|
المشهد العراقي ..وقصة البستوكة
هرمز كوهاري
الحوار المتمدن-العدد: 2535 - 2009 / 1 / 23 - 05:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
البستوكة كما يعرفها القراء ، إناء من الفخار منها صغير ومنها كبير بحجم البرميل و ذا عنق صغير، والقصة تتلخص في أن بستوكة كبيرة لعائلة إنكسرت ، دعوا المصلح لتصليحها ، فجاء المصلح ودخل في القسم الباقي المكسور ، وبدا يضع جزءا فوق آخر حتى إكتملت ولكن وجد نفسه محصورا في داخلها لا يتمكن من الخروج منها ، و لابد أن يخرج وبخروجه تنكسر البستوكة مرة أخرى .ووسط صراخ وعياط العائلة خوفا على تحطم البستوكة مرة أخرى ، إلا أنه خرج وهرب وتناثرت قطع البستوكة مرة أخرى !! وقد جسدت هذه القصة فرقة مسرح الفن الحديث في أواسط الخمسينيات على خشبة مسرح قاعة الشعب ( قاعة الملك فيصل الثاني آنذاك ) وأجادت الفرقة بتجسيد القصة وإداء الممثلين وخاصة المصلّح (ترارا ) وعلى ما أذكر كان الأستاذ ( روميو يوسف) قد مثّل دور المصلح( ترارا ) وأسعدني الحظ أن أكون أحد المشاهدين الحاضرين في القاعة آنذاك . وكل العراقيين يعرفون عدا العربان والمصلمان من الجيران الذين لا يريدون أن يعرفوا أو أن يعرفوا ويحرفوا ، أن صدام ترك العراق مكسورا كالبستوكة المكسورة ، ترك شعب العراق مقسما الى عربي و أعجمي ، الى مؤيدين منافقين داخل سجن كبير أو معارضين سرا ، و الى مهاجرين بسبب قلمهم أو زلة لسانهم أو ثرثرتهم أو حفظا لقمتهم ولقمة أطفالهم ، الى فقيراء الحصار و أثرياء ذلك الحصار ، والى سني عروبي يؤمن بالوحدة العربية على أن تكون الحكومة بعثية وبين دخيل على العروبة ينكر أصالة العبثيين ، و الى تكريتي وغير تكريتي ، و الى الراشيين والمرتشين ،و والى سجناء وطلقاء مسجوني الفكر والرأي ، بل قسّم الشعب الى من مع صدام حتى الموت الزوآم ومن ضده ، والى بعثيين صامدين وبعثيين متخاذلين .....الخ
وجاء الأمريكي كمشرف ومخطط ٌ لإصلاح البستوكة العراقية المحطمة وأتوا بالمصلحين ودخل المصلحون في القسم الباقي من البستوكة العراقية ، دخل الشيعة بمليشياتهم المدججة بالسلاح والجيوب المملوءة بالدولارات من الجارة الحنونة إيران دون أن يعرفوا أو لا يريدون أن يعرفوا أن حنينها لهم غالي الثمن ، ليس على العراق فقط بل عليهم أيضا ، والى حين وحسب الظروف ، وجاء الأكراد مدعومين بالبيشمركة والدعم الأمريكي وصديقهم الوفي الجبل ، أما الفئات الباقية وضعت كملاحق مضافة لتزيين مشهد البستوكة !
الشيعة يحملون الأجزاء الدينية الإسلامية من البستوكة العراقية لجعلها بستوكة دينية إسلامية تصلح لطبخ الأكلات الإسلامية الشيعية بما فيها خبز عباس وهريسة الحسين لمواكب الزيارات واللطم !! وجاء الأكراد بالأجزاء الكردية يريدونها كردستانية متحركة في كل الجهات والإتجاهات سلسة لا تندمج كليا ولا تنفصل كليا رجراجة مثل الزئبق ، وهذه الحالة توفر لهم ظروفا أفضل من الإنفصال النهائي و أحسن من الإندماج الكلي فهم مستقلون في مناطقهم وهم مشاركون في بقية خيرات العراق ، هم مستقلون في قراراتهم ومكتسباتهم ،ويتحولون الى جزء لايتجزأ من العراق وموحدون عند إقتسام خيرات عربستان وإذا هددتهم جهة خارجية فيعتبرونه تهديدا لكل العراق لانهم جزء لا يتجزأ من العراق وشعب العراق والدفاع عنهم هو دفاع عن الأرض العراقية والشعب العراقي وحمايتهم حماية لإستقلال العراق وهذا المطلب لا يتحقق إلا إذا كان في العراق جمهورية ديمقراطية فيدرالية متطورة وحكم ذاتي متطور أيضا في كردستان ...الخ الشيعة أرادوها بستوكة دينية فقهية ، بصبغ الديمقراطية ، لأن لون الديمقراطية الذي كان يثيرهم ويستفزهم كما يهيج اللون الأحمر ... ، وجدوا أخيرا أنها تحقق لهم حكما دائميا لأنهم الأكثرية ، وأن الديمقراطية هي حكم الأكثرية !! وهكذا جمعت الأهداف المتناقضة المتعارضة في بستوكة المحاصصة الطائفية حتى أصبحت تلك البستوكة كمخزن للمتفرقات ، ونسوا أن هذه المتفرقات هي كالمواد الكيماوية تتفاعل مع بعضها البعض حتى يتولد الإنفجار .
