|
العراقية والتهديدات العماشية-الايرانية الجديدة !
سهر العامري
الحوار المتمدن-العدد: 778 - 2004 / 3 / 19 - 09:22
المحور:
الادب والفن
أجيال من فتيات العراق وفتيانه صدحت حناجرهم بقصيدة الزهاوي المسطرة في كتبهم ، والمحفوظة في عقولهم ، وليس على قلوبهم ، أجيال من الشباب كانت تردد في مدارس العراق ، مع جميل صدقي الزهاوي قصيدته : اسفري فالحجاب يا ابنت فهر هو داء في الاجتماع وخيمُ كل شيء الى التجدد ماض فلماذا يقرّ هذا القديمُ لم يمنعنا أحد حين كانت أصواتنا تملأ سماء العراق ، ولم نسمع أن شاعرا مثل الزهاوي أوالرصافي أوالجواهري قد كفره أحد ، كما لم يرد عليه أحد ردا فضّا ، يخلو من لغة الأدب ، ولغة الرسول الكريم : أدبني ربي فأحسن تأديبي ، ولغة القران: وجادلهم بالتي هي أحسن ، ومثلما لم يكن السفور مستنكرا من أحد ، كان الحجاب غير مستنكر من أحد أيضا ، لقد وضعت حرب السفور والحجاب الأدبية التي بدأها قاسم أمين وغيره في مصر مطلع القرن المنصرم ، ثم انتقلت الى أقطار عربية أخرى ، ومنها العراق ، أوزارها بسمو لغة النقاش ، وقوة الحجة والطرح ، وقد انتهت في العراق الى حالة من التسامح تمثلت برد موضوع النقاش الى الشخص ذاته، ودونما اجبار على أي من الزيّن . وقد يستغرب القاريء حين أقول : إن أهلنا كانوا يجبروننا ، ونحن ذكور ، على الحجاب ، رغم عدم سلامة استخدام هذه اللفظة في هذا المدلول ، والتي لا وجود لها في القران الكريم كلفظ ، فمنذ الصغر كانوا يوجبون علينا لبس الكوفية ( الجفية ) ، فعيب على الطفل أن يسير حاسر الرأس في عرفهم ، ولهذا أوجبوا علينا التحجب دونما نص مشرع ، ولكنها عادة لبس درجت عليها القبيلة العربية ، وصارت من الأعراف التي يجب على الصغار والكبار احترامها ، ويقرّ بعض رجال الدين أن الحجاب عرف قبل الاسلام ، وعلى رأيهم هذا فلا بدّ من ظرف ما قد فرضه في الحقب التي سبقت ظهور الاسلام ، وليس شرعة بعينها ، مادام قد عرفته أقوام كثيرة بظرف وليس بنص . ويبدو لي أن الظرف الطبيعي قد لعب دورا مهما في هذه الحال، ففي غابات أفريقيا الحارة مثلا ، ولحد ساعة كتابة هذه الأسطر ، يتجول الرجال والنساء عراة ، حفاة ، دون ورقة توت حتى ، بينما نجد الرجال من الطوارق، سكان الصحراء الكبرى من أفريقيا قد تحجبوا تماما ، ويبدو أن لثورة النقع المتصلة في تلك الصحراء سببا جليا في ذلك ، ولا يفوتني أن أذكر هنا قول استاذة سويدية فاضلة ذكرت أن الزيّ الذي عليه السيد ياسر عرفات ، أو الملك فهد يعتبر شكلا من أشكال الحجاب الموجود عند العرب والمسلمين ، رغم أنه لا يوجد نص مقدس يوجب الحجاب عليهما ، والطريف هنا هو ما رواه ابن فضلان في رسالته عن رحلته التي ابتدأها من بغداد في اليوم الحادي والعشرين من شهر حزيران سنة 921م، وهو يجتاز بلدان أوربا ، محملا بمعونة ثمينة من الخليقة المقتدر بالله لملك الصقالبة ( السلاف ) يقول : ولا تستتر نساؤهم من رجالهم ولا من غيرهم ، كذلك لا تستر المرأة شيئا من بدنها عن أحد من الناس . ويمضي الى اكثر من ذلك ، حيث يورد أنه شاهد أمرأة قد كشفت عن نفسها امام زوجها ، وأمامهم ، ويعلق محقق الرسالة الدكتور سامي الدهاني على ايراد ابن فضلان للفظ العضو التناسلي عند المرأة بقوله : نحن نستفظع اللفظة لهذه الأيام ، ولكن القدماء فيما ظهر لنا لم يكونوا على مثل نظرنا ، لذلك ابقينا ما جاء في النص أمانة وعملا بأنه لا حياء في الدين . وكلام ابن فضلان ، ومن بعده كلام المحقق يحمل دلالتين ، الأولى هي لا وجود لفطرة فُطر عليها الانسان في الحجاب ، والثانية هي أن ابن فضلان كان متفقها في الدين قبل أن يكون رسولا للخليفة المقتدر ، ومع هذا كان طبيعيا ، وغير متحرج في نقل روايته عن الحالة التي كانت عليها تلك المرأة ، بينما أصاب الدكتور سامي الدهان حرج كبير في تثبيت تلك اللفظة ، وحاول حذفها ، لكنه عدل عن ذلك للأمانة ولـ ( لا حياء في الدين ) ، وهذا إن دلّ فإنما يدلّ على مقدار التخلف الذي حلّ بنا ، ومقدار القيود الثقيلة التي فرضت على تربيتنا ، والتي لم تفرض على تربية السلف الراحل من أجدادنا . ومع هذا فالقوم هؤلاء ، الذين حلّ فيهم ابن فضلان ومرافقوه ضيوفا ، لم يعرفوا الزنا كما كتب هو ، وإن وقع من أحدهم فإن العقاب يقع على الرجل الذي سيشق الى نصفين في عقاب صارم كما يفهم من كلامه ، وليس على المرأة . ويبدو لي أن الظرف الطبيعي ، والظرف المعيشي للناس ، ومن ثم العادة قد لعبت كلها دورا مهما في تكوين شكل أزياء الناس ولباسهم في مراحل حياة الأنسان المختلفة ، والمتغيرة دوما وأبدا ، فبعيد قيام الثورة الصناعية لبس الناس في أوربا زيا يلائم وضعهم المعيشي واسلوب عملهم ، وقد هجروا ، نساء ورجالا ، زيهم القديم الذي تصوره افلامهم السينمائية عن فترة الظلام التي كانت عليها أوربا في القرون الوسطي ، والتي لا تختلف كثيرا عن أزياء ما زال يعيش بعضها في المنطقة العربية في الوقت الراهن . وبفعل دخول اشعاع الثورة الصناعية الى البلدان الأسلامية ، ومنها دولنا العربية ، وظهور المدرسة الحديثة ، طرح الكثير منا زيه القديم ، وبدلا من ان يفرض علينا أهلنا لبس الكوفية والثوب جلبت لنا المدرسة الحديثة الزيّ الأوربي الحديث ، فخلعنا الكوفية والدشدادشة ، وحسرنا رؤوسنا ، ولبسنا السترة والبنطلون ، وقد كان شاعرنا الجواهري أكثرنا صدقا في التعبير عن هذه الظاهرة ، حين خلع لباس الحوزة المعروف ، واستبدله باللباس الجديد ، فيقول :
قال لي صاحبي الظريف وفي الكفّ (م) ارتعاش وفي اللسان انحباسه أين غادرت عمة ووقارا قلت إني طرحتها في الكناسه
لم يتخلف أبو فرات عن الركب ، كان دائما يحمل جذوة الشباب في صدره ، سواء أكان في ربيع العمر أم في السبعين منه ، فحين خرجت فتيات العراق الى المدرسة في العشرينيات من القرن الماضي ، وحين أفتى بعضهم بحرمة ذهاب البنات الى المدرسة تصدى الجواهري لهم ، وهو الذي خرج من بين صفوفهم ، ويعرف كبيرتهم وصغيرتهم ، مدافعا عن حق البنات في التعليم ، بعدها سارت فتيات العراق بخطى موفقة ، مثل فتيانه ، صوب المدارس ، وهن لا يلتفتن لمفتن ولا لفتوى ، فصرن معلمات ، وطبيبات ، ومهندسات، ومحاميات ، ومن يدري ربما رائدات فضاء في مستقبل منظور ، فالزمان لا يرجع القهقرى أبدا . لقد حاول