|
شعارات المالكي .. بين النظرية والتطبيق
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 2543 - 2009 / 1 / 31 - 08:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التناقض الواضح في خطاب السيد رئيس الوزراء " نوري المالكي " ، الذي ( يَّدَعي ) من خلالهِ الحرص على فرض القانون ، والعمل على جعل " المركز " قوياً مُقتدراً . هذه الشعارات التي يتفق ( الجميع ) على أهميتها وضرورتها من الناحية النظرية ، ولكن تصرفات المالكي العملية ، منذ حوالي السنة ، تُظهِر البون الشاسع ، بين ما ينادي بهِ من شعارات ، وبين [ سياساتهِ العشائرية ] المُريبة ، البعيدة كل البعد عن " فرض القانون " او " تقوية المركز " . - ان دعوات المالكي المتكررة ، حول ضرورة تشكيل ( مجلس وطني للعشائر العراقية ) ، وإناطة مسؤوليات وسلطات إستشارية ورقابية لهُ ، يُقلل من صلاحيات مجلس النواب " المُنتَخب ديمقراطياً " ، ويلغي عملياً معظم سلطات الحكومات المحلية . حيث ستصبح هذه المجالس العشائرية ، سلطة موازية للسلطة الشرعية . مما سيولد الكثير من المشاكل والعقبات . ان " تقنين " هذه المجالس ، هو من اقصر الطُرق ل ( عدم ) فرض القانون ! وأسهل السُبل لإضعاف المركز ، ليس في بغداد فقط ، بل حتى في المحافظات ، حيث ان خطة المالكي ، ستًشرذم السلطات الرسمية ، وتجعل من العُرف القبلي والعشائري هو المحك والفيصل . ويكون " مضيف " الشيخ هو المكان الامثل ، لحل النزاعات والمشاكل ، بإتباع آلية " الفصل العشائري " المتخلفة والبالية ! بدلاً من الإلتجاء الى القضاء والمحاكم والشرطة والإحتكام الى القانون . ان اللجوء الى إستمالة العشيرة والقبيلة ، مِنْ قِبَل زعيم حزب كبير مثل حزب الدعوة الاسلامي ، وإستغلال أعلى منصب تنفيذي في الحكومة الا وهو رئاسة الوزراء ، في سبيل إقامة مؤتمرات عشائرية في مختلف محافظات الجنوب والوسط ، والدعوة الصريحة لتشكيل مجلس وطني للعشائر ، كل ذلك مؤشرٌ على تراجعٍ خطير ، عن التوجه الوطني المسؤول لحزب الدعوة ورئيس الوزراء نوري المالكي . - ان " تسليح العشائر " ، تحت يافطة " مجالس الاسناد " ، هي في الحقيقة ( إسنادٌ ) للمالكي وحزبهِ فقط ! فمنذ الان ظهرت بوادر خلافات خطرة بين [ العشائر المالكية ] إذا جاز التعبير ، " اي العشائر التي حصلت على التسليح والدعم المادي المُقَدم من قبل المالكي " ، وبين العشائر التي حُرِمت من هذه الإمتيازات . والوضع في عدة محافظات لا يُبشر بالخير من هذه الناحية ، مثل الديوانية والسماوة والنجف وكربلاء . المالكي طبعاً لا يستطيع تجنيد وضم " جميع " القبائل ، فهنالك العديد من شيوخ وابناء العشائر ، يميلون سياسياً الى تأييد المجلس الاعلى الاسلامي او اطرافاً اخرى ، فالمحصلة النهائية لإنشاء مجالس الإسناد ، هي تحشيد التأييد لرئيس الوزراء وحزبه ، وليس لأهدافٍ نبيلة كما هو مُعلن ! . وإذا كان توسيع جماهيرية