أحداث غزة و معجزة النصر الإلهي : الأصولية الدينية و التسويق لإيديولوجية الإعجاز

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي
(Driss Jandari)

الحوار المتمدن-العدد: 2536 - 2009 / 1 / 24 - 09:04
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    

ابتداء بأحداث لبنان سنة 2006؛ و مرورا بأحداث غزة؛ التي ما يزال صداها يتردد في الساحة السياسية و الإعلامية العربية؛ بدأ يتبلور خطاب جديد تقوده الحركات الأصولية في مجموع العالم الإسلامي؛ و يقوم هذا الخطاب على التسويق لإيديولوجية جديدة /قديمة تقوم على الإعجاز كوسيلة لتحقيق الانتصارات الموهومة .
لقد خرج علينا حسن نصر الله سنة 2006 ليعلن أن الله قد التزم بوعده و نصر حزبه – طبعا على الأحزاب اللبنانية - في حربه ضد العدو الصهيوني الكافر ؛ و أن حزب الله قد فرض إستراتيجية جديدة على الساحة الشرق-أوسطية ؛ و أنه قد حطم مشروع الشرق الأوسط الكبير الأمريكي ؛ و أنه قد وأد الحلم الصهيوني في الانتصار و التوسع إلى غير رجعة ...
و خرج الغوغاء إلى الشوارع يهللون بالنصر الإلهي ؛ و يهددون خيبر – و ليس إسرائيل- بعودة جيش محمد ؛ و هلل الخطباء من فوق المنابر مستشهدين بغزوة بدر ؛ و كيف انتصرت فئة قليلة على جيش عرمرم ؛ داعين على أهل خيبر بالويل و الثبور ؛ طالبين الله أن يقتل رجالهم ؛ و يزوجهم شقراوات نسائهم .
و الآن – و كأن التاريخ متوقف- يخرج علينا خالد مشعل؛ و يجتر نفس الخطاب؛ معلنا أن الله قد نصر حماس نصرا لا مثيل له في تاريخ الصراع العربي – الصهيوني ، نصر لا يوازيه إلا نصر الله للمسلمين في معركة بدر ؛ و يجسد هذا القائد العنتري نصر حماس في انسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة ؛ و في فشل الجيش الإسرائيلي في القضاء على المقاومة ؛ التي يختبئ نصفها في دمشق و بيروت و الدوحة ؛ و يختبئ النصف الآخر في الخنادق ؛ بينما يواجه الشعب الفلسطيني الأعزل الآلة الحربية الصهيونية بصدره العاري . و لذلك لم يقض على المقاومة و لكن قضي على الأطفال و الشيوخ و النساء و أبطال الإنقاذ من أطباء و مسعفين...
كان لابد من هذه التوطئة الوصفية ؛ لكي نفهم الخطاب الأصولي الذي يسوق للمعجزات و الخرافات في صراع يتطلب البعد الاستراتيجي الواضح و الطاكتيك الفعال ؛ لربح المعركة ضد عدو يمارس الإجرام بجميع أشكاله ؛ لكن للأسف الشديد غاب كل هذا و حضر العقل المستقيل ؛ ليقود معركة خاسرة منذ البداية ؛ و ليضحي بالآلاف من أفراد الشعب العزل ؛ الذين يقدمهم كدروع بشرية ؛ يحتمي من خلفها ؛ ليعلن في الأخير أنه ربح المعركة ؛ و أن الله نصره على عدوه .
إنها استعادة للمكبوت الديني في أبشع صوره؛ حيث يغيب التفكير العقلاني الحديث و يحضر الوهم ليقود المعارك الخاسرة ؛ و ليمضي للعدو شيكا على بياض ؛ يؤكد من خلاله تفوقه العسكري و قدرته الخارقة على ردع العرب في جميع المعارك بأقل الخسائر ؛ بينما هو في الحقيقة لم يواجه لحد الآن سوى جيوشا عنترية مأدلجة ؛ ناصرية و صدامية ؛ أو أصوليات دينية تعتمد المعجزات و الخرافات لقيادة المعارك .
أما الطاقات الحية للأمة العربية؛ و التي نفتخر بتكوينها العلمي و الفكري الحديث في جميع الميادين؛ و التي يمكنها لوحدها أن تقود معارك مغايرة ضد العدو؛ فإن الاستبداد السياسي و التخلف الديني يمنعها من أداء دورها؛ و يفرض عليها أن تغادر الساحة حفاظا على إنسانيتها.
لا يمكننا بعد هذه المهازل التي تتالت بشكل مخيف على أمتنا العربية؛ أن نظل محايدين نصفق للهزائم التي يقودها أبطال من خشب؛ لا يمتلكون أبسط شروط المعركة؛ و للأسف الشديد فهم يتكلمون باسم شعوب تمتلك نخبا سياسية و فكرية و اقتصادية و عسكرية... لا تقل قدراتها عن قدرات الأوربيين و الأمريكيين بله الإسرائيليين.
إن الوقت قد حان أكثر من أي وقت مضى لتنتفض النخب العربية في وجه التخلف و السلفية ؛ و لقتحم الميدان مسلحة بفكر حديث ؛ لتنتزع زمام المبادرة من الأيدي الجاهلة التي تعيث في حاضر الأمة العربية فسادا ؛ كما عاثت بالأمس ؛ و تسعى إلى أن تستمر في المستقبل .

#إدريس_جنداري (هاشتاغ)       Driss_Jandari#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات