم بالسير خلفه ، فتبعته الحيوانات المحتشدة ، وما أن خطى عدة خطوات حتى وقف ، وأشار بيده قائلا : في هذا المكان سوف يتم تشييد أكبر سجن في تاريخ الغابة لكلّ منْ تسول له نفسه عرقلة المسيرة الجديدة ، ولكي يتعلم من خلاله كيف تكون الحرية ؟ ومرّة أخرى دوّت الحناجر (( تعيش الحرية ويحيا العدل )) . ثمّ خطى عدة خطوات ، وعلى الجهة المقابلة ، أشار بيده الأخرى قائلا : أيها الشعب العظيم ، وباسمكم سوف نبني على هذه الأرض أكبر مركز لتدريب الشباب الذين ستلقى على عاتقهم مسؤولية مراقبة كلّ المشاغبين من الحيوانات التي لا تؤمن بمبادئ الحرية والسلام ، وهناك على المرتفع الواقع في شمال الغابة ، سنقيم مشفى كبير يستقبل الوافدين من السجن الكبير ، فليس من العدل تركهم دون علاج . يا شعبي العزيز ، أنّ لدينا من الإنجازات الكثير ، وجميعها تنصب في خدمة الغابة وسكانها ، وترسم مستقبلها المشرق السعيد .والتفت إلى شعبه وبصوت ودود خاطبهم : والآن أيها الشعب الشجاع ، اذهبوا إلى بيوتكم ، ولتغمر الفرحة قلوبكم ، وسنلتقي على طريق الحرية والسلام . هتف الشعب وصفقّ له ، بعدها تفرّق باستثناء السلحفاة الصمّاء التي لم تستطع الالتحاق بالمسيرة ، فوقفت عند المكان الذي وقف فيه الملك ، وتأملته وقالت في نفسها : لقد ذهب الفقر والجوع ، فأولادي سوف يعملون في هذا المكان ، وسيحصلون على الربح الوفير والعيش الرغيد . والتفتت إلى الجهة المقابلة ، وابتسمت : وسوف يتعلم أطفالي هنا ، ويتسلحون بالعلم والمعرفة . ثمّ نظرت إلى المرتفع الذي أشار إليه الملك ، وهمست ضاحكة : وهناك سوف نتلق العلاج ، ولن يجد المرض طريقا إلينا في المستقبل . واستجمعت قواها الخائرة ، وصرخت بصوت خافت : (( تحيا الحرية ويعيش العدل )) وراحت تجّر خطاها بجهد كبير ، وهي فرحة بالمستقبل الزاهر .
المبارزة المثيرة :
عانق الأسد خصمه بعد الانتهاء من المبارزة ، وانفضّ المتفرجون مسرورين ، ولم يبق في الساحة سوى جسد أرنب صغير مات رعبا عند مشاهدته المبارزة المثيرة .
#أحمد_الجنديل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حقوق الانسان زيف الشعارات وفعل الهراوات
-
عندما يغيب الصهيل .............. قصة قصيرة
-
الهجرة الى البحر........منلوج قصصي
-
حكايات عن عواصف الرعب .......... قصص قصيرة
-
الحفاة ........ .. قصة قصيرة
-
الارصفة تشرب الصراخ ................... قصة قصيرة
المزيد.....
-
مركز أبوظبي للغة العربية يكرّم الفائزين بالدورة الرابعة لمسا
...
-
هل أصلح صناع فيلم -بضع ساعات في يوم ما- أخطاء الرواية؟
-
الشيخ أمين إبرو: هرر مركز تاريخي للعلم وتعايش الأديان في إثي
...
-
رحيل عالمة روسية أمضت 30 عاما في دراسة المخطوطات العلمية الع
...
-
فيلم -الهواء- للمخرج أليكسي غيرمان يظفر بجائزة -النسر الذهبي
...
-
من المسرح للهجمات المسلحة ضد الإسرائيليين، من هو زكريا الزبي
...
-
اصدارات مركز مندلي لعام 2025م
-
مصر.. قرار عاجل من النيابة ضد نجل فنان شهير تسبب بمقتل شخص و
...
-
إنطلاق مهرجان فجر السينمائي بنسخته الـ43 + فيديو
-
مصر.. انتحار موظف في دار الأوبرا ورسالة غامضة عن -ظالمه- تثي
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|