حزب الدعوة هو من الامور الشرعية التي يناضل كل حزب في سبيل تحقيقهِ ، فأن [ إستغلال ] أموال الدولة وإمكانيات الحكومة ، من اجل زيادة شعبية المالكي ، هو مخالفة قانونية وإبتعادٌ عن النزاهة والحرص على المصلحة العامة ! اما محاولات رئيس الوزراء ، المستميتة ، من اجل تشكيل مجالس إسناد في محافظة " مستقرة أمنياً " الى حد كبير ، مثل كركوك ، فالغاية منها ، هي دق أسفين بين المكونات المتآخية في هذه المحافظة ، وتأجيج الصراعات القومية والمذهبية . تلك الغايات تؤدي الى ( فرض قانون لمصلحة حزب الدعوة ورئيسه تحديداً ) وليس فرض قانون الدولة والدستور ! - تشكيك نوري المالكي ب " الدستور " في كل محفل ، ودعوتهِ المتكررة الى تبديله وتغييره " بغير الوسائل التي أتاحها الدستور نفسه " ، بل بطرق غير قانونية ومبتسرة ، يضعه اي المالكي ، في نفس خانة الذين كانوا منذ البداية ، ضد العملية السياسية والدستور ، اي بقايا البعث الفاشي والقوميين العنصريين وحاضني الارهاب! فليس خافياً على أحد ، ان هذا " الدستور " هو الضمانة لوحدة العراق ، وهو الحماية للديمقراطية الوليدة ، وهو خارطة الطريق للخروج من كافة الأزمات والمشاكل . والكل يعلم واولهم المالكي ، بأن هنالك مواد وفقرات في الدستور والمتعلقة بشكل الدولة ونظام الحكم ، لا يمكن تغييرها . علماً بأن هنالك لجنة واسعة من الإختصاصيين ، مُشّكلة من قِبَل مجلس النواب ، منذ اكثر من سنتين ، من اجل مراجعة الدستور وإقتراح التعديلات . ولكن تعنت بعض الاطراف ومن ضمنهم حزب المالكي ادى الى عرقلة عمل هذه اللجنة ، وعدم تفعيلها ، مثلما يجري من " عرقلة رسمية " في طريق تطبيق المادة الدستورية "140". - ان تشكيل مجالس الاسناد وتسليحها ، بمبادرة ومباركة المالكي ، يُقلل من هيبة وقيمة ، الحرس الوطني اي الجيش العراقي والشرطة وقوى الامن . ويُناقض مبدأً اساسياً من مباديء ( الدولة ) ، وهو " إحتكار وسائل العنف " . ويخلق تنظيمات مسلحة أقرب الى الميليشيات ، من الطبيعي ان تتقاطع مع قوى الامن الرسمية هنا او هناك ، وربما تؤدي الى إقتتال داخلي نحن في غنى عنه . ومن الغريب ان يمتلك العراق الجديد مليون ومئة الف منتسب الى الجيش والشرطة والامن ، وفي نفس الوقت " يسعى " رئيس الوزراء الى تشكيل تنظيمات عشائرية مسلحة . انها في الحقيقة خطوة على طريق عسكرة المجتمع ، هذه العسكرة التي طالما عانى منها الشعب العراقي في السابق خلال حكم صدام . - بعد ان إسْتمرأ السلطة في السنوات الماضية ، لا يريد المالكي ان " يُصّدق " ، ان نظام الحكم في العراق الجديد ، يختلف جذرياً عن الانظمة السابقة . وان خلافه المتنامي والمتصاعد ، ليس مع " اقليم كردستان " فقط ، بل انه ينادي ويُجاهر بتحديد صلاحيات المحافظات ايضاً ، وتقوية ( المركز ) ! ان إصطفاف المالكي مع كل الذين يَحّنون الى دولةٍ مركزية قوية ، تسيطر من العاصمة على كل المدن بيدٍ من حديد ، وتخطط وتُنّفذ نيابةً عن الجميع ، وتُعاقب وتُكافيء المحافظات حسب مزاج " القائد " المتربع على عرشهِ في بغداد ! لَهوَ دلالة على عدم قناعتهِ بنظام الحكم الجديد " اللامركزي " في العراق . هذا النظام الذي أقَّرهُ الدستور ، والذي يعتمد على ( توزيع ) السلطات و الصلاحيات بصورةٍ واسعة . بدءاً من المركز ، حيث انتهى للأبد عهد " الحاكم الاوحد " او الرئيس القائد او الزعيم مدى الحياة . فهنالك سلطة تشريعية ، تُشرع وتراقب ، وسلطة قضائية تُحاكم وفق القانون ، وسلطة تنفيذية تُطّبق وتُنّفذ " وهي خاضعة للمحاسبة والتدقيق . وكذا أقّر الدستور صلاحيات واسعة للأقاليم والمحافظات ، مُحتفظاً للمركز بصلاحيات " سيادية " تسري على الجميع . ان منحى " تحجيم " سلطات الاقاليم والمحافظات ، و" تقوية " سلطة المركز ، التي ينتهجها المالكي منذ اكثر من سنة ، هو مخالفة للدستور من ناحية ، وخطوة خطرة للإنزلاق نحو الديكتاتورية المقيتة ، من جهةٍ ثانية !
#امين_يونس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مليون صوت مُجّيَر مُسبقاً لأحزاب الاسلام السياسي
-
حرب المُلصقات : - مَديونون - و - شنو الداعي ؟ - !
-
- مبايعة - أوباما والدروس المستخلصة
-
القائمة الوطنية العراقية ..تدمير من الداخل
-
دعايات نصف مُغرضة !
-
أهالي ضحايا حلبجة ينتظرون الجواب
-
الإصلاح السياسي في اقليم كردستان .. ضرورة مُلّحة
-
إستثمار نَزْعة العمل الطوعي الجماعي
-
ميزانية 2009 ، تحتَ رحمة سعر برميل النفط
-
شعب غزة .. بين همجية إسرائيل والسلطات المغامرة والفاسدة
-
لِيِكُنْ عيد رأس السنة الإيزيدية ، عطلة رسمية في الاقليم
-
محمود المشهداني ..نهاية مسيرة رَجُل.. بداية مرحلة جديدة
-
إنتخابات مجلس محافظة نينوى .. إضاءة
-
تكافؤ الفرص في إنتخابات مجالس المحافظات
-
علي الدّباغ ومواعيد عرقوب !
-
حذاء خروتشوف وقندرة منتظر الزيدي !
-
في ذكرى تأسيسهِ الثلاثين .. تحية الى pkk
-
عودة العشائرية
-
بين الإصلاح السياسي والإتفاقية
-
كاريكاتير ديمقراطي
المزيد.....
-
الولايات المتحدة: إطلاق نار في حرم جامعة فلوريدا يسفر عن مقت
...
-
بوشكوف: ترامب غير معجب بأوروبا ولا يريد تحمل مسؤولية الغرب ب
...
-
مقتل طفل بهجمات مسيرة أوكرانية على جمهورية دونيتسك الشعبية
-
موقع كويتي ينشر تقريرا -مثيرا- عن سوري اكتسب الجنسية وأمه أص
...
-
قائد بريطاني: الضمانات الأمنية التي ستقدمها أوروبا لأوكرانيا
...
-
الخطوط الجوية السورية تعلن رسميا عودة رحلاتها إلى الإمارات
-
مقتل شخصين وإصابة 5 في حادث إطلاق النار بجامعة فلوريدا والسل
...
-
اليمن: الولايات المتحدة تقصف ميناء نفطيا في الحديدة وتجمد أص
...
-
حماس تستنكر -الانتقام الوحشي- من سكان غزة وتحذر بشأن الأقصى
...
-
الجيش الفرنسي يعلن تدمير مسيرة في البحر الأحمر
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|