أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مرهف مينو - بقعة بيضاء في الذاكرة .....














المزيد.....

بقعة بيضاء في الذاكرة .....


مرهف مينو

الحوار المتمدن-العدد: 2540 - 2009 / 1 / 28 - 05:54
المحور: الادب والفن
    


لا أحب سرد أجزاء من حياتي .. أهمل كل قصص السير الشخصية , أضع الروايات ومذكرات الكبار في رف مكتبتي الأسفل .
بعضهم قال عندما تكتب من تعرف فأنت تقتله , لن أقتلك , كتبتك كي احتفظ بالرائحة التي أحببتها فيَّ .
كتبتك لآخر مرة .
حمل ثقيل , غصة قلب , وضباب دمع , مرارة سؤال .... : كيف أصبحت دون أن ادري أمي ؟
****************************************

تلاحقني دائما بالأطعمة التي انتهت من تحضيرها الآن في المطبخ .
نذرت حياتها للتعب والقهر .... وحيدة .
تعصب رأسها فوق شالها الأبيض الذي يشبه " غطاء الصلاة " بمنديل حريري كان فيما مضى غطاء رأس ثم حولته لـ " بقجة " إلى أن انتهى عصبة لرأس يتألم .
في صدرها الكبير دائما مصحفا صغيرا , لا تحب الأحجبة , وقرش اصفر ... لي .
ضبطتها مرة , تبحث في ملابسي , تقربها من انفها , تشمها , تشتم قميصي الأزرق من الصدر بشغف عاشقة , تغمض عينيها على أحلامها .... التي لا يعرفها الا هي .
اكتشفت بعد غربتي عن وطني ان للأمهات مقاييس خاصة في الحب , تلك العجوز الطيبة لم تترك فراغا الا ملئته .
اكتشفت لما لم تبكي ابي بموته , مزيج الفرح والحزن والقسوة واللين والطلاقة ذاك , ككل امهاتنا , فلاسفة بدون نظريات وكتب يستطعن رؤية الجمال اينما كان بتعقيده وبساطته , يرتجفن منه , يحسونه , يأكلون منه .... بتلقائية .
قداسة تضمها هي وفنجان قهوتها وسيجارتها اليومية الوحيدة , تشربها ... تستغفر بعدها الله مئة مرة , وحيدة كانت كمريم , تهز نخلتها ..... الخاصة .
هدوء لم استطع فهمه الا في الأربعين , تودعني جالسة على " الدفة " وسط أكوام الغسيل الأبيض ... برميل " الغلي " الفضي وبابور الكاز طقسها الصباحي المعتاد .
تناديني لأساعدها في حمل البرميل للسطح , تقترب من السرير , أراها من تحت الأغطية قادمة مياه الغلي تقطر من ساعديها وبقعتان من رغوة الصابون على ملابسها , تسبقها رائحة النظافة والمساحيق المبيضة :
- عبد الله .... عبد الله , طلعت الشمس .
طلعت الشمس , عبارتها تختلط بروائحها ومساحيقها وصوت الراديو الصغير الذي تصر انه لها .
" طلعت الشمس , غابت الشمس " نهارها هي يقبع بين تلك العبارتين , انا وسجادة الصلاة وسيجارة – الحمراء - وبعض من تزورهم او يزورونها من أصدقاء .
يتابع الصوت :
- بس تعال ساعدني على الدرج .
اتأفأف منها , ألف نفسي بأغطيتي مخفيا وجهي ويدي تبحث عن النظارات على الرف بجانب التلفزيون .
تتركني معلنة إفلاسها بكلمة : الله يهديك , اسمع طرقات البرميل على الدرج ولهاثها , انفض ما تبقى مني بين الأغطية مسرعا إليها بخطوتين كبيرتين أمد راسي بين يدها والبرميل .
تضحك , احمله واجري به للأعلى .
- الله يرضى عليك ... نمر .
أحببت اتساعها , قلة خيبتها , فرحها الدائم , يتمها , عرسها المستمر يوميا في البيت .
