أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمزة الحسن - لو كانت الطرق واضحة















المزيد.....

لو كانت الطرق واضحة


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 2533 - 2009 / 1 / 21 - 09:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ماذا يمكن أن افعل ايها المسلمون؟
لست أعرف من أكون.
لست مسيحيا ولا يهوديا،
ولست مسلما ولا مجوسيا.
إنني لا أنتمي الى الغرب ولا الى الشرق،
لست من اليابسة ولا من البحر.

" جلال الدين الرومي، شاعر صوفي ـ1207 ـ1273"

ماذا يريد جلال الدين الرومي أن يقول في هذه الاسئلة؟ لمن يلقي بها؟ وهل يبحث عن اجوبة؟ وما نوع الاجوبة على هذا النوع من الاسئلة؟ اغلب الظن ان الرومي الشاعر الصوفي يسخر. لكن يسخر من اي شيء أو وضع؟

قد يكون بهذه الاسئلة يعرف نفسه على انه خارج كل تصنيف. وربما ما دمنا في حقل الاحتمال الذي لا يغلق قد يكون الرومي في لحظة عجز. لكن عجز عن اي شيء أو حالة؟ هل هو عجز في تحديد الهوية؟ وما نوعها؟ هل يكون هذا العجز المفترض هو قوة الاصالة حين تكون خلقا وابداعا؟ ام هو قوة العجز في مواجهة زمانه؟ والى اين تقود هذه الاسئلة ـ اسئلة الاستقصاء؟

اذا اخذنا بتفسير موريس بلانشو، فإن الاسئلة الكبرى هي محاكمة للزمان وبحث في الجذور، وكل بحث في الجذور هو اسئتصال للجاهز والمعد والمسبق. جلال الدين الرومي هنا لا يطرح سؤالا على الزمان ولا على أحد، لأن الصوفي خارجه، كما انه لا يطرحه على " أحد" لأن أحد الرومي يختلف عن كل" احد" آخر موجود في العادي واليومي والمألوف.

اذن على من يطرح هذه الاسئلة؟ على نفسه، ربما. لكن اذا كان" يجهل" أناه الجاهزة، الدينية والعامة، هويته المسبقة ومكانه في الغرب أم في الشرق، على البحر أم في اليابسة، فهل هذا يعني انه يجهل ذاته الخاصة؟

جلال الدين الرومي يعترف ـ قد تكون هذه مغالطة لأن الاعتراف يأتي، تقليديا من الاجوبة ـ بأنه اذا كان يجهل هويته العامة ومكانه العام المعد له، لكنه لا يجهل من يكون.

علاقته مع هويته الجاهزة علاقة غريب بغريب، وعلاقته مع هويته المنتجة ابداعيا هي علاقة صداقة: علاقة متعة كعلاقة المنتج بالنص.


هو لا يريد أن يكون ما أريد له على مستوى الزمان وعلى مستوى المكان، ولكنه يريد أن يكون كما يريد، اي ان الهوية خلق، كما ان الاصالة خلق. الرومي حين ينفي ان" يعرف" من يكون، فهو ينفي المعرفة الجاهزة، ينفي معرفة" جلال الدين الرومي" الصيغة الاجتماعية الجاهزة، ولكنه " يعرف" من يكون جلال الدين الرومي صاحب سؤال الاستقصاء والاستئصال: كلاهما بحث في الجذور ولكنها ليست جذور الهوية العامة، الأنا المسبقة، الايمان المسبق، المكان المعد.انه سؤال المنشق والهامشي لكنه المتعدد، الطيف، المتكاثر، غير المنسجم، في مواجهة الواحد، واللون، والمعلب.


هل الانسان موجود في الهوية أم في الشعور والفعل؟ بمعنى أدق: هل هو موجود في الصفات أم في الفعل؟ في المكتسب أم في الصياغة؟ في الجواب المسبق المحدد للهوية والانا والايمان وكل الشروط الاخرى أم في السؤال؟ بتلخيص سريع: هل الانسان في" الصفات" أم في الافعال؟ وهل يحق للفعل الانساني أن يتمرد على شروط الصفات الجاهزة؟ على الوراثة والشرع والمعيار؟

هنا تكمن أصالة وشجاعة جلال الدين الرومي وقوة استبصاراته: اذا كان السؤال كما قلنا هو استئصال، فهو خلق. لكن" استئصال" ماذا؟ الاسئلة الكبرى مفتوحة ولا تحتمل اجابة محددة ولكنا سنفترض ان الاستئصال هنا ليس قطيعة جلال الدين الرومي مع العالم والحياة والبشر، ولكنه قطيعة مع الصفات المفروضة عليه، مع الهوية الجاهزة، مع الايمان المسبق، ومع المكان المسبق والصفات المعطاة ـ وهي قطعا ليست صفاته.

