|
دمار غزة والانقلاب الثاني
حسين عبدالله نورالدين
الحوار المتمدن-العدد: 2537 - 2009 / 1 / 25 - 00:36
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
ما جرى في غزة لن يعرف بكل تفاصيله قبل مرور زمن كاف يكون فيه الكشف عن الحقائق ممكنا بدون خوف أو رعب أو إرهاب. الدمار الهائل الذي خلفه الضرب الإسرائيلي للقطاع جعل خالد مشعل زعيم حماس في الخارج يقر ويعترف ان حركته لم تتوقع حجم الضربة الإسرائيلية وإنها كانت تتوقع توغلا يستمر ثلاثة أيام وينتهي كما هو الحال كل مرة. لا ادعي إني امتلك الحقائق كلها ولكني ازعم ان ما تقوله البيانات الإسرائيلية اقرب إلى الدقة والموضوعية من كل البيانات التي تسطرها حماس ومن يدور في فلكها من فضائيات وإعلاميين. التقارير التي وردت من ساحات غزة أشارت إلى مجموعة حقائق مذهلة ليس أخرها ما سرب عن إطلاق صاروخ غراد من أسفل برج الشروق الذي تقع فيه مكاتب عدد من الفضائيات. من تلك الحقائق المذهلة ان مدرسة الوكالة كانت موقعا لإطلاق الصواريخ القسامية. صحيح ان إسرائيل اعتذرت عن قصف المدرسة لكنها لم تنكر وجود منصة صواريخ. وكان الاعتذار في الواقع عن الصاروخ الثالث الذي أصاب المدنيين وليس الصاروخين الأولين اللذين دمرا منصة صواريخ حماس في ساحة المدرسة. من تلك الحقائق أيضا والتي اغفلتها الفضائيات العربية هروب مقاتلي حماس من مواجهة قوات الجيش الإسرائيلي واختبائها في البيوت بين النساء والأطفال حيث كان مقاتلو كتائب شهداء الأقصى الفتحاويون هم أكثر الذين واجهوا قوات الاحتلال. من تلك الحقائق أيضا ان حوالي اربعمئة من نشطاء فتح تم اعتقالهم في إحدى المدارس وأطلقت النار على سيقانهم بحجة عدم السماح لهم بالتخابر مع العدو. من تلك الحقائق ان مقاتلي حماس خلقوا بزاتهم العسكرية واختبأوا باللباس المدني بين الأهالي وعندما أطلقوا الصواريخ كانوا يطلقونها من بين الأهالي ومن ساحات العزاء. احد الجرحى وعلى قناة العربية قالها بصراحة: لماذا الكذب أطلق الصاروخ من عند بيت العزاء. بعد كل هذا، وبعد مئات القتلى وآلاف الجرحى من سكان قطاع غزة الذين سقطوا من دون ثمن بل قربان لمغامرات حماس والأسياد في دمشق وطهران، بعد كل هذا يخرج خالد مشعل مزهوا بما يسميه النصر. أي نصر وأي هزيمة بعد كل هذا الدمار؟ استعير كلمات مشعل ان النصر يستحق ضحايا وان فلسطيني تستحق هذه التضحيات. صحيح ولكن عندما يتم تحقيق شيء ملموس. أما ما حصل فليس أكثر ولا اقل من هزيمة مدوية تلقتها غزة وفلسطين والعرب والإنسانية. هزيمة منكرة ومدوية برغم صياح الحناجر بان غزة انتصرت. ربما انتصر الإنسان الفلسطيني المسكين الذي نجا بروحه من الهجمة الإسرائيلية ولكن بالتأكيد لم يكن هناك أي نصر حقيقي لحماس أو دمشق أو طهران. خطاب مشعل الذي شنف الأذان ببلاغته وقوة حجته لم يحمل أي شيء مقنع. بل كان واضحا انه يريد تكريس انقلاب حماس وانفصال غزة. الانتصار الوهمي الذي حققته حركة حماس كرس الانفصال وكرس الانقلاب وصار الآن من الصعوبة بمكان إعادة السلطة الشرعية إلى القطاع الأمر الذي سيكرس الحصار ويؤسس لهجمة إسرائيلية ثانية قد تكون اكبر بكثير من الجحيم الذي شهدته غزة في الأسابيع الثلاثة الماضية. خطاب مشعل الذي كان من الواضح انه ينطق بلسان دمشق وطهران يؤكد ان برنامج الانفصال لا يزال قائما ويقطع الطريق على أي حكومة وفاق وطني أو وحدة وطنية لان هذا ما تريده طهران ودمشق للوصول إلى هيمنة مطلقة على مقدرات المنطقة. لماذا افتعلت حركة حماس المعركة مع إسرائيل بقطع التهدئة وإطلاق الصواريخ الطفولية على إسرائيل واستدراج العدوان؟ احد التفسيرات ان حركة حماس وهي الأداة الطيعة بيد دمشق وطهران، عملت وكيلا للنظامين المذكورين وقامت بالاستفزاز بعد الاستفزاز لتجر ردا إسرائيليا يبعد عن طهران شبح ضربة عسكرية كانت إسرائيل تعد لها وكان مخططا لها ان تتم في الأسابيع القليلة التي سبقت تنصيب الرئيس أوباما. طبعا من السهل إثارة عواطف الجمهور بالحديث عن الشهادة والجهاد والروح الوطنية وتحرير فلسطين كل فلسطين، وإشاعة جو من النصر الوهمي ودغدغة العواطف وبناء القصور الوهمية في الأحلام. لكن الصعب ان نكون واقعيين ونتعامل مع الواقع بعقلانية وانتباه وحسن إدارة للصراع تحقن الدماء لان الدماء الفلسطينية يجب ان تظل غالية وعصية على ان تسفح قرابين للغرباء. لكن حماس التي باعت نفسها لهؤلاء الغرباء لم يعد يعمها مصلحة الشعب الفلسطيني بل كل همها ان تصل إلى السلطة. وهذا الانتصار الوهمي المكلف جعلها تعتقد أنها اقتربت من تحقيق ذلك الهدف. الخلاف الذي دب بين القادة العرب في الكويت ومن قبلها في الدوحة حاولت السعودية ان تدفنه مثلما تفعل النعامة، لأنه سرعان ما عاد الخلاف إلى الظهور. وخطاب مشعل جاء في اتجاه صب الزيت على النار بوضع شروط للمساعدات المالية التي تبرع بها العرب لإعادة إعمار غزة. أنهم مثل الأطفال الأشقياء الذين يكسرون النوافذ ثم يستجدون تكلفة ترميمها ويضعون شروطا لذلك. وبعد مشعل جاءت تصريحات أسامة حمدان ليؤكد الانفصال ويقطع الطريق على أي مصالحة وطنية تعيد اللحمة إلى شطري الوطن الفلسطيني. ما سمعناه من قادة حماس يؤكد ان الانفصال تكرس وان غزة لن تعود إلى الشرعية الفلسطينية وان على العرب والعالم ان يتعامل مع غزة ككيان منفصل. ما تريده حماس في غزة الآن هو ما تريده الأحزاب الإسلامية في العالم العربي التي تسعى إلى الوصول للحكم. فالإسلاميون يؤمنون بالديمقراطية وصناديق لاقتراع إلى ان يصلوا بواسطتها إلى الحكم وبعد ذلك تنتهي الديمقراطية. لقد قالوها بصراحة في الماضي أنهم يقبلون بالديمقراطية أسلوبا للوصول إلى الحكم وبعد ذلك لكل حادث حديث. تماما كما فعلت حماس في غزة. من قبل الانتخابات التي جاءت بحماس إلى السلطة كانت الحركة تتهيأ لمرحلة الانقلاب من خلال المسلحين والميلشيات التي أسستها ودعمتها بحجة مقاومة إسرائيل. من الطبيعي ان من يتحمل مسؤولية ترك حماس تكبر وتنتفخ ليس فقط الاحتلال الإسرائيلي الذي كان له باع طويل في إنشائها ودعمها لمواجهة منظمة التحرير الفلسطينية بل أيضا السلطة الفلسطينية نفسها برئاسة ياسر عرفات الذي كان يحكم بطريقة هلامية مهدت الطريق إلى كل ما يجري الآن على الساحة الفلسطينية. قد لا يكون الوقت الآن مناسبا لمحاكمة زعامة عرفات ولكن الوقت لا بد ان يأتي وتظهر الحقيق. من العيب على حماس الآن ان لا تعتذر عن الخراب الذي سببته في غزة نتيجة مغامرات غير محسوبة ونتيجة ارتماء في أحضان الغير. مهما فعلت إسرائيل فهي عدو ومن المتوقع ان تفعل ما فعلت. ولكن لا يلام الذئب في عدوانه ان يكن الراعي عدو الغنم. وعندما يدخل ثور ليحطم متحف الكريستال فان الثور لا يلام لان اللوم كله يكون على الذي فتح الباب لهذا الثور.
#حسين_عبدالله_نورالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ربنا موجود
-
لبنان ينتظر المجهول المعلوم
-
امارة غزة الظلامية والتباهي بسفك الدماء
-
انقلاب حماس ومستقبل غزة
-
خلط الاوراق والأدوار المشبوهة
-
المسيحيون في العراق والصمت الاسلامي المريب
-
لماذا لم اكتب منذ زمن
-
إعلان مكة مرهون بنتائجه
-
هل يقدر السنيورة على ما عجز عنه سابقوه؟
-
سبعة و سبعون
-
وقل جاء الحق وزهق الباطل
-
موت رئيس والضلال الذي كنا فيه
-
حزب الله في الشارع
-
الديمقراطية الأردنية ثغرات وأمنيات
-
ويفعلون ما يؤمرون
-
السباق نحو الهاوية: لبنان، ماا شبه الليلة بالبارحة
-
في يوم الذكرى: لن يخفنا الارهاب ولن يوقف حياتنا
-
هل اقتربت النار من دمشق
-
غزوة منهاتن في الذكرى الخامسة
-
انه الإرهاب من جديد
المزيد.....
-
-قريب للغاية-.. مصدر يوضح لـCNN عن المفاوضات حول اتفاق وقف إ
...
-
سفارة إيران في أبوظبي تفند مزاعم ضلوع إيران في مقتل الحاخام
...
-
الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لــ6 مسيرات أوكرانية في أجواء
...
-
-سقوط صاروخ بشكل مباشر وتصاعد الدخان-..-حزب الله- يعرض مشاهد
...
-
برلماني روسي: فرنسا تحتاج إلى الحرب في أوكرانيا لتسويق أسلحت
...
-
إعلام أوكراني: دوي صفارات الإنذار في 8 مقاطعات وسط انفجارات
...
-
بوليتيكو: إيلون ماسك يستطيع إقناع ترامب بتخصيص مليارات الدول
...
-
مصر.. غرق جزئي لسفينة بعد جنوحها في البحر الأحمر
-
بريطانيا.. عريضة تطالب باستقالة رئيس الوزراء
-
-ذا إيكونوميست-: كييف أكملت خطة التعبئة بنسبة الثلثين فقط
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|