|
السلام العادل.. بين الأصالة والثورية
يعقوب زامل الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 778 - 2004 / 3 / 19 - 09:54
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
عندما تمر مناسبة الذكرى الحادية والاربعون لاستشهاد الرفيق سلام عادل، يصبح من الضروري تقليب صفحات التاريخ السياسي في العراق بروية واناة لما لها من اثر مفيد وكبير على التاريخ الانساني ، كما في الوقت الذي يجعلنا جميعا امام مسؤولية صيانة حقوق الانسان والدفاع عنه كغاية ووسيلة لبناء عالم سعيد متحضر خالٍ من القهر وتغييب الافكار والارادات الحرة.
كنت وانا انقب بين السطور والاحداث المتسارعة في سيرة ـ سلام عادل ـ الانسان والمناضل والشهيد ـ عن (حسين احمد الرضي) الطفل، واليافع ، والشاب. ابن العائلة العراقية النجفية البسيطة الفقيرة بعيدا عن(سلام عادل) الشيوعي الذي برزت عالميته واتسعت حتى أخذت مداها الملفت للأنتباه. بمعنى اكثر دقة: البحث عن حياته الخاصة، وعن سيرته بين تواضعها وقدراتها الفائقة. بهمومه واشكالياته. عن نشاطه بين الاخفاق والنجاح. عن مكامن قدراته البدنية والعقلية ومزاجه الخاص. بكلمة ادق تعبيرا في مجازيتها: (( بلحمه ودمه)). كأنسان خارج ايديولوجيته السياسية التي عمقت وجذرت شخصيته التكاملية على نحو يدعو للزهو والاعجاب. وفي الطريق المتعثرة التي تتبعت (حسين احمد الرضي) الاثر خلفه، وجدت ان مراحل النشأة والصبا والشباب التي كونت شخصية (سلام) قبل الانتماء قد تلاحمت ديالكتيكيا وبشكل متوزان بمرحلة مابعد الانتماء. كحاصل تحصيل طبيعي كلل حياته بيولوجيا وسايكولوجيا، تنامى عبر فواصل حياتية غير معقدة ليتصل بهدوء مؤثر ومن خلال الحركة السياسية الى اعنف حلقة من حلقاتها الثورية المدوية تمثلت في خياره الصعب بين اي الفصائل الراديكالية الاشتراكية يلقي رحاله، فاذا به في فصيلها المتقدم ـ الحزب الشيوعي ـ الذي حصل برأيي كان له اكثر من مغزى وسبب في المقدمة منها: ان بين مرحلته الشخصانية الاجتماعية ومرحلته الحسية الثورية سككا طبيعية وموضوعية مهدت لصدق الموروث الاجتماعي ان يلتقي برافد التنظيم المعبر الذي لم يكن فيه من الفواصل الطبقية او الثقافية، او العقد البيئية التي تجعلنا مندهشين مستغربين امام الذي يحصل. او كما يحصل لنا عند دراستنا ظروف بعض التجارب الحسية لبعض المناضلين الذين نجد او يجدون انفسهم من غير تمهيد كبير داخل حركة ثورية يسارية ـ كالشيوعية ـ عندما تقع بعيدة عن واقعهم الطبقي او الاجتماعي، او حين تتعارض مع ميراثهم السايكولوجي بأشواط. ورغم ان مرحلة الطفولة والصبا في حياة (حسين احمد الرضي) ابتسرت في كتاب ـ سيرة مناضل ـ للكاتبين الجليلين (ثمينة ناجي يوسف ونزار خالد) لاسباب وظروف غير معروفة امامنا. والتي كان من المفيد والاهمية ان تكون اكثر تفصيلا. ليغنينا بالهامش متن الموضوع ويثرياه خدمة في البحث والتقصي وفائدة من التجربة والنتائج والحقائق. الا انه علي ان اسجل امتناني اولا قبل اعجابي وتقديري على الجهد والعناء المتميزين اللذان بذلاه حتى تصل مخطوطتهما الينا بشكلها السليم المؤثر. ان دراسة معمقة وحقيقية تلقي الضوء على كثير من الزوايا والاركان، تصبح مهمة اصحاب الاختصاص والضمائر النبيلة من الذين يجدون لهذا السفر المناضل الوطني له اكثر من صلة ومعنى في حياتهم وثقافتهم التي حاولت الديكتاتورية ـ ومن خلفها بعض من المؤسسات الثقافية والاعلامية ـ بكل ما أوتي لها من قمع وعنف دموي ان تشوه اصولها الانسانية والوطنية. مثل ابرز شخوص التاريخ واكثرها وقعا، نجد ان شخصية (سلام عادل) بتنوعها وتعدد ميادين حقائقها الموضوعية والذاتية، قد تركت في اذهاننا حقيقة مهمة: تلكم هي ان عظمة النتائج التي تبلورت عنها، لم تكن بفعل صدفة الواقع المفروض الذي وقع من الخارج او نتيجة متوقعة لسلوك بربري تجاه قيادي معارض كان لابد من تصفيته بهذه الشراسة الغاشمة! وحدها، انما لعلة ذاتية وموضوعية جذرت طبيعة شخصية (سلام عادل) الفذة عبر صورها المراحلية المتعددة المكونة، قد خلقت فيه كينونة غاية في الانسجام للابداع والصمود ارعبت جلاديه ليرتكبوا فعلهم الشنيع عليه. من هذه الحقيقة الواقعية حاولت ان يكون لمداخلتي موضوعها المتواضع منها، معتذرا في الوقت نفسه عن الاختصار الذي لابد منه كي تجد مداخلتي فسحتها. ان صور الطفولة واليفاعة والشباب التي قرأناها مجزوءة في كتاب سلام عادل سيرة مناضل ـ اشرت على تعددها، وتفاصيل مراحلها، وجود اكثر من صلة ومنحى يجعل اعتقادنا يقينا بأن توافقا بينا قد أطر اتحادها الطبيعي ليجعل منها صورة واقعية واحدة على امتداد مسارها المفترض بين التنوع والاصالة وبين تنوع الضرورات الشخصية والامنية التكاملية التي رافقت “مختار” و”عمار” ثم “سلام عادل” الى غيرها من الدلالات الموحية التي تداخلت في شخصية واحدة عميقة الجذور في واقعها الاجتماعي واصالتها التي توارثت فلسفة المسؤولية ونزاهة المسار وعفة النفس وعفوها، ومواصلة الكدح الشريف. تلك اهم مفردات الشخصية التي صاغت نفس وبناء “حسين احمد” داخل عائلته وبيئته، لتجد وفق تسلسل طبيعي غاية في الاثارة ان صدق الموروث لابد ان ينسجم في المعنى الثوري في آخر المطاف. ان اكثر من صلة في النواحي الشخصية الاجتماعية والحسية، والتي سيجدها القارئ في سفر (سلام عادل) واضحة، هي التي خلقت ظروفها الموضوعية والذاتية امام (حسين احمد الرضي) حين اصبح خياره اكثر وضوحا في الانتماء للتنظيم المختار، او حين يصبح قائدا له. ومن ثم يستشهد دفاعا عنه. تلك السلسلة تناميها الطبيعي ما كان يفصل بعضها عن بعض شذوذ القاعدة عن بعض المشهورين من كتاب ومفكرين وعلماء وسياسيين لمعوا في الحياة. الا في جانب واحد هو: ان الكثيرين ومنهم (سلام) ايضا قد اختزلت مراحل حياتهم في مرحلة نضجهم الابداعي. توجز لنا السيدة ثمينة دليلنا الثابت في روايتها الموحية حين تقول: “ كان سلام عادل، وهو طفل يحب اللعب مع اقرانه، ومن ذكرياته عن الطفولة يتحدث بأعتزاز عما حصل له في احد الايام. عندما اصطحبه احد أقاربه من الشباب، وهو في الخامسة من عمره لمشاهده لعبة “ المكاسير”. وهي لعبة بين مجموعتين من الاطفال، تمثل كل مجموعة محلة من المحلات السكنية. وتقوم بينهما “ حرب” وهمية تكون فيها الاحجار بمثابة القذائف و(المعلاج او المحجال) هو المنجنيق... وصادف ان اشترك في تلك اللعبة شاب متخلف عقليا اداها بصورة خاطئة فأصاب حجره رأس سلام، وهو مشاهد فحسب، وشج رأسه وسالت الدمار غزيرة مما أرعب ذلك الشاب فتوجه الى سلام الصغير متوسلا بأن لا يش به لاهله خوفا من العقاب. “ووعده” سلام بذلك، “ونفذ وعده” رغم الالحاح الشديد لكشف اسم الفاعل (1). وددت في تخطيطي لبعض الكلمات التي وسدتها على الخطوط الثلاثة ان اشير على دلالاتها العميقة التي رضعها مع حليب طفولته الاولى. وعلى اهميتها السايكولوجية التربوية وتأثيراتها الحسية التي ميزت فيه عنصر التكوين الاجتماعي الاول في المبدئية والصمود العفويين المكتسبين من تربية اجتماعية اصيلة انعكست لصدقها وقوتها على تجليات سلام عادل القيادية وبسالته في الدفاع عن مثل التضحية والبطولة وتماسكه الذي لا يلين للحافظ على سمعته واسرار الحزب. هذه الاخلاقية الثورية العالية التي رفدت صلاتها وعمقها من ماضي الطفولة الغريرة التي اشار سلام اليها لزوجته “ثمينة” حين سألته يوما وقد رأت أثر الجرح العميق على رأسه قائلا: “كان ذلك صمودي الاول”. فكان تعبيره ذاك امتدادا لصدق المشاعر في صموده المتوالي حتى النزع الاخير. اما سلوكه التربوي المؤثر في علاقته الشفافة بينه وبين زوجته وبينه وبين الآخرين، فلم يقع خارج معادلة انسجام معالم الطفولة والنشأة التي نهل صفاء نبعها الاول من نقاء وصفاء مجتمع العائلة الكادحة التي نراه يعتز بالانتساب اليها، بالشباب الذي يشد عوده النضال الشيوعي. فهو يتعفف عن الكذب، حتى “الابيض” منه. وفي اشد حالات” الضرورة” حين يجد زوجته التي احترقت قدمها تنتظر الساعات الطويلة ليعود بعد اجتماعاته الحزبية بالدواء فيقول متأسفا: “ لقد نسيت حقا !” فتثور غاضبة طالبة منه ان يقول لها مثلا: بحثت ولم أجد! او اي شيء من هذا القبيل. فيجلس مبهورا امامها وهي تعد حقيبة ملابسها وقد نوت ان تقطع علاقتها به في حالة من حالات ضعفها النفسي ليقول “والآلم في عينيه”:”صحيح يوجد في موقفي اخطاء كثيرة. كان يجب ان اوضح لك من البداية مدى انشغالي لكي لا تعتمدي علي، اما ان اكذب عليك فهذا شيء لا استسيغه”. لم يكن يخفي عليها شيئا من القصور “ الشخصي في العلاقة التي يتجاذب طرفيها الحب والواجب، كما لم يخف عليها ما تعلمه من سلوك قويم شد أزره في المسيرة الصعبة كأنسان ورفيق وقائد وزوج. على انه وضمن فهمه لفلسفة المسؤولية الحقيقية في الانسان الحقيقي يضع النقاط على الحروف معقبا: ثم ان قضية الحزب ليس قضيتي فحسب، بل هي قضيتك ايضا” ويستدرك بحسه الثوري الواعي حقيقة الفارق في تحمل وزرها ليضيف بأقناع قوي، “ أنني اضعك بموضع افضل مما تتصورين ... أما ان تشكي بحبي واعتزازي بك، وما ينتظرنا من سعادة فهذا خطأ فادح منك” تلك البساطة المتناهية التي يوضح بها فلسفة المسؤولية المشتركة التي كان يحقن بها عضد الآخرين مقويا عزيمتهم وثقتهم. المسؤولية التي توارثها عن ابيه البقال، حين شاركه عبء الحياة يوم كسدت تجارته. كما يربط هذه المسؤولية مع نزاهة اليد ونقاء الجيب التي تضطر الزوجة للتقتير والاحراج احيانا لسد عوز ايام الشهر المتبقية من مصروف الستة دنانير المخصصة لبيتها من مالية الحزب. او حين يضطر ركوب الدراجة الهوائية في عز صيف البصرة ورطوبتها العالية ليقضي مشاوير الحزب الطويلة. وكذلك عند اضطرار “ثمنية” قطع مسافة طويلة تنفيذا للواجب الحزبي بعد ان اضطرت الى ان تسير برجل متورمة محترقة حافية حتى الاعياء. هذه الجدلية المبدئية بين اصالة الموروث وصدق التعبير عنها في الحياة النضالية ما كان لها ان تأتي بكل تلك المثل العظيمة لو لم تكتمل في نفسه بشكل طبيعي. كما لم تكن لتتعمق وتعطي ثمارها الجهادية من غير تجذرها في الوعي والأتون الثوري. كثيرة هي الامثلة والدلالات التي وردت في متن كتاب (سلام عادل ـ سيرة مناضل) والتي على كل مناضل ووطني غيور الاستزادة منها. على انه لكي اختم مداخلتي هذه لابد من قراءة النص لما جاء في رواية ثمينة ناجي يوسف عن واقعة زواجها بالرفيق سلام عادل يوم جاء خاطبا ودها من والدها المحامي النجفي ناجي يوسف اذ تقول: “ أذكر من حديث سلام عادل مع والدي عندما تقدم لخطبتي قوله: انني من عائلة كادحة ولكنني فخور بسمعتها الطيبة وباحترام الناس لها، كما وانني لا املك شيئا في هذه الحياة سوى بطاقة عضويتي من الحزب الشيوعي، وأعدك بأن هذه البطاقة سوف لن يصيبها الضرر مهما حدث.” بهذه العائلة يتباهى سلام!
#يعقوب_زامل_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لقاء مع الاستاذ سعيد شامايا ـ عضو سكرتارية مجلس كلدوآشور الق
...
-
مع عيسى حسن الياسري رفيق الرحلة في منزل الاسرة العالمية
المزيد.....
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|