اغلب الظن ـ وانا استعمل هنا جملا احتمالية لأن اللغة ليست يقينية بل احتمالية ـ ان جلال الدين الرومي الصوفي في الوقت الذي يرفع من قيمة قلقه الوجودي، لكنه يرفع ايضا من قدر الانسان: الانسان أكبر من أن يختزل في صفات ويقفل عليه في خزانة ويحبس في وثيقة مسبقة قبل الولادة. في كل لحظة يعيش الانسان الاف المشاعر والاحاسيس والتحولات والعواطف والاقتراحات النابعة من الاعماق بحيث يكاد هو، في لحظة ما، لا يتعرف على نفسه، فكيف " يعتقل" في صفات وأحيانا في خاصية واحدة و"يحفظ" في ملف الذاكرة العامة ولا يستدعى ـ بتعبير مصطفى حجازي في: سايكولوجيا الانسان المقموع ـ الا حين يتم" الضرب" على هذا الرمز الذي أعطي له أو تلك الخاصية التي" حددت" ملامحه في الذاكرة العامة وهي ذاكرة ارشيفية تقوم، كما يقول جاك ديريدا، بوظيفة الالهة: في حفظ افعال واقوال الناس ومحاسبتهم عليها ولكن ليس في الاخرة ولكن في الحياة: اي ان الانسان، حسب الذاكرة العامة الارشيفية، يعاقب مرتين: واحدة في الدنيا واخرى في الاخرى، والمشكلة بتعبير لويس بورخيس الطريف، هو انهم سينادونني في الاخرة باسمي نفسه" بورخيس" وهذا هو العقاب الابدي ـ كلمة بورخيس تعني برجوازي في اللغة الاسبانية.

الرومي هنا يلغي الذاكرة العامة ويبدو أول الامر لا وجود لذاكرة فردية، ولكن هذه من طبيعة هذه الاسئلة المراوغة والماكرة والعميقة والاستئصالية: هو على العكس. في الوقت الذي ينفي وجوده السابق والجاهز، لكنه يؤكد حضوره كهوية خاصة خلقت من خلال معاناة السؤال والبحث والتقصي.

بهذا المعنى خلق اصالته على الضد من وراثة العائلة أو وراثة التاريخ أو المؤسسة التي يتعكز عليها الاخرون. الاصالة كالنص والمتعة والهوية خلق وليست علبة جاهزة.

تبدو هذه الاسئلة محرضة من لحظة موت لأن الموت هو نفسه أكبر الاسئلة ولكن في مواجهة الموت ايضا تتكشف لنا ضراوة وجمال وكثافة الحياة وليس هناك ما يؤكد ذلك الا اذا خلعنا مشاعرنا على هذه الاسئلة، وربما ـ مرة اخرى اللغة احتمال وليست يقينا جاهزا ـ من مشهد شديد الكثافة والبهاء والحزن في رواية" لمن تقرع الاجراس" كان موريس بلانشو قد توقف عنده ايضا لقسوته أولا ولطبيعة اللغة المستعملة ثانيا ـ روبرت جاردن في لحظة عصيبة يردد كلمة" الآن" يقول في نفسه" الان، يا لها من كلمة سخيفة للتعبير عن الم بأكمله وعن حياتك بكاملها".

روربت جاردن في اللحظة التي يكتشف فيها ان الحياة تتلخص في لحظة عاصفة بكلمة واحدة" الآن" يشعر كم أضاع من الاسئلة، لكن جلال الدين الرومي في لحظة اشراق وسطوع وانخطاف وولادة وتوهج يشعر، في السؤال، كم هي سخيفة ايضا الاجوبة الضائعة. لكن متى نحتاج للسؤال؟

ابن عربي، قبل موريس بلانشو وكتاب الحداثة وما بعدها، أجاب عن هذا السؤال بسؤال: لو كانت الطرق واضحة، فما حاجتنا الى الحكمة؟



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما تنتهي الحرب وسلالات المستقبل
- بين قائد الاوركسترا الموسيقية وقائد الفرقة العسكرية
- الشرطي المصري اللغز أو عنكبوت غرفة النوم
- شهادة جنرال الغزو في جنرال الخيانة
- في حماية زهر اللوز
- نقد الفكر المغلق
- الدكتاتور القادم المستقبل الماضي
- لا يهم كيف تهب الريح، الأهم كيف ننشر الأشرعة
- ارهاب اللغة
- مؤذن فرعون
- خيارات السياسة خلق كالمتعة والأمل والأصالة
- ماركس العراقي
- المؤجل والمسكوت عنه في الاتفاقية الامنية وصراع مؤجل
- المتمرد القادم من الصحراء
- رسالة إلى البنفسج الى رباح
- فَتح الباب من دون أن يلتفت واجتاز العتبة
- إذا مت فدعوا الشرفة مفتوحة
- في انتظار جمهورية السراب
- التنظير لدولة غائبة
- قديم يتفسخ وجديد لا يولد


المزيد.....




- صور سريالية لأغرب -فنادق الحب- في اليابان
- -حزب الله-: اشتبك مقاتلونا صباحا مع قوة إسرائيلية من مسافة ق ...
- -كتائب القسام- تعلن استهداف قوة مشاة إسرائيلية وناقلة جند جن ...
- الجزائر والجماعات المتشددة.. هاجس أمني في الداخل وتهديد إقلي ...
- كييف تكشف عن تعرضها لهجمات بصواريخ باليستية روسية ثلثها أسلح ...
- جمال كريمي بنشقرون : ظاهرة غياب البرلمانيين مسيئة لصورة المؤ ...
- -تدمير ميركافا واشتباك وإيقاع قتلى وجرحى-..-حزب الله- ينفذ 1 ...
- مصدر: مقتل 3 مقاتلين في القوات الرديفة للجيش السوري بضربات أ ...
- مصر تكشف تطورات أعمال الربط الكهربائي مع السعودية
- أطعمة ومشروبات خطيرة على تلاميذ المدارس


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمزة الحسن - لو كانت الطرق واضحة