عماش ، وزير داخلية النظام الساقط في أول وصول لهم للحكم ، أن يمنع النساء في العراق من السفور بقوة الارهاب ، وراحت شرطته تلاحق الفتيات الأرفع مستوى علميا ، والأكثر خلقا وأدبا منهم في الشوارع ، حاملين أسطلا من نفط أسود ، وفرشات يمسحونه بها على سيقانهن الغضة ، وعلى إثر ذلك عمّ الناس في بغداد استياء عظيم ، ونظروا الى جلاوزة عماش نظرة ازدراء واحتقار ، ومن براغ جاء صوت الجواهري هادرا في قصيدة بعثها الى صالح مهدي عماش مستنكرا ، ومحتجا، وسرعان ما انتشرت تلك القصيدة بين الناس ، وتلقفتها عقول طلاب جامعة بغداد سريعا ، وحين جاءنا الشرطي الشاعر عماش الى كلية التربية ليلقي في قاعتها قصيدته في الرد على قصيدة الجواهري ، والتي ضمنها افكار رجل بدوي قادم من أعماق صحراء العربية ، تلقاه طلاب تلك الكلية بصيحات الاستنكار ، ثم نهض بينهم الطالب الجسور أمين قاسم الموسوي ليرد عليه بقصيدة الجواهري ، فقال وهو يشير بيده الى الوزير الشاعر ! : نبئت أنك تُوسع الأزياء (م) عتّا واعتسافا تقفو خطى المتأنقات (م) كسالك الأثر اقتيافا وتقيسُ بالافتار أردية ( م ) مخافة أن ينافى
ثم يأتي الجواهري على الخلق والاخلاق فيقول :
هو في الضمائر لا يُقص(م) ولا يُخاط ولا يُكافى من لم يخف عقبى الضمير(م) فمن سواه لن يخافى
ثم النساء من خلال التشيكيات :
ودم المسيح على الخدود(م) يكاد يُرتشف ارتشافا لوقيل ما سِفر الحياة(م) لقلت ما كنّ الغلافا
لقد خرج الوزير الشاعر مهزوما من كلية التربية ساعتها ، وبدلا من أن يكون الاستحسان والتصفيق له صار ذلك لقصيدة الجواهري التي ألقاها الطالب المذكور، وحين رآى بعينه تلك المعارضة الشديدة لحملة المطاردة التي شنها على النساء في بغداد سارع بعد ذلك الى ابطلها تماما ، وبذلك فقد انتصرت العراقية ساعتها على التخلف ، والعودة بها الى عهود الظلام ، مثلما انتصرت اليوم في اسقاط القرار 137 ، رغم التهديدات العماشية الجديدة ، ورغم الدين الايراني الجديد الذي يغتصب البواكر من الفتيات ليحلّ به اعدامهن ، وفي صورة بشعة ما عرف التاريخ لها مثيلا ، وكأنهم ما سمعوا قولة الامام علي : لا تعلموا أبناءكم على اخلاقكم ، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم .
#سهر_العامري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظرف الشعراء (9) : إبن مناذر
-
عام على سقوط القتلة !
-
ظرف الشعراء (8) : كثير عزة
-
صبيحة والموقف الايجابي من المرأة !
-
ظرف الشعراء (7) : أبو نواس
-
الزرقاوي ورسالة مخابرات الدولة !
-
أزمة السكن و تصريحات الوزير !
-
ولكنه ضحك كالبكا !
-
حين صار كوكس مُلا !
-
رشى صدام من القصور الى الشوارع !
-
ظرف الشعراء (6) : ليلى الأخيلية
-
شباط : الماضي والحاضر !
-
ظرف الشعراء (5) : دِعبل الخزاعي
-
مرفوض في عمان مقبول في بغداد !
-
ظرف الشعراء ( 4 ) : بشار بن برد
-
ويبنون بيوتا من خشب !
-
ظرف الشعراء ( 3 ) : ولادة
-
مكرمة السيد مجلس الحكم !
-
وحدة العراقيين والحزب الشيوعي العراقي !
-
ظرف الشعراء
المزيد.....
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|