وعندما شعروا بخطر الإنفجار يهددهم أتوا بعوامل مخففة أو ما يفصل بين المواد المتفجرة وهم السنة القسم الباقي من الشعب العراقي ، وهكذا فصّلوا الشعب العراقي الى شيعة وكرد وسنة ، ومنعوا بقية العراقيين من التدخل في شؤون البلد !! وجاء السنة بمشروعهم العروبي وأن العراق جزء لا يتجزأ من الأمة العربية وحشروها كلها في البستوكة العراقية وسموا البستوكة الديمقراطية التوافقية وثبتوها في الدستور التوافقي ، وهكذا إستقرت البستوكة على ثلاثة دعامات ، فالسنة يكونون عونا للأكراد لأن كلاهما أقرب الى العلمانية من الشيعة ، ويخففون من الضغط الشيعي لتأسيس دولة ولاية الفقيه ، و بنفس الوقت أصبح السنة عونا للشيعة لأن كلا منهما يدّعي العروبة ويقفان ضد إنفصال كردستان عن عربستان الذي قد يفكر به يوما الكرد ! كما يخففون من ضغط الأكراد لضم كركوك وغيرها الى كردستان !.
وهكذا تصوروا أنهم ضمنوا الإستقرار للعراق وأصلحوا البستوكة العراقية بالتوافق المحاصصي ، فإذا تحرك الأكراد في قضية كركوك وخانقين وغيرها يصطدمون بالشيعة والسنة مجتمعين ، وإذا تحرك الشيعة نحو الدولة الدينية وزيادة إلتصاقهم بإيران والحوزات يصطدمون بإعتراض الكرد والسنة معا ، وإذا أصر السنة أو تحركوا صوت أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة و نجوم ثلاثة يصطدمون بالكرد والشيعة .
ولم يبق عندهم ما يدعو الى القلق و الخلاف والإختلاف أوالإصطدام غير تقسيم الغنائم وأفضل طريقة للتقسيم موجودة في آية الأنفال ،وهي : أن يتمتعوا بما غنموا من الأرض والمال والكراسي والسلطة بما فيها النهب والسلب وغيرها ولكن دائما الشركاء يختلفون على توزيع الغنائم ، وكل مادة في بستوكة دستور المحاصصة تلبي مطلب أحد الأطراف دون المكونين الآخرين أو مطالب الأثنين دون الثالث والكل يدعي أنه يتمسك بالمادة التي تخصه أو تخدمه ، ولكن ليس في الدستور مادة أقوى وأفضل من مادة . وقد أرادوا دستورا كالبستوكة تحتويهم أصبح دستور موضوع للإختلاف و الصراع لن يعد موضوع الإستقرار . وأخيرا اصبح العراق الجديد ، بفضل المحاصصة الطائفية ، دولة ديمقراطية فيدرالية موحدة وعواصم متعددة !! عراق واحد موحد ورايات متعددة !! وعراق واحد موحد وحكومات متقاطعة وشعوب متنافسة ، وعراق واحد موحد ودساتير متعددة ، ويقولون كل هذا لا يهم ما زال العراق يسمى ب : الجمهورية العراقية ألإتحادية الديمقراطية الفيدرالية ودستور متطور محسود . إذا كيف الخروج من بستوكة المحاصصة أو الدوامة التوافقية ، هل سيكون خروجهم مثل خروج المصلح ( ترارا ) من البستوكة التي صلحها ؟ ، وإذا سلم ترارا وتمكن الهرب من غضب أهل البستوكة فهل سيتمكن المصلحون العراقيون المحصورين في بستوكة المحاصصية التي أصلحوها بالحصص المتناقضة المتعارضة المتشابكة المتداخلة الهروب من غضب وإنتقام أهل العراق. ولك يبق إلا أن نقول، ينطبق عليهم المثل العراقي الشعبي الذي يقول : " يا حفار البئر شِلكْ تحفر بها ؟ بلكتْ يجي يوم أنت تكع بيها !!"
#هرمز_كوهاري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا تزعجوا المالكي والمسؤولين ، بذكر السلبيات
-
ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : ماذا تعني
-
الحوار المتمدن . معهد للديمقراطية
-
هل يتوقعون إنقلابا عسكريا في العراق
-
إضطهاد المسيحيين والأقليات ، سقوط في الأخلاق والسياسة
-
حكام العراق تذكروا ، إن الفساد مفجر الثورات ومهلك الفاسدين
-
بل إنتظروا المزيد - يا أحفاد كلدان وآشور والسريان
-
الآلوسي نجح في تعريتهم ، وفشلوا في إخفاء نفاقهم
-
نقد فكر اليسار العربي ، السيدة النقاش نموذجا
-
مسؤولية الدولة عن الإرهاب
-
عند المسؤولين الخبر اليقين عن القتلة المجرمين
-
سجون ومعتقلات غير منظورة ...!
-
السيادة الوطنية والسيادة الشعبية ، والعلاقات العراقية الأمري
...
-
السيادة الوطنية والسيادة الشعبية ، والعلاقات العراقية الأمري
...
-
الحلول التوافقية ، صراعات مؤجلة !
-
ثورة 14/ تموز 58 والدروس المستخلصة منها
-
الديمقراطية ، بطون وأفواه ..!
-
اليوم الثاني..!
-
لماذا نجح الأمريكان ... وفشل العراقيون ؟
-
لماذا نجح الأمريكان ...وفشل العراقيون ؟
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|