عساسي عبدالحميد
الحوار المتمدن-العدد: 2536 - 2009 / 1 / 24 - 09:02
المحور:
الادب والفن
حدث ذلك منذ سنين عديدة، أيام كنت طفلة في ميعة الصبا، فذات ظهيرة كنت مارة صحبة والدي واذا بنا على مقربة من جمع من الناس بقرب تلك السنديانة المنتصبة عند طرف الساحة، وقف أبي هنيهة وقال لي׃ امكثي هنا يا راحيل ولا تبرحي مكانك، سأعود اليك بعد قليل، هوذا يسوع الناصري قد جمع الناس من جديد يا راحيل، سأذهب لأرى وأسمع ما يقوله ....
لا أدري ما الذي جعلني أنسى نصيحة أبي بأن أبقى في مكاني وأنتظره حتى يعود، أهي نبرة يسوع الفريدة الغامرة؟ أم نظراته المرحابة الآمرة؟ أم ابتسامته المعزية الآسرة؟ أم شيئ آخر غير هذا كله؟، اتجهت نحو السنديانة حيث يسوع يحدث الناس فاخترقت الجموع ووقفت أمامه، فنظر الي ولمس رأسي مبتسما وكانت يده كغيم التلال اللطيف وكظليلة الصفصاف الوارف في ظهيرة لامعة، التفت يسوع نحو الجموع وقال׃ الحق الحق أقول من لم يستطع منكم أن يصير مثل هؤلاء الصغار فلا نصيب له في مملكة أبي، فنور الرب في عيون هؤلاء كذلك بذار حكمته وأزاهر ملكوته في قلوبهم أيضا، فكونوا أنتم الكبار مثلهم لتنالوا بركات أبيكم السماوي ودعوا الصغار يأتون الي ولا تمنعوهم، هكذا تكلم يسوع، ثم بعدها حدثنا عن الجار والغريب، وعن عابر السبيل، ثم حدثنا عن زنابق الربيع المبتهجة بأثوابها وعصافير الأودية المترنمة مع السواقي الشادية، وعن كروم الجليل المثقلة بغلال أيلول، ثم حدثنا أيضا عن الطريق الحق والخلاص الذي يقود للآب...
ما زالت كلمات يسوع تتموج في أذني حتى الساعة كرقرقة الجدول الصافي بين الصخور الموحشة وكرفرفة حمام الجبال العائد في المساء، نعم، أستحضر كل هذا كلما احتضنت أحد أحفادي الصغار أو لمست رأس صبي كما فعل معي يسوع ذات يوم عندما كنت صغيرة، فذكرى الناصري العجيب ما زالت تسكنني رغم مرور هذه السنين وما زالت صورته البهية تنتصب أمام عيني كما البارحة كلما قادتني خطواتي و جرني الحنين نحو تلك السنديانة العتيقة، نعم تلك السنديانة التي رأيت بقربها نور الرب في عيني يسوع فأتذكر ما قاله لي والدي الراحل عن يوحنا المعمدان أنه سيأتي من يعمدكم بأنوار السماء المتدفقة كما أعمدكم أنا الآن بالماء، فكونوا مستعدين لوعد الرب ومهدو الطريق لهذا الآتي من بعدي السابق لي لأنه كان كلمة في البدء....
#عساسي_عبدالحميد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