كانت تجد الوقت دائما لتكلمني عن فرن التنور وزريبة الجمال وعمها " كرمو " أنيس يتمها .
تعبق من حكاياتها رائحة القرفة واللوز البلدي .
كانت ملجأي من خدوش طفولتي السعيدة , من مشاكلي الكبيرة الصغيرة , زلات لساني , منقذي الوحيد من رائحة الدخان المعشش في ملابسي عند لهونا " بخرابة " الحي .
احترفت صمت يتمها ... إلا معي , أنا كبرت هي ازدادت اتساعا حتى وطئتني , مازلت صاحب الراس الصغير والنظارات الكبيرة .
شهدت شغفي , وهواتفي الليلية , رتبت أوراقي , لملمت الواني وفرشي , راقبت لوحاتي ... بصمت يعجز عنه حجر .
تأتيني بعد ان أنام , تهزني , تسألني : تتعشا ؟.
تضيف بعد ان تسألني أين كنت :
- تعال ... اشرب معي قهوة .
بعد انتقالنا لبيت أحلامها الجديد لم تعد تردد جملتها " طلعت الشمس " , لم تعد تنام في غرفتها , استوطنت شرفة البيت هي ومسبحتها الزرقاء الطويلة وسجادة الصلاة .
اشترطت ان يكون البيت جديدا :
- الصحة يا عبد معد تساعد , شفلي بيت جديد وصغير .
تستدرك :
- ويكون قريب من أمي ....
تستدرك :
- وسيدي خالد .... والبرندا واسعة .
كانت " البرندا " كما يحلو لها ان تسميها مخدعها السري تقيل فيها بعد العصر , تستقبل أصدقاءها , صومعتها الأقرب الى الله .
حتى ان شهور العدة قضتها فيها حزنا على رفيقها – أبي – هي ومسبحتها , تك , تك , تك .... تدعوا بهمس وتصلي بهمس .
- الساعة هلق أربعة الفجر !.... نامي .
- لا .. تعال , اشتقتلك .
ينهض الطفل داخلي قبلي , قافزا , بخطوة تكون القهوة جاهزة .
اجلس متربعا إمامها , عاريا بقميصي الداخلي , أعطيها علبة سجائرها الوطنية وولاعة " الرونسون " إرئها الوحيد من أبي .
تكلمني بصيغة السؤال والعتب :
- اتصلت فيك اليوم هاي البنت الشقرا ؟... والله صرت اخجل منها , بدك تعلمني الكذب بعد ها لعمر ... شو اسمها .
لا تنتظر إجابتي تجيب هي :
- نانا ؟ لانا ؟ .... المهم البنت كلها أدب ما بتقلي الا يا حجة ....؟ لك عيب عليك هدول بنات ناس .
اضحك , تضيف :
- والله مابحط ايدي بجوازتك ابدا .
تفهم تناقضي ... ارتمي عليها عابثا بغطاء الصلاة متناسيا أني كبرت بغفلة مني .
تشعل سيجارتها .
يتوقف القلب , وتعود الذاكرة , تتأرجح هي فقط بين طيات الذكريات , يتعثر اللسان معها , يتعثر عند وصفها ... اشتقتها .
" هي " وتلك النبته الغريبة فوق قبرها والتي لاتزال رغم قسوة فصول المدينة تدهش قلبي بأحمرها الجذاب وأخضرها المدهش .
رغم كل السنوات الكسيحة والأحلام الهاربة , التي تمر .. تصر دوما على الظهور فجرا كل يوم مع أول خيط نور لتقول لي :
- عبد ... قوم , طلعت الشمس .



#مرهف_مينو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية لم تكتمل ....
- سؤال صعب ...
- كمنجة ...
- هواجس حقيقية
- إعتراف متأخر
- قناة الجزيرة في سوريا : إعلامٌ عاجز
- لوثة حضارية
- نساء دمشق
- أفكار على جدار سوري ...
- vأفكار على جدار سوري
- حلوم
- الليلة ما قبل الأخيرة ...
- مطر وتراب
- متى يصرخ السوري .... من الجفاف
- قصة


المزيد.....




- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مرهف مينو - بقعة بيضاء في الذاكرة .....