|
كَيْ لا تَهجُوكَ أُمُّكَ
يحيى علوان
الحوار المتمدن-العدد: 2534 - 2009 / 1 / 22 - 08:37
المحور:
الادب والفن
شاخَ تَعَبي ، فكرةٌ تصلبني إلى جدار، وأُخرى تقذفني إلى " أعماقٍ شاهقة"! .......... بين شهقةٍ وجدار ... بات الاختيار! أبقَ في مكانِكَ ، طاعناً في الشباب ، ولا تترجّل من بروازٍ معلَقٍ في غرفةِ أمك....... أنصت لمناجاتها ، لدعائها ، فقد ترى في المنام أنّكَ أَفَقتَ من حُلُمٍ تقُصُّ عليكَ فيه حكايةَ الصيّاد القََنُوع..... هل كانت تعرفُ أنها من حَكايا "ألف ليلة وليلة"؟!
لا تُقامر بالقفز من موقِعِ الحُلُمِ ، فقد يكون في وُسعِه أن يتمدّد أَميبيا.... ابقَ في مكانكَ ، يا هذا ، تنَكّب البُعدَ كي لا تخسرَ الحنين ، فالوطنُ هو المُطلَق، وليس مَنظَراً طبيعياً للتأمل في زيارةٍ عابرة ، كما يفعل السائحون . هُوَ ذاكَ ، الذي تطرُدهُ ، مِثلَ صبِيٍّ شَقِيٍّ ، فيتسرّب إليكَ من شقوق النسيان . وطنكَ ليس كبقية الأوطان ، "تحرّرَ" مُحتلاً !! حُرِِمَ كل شيء فيه من حُريَّةِ الحركة ، حتى التأملات ، لأنها غدَت مشغولةًً بسؤال العيش والبقاء، وحاجات الإنسان الأكثر أوليةً ، الخبز والمأوى......
* * * *
لا تغادر مكانكَ في البرواز ، لأنكَ ستكون مطالباً باستبدال ما هو واقع بصورةِ ما ينبغي أن يكون ، سيطلَبُ إليكَ أن تُصفِّقَ للسراب ، أن تمتحنَ قُدرَتَكَ على "إنتظارِ غودو"، سيتحتّمُ عليكَ إعلاءُ الجحيمِِ ، واقعاً ، إلى مرتبةِ النعيم لغةًً .
لا يستحقُّ ما هو قائم إلا الهجاء والاشمئزاز.....فبفضل"ديمقراطية"هم تَشَظّت الهوية الوطنية إلى هُويّات مبعثرة متنافرة ، تخوضُ بدم الناس ، مستنفرةً كل ما في ذاكرة الماضي السحيق من همجية وظلامية وتَخَلُّف ....لوأد أية محاولة يمكن أن تصلنا بركبِ الحضارةِ الإنسانية وثقافاتها ...والأنكى أن هذا الطاعون يتمَترسُ مَسنوداً ببراغماتية محلية مبتذلة ، تُشرعِنه تحتَ الأضواء ، وتتنصَّلُ منه في الظُلمَة ...!ً
فإذا كانت معايير " الآن !" الضاغطة خارجَ السياق التاريخي ، فأن صوابَ فكرةٍ ما ، كالعدالة الاجتماعية ، وحق الشعوب في التحرر، وحقوق الإنسان لن تصبحَ باليةً لأن أداةَ تطبيقها قد فشلت هنا أو هناك ! ولا يحق لأصحاب المشروع "الماضوي" وبطانتهم من البراغماتيين ، بأن يطالبونا بالاعتذارِ عن أحلامنا ، و بتقويمهم على أنهم كانوا مستقبليين بعيدي النظر!! لا لشيء إلا لأن مشروعهم المتخلف قد نجحَ آنياً ، بدعمٍ من المحتل وقوىً ظلاميةٍ في ما وراءَ الحدود ... !!
.. وإذا كان من الطبيعي أن يخشى الناسُ الجبابرة والحروبَ والكوارثَ ، فأنه ليس مألوفاً ولا طبيعياً أن يتحدّثَ أحدٌ عن خطر الحرية والسلام _ مع النفس ومع الآخر _ والثقافة ِ والفكر!
بإمكاننا أن نتبادلَ النقدَ ونُحسِنَ فَنَّ الاختلاف والتمايز....يمكننا أن نختلف في موضوع الإدارة والوزارة والحجاب والقافية ....لكن من غير المسموح به عدم التمييز بين الاستقلال والاحتلال . فتلكَ هي نقطةُ الألتقاء والأفتراق في ما يسمى بالمشروعية الوطنية إياها . لكن يمكننا أن نتنافسَ في سلامةِ العلاقة بين الإطار والمحتوى ،بين الشكل والمعنى ، بين الأداة والفكرة ، ضمن إدراكٍ وطنيٍ عام .
* * * *
لا يَستَزِلّنّكَ الحنين ،يا صاحبَ البرواز، فتقبل برؤوسٍ صغيرةٍ غزاها اليأس ، حتى صارت لا تتسعُ لِحُلم ، فراحت تزدري الحرية والتضحية وتُحولهما إلى مادة للتهكم والسخرية كل وقت، بل لا تكِلُّ عن التبشير بعبثية رفض الاحتلال باعتباره قدراً لا مردَّ له !!
اسمع ، يا هذا في بروازِك ، سيأتي وعيٌ جماعيٌ أقوى من "الفسيفساء"، وسيرحلُ المحتلُّ قبلَ الفجر، كما فعلها في سايغون، دون أن يجد الوقتَ الكافي لارتداء " ملابسه الفولاذية "! عندها سنفرح ، وسنشنِّف آذاننا بزغاريد النسوة ...... ، ساعتها لن يكون بيننا مَن داهن المحتل ! أولئكَ ، الذين صحَّ عليهم القول :"يأكلون مع الذئب ويبكون مع الراعي!"َ فنحن نعرفهم فردا فرداً ، "شاعراً شاعراً ، كاتباً كاتبا ً " وكل الردّاحين ، القُدامى منهم والجُدُد!! جنودُ الاحتلال ، هم الآخرون سيكونون فَرِحين ....، لِمَ لا ؟ فقد يفرح المرء بالهزيمة عندما تكون الطريقَ الوحيدَ للبقاء ، واللحاق بما بقي له من حياة! أما مَن سمّى الاحتلال " نصراً للديمقراطية "! سيسمّون هزيمة المحتل أنتصاراً أيضاً ، لكنهم سيحمّلون طرفاً آخر كل المسؤولية ، حتى لا يجرحوا النرجس !!
* * * *
ستقولُ سلاماً على أوقاتٍ يَجترُّها الحنينُ مُسَربَلاً ....... ثلاثونَ مَرَّت منذ زَوّدتكَ "مدينة السلام" بعُدّة السفرِ الطويل ، على طُرقٍٍ لم يكن واضحاً منها إلا أوّلها ، وصرَّةٍ من أحلامٍ تتناهبها المغامرةُ وسِجالُ العلاقةِ بين الخطوةِ والطريق . فالطريقُ المُعَبّدَةُ ليست طريق الحالمين ! ابقَ في بروازك ، وستجدُ نفسَكَ ما ذهبتَ إلا مجازاً ، ولم ترجع إلا مجازاً !
......عندها لن تَهجوكَ أُمُّك !! برلين- 8.6.2008
#يحيى_علوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رأيتُ البَلّور
-
هو الخريفُ يا صاحبي!
-
أَيتامُ الله !
-
حنين
-
وطن يضيره العتاب، لا الموت!
-
تنويعاتٌ تَشبهُ الهَذَيان
-
وطنٌ يُضيره العِتابُ ، لا الموت !
-
قناديل بشت ئاشان _ نقرٌ على ذاكرة مثقوبة
-
تيتانك والجوقة !
المزيد.....
-
شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
-
لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة
-
وفاة بطلة مسلسل -لعبة الحبار- Squid Game بعد معاناة مع المرض
...
-
الفلسفة في خدمة الدراما.. استلهام أسطورة سيزيف بين كامو والس
...
-
رابطة المؤلفين الأميركية تطلق مبادرة لحماية الأصالة الأدبية
...
-
توجه حكومي لإطلاق مشروع المدينة الثقافية في عكركوف التاريخية
...
-
السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي
-
ملك بريطانيا يتعاون مع -أمازون- لإنتاج فيلم وثائقي
-
مسقط.. برنامج المواسم الثقافية الروسية
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|